الأموال
السبت، 4 مايو 2024 02:21 مـ
  • hdb
25 شوال 1445
4 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : بفعل مؤامرة الفوضى الخلاقة والشرق ‏الأوسط الجديد

أسامة أيوب
أسامة أيوب


العرب من أحلام الوحدة إلى هواجس تفتيت ‏الدولة الواحدة

من المتواتر في أدبيات السياسة الشرق ‏أوسطية نقلا عن الصهيوني المتطرف ‏موشى ديان: إن العرب لا يقرأون وإذا قروا ‏لا يفهمون، ولأن العرب أصحاب إبداع ‏فكرى وثقافى مشهود، فإن المقصود هو ‏القراءة السياسية والفهم الاستراتيجى ‏للمخاطر المحدقة والتحرك الجاد لتجنبها، ‏وسواء كان ديان قد قال هذه العبارة أم لا، ‏إلا أنه يبقي أن التوصيف صحيح وبكل أسف ‏ودون أن يكون ذلك جلدًا للذات، حتى وإن ‏كان قد صدر عن أعداء العرب‎.‎
هذا التوصيف التحليلي المؤسف ظل ماثلا ‏في الذاكرة طوال سنوات كثيرة مضت عبر ‏عقود من الزمن من تاريخنا الحديث، حيث ‏أكدت الأحداث المفزعة والتطورات ‏المتلاحقة صحته حسبما تبدى ويتبدى في ‏الواقع العربى، إذ إن قراءة المشهد السياسى ‏بوجه عام وفي أقطار عربية بعينها بوجه ‏خاص تثير الأحزان والمخاوف على ‏الحاضر بقدر ما تثير القلق البالغ والمفزع ‏علي مستقبل الأمة العربية كلها في الإقليم ‏وفي العالم‎.‎
إن العرب لم يتوقفوا مليًا حتى أمام وصف ‏الأعداء لهم بأنهم لا يقرأون لدرجة أنهم لم ‏يقرأوا أو يفهموا التوصيف ذاته، ومن ثمَّ فقد ‏غفلوا عن القراءة الواعية للمؤامرة ‏الصهيونية الأمريكية التي كشفت عنها علي ‏الملأ وبكل الوضوح كونداليزا رايس وزيرة ‏الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش ‏الابن عندما تحدثت عن أحداث ما أسمتها ‏الفوضي الخلاقة في المنطقة العربية رغم ما ‏انطوت عليه من تناقض فج بين الفوضى ‏والاضطراب وانهيار مؤسسات الدولة وبين ‏البناء‎.‎
ولم تمض سنوات قليلة حتى كان سيناريو ‏تلك الفوضى الخلاقة «الهدامة» قد جرى ‏تنفيذه فى أقطار عربية وبأيدى أبنائها بكل ‏أسف، حيث انزلقت تلك الأقطار إلى الوقوع ‏فى فخ المؤامرة في غيبة القراءة والفهم لما ‏جرى من تأجيج الصراعات الأيديولوجية ‏والطائفية والعرقية والجهوية بين أبناء البلد ‏الواحد‎.‎
‎<<<‎
وبالتوازى مع أحداث سيناريو «الفوضى ‏الخلاقة» بل استبقها شمعون بيريس بدعوته ‏الصهيونية التآمرية لإقامة ما أسماه الشرق ‏الأوسط الجديد أو الكبير، ولم يكن خافيًا ذلك ‏الارتباط الوثيق بين المؤامرتين، إذ إن ‏المقصود بدعوة بيريس هو دمج إسرائيل في ‏المنطقة العربية تحت اسم الشرق الأوسط ‏الجديد وهو أمر لا يتحقق إلا بإضعاف الدول ‏العربية عبر الفوضي ومن ثمَّ الإجهاز علي ‏المشروع القومى العربى حتى يتسيد الكيان ‏الصهيونى على المنطقة‎.‎
المثير للدهشة والأسف معًا أن العرب ‏المستهدفين بالمؤامرة هم الذين نفذوا حرفيًا ‏سيناريو الفوضى الخلاقة في أقطار عربية ‏بداية من الدولتين المحوريتين فى المشرق.. ‏سوريا والعراق ثم اليمن وليبيا ولبنان ‏والسودان مع ملاحظة ما جرى ويجرى في ‏الصومال بموقعه الاستراتيجى والمهم عربيًا ‏رغم الإغفال غير المبرر لهذا البلد العربى ‏الأفريقى، ولاتزال دول عربية أخرى مهددة ‏بنفس المصير وبالفوضي، ومن ثمَّ يمكن ‏القول إن المنطقة العربية تشهد إرهاصات ‏الشرق الأوسط الجديد على أنقاض النظام ‏العربى الذى أصابه الترهل والتشرذم وحيث ‏باتت منظمة الجامعة العربية تكاد تكون ‏نصبًا تذكاريًا متحفيًا للمشروع القومى ‏العربى المنهار‎.‎
‎<<<‎
لقد كان أحلام المشروع القومى والوحدة ‏الشاملة هى السائدة بين شعو بالعالم العربى ‏عندما كانت غالبية أقطاره ترزح تحت ‏الاحتلال الأجنبى، ثم صارت أقرب إلى ‏التحقيق مع توالى استقلال تلك الأقطار وبعد ‏امتلاك الأمة العربية للثروات النفطية الهائلة ‏منذ سبعينيات القرن الماضى مضافًا إليها ‏الثروات البشرية والعلمية، غير الذى حدث ‏أن تراجعت تلك الأحلام وتبددت علي واقع ‏الخلافات والفرقة والصراعات البينية وبفعل ‏الانكفاء القطرى، ولذا تحولت أحلام الوحدة ‏إلى هواجس تفتيت وتقسيم كل قطر حتى ‏تحولت الهواجس إلى واقع مؤسف حسبما ‏شهدنا ونشهد، وحيث باتت الدولة الوطنية ‏مهددة بالسقوط الوشيك إن لم تسقط بالفعل ‏عمليا فى أقطار بعينها‎.‎
‎<<<‎
لقد نجح سيناريو مؤامرة «الفوضى ‏الخلاقة» عبر الصراعات الطائفية والعرقية ‏والمذهبية والأيديولوجية بل الجهوية أيضًا ‏وحيث انزلقت أقطار عربية إلى نفق مظلم لا ‏يبدو ضوء فى آخره، ولعل الخطير في تلك ‏الصراعات الداخلية والتى تحولت إلى ‏احتراب أهلي مروع هو التدخلات الإقليمية ‏على خلفيات دينية مذهبية والدولية في ‏حروب بالوكالة، وحيث توزعت ولاءات ‏الأطراف المتحاربة والمتصارعة بين تلك ‏القوى الإقليمية والدولية‎.‎
‎< <<‎
وفي هذا الصدد تبدو سوريا نموذجًا صارخًا ‏‏«للفوضي الخلاقة» والصراعات المذهبية ‏العرقية وكذلك للتدخلات الإقليمية والدولية، ‏وحيث أسفرت الأزمة عن نزوح ولجوء نحو ‏نصف السوريين، وكذلك يبدو العراق ‏نموذجاً آخر والذى بدأت أزمته منذ الغزو ‏الأمريكى البريطانى وما جرى بعد ذلك من ‏انهيار الجيش والقضاء على قوة العراق ‏العسكرية وإخراجه من المعادلة الاستراتيجية ‏العربية، وحيث لايزال العراق عاجزًا حتى ‏الآن وبعد عقدين من الزمن عن استعادة ‏الدولة ومؤسساتها التى يضرب الفساد ‏المستشرى أوصالها‎.‎
‎< <<‎
ومن المثير بالفعل أن الصراع الطائفي في ‏العراق لم يعد بين طائفة وأخرى.. بين السُنَّة ‏والشيعة والأكراد، بل إنه صار صراعًا أشد ‏عنفًا داخل كل طائفة.. حسبما يحدث حاليًا ‏بين تيار الشيعة الصدرى ذي التوجه ‏الوطنى العربى وبين تيار الشيعة الإيرانى ‏ذي التبعية لطهران، وحسبما نشهد بين ‏حزبى طائفة الأكراد اللذين فشلا فى الاتفاق ‏حتي كتابة هذه السطور علي تسمية رئيس ‏الجمهورية وهو المنصب المخصص للأكراد ‏وفقًا للتقسيم الدستوري الذى ينص علي أن ‏يكون رئيس الجمهورية كرديًا ورئيس ‏البرلمان سُنيًا ورئيس الوزراء شيعيا، وهكذا ‏أوصل الصراع الطائفي و«الفوضي ‏الخلاقة» العراق إلى نفق مسدود منذ أكثر ‏من عام‎.‎
‎<<<‎
وفي ليبيا التي غابت فيها الدولة الواحدة ‏بفعل الاحتراب الأهلى والصراع الجهوى ‏بين جناحيها الشرقى والغربى، وحيث توجد ‏حكومتان.. واحدة في طرابلس العاصمة في ‏الغرب منتهية الولاية ولاتزال تحكم قبضتها ‏علي العاصمة والثانية منتخبة من البرلمان ‏عاجزة عن دخول العاصمة، وحيث توزعت ‏ولاءات الجناحين الشرقى والغربى بين قوى ‏إقليمية ودولية، وفي هذا الواقع المؤسف فإنه ‏من غير الممكن توقع حل الأزمة وتوحيد ‏الدولة في المدى القريب، وتظل ليبيا مقسَّمة ‏مفتتة عمليًا ومهددة بالتقسيم في المستقبل.. ‏سبيلا لإنهاء الصراع‎.‎
‎<<<‎
أما اليمن الذى كان يُوصف في زمن مضى ‏بالسعيد، فقد صار تعيسًا بائسًا خارج التاريخ ‏فعليًا بفعل الاحتراب الأهلي الذى قسَّم الدولة ‏حتى أسقطها وحيث بات الشعب يعيش تحت ‏أسوأ أوضاع معيشية وأمنية وصحية كارثية، ‏ولعله ليس سرًا أن الحرب الأهلية في اليمن ‏هي حرب بالوكالة بين أطراف إقليمية في ‏المنطقة، وهو الأمر الذى يعنى أن إنهاء ‏الحرب لن يتم إلا عبر تسويات سياسية بين ‏الأطراف الإقليمية المتحاربة والمتصارعة ‏على النفوذ علي أرض اليمن، وهو أمر ‏لايزال مستبعدًا في الوقت القريب وفي ضوء ‏الظروف الدولية الراهنة، لكن يبقي أن الدولة ‏في اليمن قد سقطت وحتى إشعار آخر‎.‎
وفي لبنان الذى يعيش شعبه منذ سنوات حالة ‏غير مسبوقة من الانهيار السياسى ‏والاقتصادى والأمنى والاجتماعي بفعل ‏احتكار الطبقة السياسية للحكم وتناوب ‏السلطة بين طوائفها المختلفة والتي يتهمها ‏جميعا اللبنانيون بالفساد، ثم بفعل الصراعات ‏والخلافات الطائفية والمذهبية، والأهم ‏والأخطر بفعل حزب الله التابع لإيران والذى ‏بات دولة داخل الدولة بل أقوى من الدولة ‏ذاتها والذى تسبب بولائه الأعمى لإيران في ‏إساءة العلاقة بين لبنان ودول الخليج العربية ‏والتي رفعت يدها عن دعم لبنان‎.‎
وطوال سنوات ظل لبنان يدور في حلقة ‏مفرغة ما بين الأزمة السياسية والاقتصادية ‏من جهة والأمنية من جهة أخرى، وقد كان ‏انفجار مرفأ بيروت المروع الذى راح ‏ضحيته المئات من اللبنانيين تجسيدًا للأزمة ‏اللبنانية في أوضح مظاهرها، وحيث مازال ‏المسئول عن الانفجار مجهولا حتى الآن بعد ‏أن فشلت الدولة اللبنانية في إنجاز تحقيق ‏يكشف حقيقة وأسباب ذلك الانفجار‎.‎
تراجع حضور الدولة ومؤسساتها أوصل ‏لبنان إلي حافة الإفلاس والمجاعة مع انهيار ‏قيمة الليرة إلى مستويات غير مسبوقة، ‏وحيث يعانى اللبنانيون من تردى الخدمات ‏علي اختلافها بداية من انقطاع الكهرباء ‏والارتفاع المفجع في أسعار الوقود، حتى ‏وصل الأمر إلى أزمة طاحنة فى رغيف ‏الخبز‎.‎
ولقد كانت أحداث اقتحام البنوك اللبنانية من ‏جانب بعض المودعين لاسترداد ودائعهم ‏بالقوة هى ذروة التعبير عن الأزمة اللبنانية ‏بعد عجز البنوك عن إيجاد سيولة لصرف ‏أموال اللبنانيين المودعة لديها، وهو أمر له ‏دلالته المفزعة بشأن حاضر لبنان ومستقبله ‏الغامض خاصة في ضوء فشل البرلمان في ‏انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا لميشيل ‏عون المنتهية ولايته بقدر الفشل في نفس ‏الوقت في التوافق علي رئيس حكومة جديد، ‏ويبقى لبنان مرشحًا لمزيد من الفوضى ‏بحسب المؤامرة الأمريكية الصهيونية وبفعل ‏الطبقة السياسية وصراعاتها الطائفية ‏والتدخلات الإقليمية والدولية‎.‎
‎<><<‎
وفى السودان الذي شهد قبل أكثر من عقد ‏انفصال جنوبه عن الدولة، فإن قراءة المشهد ‏السياسى والاقتصادى والأمنى المأزوم سواء ‏فى المركز أو في مناطق الهامش تشير إلى ‏احتمالات المزيد من الانفصالات، وحيث ‏لايزال السودان مرشحًا لمزيد من ‏الاضطرابات وعدم الاستقرار رغم ‏المحاولات الجارية حاليًا من جانب بعض ‏الأحزاب والقوى السياسية للتوصل إلى ‏تسويات سياسية ودستورية لإنهاء الفوضى ‏الراهنة في المرحلة الانتقالية والانتقال إلى ‏وضع سياسى مستقر‎.‎
‎< <<‎
فى كل ما جرى ويجرى من صراعات ‏طائفية واحتراب أهلى داخل القُطر العربى ‏الواحد، فإنه لا يخفي الدور الذى تلعبه قوى ‏إقليمية ودولية، حيث الحضور الإيرانى ‏الطاغى والمتحكم فى السياسة الخارجية ‏والداخلية في أربع عواصم عربية.. دمشق ‏وبغداد وصنعاء وبيروت، وحيث الحضور ‏التركى والروسى والأمريكى والفرنسى ‏والإيطالي فى ليبيا بجناحيها الشرقي ‏والغربى وفي نفس الوقت لا يخفي الدور ‏الصهيونى التآمرى خاصة فى دول الجوار.. ‏سوريا ولبنان والعراق‎.‎
‎<<<‎
إن حاصل جمع تلك الصراعات والحروب ‏الأهلية والفوضى وبوادر التقسيم والتفتت ‏داخل الدولة في تلك الأقطار قد انعكس وكان ‏من المؤكد أن ينعكس على قوة ومتانة النظام ‏العربي في مجمله، وحيث لم تستطع الأمة ‏العربية التي جرى تصنيفها في أعقاب نصر ‏أكتوبر ١٩٧٣ بأنها القوة السادسة في العالم ‏بحسبانها تمتلك كل مقومات ومعايير القوة ‏علي اختلافها.. لم تستطع أن تحافظ على ‏هذه المكانة وذلك الترتيب المتقدم بين القوى ‏العالمية، بل لقد كان من الممكن أن تعلو ‏فوق هذه المكانة العالمية إن هى أحسنت إدارة ‏مواردها وثرواتها وسياساتها الخارجية ‏والداخلية عبر صياغة آليات تكامل وتعاون ‏مشترك وتنسيق المواقف وتوحيدها، وفي ‏نفس الوقت حل النزاعات والصراعات ‏الداخلية في كل قُطر عربيا بدلا من تدويلها ‏وتداولها خارج المنظومة العربية، وهو ‏الأمر الذى كان من شأنه إجهاض مؤامرات ‏‏«الفوضى الخلاقة» والشرق الأوسط الجديد‎.‎
‎<<<‎
في هذا الواقع العربي المؤسف.. تراجعت ‏القضية الفلسطينية إلى هامش الاهتمامات ‏العربية، بينما يواجه الشعب الفلسطينى أبشع ‏وأقسى مظاهر القمع الصهيونى الوحش، ‏وحيث تراجعت بل تكاد تتلاشى أى فرصة ‏للحل والتوصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية ‏المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ ‏وعاصمتها القدس الشرقية خاصة بعد التوسع ‏الاستيطانى الفج الذى يلتهم يومًا بعد يوم ‏الأراضى الفلسطينية بحيث لم يبق منها ‏خارج الاحتلال الإسرائيلى سوى نقاط ‏متناثرة غير مترابطة غير صالحة لإقامة ‏دولة بافتراض التوصل إلى إقامتها بالفعل، ‏وهو الأمر الذى قد يُسفر عن موت قضية ‏فلسطين وضياع حقوق شعبها على مرأى ‏ومسمع من المجتمع الدولي والقانون الدولي ‏والمنظمة الأممية، بينما العرب غافلون‎.‎
‎<<<‎
فى واقع الأمر.. لقد تحققت مؤامرة ‏‏«الفوضي الخلاقة» وجرى تنفيذ السيناريو ‏كما أعده المتآمرون تماما فى عدة أقطار ‏عربية وبأيدى أبنائها الذين خربوا ويخرِّبون ‏أوطانهم بأيديهم وعلي مرأى ومسمع من ‏العرب جميعًا، بينما بدا سيناريو الشرق ‏الأوسط الجديد الصهيونى جاهزًا للتنفيذ، ‏وهكذا تحولت أحلام الوحدة العربية الشاملة ‏إلى هواجس تقسيم وتفتيت الدولة الواحدة بل ‏تكاد الهواجس أن تصير واقعًا ملموسا على ‏الأرض، فهل يفيق العرب قبل فوات ‏الأوان.. سؤال قد تطول الإجابة عنه أو لعله ‏يبقى بلا إجابة‎!‎

مصر للطيران
مؤامرة .الفوضى الخلاقة .الشرق ‏الأوسط الجديد

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE