أسامة أيوب يكتب: اقتراح لفض الاشتباك بين الملاك والمستأجرين

هل يكون استهلاك الكهرباء معيارًا موضوعيًا لزيادة الإيجارات القديمة؟
لأن أزمة الإيجارات القديمة المتفجرة حاليًا هى أزمة قديمة قدم قانون قديم منذ ستينيات القرن الماضى، فإنه يتعين التصدى لحلها بكثير من التروى خاصة أنها تبدو مستعصية على الحل الذى يرضى به طرفا العلاقة كل الرضا، ها إذ يطالب الملاك الذين يستعثرون ظلمًا متراكمًا برفع قيمة الايجار وفقا لأسعار هذه الأيام بحيث تصل إلى أرقام مبالغ فيها مقارنة بالقيمة الحالية، وفى نفس الوقت يرفض المستأجرون أى زيادة استنادا إلى قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وإن كان البعض لا يُمانع فى زيادة معقولة يستطيعون تحملها كنوع من الإنصاف للملاك.
الحقيقة هى أن قانون الإيجارات القديم انطوى على خطأ تسبب فى تفاقم الأزمة بمرور السنين، إذ أنه أخلّ بمبدأ العرض والطلب وعلى النحو الذى أسفر تطبيقه بمرور الزمن عن أزمة إسكان لم تعرفها مصر من قبل نتيجة التدخل الحكومى بين طرفى العلاقة خاصة فيما يتعلق بتأييد العقد، ثم من خلال ما عُرف وقتها بلجان تقدير الإيجارات التى كانت تحدد قيمة الإيجار وتفرضها على المالك فرضًا، وحيث كانت أقل بكثير من القيمة المتفق عليها بين المالك والمستأجر، بل إنها كانت تفرض على المالك رد فارق القيمة إلى المستأجر.
...
قبل ذلك القانون وقبل التدخل الحكومى كان بناء العقارات بغرض تأجيرها أحد أهم الأنشطة الجاذبة للاستثمار، وفى ذلك المناخ الحر كان العرض أكبر من الطلب، حيث كان ملاك العمارات يدللون على الشقق السكنية بعد أن شهدت مصر وفرة فى المساكن حسبما يذكر ذلك الجيل الذى عاصر تلك الحقبة التى شهدت انتشار لافتة "شقة للإيجار" والتى اختفت لاحقًا.
...
ومع تراجع الاستثمار فى العقارات بغرض التأجير اختفى المعروض من شقق الإيجار تماماً حيث لجأ الملاك إلى التحايل على قانون الإيجار القديم بعرض الشقق للتمليك والذى بدا تطورًا جديدًا ينذر بالأزمة، إذ أتاح التمليك لصاحب العقار الحصول على ثمن الوحدة السكنية والأرباح دفعة واحدة.
حتى عندما تدخلت الحكومة لمواجهة ظاهرة التمليك التى تسببت فى تفاقم أزمة الإسكان بإلزام المالك بألا تزيد الشقق المعروضة للتمليك على ثلثى إجمالى الوحدات السكنية بالعمارة فإن الملاك لجأوا للتحايل أيضًا من خلال إنشاء ما عُرف باتحاد الملاك.
ومع التوسع فى نظام التمليك واختفاء شقق الإيجار تماماً، فقد ازدادت أزمة الإسكان تفاقمًا مع عدم قدرة عموم المصريين على امتلاك شقة بعد أن وصلت أسعارها إلى أرقام بالملايين ثم تزايدت الأسعار فى العامين الأخيرين إلى أرقام فلكية حيث بلغ سعر الشقة حاليًا فى الأحياء الشعبية إلى ما بين مليونى جنيه و3 ملايين جنيه و15 مليون جنيه وتزيد فى التجمعات الفاخرة إلى 50، 60 مليون جنيه بل وأكثرمن ذلك.
...
ومع تفاقم الأزمة أكثر ولمواجهة ظاهرة التمليك المتفشية كان الحل من وجهة نظر الحكومة هو إصدار قانون الإيجارات الجديد الذى بدا حلًا عاجلًا لمواجهة الأزمة والذى منح الملاك الحق المطلق فى تحديد قيمة الإيجار وزيادتها سنويا بنسبة 10% مع تحديد مدة العقد بعدد من السنوات غالبا لا تزيد على 3 سنوات بحيث يكون من حق المالك استرداد الشقة فى نهاية مدة العقد أو تجديده بالشروط والقيمة التى يراها.
هذا القانون الجديد ومع استفحال الأزمة شجّع الملاك على المبالغة الكبيرة فى قيمة الإيجار وعلى نحو بدا انتقامًا من القانون القديم ومن المستأجرين وفقا لذلك القانون، حيث بلغت قيمة الإيجار ما بين ألفى جنيه وثلاثة آلاف جنيه فى الأحياء الشعبية المكتظة، بينما بلغت ما بين 15 ألف جنيه و25 ألف جنيه فى الأحياء الراقية وقد تزيد أكثرمن ذلك إلى 30 و50 ألف جنيه فى التجمعات الفاخرة.
...
وإزاء هذا التباين الكبير واتساع الهوة ما بين قيمة الإيجار القديم وبين الإيجار الجديد وبين أسعار التمليك الفلكية، فإن أزمة الإيجارات القديمة كان من المتوقع أن تنفجر على هذا النحو المدوى حاليًا، مع ملاحظة أنها أثيرت على استحياء قبل سنوات لكنها سرعان ما هدأت إذ لم تكن أسعار كل شىء فى مصر قد وصلت إلى ما وصلت إليه فى السنوات الأخيرة.
...
واقع الأمر وفى ظل التباين فإن ملاك العقارات القديمة لهم الحق فى الشعور بالغبن الشديد، إذ ليس مقبولا ولا معقولا أن يكون ايجار شقة فى عمارة فخمة فى أحد الأحياء الراقية ما بين 10 جنيهات و20 جنيها بحيث يكون إجمالى ما يحصله المالك من إيجار العمارة ما بين 100 و200 جنيه وحيث تحول بعض الملاك إلى فقراء، بينما السكان من المستأجرين أثرياء!
وفى نفس الوقت فإن غالبية مستأجرى الشقق السكنية وأغلبهم من كبار السن الذين يعيشون على معاشاتهم قد نظموا حياتهم على أساس قيمة الإيجار القديم ولا يستطيعون دفع أى زيادة خاصة لو كانت كبيرة.
...
ولذا فإن معالجة الأزمة يتطلب حلولًا توافقية تراعى كافة الأبعاد الإنسانية والمالية والاجتماعية لطرفى العلاقة دون ضرر أو ضرار، مع ضرورة ألا يكون من بينها إجبار المستأجرين على إخلاء شققهم بعد 5 سنوات أو أى عدد من السنين خاصة أن مشكلة تأبيد الإيجار قد تصدت لها المحكمة الدستورية بالنص على امتداد العقد إلى الجيل الثانى فقط (أى الأبناء والزوجات والآباء والأمهات)، ومن ثم فإن انتهاء العلاقة الإيجارية سوف يتحقق بعد عدد من السنوات يسترد بعدها الملاك شققهم.. أى أن الزمن كفيل بحل المشكلة.
وإذا كان التوجه نحو زيادة قيمة الإيجار القديم بهدف رفع بعض الظلم الواقع على الملاك هو أمر منطقى وضرورى ومُنصف، فإنه يتعين فى نفس الوقت أن تكون الزيادة معقولة وغير مبالغ فيها بحسب مشروع القانون الذى لم يصدر بعد والذى حددها بقيمة ألف جنيه كحد أدنى إذ إن مثل هذه الزيادة تعنى رفع القيمة من عشرة جنيهات أو عشرين جنيها إلى ألف بنسبة (100%) أو أكثر فى الحد الأقصى، وهو أمر بالغ الإجحاف والتعجيز للمستأجرين، وإن كان رفع القيمة إلى ألفى جنيه أو ثلاثة آلاف يبدو معقولًا فى العمارات الفخمة بالأحياء الراقية.
...
ولذا فإنه من الضرورى التوافق على معيار واضح لا خلاف عليه يمكن الاستناد إليه واعتماده فى تحديد زيادة قيمة الايجار وإذا كان لى حق الاجتهاد فإنى أقترح على الحكومة وعلى المشرعين فى البرلمان أن يكون المعيار هو قيمة استهلاك الكهرباء باعتبارها كاشفة لقدرة كل مستأجر وأحسب أن من يدفع ما بين 500 جنيه، 800 جنيه علي سبيل المثال لن يكون مظلوما إذا رفع قيمة الإيجار من 10 جنيهات أو 20 جنيها إلى نصف قيمة استهلاكه للكهرباء على أن يظل استهلاك الكهرباء هو المقياس والذى يزداد ويقل بحسب كل حالة، خاصة فى حالة المستأجرين بالأحياء الراقية الذين تزيد فاتورة استهلاكهم للكهرباء على ألفى جنيه وأكثر.
...
أحسب أن هذا المعيار يمكن أن يرتضيه غالبية المستأجرين وربما جميعهم مثلما يمكن أن يمثل نوعًا من التعويض المتاح حاليًا فى ظل تعقيد الأزمة دون أى إخلال بالسلم الاجتماعى، فهل يقبل الطرفان بذلك وهل توافق عليه الحكومة ويصدق عليه البرلمان؟
....
خلاصة القول.. هى أن الحكومات السابقة فى ظل التوجه الاشتراكى المتعسف وعندما كان عبدالحليم حافظ يُغنى "يا عديم الاشتراكية يا خاين المسئولية" كانت المسئولة عن تراكم أزمة الإسكان بسبب هذا التوجه بينما لم تقم بواجبها فى توفير مسكن ملائم لكل مواطن، لذا فإن على حكومة العهد الحالى أن تتحمل المسئولية وتتجنب تعقيد الأزمة بحلول توافقية.. حفاظًا على السلم الاجتماعى فى المجتمع المصرى.