الأموال
الجمعة 24 أكتوبر 2025 04:54 مـ 2 جمادى أول 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي
استعدادات لنقل مراسم «الجراند بول» الملكي من موناكو الى قصر عابدين للمرة الأولى محمد حافظ رئيسًا لقطاع التسويق بشركة «Arabian Mark Developments» «الإسكان» تختار طارق الجمال لعضوية المجلس المصري للبناء الأخضر والمدن المستدامة آلاف المواطنين في مسيرة حاشدة لدعم أشرف رشاد عثمان بالإسكندرية شركة Marquee للتطوير العقاري تحصل على القرار الوزاري لمشروع شبابيك سعيد درويش يهنئ المهندس أحمد ناصر عيد لاختياره ضمن القائمة الوطنية من أجل مصر بالإسكندرية د.محمد فراج يكتب: لماذا ألغى ترامب قمة بودابست مع بوتين (1 – 2) أسامة ايوب يكتب: الذين هاجموا مولد السيد البدوى وأساءوا إلى الصوفية الري : لا صحة لادعاءات ارتفاع المياه على مجرى النيل النائب أشرف عبد الغني: إنقاذ المصانع المتعثرة أولوية لحماية الأمن الاقتصادي والاجتماعي “مصر العربي الاشتراكي” يعلن تمسكه بمسيرة الوطن رغم استبعاد قائمة “صوتك لمصر” من انتخابات البرلمان 2025 أحمد زكي: إعفاء الصادرات المصرية من الجمارك خطوة تاريخية تؤكد عمق الشراكة مع الصين

كُتاب الأموال

أسامة ايوب يكتب: الذين هاجموا مولد السيد البدوى وأساءوا إلى الصوفية

أسامة ايوب
أسامة ايوب

هذا الهجوم العنيف غير اللائق على مولد السيد أحمد البدوى الأسبوع قبل الماضى وعلى ذلك النحو المفاجئ وللمرة الأولى منذ عشرات السنين حيث يقام فى شهر أكتوبر من كل عام.. بدا مثيرًا للارتياب فى دوافع المهاجمين الذين امتد هجومهم على إقامة المولد من حيث المبدأ إلى الإساءة إلى مقام السيد البدوى ذاته وإلى تسفيه حشود المحتفلين أيضًا.

اللافت فى الاحتفال بالمولد هذا العام أن الهجوم لم يكن فقط من جانب الجماعات السلفية والوهابية والإخوان والذين يحرّمون إقامة موالد أولياء الله الصالحين، ولكن الهجوم جاء من جانب بعض نخب المثقفين والإعلاميين وبغير علم، حيث تعجب أحدهم وأبدى انزعاجا شديدا وظل يصرخ بسبب احتشاد مليونى مصرى فى مدينة طنطا للاحتفال بالليلة الكبيرة لمولد البدوى.. متغافلا عن أن حضور هذه الأعداد فى المولد أمر معتاد ومتكرر سنويًا وحيث بدت هذه المعلومة جديدة بالنسبة له ولغيره من المهاجمين على وسائل التواصل الاجتماعى بأساليب بالغة السوء والإساءة.

حقيقة الأمر.. أن احتشاد أكثر من مليونى مصرى فى مدينة طنطا قدموا إليها من ربوع مصر.. من الصعيد والدلتا.. من الريف والحضر على اختلاف ثقافاتهم وطبقاتهم الاجتماعية والمالية.. من العامة والخاصة.. هو الذى أثار انزعاج المتعالين على مقامات أولياء الله الصالحين وعلى الاحتفال بموالدهم باعتبارها من وجهة نظرهم القاصرة نوعا من الدروشة، وهو نفس السبب الذى أثار حنق الجماعات السلفية وبقايا الوهابية الذين يعتبرون إقامة موالد أولياء الله بدعة يرفضها الدين.

...

ولعله غير خاف أن أفكار الوهابية المنغلقة التى حملها المصريون مع عودتهم من المجتمعات العربية التى عاشت ردحا من الزمن أسيرة لتلك الأفكار التى وصفها الشيخ محمد الغزالى بأفكار البداوة والتشدد الذى يعد فى حقيقة الأمر هو البدعة خاصة "وأن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" حسبما ورد فى الحديث الشريف.. لعله غير خاف أن هذه الأفكار الوهابية هى التى أخرجت بعض المصريين العائدين عن هويتهم المصرية الدينية الوسطية السمحاء، ومن ثم فإنها السبب فى الاجتراء على أولياء الله الصالحين وتسفيه إقامة الموالد والمحتفلين بها.

بل لقد بلغ الهجوم على إقامة الموالد حتى طال موالد آل البيت وفى مقدمتهم الإمام الحسين بن على سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يحتفل المصريون بمولده وقت كتابة هذه السطور ليلة الخميس الماضى، وكذلك شقيقته السيدة زينب وغيرهما من آل البيت النبوى الشريف الذين يعتقد المصريون اعتقادا راسخا أن مصر محروسة بوجود أضرحتهم على أرضها، وذلك اعترافا بمكانتهم واحتراما لمقامهم الشريف الطاهر وهم من لا تصح الصلاة إلا بالصلاة عليهم "اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد" وهم من قال عنهم الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم "إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس آل البيت ويطهركم تطهيرًا".

...

الخطير فى هذا السياق أن الأمر لم يتوقف فقط عند الإساءة إلى أولياء الله الصالحين وتحريم الموالد، بل لقد بلغ الشطط لدى السلفية وأتباع الوهابية إلى درجة تحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بزعم أنه لم يرد ذكره فى السنة.. متغافلين عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول من احتفل بيوم مولده حسبما ورد فى الحديث الشريف عندما سأله الصحابة عن سبب صيامه يوم الاثنين من كل أسبوع فقال: "هذا يوم فيه ولدت"، ولعله من المثير حقا هو أنه برغم تراجع الوهابية السلفية فى مجتمعاتها بل انقلابها على ذلك الفكر مائة وثمانين درجة، فإن بقايا أفكارها المنغلقة المتشددة الظلامية لاتزال تسيطر على عقول البعض حتى فى مصر ذات الإسلام الوسطى المعتدل الذى يعد عنوان هويتها على مر العصور.

....

الأخطر فى الهجوم على مولد السيد البدوى هذا العام هو اتهام المهاجمين لمليونى مصرى مسلم احتفلوا بالمولد بالشرك والكفر، رغم أن هؤلاء المهاجمين وخاصة الجماعات السلفية يعلمون ما هو معلوم من الدين بالضرورة وهو أن تكفير مسلم إثم كبير، بل إن من كفر مسلما فقد كفر كما قال النبى صلى الله عليه وسلم، ووفقا لما تواتر فى تاريخ الإسلام الأول فإن الإمام على رضى الله عنه الخليفة الرابع رفض أن يكفر الخوارج قال: إنهم إخوان لنا بغوا علينا"، ثم إن الأزهر الشريف قلعة الوسطية الإسلامية وعلى رأسه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب رفض أيضا تكفير الدواعش الذين ارتكبوا أبشع الجرائم الوحشية ضد أهل العراق وسوريا، ولذا فإنه من عجب العجاب أن يتهم بعض دعاة السلفية وبقايا الوهابية المصريين الذين يحتفلون بمولد السيد البدوى هذا العام بالشرك وحيث انساق خلفهم البعض من النخب وعن غير علم.

...

وإذا كان الذين نشروا مشاهد على وسائل التواصل الاجتماعى لبعض العامة والبسطاء وهم يتحسسون فى ضريح السيد البدوى أو فى غيره من الأضرحة ويقبلون أعتابها ويصفون أفعالهم العفوية بالشرك، فقد غاب عنهم أن هؤلاء لا يشركون مع الله وليا ولكنهم يفعلون ذلك بحسب ثقافتهم العفوية من فرط الحب لصاحب المقام ولمكانته فى القلوب، وحسبما قال الشاعر العربى قديما "أقبل ذا الجدار وذا الجدار، وما حب الديار شغفن قلبى ولكن حب من سكن الديار".

...

أما اتهام المحبين لآل البيت ولأولياء الله الصالحين بأنهم يتوسلون إليهم أو بهم إلى الله سبحانه وتعالى ومن ثم فإنهم يشركون بالله، فذلك اتهام بالغ التعسف والتجنى على الذين يذكرون الله كثيرا فى حضرات الذكر، وما حرصهم على التبرك بآل البيت إلا لمكانتهم من الله ومن رسوله، حسبما وقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يؤم المسلمين وفيهم الصحابة والعباس عم الرسول فى صلاة الاستسقاء وقال: "اللهم إنا نستسقى بالعباس عم رسول الله" فهل كان الخليفة الثانى وأحد العشرة المبشرين بالجنة مشركا وقتها؟!

...

صحيح أن بعض الممارسات والسلوكيات التى ترتكبها قلة على هامش الاحتفالات بالموالد وبعيدا عن مسجد ومقام السيد البدوى وغيره من مقامات أولياء الله وآل البيت وبعيدا عن حضرات الذكر يتعين انتقادها باعتبار أنها تسىء إلى الاحتفال غير أنه من الإنصاف ألا تكون مدعاة للإساءة إلى الاحتفال بالمولد ذاته وألا تحسب على المحتفلين.

....

واقع الأمر إن الجماعات السلفية التى قادت الهجوم على مولد السيد البدوى هذا العام وساقت خلفها بعض النخب قد اتخذت الإساءة إلى السيد البدوى وتسفيه الاحتفال بمولده مدخلا للإساءة إلى المتصوفين والصوفية على خلفية خصومه بل عداء قديم متجدد بلغ ذروته الأسبوع الماضى وعلى نحو مبالغ فيه، ولا يخفى أن السبب الحقيقى وهو الانزعاج من رسوخ الصوفية فى مصر وتزايد اتباعها عامًا بعد عام، إذ يعتبرون أنها تخصم من أتباع فكرهم الظلامى المنغلق لصالح سماحة الدين ووسطيته.

لقد غاب عن الجماعات السلفية واتباع الفكر الوهابى الذين يسيئون إلى الصوفية ويتهمون الصوفية بالشرك، أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان أول المتصوفين عندما كان يخلو بنفسه فى غار حراء قبل بعثته بسنوات للتعبد والتأمل فى خلق الله للكون، ثم إنه قد غاب عنهم بحكم غلظة قلوبهم إدراك ما يستشعره المتصوف من الوجد وهو يناجى ربه سبحانه وتعالى فى خلوة يتعالى فيها على المادة وصولا إلى ترقية النفس والروح.

إن الصوفية فى حقيقتها منهاج عمل وعبادة وأن الصوفى الحقيقى لا ينشغل بالعبادة والذكر عن العمل والسعى فى الحياة الدنيا لاكتساب رزقه والسعى أيضا فى قضاء حوائج غيره ونهضة مجتمعه، ولقد كان السيد البدوى الذى أسيء إليه وإلى مولده وإلى محبيه نموذجا عظيما للمتصوف فهو حسبما تواترت الأخبار عن سيرته أنه شارك فى قتال التتار الغازة وعاد منتصرا ومعه أعداد من الأسرى وذلك ما يفسر ما يقوله المنشدون فى الاحتفال بمولده "الله الله يا بدوى.. جاب الأسرى" وصحتها جاء بالأسرى، ثم إنه للمزيد عن السيد البدوى وسيرته وكراماته يمكن الرجوع إلى الكتاب الذى ألفه الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الشريف.

سوف تبقى إقامة موالد آل البيت وأولياء الله الصالحين فى مصر ما بقى المصريون، فهى موروث مصرى له خصوصيته التى يتسم بل يتميز بها المصريون الذين يحتفلون أيضا.. مسلمين مع المسيحيين بمولد السيدة العذراء مريم عليها السلام الذى يقام سنويا فى قرية رمسيس بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية.

...

وسوف يبقي التصوف والصوفية فى مصر وسوف يبقى الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف وبموالد آل البيت وسوف يظل مولد السيد البدوى يقام فى موعده فى شهر أكتوبر من كل عام مع ملاحظة أنه يتم الاحتفال بمولده مرة أخرى فى شهر رجب من كل عام ويسمى المولد الرجبى ولو كره الكارهون والظلاميون والذين لا يعلمون.