الأموال
الجمعة، 3 مايو 2024 01:26 مـ
  • hdb
24 شوال 1445
3 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : حسابات المكسب والخسارة.. ورسائل الهجوم الإيرانى على إسرائيل

أسامة أيوب
أسامة أيوب


جاء الهجوم الإيرانى على الأراضى الإسرائيلية الأسبوع الماضى مبددًا لهواجس نشوب حرب إقليمية واسعة خيَّمت على دول المنطقة، بعد أن بدا واضحًا أنه كان تمثيلية متفقًا عليها وبتنسيق كامل بين طهران وواشنطن وبعلم تل أبيب، حيث جرى توزيع أدوار تلك الأطراف بدقة كاملة قبل وأثناء وبعد الهجوم! لذا تراجع نتن ياهو عن الرد الفورى ومن ثمَّ تأجيله لوقت لاحق انصياعًا للمطلب الأمريكى، وإن كان التأجيل لا يعنى التراجع نهائيًا عن الرد والذى غالبًا سيكون بضرب قواعد إيران لدى حلفائها أو باغتيال بعض قياداتها العسكرية حسبما فعل باغتيال قاسم سليمانى قبل أربع سنوات فى العراق لكن الرد لن يطال المنشآت النووية انصياعًا أيضا للرئيس بايدن وإدارته.
واقع الأمر لقد بدت تمثيلية ذلك الهجوم الإيرانى فضيحة سياسية وعسكرية بكل المقاييس ليس لها مثيل فى الصراعات والحروب، حيث أعلنت إيران عن نيتها لشن الهجوم قبل موعده بأيام وأبلغت الإدارة الأمريكية قبله بثلاثة أيام مع التأكيد على أنه سيكون محدودًا و«متناسبًا»، ثم تنتظر إسرائيل على أهبة الاستعداد وصول المسيرات والصواريخ القادمة من آلاف الأميال وبعد رحلة طويلة استغرقت ساعات!!
إن القراءة السياسية الدقيقة لتمثيلية الهجوم الإيرانى تشير إلى أن ثمة رسائل مهمة استهدفت الأطراف الإيرانية والأمريكية والإسرائيلية إيصالها لدول المنطقة، حيث استهدفت الرسالة الإيرانية الأولى إلى إسرائيل تأكيد قدرة إيران على الوصول إلى العمق الإسرائيلى انطلاقًا من أراضيها مباشرة عبر آلاف الأميال في تغيير نوعى لقواعد الاشتباك السابقة من خلال مواجهة الظل انطلاقا من قواعدها لدى حلفائها فى سوريا ولبنان والعراق، غير أنها حرصت فى نفس الوقت على أن يكون هجومها محدودًا إذ تجنبت ايصال الصواريخ والمسيرات للمنشآت الاقتصادية وكذلك المدنيين! وحيث اعتبرت أن هذا الهجوم على العمق الاسرائيلى مجرد تحذير وإنذار لإسرائيل إن حاولت الرد بالهجوم على منشآتها أو أراضيها فإن الرد الإيرانى سيكون قاسيا!
ثانية الرسائل الإيرانية كانت موجهة لإدارة بايدن بداية من إبلاغ الإدارة الأمريكية بموعد الهجوم والتأكيد على أنه سيكون محدودًا، إذ إن طهران لا ترغب ولا تسعى لتوسيع دائرة الصراع أو الدخول فى حرب مباشرة مع إسرائيل، وحيث بدت طهران حريصة على تجنب إغضاب أمريكا، ومن ثمَّ فإن الهجوم يستهدف حفظ ماء الوجه بعد قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية فى دمشق مما يعد عدوانا على أرض إرانية يستوجب بالضرورة ردًا مماثلا، ولقد استدعت هذه الرسالة رسالة سابقة قبل أكثر من أربع شنوات فى عد الرئيس السابق ترامب عقب اغتيال أمريكا للقائد العسكرى الإيرانى قاسم سليمانى، عندما قامت طهران باستئذان الإدارة الأمريكية لضرب قاعدة أمريكية لحفظ ماء الوجه أمام الشعب الإيرانى، ولذا فقد كانت الرسالة الإيانية الثالثة موجهة للشعب الإيرانى لتأكيد قدرتها علي ردع اسرائيل والوصول إلى عمق أراضيها.
>>>
أما الرسائل الأمريكية فقد كانت الأولى أن واشنطن هى التى سمحت بهذا الهجوم وحددت حجمه وألزمت طهران بعدم الخروج عن النص وعلى النحو الذى يرسِّخ لدى الجميع فى المنطقة أن أمريكا هى التى تضبط إيقاع التوترات والصراعات وبما يتفق مع مصالحها والتى تتعارض فى الوقت الراهن مع أى محاولة لإشعال حرب اقليمية واسعة فى الشرق الأوسط، ولذا جاء رفضها المطلق وبكل صرامة لأى رد إسرائيلى فورى على الهجوم الإيرانى.
الرسالة الأمريكية الثانية تبدت بوضوح فى إمداد إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية قبل الهجوم ثم بإمدادها بآليات التصدى للصواريخ والمسيرات بل بالمشاركة الفاعلة فى إسقاطها، ومن ثمَّ فقد استهدفت توضيح وتأكيد أن إسرائيل لا تستطيع الدفاع عن أمنها بدون الدعم الأمريكى، وهى الرسالة التى بدا أن نتن ياهو قد استوعبها جيدًا.
الرسالة الأمريكية الرابعة كانت موجهة لدول المنطقة.. العربية وغير العربية وهى أن أمريكا لن تسمح لأى قوة فى الإقليم أن تعتدى على إسرائيل أو تهدِّد أمنها ووجودها.
>>>
وفى نفس الوقت فإن ثمة رسالتين متبادلتين بين واشنطن وطهران، إذ إن إيران لا تريد بل تتجنب بكل السبل أى تصعيد أو مواجهة مع الولايات المتدة ريثما تنتهى من برنامجها النووى، ومن ثمَّ فإنها حريصة كل الحرص علي عدم تصعيد الصراع مع إسرائيل لإفشال مساعيها لجر أمريكا وتوريطها فى التصعيد، وفى نفس الوقت فإن الرئيس بايدن وعلى خلفية التنسيق مع إيران فى تمثيلية الهجوم على إسرائيل حريص أيضا على تجنب أى تصعيد ضد إيران فى الوقت الراهن.
أما أولى الرسائل الإسرائيلية فكانت تلك الموجهة إلى الرئيس بايدن وإدارته، بل إلى واشنطن بوجه عام وهى أنه مهما كان الخلاف التكتيكى فإن ذلك لا يؤثر على الإطلاق على التحالف الاستراتيجى، ومن ثمَّ فإن إسرائيل لا تملك سوى الانصياع التام لرغبات وطلبات أمريكا عند الضرورة التى تراها واشنطن حسبما انصاعت بالامتناع عن الرد الفورى على الهجوم الإيراى وكذلك الامتناع عن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية فى المستقبل.
بينما كانت الرسالة الإسرائيلية الثانية الموجهة إلى إيران هى أن الرد الإسرائيلى على الهجوم قادم لا محالة حتى وإن تأجل قليلا.
غير أن الرسالة الإسرائيلية الأخطر الموجهة إلى الدول العربية فى المنطقة قد تضمنت الزعم بأن الهجوم الإيرانى الأخير على إسرائيل قد أوجد تحالفا عربيا إسرائيليا ضد إيران باعتبارها الخطر الأكبر الذى يهدِّد أمن الدول العربية وإسرائيل معًا، وحيث بدت هذه الدعوة الخبيثة لو تحققت الخطر الحقيقى الذى يهدِّد الأمة العربية.. مشرقها ومغربها وبما فيها القضية الفلسطينية، لذا لزم الانتباه.
>>>
يبقى من المثير حقا أن الرئيس الأمريكى جو بايدن المنسق العام لتمثيلية الهجوم الإيرانى بادر مع حلفائه الأوروبيين بإدانة الهجوم بل بالإعداد لفرض عقوبات على إيران، بينما لم تصدر أى إدانة أمريكية أوروبية للقصف الإسرائيلى على القنصلية الايرانية فى دمشق والذى جاء الهجوم ردًا مشروعًا بحسب ميثاق الامم المتحدة.
بعد قراءة تلك الرسائل.. يبقى استعراض حسابات المكسب والخسارة لكل الأطراف وأولها إسرائيل التى بدت الرابح الأول جراء الهجوم الإيرانى، إذ لم يسفر عن أى أضرار حقيقية تذكر، بل إن اسرائيل أكدت قدرتها العسكرية في ردع وإفشال الهجوم وأسقطت نحو ٩٠٪ من المسيرات والصواريخ الإيرانية، بينما فشلت الصواريخ التى لم يتم التصدى لها فى إلحاق أى ضرر بإسرائيل.
المكسب الثانى هو تأكيد عجز إيران عن الهجوم على العمق الإسرائيلى بنجاح بفعل قدرة إسرائيل على إفشال مثل هذا الهجوم خاصة مع الدعم الأمريكى الأوروبى.
غير أن المكسب الأكبر هو أن هذا الهجوم الإيرانى تسبَّب فى استعادة الكثير من التعاطف الدولى مع إسرائيل بعد الإدانات الكثيرة غير المسبوقة جراء عدوانها الوحشى على غزة وحرب الإبادة والتجويع التى تشنها ضد الفلسطينيين المدنيين والأطفال والنساء للشهر السابع على التوالى، وهو الأمر الذى شجعها للمضى قدمًا فى مواصلة عدوانها بل لاستمرارها فى التوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية وتصعيد جرائمها ضد المدنتين من اقتحام وهدم للبيوت وقتل للشباب وتشجيع المستوطنين على مواصلة عدوانهم الوحشى على المدنيين فى مدن الضفة، وفى نفس الوقت فقد تسبب هذا التعاطف وذلك الهجوم فى تراجع الاهتمام العالمى بالقضية الفلسطينية وبما يجرى فى الضفة وغزة.
>>>
بحسابات المكسب والخسارة فإن إيران وإن كان مكسبها الوحيد هو إثبات قدرتها على مواجهة العمق الإسرائيلى انطلاقًا من أراضيها مباشرة ولأول مرة، إلا أن خسائرها كثيرة وأولها أنها فقدت مصداقيتها لدى حلفائها على الأقل فى المنطقة بتمثيلية ذلك الهجوم الذى شنته لمجرد حفظ ماء الوجه وبعد استئذان أمريكا، ثُمَّ إن ذلك الهجوم الفاشل والمحدود أظهرها أضعف كثيرًا مما كانت تروّج له بقدر ما أكد أنها تتعاطى مع قضايا المنطقة ببراجماتية فجة، حيث إنها شنت هجومها ثأرًا لمقتل سبع شخصيات إيرانية فى القنصلية بدمشق، بينما لم تتحرك أو تغضب تجاه مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والأطفال والنساء فى غزة، وحيث بدت حليفا مخادعًا يتشدق بكلمات التضامن والمقاومة ضد العدو الصهيونى!
>>>
بحسابات المكسب والخسارة فإن الرئيس الأمريكى بايدن أوقف تصعيد وتوسيع الصراع في المنطقة، ومن ثمَّ تجنب جر الولايات المتحدة وتوريطها فى حرب إقليمية شاملة خاصة فى الوقت الراهن، حيث يخوض الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر المقبل فى منافسة شرسة مع الرئيس السابق دونالد ترامب.
بحسابات المكسب والخسارة وبقراءة ما جرى في المشهد السياسى الشرق أوسطى أثناء وبعد تمثيلية الهجوم الإيرانى على إسرائيل بدا واضحًا ومؤكدًا أن الأمن القومى العربى المخترق والمنقسِّم والذى يتهدده خطر داهم جراء تسيّد الكيان الصهيونى على المنطقة.. هو الخاسر الأول والأكبر، لذا لزم التنويه والتنبيه والانتباه.

مصر للطيران
أسامة أيوب حسابات المكسب والخسارة الهجوم الإيرانى إسرائيل
بنك الاسكان
NBE