300% ارتفاعاً في أدوية الأمراض المزمنة بمصر .. والسوق السوداء المتهم الأول

شهدت أسعار بعض أدوية الأمراض المزمنة في مصر ارتفاعاً كبيراً بنحو 300% خلال النصف الأول من 2025، بسبب ندرة المعروض منها مع اقتصار توزيعها على عدد محدود من الصيدليات دون الأخرى، وهو ما أدى لخلق سوق سوداء بالسوق المحلي.
وحسب «الشرق» فإن أدوية الأمراض المزمنة تشمل مجموعة واسعة من الأدوية المستخدمة منها أدوية السكري، مثل الأنسولين والأدوية الفموية، وأدوية القلب وضغط الدم والكوليسترول، والربو، وأدوية التهاب المفاصل مثل الإيبوبروفين، وأدوية السرطان مثل العلاج الكيميائي والإشعاعي والهرموني.
قال عادل عبد المقصود، رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بغرفة القاهرة التجارية إن عملية حصر توزيع الأدوية على صيدليات محددة وصيدليات المستشفيات الحكومية في مصر، أدت إلى تضاعف بعض أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض المستعصية، ووصول العبوة إلى 100 ألف جنيه أحياناً.
يأتي ذلك رغم تأكيدات حكومية بتوافر كافة الأدوية عبر القنوات الرسمية وبالأسعار المُقررة. ففي أكتوبر 2024، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، حل الحكومة لأزمة نقص الأدوية، والتي عانت منها السوق المحلية.
اجراءات حكومية لتسهيل استيراد الأدوية
عملت الحكومة المصرية على توفير السيولة الدولارية للشركات لاستيراد خامات الأدوية خلال آخر 12 شهراً، بجانب تسهيل عملية التصنيع للشركات وتوفير التمويلات المصرفية لتشغيل رأس المال العامل، إلا أن عشوائية توزيع الأدوية حالت دون شعور فئة من المواطنين بحل أزمة اختفاء الأدوية، وهو ما يستدعي تعزيز الجهود الرقابية على عملية توزيع الأدوية، وفق رئيس الشعبة.
انتهت إلى حد كبير أزمة نقص الأدوية الأساسية في البلاد، بحسب ما تؤكده التصريحات الحكومية، لكن الأزمة لا تزال مستمرة في عدد من أدوية الأمراض المزمنة، ورغم توافر بدائل محلية، يشكو مرضى من أن فعالية بعضها لا تُضاهي نظيرتها الأصلية، ما يدفع البعض للاعتماد على أقارب أو أصدقاء مسافرين لجلب احتياجاتهم العلاجية من الخارج، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار وندرة التوزيع داخل مصر.
عبد المقصود، أضاف لـ "الشرق" أن بعض أصحاب الصيدليات يعتمدون على بيع أصناف الأدوية مرتفعة السعر، مثل أدوية تثبيت المناعة وعلاج الكلى والسرطان والقلب، والتي تصل إلى 30 و40 ألف جنيه وتصل أحياناً إلى 100 ألف جنيه للعبوة، للأصناف المستوردة.
خلال اجتماع حكومي في يونيو الماضي، أوصى وزير الصحة المصري، خالد عبدالغفار، هيئة الشراء الموحد، وهيئة الدواء المصرية، بإعداد دراسة تفصيلية لحصر جميع الأدوية المتداولة، وتحليل وضعها من حيث التوافر والتسعير ومعدلات الاستهلاك، مع التركيز على الأدوية الحيوية والأساسية، على أن تشمل الدراسة تقييماً دقيقاً لسلاسل التوريد، والعقبات التي قد تواجه توفير الأدوية، سواء على مستوى الإنتاج المحلي أو الاستيراد، بما يضمن عدم حدوث أي نقص في الأدوية داخل السوق أو المنشآت الصحية.
شدد رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية، علي عوف، أن هيئة الدواء المصرية، عليها أن تقوم بدور رقابي أكبر في توزيع الأدوية في مصر، وعدم تركيز توزيع أدوية الأمراض المزمنة على صيدليات الإسعاف فقط، وبعض الصيدليات الكبرى.
رفعت الحكومة مطلع العام الحالي، عدد صيدليات الإسعاف إلى 81 صيدلية على مستوى الجمهورية، بحسب تصريحات مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء.
صيدليات الإسعاف في مصر هي صيدليات حكومية تابعة لوزارة الصحة أو لهيئة الشراء الموحد، وتعد إحدى القنوات الرسمية المعتمدة لتوفير الأدوية، خاصة الأمراض المزمنة والنادرة، بأسعارها الرسمية للمواطنين.
أزمة نقص الدواء في الصعيد
أضاف عوف أن "بعض المواطنين يحتاجون للسفر من أقصى صعيد مصر إلى العاصمة لشراء صنف معين من الأدوية من الصيدليات الحكومية أو الصيدليات الكبرى، رغم أنه يمكن لهيئة الدواء أن تلزم شركات توزيع الأدوية بمنح حصص من أدوية الأمراض المزمنة للصيدليات في المحافظات البعيدة عن نطاق العاصمة".
في عام 2023 وبداية 2024، واجهت مصر أزمة نقص حادة في العديد من الأصناف الدوائية نتيجة أزمة العملة وقيود الاستيراد، وعدم تحريك الأسعار بالنسب المطلوبة، لكن في أكتوبر الماضي أعلنت الحكومة حل أزمة نواقص الأدوية بالكامل، بعد تحريك عدد من الأصناف بنسب زيادات تراوحت بين 35%-40%.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان في مصر، حسام عبدالغفار أوضح أنه لا يوجد نقص حالي في الأدوية في مصر، والحكومة توفر أدوية الأمراض المزمنة بالأسعار الرسمية عبر صيدليات الإسعاف.
متحدث وزارة الصحة، أضاف لـ"الشرق" أن سبب إقبال بعض المواطنين على شراء أدوية الأمراض المزمنة بأسعار مختلفة من بعض الصيدليات، يرجع إلى عدم توجههم للجهة الحكومية التي تتيح هذا الدواء، وهي صيدلية الإسعاف التي تتواجد في كل المحافظات، حتى في محافظات الوجه القبلي في صعيد مصر، لافتا إلى أن عدم توافر هذه الأدوية في الصيدليات الخاصة يعود إلى عملية سلاسل التوريد مع الشركات، لكن في نفس الوقت تتوافر الأدوية بالسعر الرسمي في صيدليات الحكومة، ولا يمكن أن نطلق عليها نقصا في الأدوية لأننا نوفر كافة احتياجات السوق.
تنتج الشركات المحلية حالياً نحو 93% من الاحتياجات الدوائية للبلاد. وارتفعت قيمة مبيعات الأدوية في السوق المصرية أكثر من 40% إلى 307 مليارات جنيه خلال العام الماضي.
نقيب صيادلة القاهرة محمد الشيخ، اختلف مع وجهة النظر القائلة بوجود اختفاء لأصناف من الأدوية في مصر، ويرى أن الحكومة المصرية، عملت على إنهاء نواقص الأدوية منذ العام الماضي 2024 بنسبة 100%.
أضاف أن أصناف أدوية الأمراض المزمنة المستوردة التي تنحصر في نطاق 200 صنف دواء، لها العديد من البدائل في الصناعة المصرية، بجانب توافر هذه الأدوية في المؤسسات الحكومية.
أسباب عدم تحقيق عدالة في التوزيع
وحول سبب تركز توافر أدوية الأمراض المزمنة في جهات محددة في نطاق العاصمة وعدم تحقيق عدالة في التوزيع على سائر المحافظات، أوضح نقيب صيادلة القاهرة أن هيئة الدواء المصرية معنية بملف توزيع الدواء ومازال هناك بعض الجهود التي يمكن القيام بها لتحقيق انتشار للأدوية المستوردة في كافة أنحاء مصر.
علل نقيب الصيادلة بالقاهرة، سبب وجود بعض أصناف من الأدوية المستوردة يصل سعرها 100 ألف جنيه، بأن هذه الأدوية تستخدم في حالات خاصة، وهي من إنتاج شركات الأدوية العالمية، وأحيانا يتم إنتاج هذه الأصناف في مصر وتخصص للتصدير، ويتم توريد حصة من هذه الأدوية محددة للسوق المحلية، وتكون الشركة ملزمة ببيع الدواء بالسعر الذي يتم تصديره للخارج والذي يكون مقوما بالدولار، لكن الشركات تضع نظاما لدعم هذه الأدوية في السوق المصرية، وتبيعها بسعر أقل من أجل المنافسة.
في أبريل الماضي، قال رئيس غرفة صناعة الدواء لـ "الشرق" إن هيئة الدواء تبحث طلبات تحريك أسعار 3 آلاف صنف دوائي جديد من الأكثر مبيعاً.
يقول السيد الهنداوي، رئيس شركة ماش للصناعات الدوائية والطبية، إنه لا توجد نقص في الأدوية بالسوق المحلية، ومشاكل نواقص الأدوية تكاد تكون منعدمة، إلا أحيانا في بعض احتياجات الأدوية المستوردة.
السوق السوداء للأدوية في مصر
قال يس رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية، لـ"الشرق" إن أدوية الأمراض المزمنة من أولويات المجموعات العلاجية التي يتم متابعة توافرها، بدءاً من توافر المواد الخام ووصولاً لتوزيعها على كافة المناطق الجغرافية أفقيا بالجمهورية كما تعمل الهيئة على تأمين توافر تلك الأصناف في صيدليات الإسعاف، وهي الصيدليات التابعة لهيئة الشراء الموحد، ونستطيع من خلالها التأكد من صرف كافة أصناف الأدوية المختلفة لمن يحتاجها، وغيرها من الصيدليات على مستوى الجمهورية التي يتم متابعة توزيع الأدوية لها مروراً بشركات التوزيع والمخازن والشركات المنتجة.
تحذير من شراء الأدوية المهربة و المغشوشة
وفيما يتعلق بالسوق السوداء للأدوية، حذر رجائي من شراء أي أدوية من غير الصيدليات المرخصة وبغير سعرها الرسمي، لأن ذلك قد يتضمن أدوية مهربة ومغشوشة ولم يتم الرقابة عليها، وتضع صحة المريض في خطر ويمكن التواصل المباشر مع الهيئة والإبلاغ عن أي مخالفات تخص الدواء، للتعامل معها.