صندوق النقد:الاقتصاد العالمي يواجه تباطؤًا تحت ضغط الرسوم الجمركية رغم الصمود

حذر صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد العالمي بدأ يُظهر مؤشرات تباطؤ واضحة تحت وطأة الرسوم الجمركية الواسعة التي تفرضها الولايات المتحدة وتصاعد النزاعات التجارية بين القوى الكبرى، رغم أنه لا يزال يُظهر صلابة أفضل مما كان متوقعًا قبل أشهر.
وفي تقريره الصادر اليوم الثلاثاء بعنوان «آفاق الاقتصاد العالمي» من مقره في واشنطن، توقع الصندوق أن يسجل الاقتصاد العالمي نموًا بنسبة 3.2% خلال 2025 مقابل 3% في تقديرات يوليو الماضي، على أن يتراجع قليلًا إلى 3.1% في عام 2026.
وأوضح التقرير أن الزيادة في التوقعات ترجع إلى عوامل مؤقتة، أبرزها تسارع وتيرة تخزين السلع من قبل الشركات والأسر قبل سريان الرسوم الجمركية المرتفعة، إلى جانب تراجع الدولار الأمريكي الذي دعم حركة التجارة العالمية. ومع ذلك، وصف الصندوق الآفاق المستقبلية بأنها "قاتمة" على المدىين القصير والطويل.
مخاطر تميل إلى الجانب السلبي
وقال كبير الاقتصاديين في الصندوق بيير أوليفييه جورينشاس، خلال مؤتمر صحفي:
«الوضع ليس بالسوء الذي خشيناه، لكنه أسوأ مما كنا نتوقع قبل عام، وما زلنا نرى المخاطر تميل نحو الاتجاه السلبي».
ويأتي التقرير بالتزامن مع الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن، والتي تعقد وسط تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
فبعد فترة من الهدوء النسبي، تجددت التوترات عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي عزمه فرض رسوم إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية بدءًا من الأول من نوفمبر، ردًا على القيود الصينية على صادرات المعادن النادرة، ورغم ذلك أكد الجانبان استمرار قنوات الحوار لتجنب مزيد من التصعيد.
توقعات متفاوتة للنمو العالمي
بحسب تقديرات الصندوق، من المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد الأمريكي إلى 2% في 2025 مقارنة بعام 2024، ليستقر عند 2.1% في 2026، بينما يُتوقع أن يرتفع نمو منطقة اليورو إلى 1.2% هذا العام، ثم يتراجع قليلًا إلى 1.1% في العام التالي.
أما الصين، فيُرجح أن يتراجع معدل نموها إلى 4.8% في 2025 و4.2% في 2026.
وفي مدونة نشرها الصندوق، أوضح جورينشاس أن عدة عوامل ساهمت في تخفيف حدة الصدمات التجارية خلال النصف الأول من العام، من أبرزها الطفرة في استثمارات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب التحفيز المالي الواسع في الصين الذي ساعدها على إعادة توجيه صادراتها نحو آسيا وأوروبا، فيما ساهمت السياسة المالية التوسعية في ألمانيا بدعم النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو.
تباطؤ متوقع في النصف الثاني وتحذير من تصاعد الديون
ولإزالة تأثيرات التقلبات الموسمية والطلب الاستثنائي الناجم عن موجة استيراد السلع في النصف الأول من العام، أجرى الصندوق تحليلًا لنمو الفصول اللاحقة بين النصف الثاني من 2025 و2026، ليتوقع متوسط نمو سنوي يبلغ 3%، أي أقل بنحو 0.6 نقطة مئوية من معدل 2024 البالغ 3.6%.
وقال جورينشاس إن «الرسوم الجمركية المرتفعة تُضعف أكثر آفاق النمو العالمي التي كانت ضعيفة بالأساس»، متوقعًا تباطؤًا ملموسًا في النصف الثاني من العام الجاري مع تعافٍ جزئي فقط في 2026.
وأشار تقرير الصندوق إلى أن الآثار السلبية للرسوم الجمركية بدأت تظهر داخل الولايات المتحدة نفسها، مع ارتفاع أحد المؤشرات الرئيسية للتضخم وزيادة طفيفة في معدلات البطالة.
كما لفت إلى أن معدلات التضخم ما زالت فوق المستهدفات الرسمية في عدد من الاقتصادات الكبرى، وأن توقعات الأسعار المستقبلية لا تزال غير مستقرة، ما يزيد من صعوبة مهمة صانعي السياسات النقدية.
وفي ختام التقرير، حذر الصندوق من تصاعد مخاطر المديونية العالمية، موضحًا أن الحكومات، خصوصًا الأوروبية، ستواجه ضغوطًا لخفض الإنفاق في ظل ارتفاع تكاليف الشيخوخة، وزيادة مخصصات الدفاع، ومتطلبات تعزيز أمن الطاقة.
وأكد أن معادلة استدامة الديون أصبحت أكثر تعقيدًا بعد الجائحة نتيجة ارتفاع مستويات الدين وتدهور الأوضاع المالية وارتفاع أسعار الفائدة وضعف آفاق النمو.