الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 03:06 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : إصلاحات بايدن.. ومحاكمة ترامب

الأموال

جاء إقدام الرئيس جو بايدن على إصدار عدد من القرارات الرئاسية والأوامر التنفيذية فور توليه السلطة رسميًا قبل عشرة أيام وبعد ساعات من تنصيبه ليؤكد أنه كان محتشدًا ومستعدا تمام الاستعداد لتنفيذ وعوده وتعهداته دون إبطاء والتى تضمنها برنامجه خلال حملته الانتخابية والتى بدأها بالأمور ذات الأولوية العاجلة بداية من التصدى لفيروس كورونا وفق خطة توزيع اللقاحات ودعم المضارين من الجائحة وتداعياتها الاقتصادية إضافة إلى خطة الإنعاش الاقتصادى.
فى نهاية العشرة أيام الأولى من المائة يوم الأولى من رئاسة بايدن والتى تتضح خلالها ملامح سياسات وتوجهات أى إدارة جديدة ومن ثم وبحسب العُرف السياسى الأمريكى يمكن الحكم من حيث المبدأ على الرئيس الجديد، فإنه يمكن القول إن بايدن بدأ ولايته الرئاسية بداية قوية وواضحة مستندة على أجندة جرى إعدادها جيدًا ووفق ترتيب للأولويات التي تتطلبها الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى أعقاب نهاية رئاسة ترامب ودون إغفال للسياسة الخارجية أيضا.
< < <
لقد بدا واضحًا وحسبما اتضح من أحاديث وخطابات الرئيس بايدن خلال حملته الانتخابية أن توجهاته تنطوى فى مجملها على إصلاح ما أفسده سلفه ترامب ومن ثم تصحيح أخطاء قراراته وسياساته الداخلية والخارجية والتى اتسمت بمخالفة القيم والتقاليد السياسية والديمقراطية بقدر ما اتسمت بالتطرف والعنصرية وعلى النحو الذى أحدث انقسامًا غير مسبوق فى المجتمع الأمريكى، وحيث أنهى رئاسته بذروة انتهاك الديمقراطية والدستور بجريمة تحريض بعض المتطرفين من أنصاره على اقتحام الكونجرس لتعطيل التصديق علي نتيجة الانتخابات بعدما فشل فشلا ذريعا فى الضغط على حكام بعض الولايات من الحزب الجمهورى وبأكثر من ٦٠ دعوى قضائية تم رفضها جميعا لقلب النتيجة على غير الحقيقة لصالحه.
< < <
ثم إن المقارنة بين ترامب وبايدن من حيث الطبيعة الشخصية واللياقة الأخلاقية والخبرة السياسية والأداء الرئاسى توضح الفارق الكبير بين الاثنين، إذ إنه من المتفق عليه أن ترامب لم يكن مؤهلا للرئاسة بأى معيار أو مقياس لانعدام خبرته وقدرته السياسية وهو ما تبدّى بوضوح فى أدائه الرئاسى طوال أربع سنوات خاصة فى إدارته للعلاقات الأمريكية الخارجية، بينما اتسم أداؤه داخليا بالعناد والنزوع إلى الاستبداد فى أكبر بلد ديمقراطى فى العالم، إضافة إلى تطرفه وعنصريته الفجة فى التعاطى مع قضايا الأمريكيين الملونين، بل وصل الأمر إلى الاستعلاء والسخرية من خصومه السياسيين وعلى نحو غير أخلاقى وغير لائق بمنصبه، وهو نفس السلوك الذى سلكه حتى مع بعض وزارات وأعضاء فريقه الرئاسى والذين أقال بعضهم، بينما استقال آخرون رفضًا لتعامله الخشن والاستبدادى معهم، ثم إنه بنفس الأداء أدار السياسة الخارجية حتى مع حلفاء أمريكا الأوروبيين مما أحدث شروخًا غير مسبوقة فى العلاقات معها.
وفى المقابل فإن بايدن يتسم بالاتزان والحِكمة والحنكة السياسية باعتبار أنه سياسى مخضرم عبر أكثر من نصف قرن، حيث شغل مقعده فى مجلس الشيوخ لـ«ست دورات» ثم من خلال توليه منصب نائب الرئيس في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما ولمدة ثمانى سنوات، وهذه الصفات والخبرات انعكست بوضوح وبقوة على أدائه خلال حملته الانتخابية قبل إعلان فوزه، إذ لم يكترث بمزاعم ترامب بشأن تزوير الانتخابات وطوال فترة تقاضيه أمام المحاكم، بل إنه مضى بكل ثقة فى الاستعداد لممارسة مهام منصبه وهو ما حدث بالفعل.
< < <
بهذه المقارنة فإنه يمكن القول إن أمريكا تنفست الصعداء بعد زوال «غُمة» ترامب من الرئاسة وبعد خروجه من المشهد السياسى وتنصيب بايدن بعد أطول ٧٨ يومًا عاشتها أمريكا بسبب مناكفات ترامب أمام المحاكم لقلب النتيجة، ثم إنه يمكن القول إن أمريكا بايدن ستكون مختلفة تمام الاختلاف عن أمريكا ترامب.. سواء داخليا أو خارجيا حسبما اتضح من ارتياح الغالبية العظمى من دول وحكومات العالم لمغادرة ترامب ومجىء بايدن.
< < <
ومع أن الإصلاح الداخلى وتصحيح أخطاء ترامب يأتى فى مقدمة أولويات بايدن العاجلة ومن بينها تحقيق ما أسماها المساواة العرقية فى مواجهة العنصرية الممنهجة إلا أنه لا يغفل في نفس الوقت عن تصحيح أخطاء السياسة الخارجية وفى مقدمتها إعادة ترميم العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبى والذى أصابها ترامب بشروخ عميقة، ومن بينها أيضا وقف بناء الجدار الحدودى مع الجارة الجنوبية «المكسيك» والذى بلغت تكلفته حتى الآن عشرات المليارات من الدولارات.
وفى هذا السياق يأتى توجه بايدن للعودة إلى عضوية منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس لمكافحة تغيُّر المناخ واللتين انسحب منها ترامب على نحو براجماتى لا يتفق مع المركز القيادى العالمي لأمريكا سواء بالتخلى عن الدعم المالى للمنظمة أو بالانسحاب من الاتفاقية مما ألحق ضررا بالغا للبيئة فى العالم وفى أوروبا وأمريكا ذاتها خاصة أن الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ الحقيقى والفعلى حتى الآن.
< < <
وفى نفس الوقت فإنه توجه بايدن للعودة إلى الاتفاق النووى مع إيران والذى انسحب منه ترامب في خطوة من جانب واحد بمعزل عن شركاء الاتفاق الأوروبيين (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) وعلى النحو الذى أوجد المبرر لإيران للتملص من تعهداتها بموجب الاتفاق.. متعللة بانسحاب أمريكا.. هذا التوجه يمثل أحد أهم القرارات الصعبة التى يعتزم بايدن الإقدام عليها خاصة مع الإشارات التى خرجت من إسرائيل وقت كتابة هذه السطور على لسان رئيس أركان الجيش والذى صرح بأنه أعد خططا لتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية بسبب زعمه باقترابها من إنتاج القنبلة النووية، ولاشك أن هذه الإشارات الإسرائيلية الاستباقية لأى خطوة من جانب بايدن للعودة إلى الاتفاق وتستهدف الضغط عليه وعرقلة الإقدام على عودة أمريكا إلى الاتفاق.
ومع ملاحظة أن التهديد الإسرائيلى بضرب إيران فى إطار ما تصفه بالتحالف الإقليمى لا يعدو أن يكون مجرد تهديد، إذ إنها تدرك أن ضرب إيران سوف يواجه برد إيرانى كارثى عليها وبالصواريخ الباليستية التى يمكنها تدمير عدة مدن إسرائيلية.
ولذا ورغم تلك الإشارات والتهديدات الإسرائيلية، فإن بايدن سوف يمضى قدمًا على الأرجح فى توجهه للعودة إلى الاتفاق باعتبار أن هذه الخطوة من شأنها إجبار إيران على الالتزام بتعهداتها خاصة فيما يتعلق بنسبة تخصيب اليورانيوم، ولا شك أن إحياء هذا الاتفاق من شأنه أيضًا تجنب حرب مدمرة فى المنطقة ومن ثم إقرار الاستقرار والسلم فى الشرق الأوسط بقدر الإمكان.
< < <
وفى مقدمة توجهات بايدن لإصلاح السياسة الخارجية فإن أهم ما يعنينا كعرب هو تصحيح أخطاء قرارات وسياسات ترامب بخصوص الصراع العربى- الإسرائيلي أو بالأحرى الفلسطينى- الإسرائيلى والتى بلغت الذروة بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل وهو القرار الذى لم يجرؤ كل الرؤساء السابقين على اتخاذه، فى نفس الوقت الذى أعطى فيه لنتنياهو وحكومته اليمينية الضوء الأخضر للتوسع الاستيطانى فى أراضى الضفة الغربية المحتلة، بينما كانت ما عرفت بـ«صفقة القرن» تستهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائيا واختزالها فى شبه دولة تضم بؤرًا ممزقة غير متصلة وهو ما يعنى إلغاء قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية والتي تنص على حل الدولتين وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة علي حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
< < <
ومع أن بايدن من أشد المؤيدين لإسرائيل والداعمين لأمنها فى سياق ثوابت السياسة الأمريكية التقليدية والدائمة المنحازة لإسرائيل، إلا أنه من المعلوم أيضًا أنه مع حل الدولتين.. سبيلا وحيدا لحل الصراع العربى ـ الإسرائيلى وتحقيق السلام، وهو موقفه الواضح منذ أن كان نائبا للرئيس الأسبق أوباما حيث كان معارضا للاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية حسبما عبَّرَ عن ذلك أمام نتنياهو قبل نهاية ولاية أوباما، ولذا فإن ثمة انفراجة تبدو بوادرها فى الأفق.
مع مجىء بايدن وتوجهه نحو حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
بوادر هذه الانفراجة تبدّت أولا فى اعتزام بايدن العودة إلى تمويل منظمة «غوث» للاجئين الفلسطينيين «الأونروا» والذى أوقفه ترامب، ثم فى إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والذى أغلقه ترامب، والأهم من ذلك هو اعتزامه فتح قنصلية أمريكية في رام الله مقر رئاسة السلطة الفلسطينية.
< <<
وعلى خلفية هذا التوجه جاءت دعوة الرئيس محمود عباس «أبومازن» لعقد مؤتمر دولى للسلام لحل القضية الفلسطينية وفق مقررات الشرعية الدولية ومرجعيات التسوية المقررة أمميًا، وحيث تأكدت بوادر الانفراجة فى اجتماع مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضى ـ وقت كتابة هذه السطور ـ حسبما جاء على لسان القائم بأعمال المندوب الأمريكى والذي أكد الالتزام بحل الدولتين بحيث تعيش إسرائيل كدولة «ديمقراطية» بحسب تعبيره جنبًا إلى جنب مع دولة فلسطينية في أمن وسلام.
غير أن إسرائيل استبقت توجه بايدن نحو حل الدولتين مثلما استبقت توجهه للعودة للاتفاق النووى مع إيران وحسبما جاء أيضًا على لسان رئيس الأركان الإسرائيلى الذى حاول الاصطياد في الماء العكر أو بالأحرى تعكير المياه بالإعلان عن تهديدات لإسرائيل من جانب حماس بنشر وحدات داخل إسرائيل للقيام بأعمال عدوانية!
لكن يبقي الرهان على تحرك بايدن السريع والفاعل المتوافق مع توجهه والتزامه بحل الدولتين، إذ إنه في حالة نجاحه سوف يدخل التاريخ بوصفه الرئيس الأمريكى الذى صحح أخطاء كل سابقيه من رؤساء أمريكا وآخرهم وأسوأهم سلفه دونالد ترامب الذى استهدف تصفية القضية الفلسطينية، ثم باعتباره الرئيس الأمريكى الذي احترم القانون الدولى ومقررات الشرعية الأممية.
ومن المؤكد أن إقامة الدولة الفلسطينية علي حدود ١٩٦٧ سوف تسهم وبشكل نهائى في إنهاء الإرهاب ومبرراته فى المنطقة كلها، بل إنها ستكون فى صالح إسرائيل ذاتها وبقائها فى المنطقة، وذلك ما يدركه العقلاء من اليهود في العالم خاصة فى أمريكا بل ما يدركه كثيرون داخل إسرائيل ذاتها، بينما لا تدركه إسرائيل الصهيونية التوسعية!
< < <
وبينما يمضى الرئيس جو بايدن قدمًا فى إصلاحاته.. داخليا وخارجيا، فإن الأمريكيين بل العالم كله يترقب حدثا مهما غير مسبوق فى التاريخ السياسى الأمريكى وهو محاكمة ترامب التى تبدأ يوم الاثنين من الأسبوع المقبل في مجلس الشيوخ فى ضوء لائحة الاتهام التى أقرها مجلس النواب قبيل تنصيب بايدن بأيام قليلة.
ومع أن الحزب الديمقراطى الذى ينتمى إليه بايدن يمتلك الأغلبية فى مجلس الشيوخ رغم تسوى عدد أعضائه مع الأعضاء الجمهوريين بواقع ٥٠ عضوا لكل منهما، إلا أن رئاسة كامالا هاريس نائبة الرئيس للمجلس بحكم الدستور يجعل صوتها المرجح، إلا أن قرار الإدانة يستوجب حصوله على أغلبية الثلثين وهو ما يعنى ضرورة انضمام «١٧» عضوًا من الأعضاء الجمهوريين على الأقل إلى الأعضاء الديمقراطيين فى المجلس، وهو أمر يبدو ممكنا وغير مستبعد خاصة فى ضوء انتقادات وإدانات عدد من قيادات الحزب الجمهورى وأعضاء مجلس الشيوخ لجريمة تحريض ترامب للمتطرفين من أنصاره لاقتحام الكونجرس وتعطيل التصديق على نتيجة الانتخابات والذين اعتبروها جريمة ارتكبها ترامب ضد الديمقراطية والدستور من جانب رئيس فى السلطة.
< < <
وفي حالة أدان مجلس الشيوخ المتوقعة لترامب فإنه سيواجه عقوبة المنع من الترشح فى أى انتخابات مقبلة أو تولى أى منصب حكومى وهو ما يعنى نهاية مستقبله السياسى.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE