الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 11:56 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : ريشى سوناك.. أوباما بريطانيا.. فى مواجهة التحديات الصعبة

أسامة أيوب
أسامة أيوب

بانتخابه زعيما لحزب المحافظين قبل أسبوع وبتكليف الملك تشارلز الثالث له رسميًا بتشكيل ‏الحكومة الجديدة يوم الثلاثاء الماضى وقت كتابة هذه السطور فإن ريشي سوناك يكون أول ‏رئيس حكومة ملون من أصول هندية فى التاريخ البريطانى، وهو أمر له دلالته المهمة التى ‏تعنى تحولا سياسيا واجتماعيا ليس فى بريطانيا فقط ولكن فى أوروبا كلها‎.‎
وإذا كان استقبال الملك تشارلز لزعيم حزب المحافظين الجديد لتكليفه رسميًا برئاسة ‏الحكومة الجديدة هو أول ممارسة رسمية لمهامه الملكية الدستورية منذ اعتلائه العرش ‏البريطانى خلفًا لوالدته الملكة اليزابيث الثانية التى توفيت قبل أسابيع؛ فإنه من المفارقات أن ‏آخر ظهور للملكة كان عند استقبالها ليز تراس لتكليفها برئاسة حكومة جديدة خلفًا لحكومة ‏بوريس جونسون المستقيل، وبعد يوم واحد تم الإعلان عن وفاتها، ومن المعلوم أن ليز تراس ‏اسمها الحقيقى هو اليزابيث والذى اختزلته إلى «ليز» حتى لا يتصادم مع اسم الملكة‎.‎
المثير أن سوناك الذى كان يشغل منصب وزير المالية فى حكومة جونسون واستقال ‏اعتراضا على أدائه كان الأوفر حظًا فى الفوز بزعامة حزب المحافظين بعد اضطرار ‏جونسون إلى الاستقالة فى مواجهة منافسته ليز تراس حتى اليوم السابق على التصويت وذلك ‏وفقًا للمعايير الموضوعية ولمصلحة الحزب ذاته باعتباره الأكثر كفاءة بالنظر إلى خبرته ‏الاقتصادية الكبيرة التي يحظى بها، غير أن الجناح الأكثر يمينية فى الحزب هو الذى رجحّ ‏كفة ليز تراس في اللحظات الأخيرة لأسباب واعتبارات عنصرية، حيث رفض هذا الجناح ‏إسناد زعامته ورئاسة الحكومة لشخص ملون من أصول هندية ينحدر من أبوين مهاجرين، ‏وهو الأمر الذى أشرت إليه فى مقال سابق غداة تكليف ليز تراس برئاسة الحكومة‎.‎
‎<‫<<‬‎
ليز تراس التي تعد ثالث امرأة ترأس الحكومة البريطانية بعد ليزا ماى ومارجريت تاتشر مع ‏ملاحظة أنه من غير الممكن مقارنتها بـ«تاتشر» على الإطلاق.. كانت كل التوقعات منذ ‏الأسبوع الأول لتوليها منصبها ترجح بل تؤكد فشلها وإن لم يكن بهذه السرعة، إذ لم تستمر ‏في منصبها سوى ٤٤ يومًا فقط واضطرت إلى تقديم استقالتها بعد أداء مرتبك وأخطاء ‏اقتصادية أغضبت البريطانيين بقدر ما أحرجت حزب المحافظين ذاته أمام ناخبيه ‏والمعارضة على حد سواد، وهي بذلك قد حققت رقمًا قياسيًا غير مسبوق في التاريخ ‏السياسى البريطانى لأقصر حكومة عمرًآ لم تستمر سوى ستة أسابيع‎.‎
‎< ‫<<‬‎
لذا فقد جاء انتخاب ريشى سوناك زعيما لحزب المحافظين ومن ثمَّ توليه رئاسة الحكومة ‏تصحيحا استراتيجيًا لخطأ وقع فيه الحزب باعتبار أن فشل «ليز تراس» والأخطاء التى ‏ارتكبتها خلال أيام قليلة من رئاستها للحكومة ألحق ضررًا كبيرا بالحزب الذى يحظى ‏بالأغلبية البرلمانية، وذلك هو الوتر السياسى الحساس الذى تلعب عليه أحزاب المعارضة ‏وفى مقدمتها حزب العمال المنافس التقليدى للمحافظين حيث يطالب بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة بعد ما يعتبره فشلا لحكومتى ‏المحافظين المتعاقبة.. جونسون وليز في نفس الوقت الذى يُشكك فيه حزب العمال فى قدرة ‏ريشي سوناك على خروج بريطانيا من أزمتها الاقتصادية غير المسبوقة منذ عقود‎.‎
‎<‫<<‬‎
تصحيح الخطأ بانتخاب سوناك زعيما لحزب المحافظين وتوليه رئاسة الحكومة حتى لو جاء ‏متأخرًا.. له دلالاته المهمة حسبما أشرت فى المقدمة.. سياسيا واجتماعيًا بل أوروبيًا أيضًا، ‏إذ إنه بداية جديدة نحو تغليب مصلحة البريطانيين وبريطانيا بل حزب المحافظين وبقية ‏الأحزاب فوق الاعتبارات العنصرية المتوارثة والمتعلقة بلون البشرة والأصول العرقية‎.‎
هذا التوجه السياسى والحزبى الذى بدأه حزب المحافظين من شأنه لو استمر أن يفتح الباب ‏على مرحلة جديدة من الاندماج المجتمعى بين البريطانيين على اختلاف الأصول العرقية ‏وألوان البشرة طالما أنهم مواطنون بريطانيون وُلدوا وعاشوا معًا، ثمَّ إن هذا التوجه الجديد ‏الذى بدأه حزب المحافظين البريطانى قد يمتد إلى بقية الدول الأوروبية بحيث تتخلى القارة ‏عن عنصريتها القديمة تدريجيًا فى مستقبل قريب‎.‎
‎<‫<<‬‎
وبوصول ريشى سوناك الملون ذى الأصول الهندية إلى رئاسة الحكومة لأول مرة فى ‏بريطانيا، فإنه بدا تكرارًا لوصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض لأول مرة فى أمريكا ‏كرئيس أسود من أصول أفريقية حتى مع اختلاف البيئة السياسية والاجتماعية في كل من ‏بريطانيا وأمريكا، فقد بدا سوناك النسخة البريطانية من التجربة الأمريكية، وعلى النحو الذى ‏يمكن معه وصف سوناك بأنه أوباما بريطانيا حسبما بدأ البعض يُردد‎.‎
لكن تبقى ثمة فوارق بين حالة أوباما وحالة سوناك، إذ إن أوباما فاز فى الانتخابات الرئاسية ‏كمرشح عن الحزب الديمقراطى والمنحاز للأقليات خاصة السود المؤيدين التقليديين للحزب، ‏بينما جاء سوناك إلى رئاسة الحكومة عبر انتخابه زعيما لحزب المحافظين المعروف ‏بانحيازاته العنصرية، ومن ثمَّ فإن وصول سوناك لرئاسة الحكومة كان أصعب بكثير من ‏فوز أوباما، ثم إن فارقاً آخر يركز عليه البعض وهو أن أوباما منتخب من الشعب الأمريكى ‏بينما جاء سوناك عبر الحزب وليس بانتخاب الشعب البريطانى، غير أن أهمية هذا الفارق ‏تتبدد بالنظر إلى النظام السياسى فى بريطانيا، إذ إن حزب المحافظين هو الحزب الحاكم ‏الفائز بأغلبية الأصوات والأغلبية البرلمانية، ومن ثم فإن من يختاره لرئاسته ورئاسة ‏الحكومة يكون ضمنا منتخباً أيضا‎.‎
‎‫‎‏<<<‬‏
قراءة السيرة الذاتية لـ«ريشى سوناك» تُشير إلى أنه أصغر رئيس حكومة سنًا فى التاريخ ‏البريطانى، إذ يبلغ من العمر ٤٤ سنة، وهو من مواليد بريطانيا لأبوين مهاجرين من الهند ‏وأسرته بالغة الثراء فضلا عن ثرائه الشخصى وهو متزوّج من امرأة هندية بالغة الثراء ‏أيضًا، إذ تُعد عائلتها واحدة من أغنى العائلات فى الهند، وقد شغل منصب وزير المالية لمدة ‏شهرين فى حكومة جونسون المستقيلة بعد أن استقال أولا‎.‎
‎‫‎‏<<<‬‏
ريشى سوناك الذى بدأ الأسبوع الماضى فى ممارسة مهام منصبه يستند على ما تواتر فى ‏أروقة السياسة والاقتصاد البريطانية عن الخبرة الاقتصادية الكبيرة التى يحظى بها ومن ثمَّ ‏قدرته على الخروج من الأزمة الطاحنة التى تواجهها بريطانيا خاصة بعد الأخطاء التى ‏ارتكبتها «ليز تراس» رئيسة الحكومة السابقة المستقيلة، حيث تعهد بتصحيحها رغم أنه وفى ‏مسلك سياسى إنسانى ودبلوماسى راق التمس لها العُذر فى أول خطاب له مشيرا إلى أنها ‏أخطأت بحسن نية‎.‎
ورغم خبرة سوناك الاقتصادية إلا أنه يواجه تحديات صعبة خلال الفترة القريبة المقبلة ‏للخروج من الأزمة الطاحنة فى مقدمتها استقرار ثم إنعاش الأسواق وتخفيف معاناة ‏البريطانيين الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية خاصة فيما يتعلق بأسعار الطاقة والمواد ‏الغذائية، وهى المهمة الصعبة فى مواجهة أكبر ارتفاع تشهده بريطانيا بل أوروبا كلها فى ‏معدلات التضخم الذى وصل إلى أكثر من ١٠٪ ورغم الرهان الحذّر على نجاحه فى إنجاز ‏هذه المهمة الصعبة باعتبار أنه جاء إلى الحكم من السوق بوصفه من رجال المال والأعمال، ‏إلا أن هذا الرهان يبقى على المحك‎.‎
غير أن مواجهة سوناك لتلك التحديات وفقًا لخطته الاقتصادية وسط أسوأ أزمة تواجهها ‏بريطانيا منذ عقود.. قد تُسفِّر عن غضب شعبى كبير خاصة أنه حذر في خطابه الأول من ‏أن خطة الإصلاحات التى تعهد بتحقيقها قد تضطره إلى اتخاذ قرارات وإجراءات صعبة‎.‎
‎‫‎‏<<<‬‏
وبينما لم تمض سوى أيام على تولى سوناك رئاسة الحكومة فإن حزب العمال المعارض ‏والمنافس التقليدى لحزب المحافظين يؤكد أنه لن ينجح فى مهمته خاصة أن خبرته في ‏العمل الوزارى لا تزيد على شهرين فقط كوزير للمالية فى حكومة جونسون، كما أنه لا ‏يتمتع بأى خبرة سياسية تؤهله لرئاسة الحكومة إذ إن عمره البرلمانى سبع سنوات فقط، أما ‏أعجب اعتراض على سوناك فهو أنه لا يتمتع بأى «كاريزما» سياسية ثمَّ إنه لا يُجيد ‏التحدث، وهو ما ردّ عليه بأنه يفضّل الأفعال على الكلام‎.‎
المثير أن رغم حرص سوناك على تمثيل كل أجنحة الحزب فى تشكيل حكومته، فإن تيارًا ‏داخل الحزب لايزال ضد اختياره‎.‎
‎<‫<<‬‎
تبقى ثمة مهمة سياسية وحزبية أخرى أمام سوناك غير مهمة إخراج بريطانيا من الأزمة ‏الاقتصادية الطاحنة، وهى توحيد أجنحة حزب المحافظين الذى يشهد انقسامات حادة داخل ‏صفوفه، وهى مهمة معقدة ويتوقف على نجاحه فى إنجازها استمرار دعم الحزب بكامل ‏تياراته له بل استمرار الحزب في الحكم وتجنب اللجوء إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة ‏حسبما يطالب حزب العمال وبإلحاح شديد بإجرائها‎.‎
‎<‫<<‬‎
فى كل الأحوال فإن بريطانيا تواجه أيامًا صعبة ريثما تخرج من أزمتها الطاحنة وتحظى ‏بالاستقرار السياسى والاقتصادى، فهل تنجح وفق خطة ريشى سوناك أو أوباما البريطانى‎.‎

مصر للطيران
ريشى سوناك.الأموال. أوباما. بريطانيا.التحديات الصعبة

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE