الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 03:07 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : اتفاق أمريكى - كردى لنهب البترول السورى

الأموال

الإعلان من على منبر الكونجرس.. والراعى «بومبيو» والرئيس مهتم بالتفاصيل!!

مسلسل النهب مستمر من داعش إلى تركيا وإسرائيل.. والآن أمريكا

مقاومة شعبية متصاعدة وعمليات مسلحة والاحتلال الأمريكى إلى زوال

«الدولة الكردية» حلم مستحيل والحقائق الاستراتيجية تحكم عليه بالفشل

بينما تحتل صدارة نشرات الأخبار في أغلب القنوات العربية، ومانشيتات الصحف تطورات الأزمة المحتدمة في لبنان بعد انفجار بيروت، وحكم المحكمة الجنائية الدولية في قضية اغتيال الحريرى، وتطورات التدخل الاستعمارى التركى في ليبيا وغيرها من التطورات الخطيرة والمؤسفة فى المنطقة.. تجرى فى صمت وفى ظل تعتيم إعلامى شبه كامل فصول أخرى من المخطط الأمريكى الهادف لرسم خرائط الشرق الأوسط الجديد علي أرض سوريا الشقيقة.. بإنهاكها وسرقة مواردها ومحاولة تقسيمها، سعيًا لتركيعها في النهاية.. خطة أمريكية لتقنين سرقة البترول السورى بالاتفاق مع الكيان الكردي العميل في شرق الفرات.. وفصل جديد من «حروب المياه» في الشرق الأوسط، تنفذه تركيا بتقليص شديد لكميات المياه فى نهر الفرات، لفرض الجفاف على شرق سوريا وتعطيش أهله.. وحرق لمحاصيل الفلاحين السوريين وخاصة القمح، علي أيدى عصابات الإرهابيين الموالين لتركيا، لتجويع الشعب السورى.. وليتضافر ذلك كله مع العقوبات الجائرة وبالغة القسوة التي يتضمنها فرض «قانون قيصر» وغيره من منظومات العقوبات الأمريكية والغربية، والتى من المتوقع أن تزداد إحكامًا وقسوة فى ظل الأوضاع الجديدة التى تسعى أمريكا وفرنسا والدول الغربية الأخرى لفرضها على لبنان، والتى ستكون لها انعكاساتها بالغة السلبية على سوريا، بحكم الترابط بين اقتصادى البلدين الجارين والشقيقين.

من على منبر الكونجرس

عشية عيد الأضحى المبارك، وتحديدا فى (٣٠ يوليو المنقضى).. ومن على منبر لجنة الشئون الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكى تم الإعلان عن اتفاق وقعته شركة «دلتا كريسينت إنيرجى» الأمريكية (المغمورة) مع الإدارة الذاتية الكردية شرقى الفرات ممثلة فى «مظلوم عبدى» القائد العام لما يسمى قوات سوريا الديمقراطية «قسد».

ويقضى الاتفاق بحصول شركة «دلتا» الأمريكية على امتياز تطوير وتحديث أكثر من نصف الحقول الخاضعة لقوات «قسد»، بما في ذلك تطوير التنقيب والإنتاج والتكرير والنقل والتسويق الدولى، وإعادة تأهيل البنية التحتية فى المنطقة، وإنشاء مصفاتين حديثتين للتكرير، بطاقة (٢٠ ألف ب/ى) كبداية.

الإعلان عن توقيع الاتفاق جاء على لسان السيناتور البارز ليندساى جراهام المقرب بشدة من الرئيس الأمريكى ترامب، والذى ذكر أنه تلقى للتو اتصالا من القائد الكردى (عبدى).. مؤكدًا أن الأخير طلب منه إبلاغ ترامب بالتفاصيل!!

وزير الخارجية الأمريكى «بومبيو» الذى كان حاضرًا لاجتماع لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ، أكد على ما ذكره جراهام، وأن الإدارة الأمريكية ـ بما فيها وزارتها الخارجية والخزانة - تدعمان الاتفاق.. موضحًا أن المحادثات من أجل الاتفاق المذكور جرت برعاية الخارجية، وبصورة سرية لأكثر من عام.. وأن عقد الاتفاق - وتنفيذه طبعًا - اقتضى استثناءً خاصًا من وزارة الخزانة، باعتبارها المشرفة على تطبيق «قانون قيصر» ومنظومة العقوبات الأمريكية علي سوريا، وغيرها من الدول.

وبكلمات أكثر وضوحًا فإن الدولة الأمريكية (العظمى) كانت مهتمة على أعلى مستوياتها، بعقد هذا الاتفاق، وبالإعلان عنه فور توقيعه!! ومن على منبر الكونجرس ذاته!! ويجب أن نلاحظ أيضًا أن مؤسسى ومديرى شركة «دلتا» هم من كبار الدبلوماسيين والضباط ورجال المخابرات السابقين.. وأن الشركة ليس لها سوابق أعمال معروفة، مما يشير إلى أنها يمكن أن تكون قد تأسست خصيصًا بهدف نهب البترول السورى.

ومعروف أن ترامب كان قد اتخذ قرارًا العام الماضى بسحب القوات الأمريكية من منطقة شرق الفرات، مع إعطاء ضوء أخضر لتركيا لاحتلال المنطقة.. إلاّ أن قيادات البنتاجون والمخابرات حملت الرئيس على مراجعة قراره، وإعادة نحو ألف جندى أمريكى لحماية الحقول والمنشآت البترولية في المنطقة (محافظتى دير الزور والحسكة) بالتعاون مع قوات «قسد».. وهو ما أثار حفيظة أردوغان الذى كان قد أعدَّ قوات خاصة لاحتلال حقول النفط (حول تفاصيل الاتفاق وشركة دلتا).. (راجع: صحيفة «الشرق الأوسط» و«رويترز» وCNN باللغةالعربية و«إندبندنت آرابيا» ومواقع ووكالات أخرى، ١ أغسطس ٢٠٢٠).

النهب.. فى خدمة التقسيم

ويشير الخبراء إلى أن إنتاج منطقة شرق الفرات حاليًا يتراوح بين ١٠٠ ألف و١٢٥ برميل/يوميا).. ومن المنتظر أن تؤدى عمليات التطوير والتحديث فى المنطقة إلى بلوغ الإنتاج نحو (٤٠٠ ألف ب/ى) ستدر عائدات سنوية تقدر بمليارات الدولارات، بينما تبلغ العائدات التى تحصل عليها الإدارة الذاتية الكردية حاليا نحو مليون دولار يوميا، حوالى ٣٦٠ مليون دولار سنويا.. وهو فى حد ذاته مبلغ كبير.. وتهدف الإدارة الأمريكية من اتفاق «دلتا» مع الأكراد، بصورة أساسية إلي تعزيز الوضع المالى والاقتصادى للإدارة الكردية وإتاحة موارد تكفل تطوير المنطقة بما يرسخ سلطة الكيان الكردى الانفصالى، وتحقيق مشروع تقسيم الأراضى السورية، فضلا عن تغطية نفقات القوات الأمريكية فى المنطقة «شرق الفرات» واحتياجاتها هى والقوات الكردية من المحروقات بالطبع.

وفى الوقت نفسه فإن حرمان الدولة السورية من الإمدادات البترولية وعائدات النفط هو أيضا من الأهداف الرئيسية للسيطرة الأمريكية والكردية على بترول شرق الفرات، الذى يمثل نحو ٩٠٪ من إجمالى الإنتاج السورى (٣٧٠ ألف برميل/يوميا قبل بدء الحرب الإرهابية الكونية علي سوريا) ـ (راجع: المصادر السابق الإشارة إليها، وأيضا RT ورويترز وCNN – ٨ و٩ أغسطس٢٠٢٠).

لكل لص نصيبه!!

ومعروف أن تركيا كانت أكبر المستفيدين من نهب البترول السورى حينما كانت «داعش» تسيطر على المنطقة، حيث كان يتم تهريب البترول إلى تركيا بأسعار بخسة للغاية لصالح شبكة يسيطر عليها بلال أردوغان «نجل الرئيس التركي» حتى بدأت الطائرات الروسية تقصف المنشآت البترولية وعربات الصهريج التي تقوم بنقله.. كما فضحت وسائل الإعلام الروسية دور بلال أردوغان فى هذه العملية اللصوصية.

وحينما سيطرت القوات الكردية على المنطقة (وخاصة محافظتى الحسكة ودير الزور) بعد هزيمة «داعش» تركزت عمليات التهريب إلي مناطق السيطرة التركية فى شمال سوريا (إدلب وإعزاز والباب وجرابلس وغيرها من المدن والمناطق).. واتخذ التهريب إلى تركيا طريقًا آخر عبر مناطق كردستان العراق، ثم ضخه فى أنابيب التصدير الشرعية إلى تركيا.. ولنلاحظ أن النخبة الكردية الفاسدة كانت تهرّب البترول إلى الأتراك، أعدى أعداء شعبها، سعيًا لتحقيق المكاسب الشخصية لأفراد تلك النخبة الفاسدة.

ثم دخلت إسرائيل على الخط هى الأخرى من خلال اتفاق لتطوير حقول المنطقة بين شركة إسرائيلية (جلوبال ديفيلوبمنت كوربوريشن) المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي ـ أمريكى وكان يتم تصدير البترول السورى إلى إسرائيل بواسطة عربات الصهريج، عبر الأراضى العراقية والأردنية!! وبأسعار بخسة كانت تتراوح بين ٢٢ و٣٥ دولارا للبرميل حينما كان سعره فى السوق العالمية أكثر من ٦٠ دولاراً للبرميل.. والأرجح أن تحتفظ الشركة الإسرائيلية بحصتها فى المسروقات البترولية السورية في ظل الإشراف الأمريكى العام على عملية النهب الشاملة.

ويمكن للقارئ الكريم متابعة تغطية «الأموال» لهذه القضية الخطيرة بالتفصيل في أعداد كثيرة خلال الأعوام الماضية آخرها (الأموال - ٢٤ نوفمبر ٢٠١٩) و«الأموال ١ ديسمبر ٢٠١٩٨».

وغنى عن البيان أن كل عمليات نهب البترول السورى منذ فترة سيطرة «داعش» حتى الآن هى سرقة علنية، وانتهاك إجرامى للقانون الدولي.. غير أن أخطرها وأكثرها إجرامًا وفجورًا هى الاتفاقية بين شركة «دلتا» والإدارة الكردية، لأنها تتم تحت الإشراف المباشر للحكومة الأمريكية، وبالاعتداد السافر علي سيادة واستقلال سوريا.. وبهدف تكريس أوضاع تقسيم البلاد، فضلا عن حرمان الشعب السورى من ثرواته وتسليمها لأعدائه.

المقاومة قادمة

غير أن من الضرورى للغاية هنا أن نشير إلى أن الطريق ليست مفروشة بالورود أمام اللصوص الدوليين والإقليميين وعملائهم المحليين.

فقد ترتب علي قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية ـ قبل مراجعته - وإعلان أردوغان عن نيته فى احتلال الشمال السورى بأكمله، أن الأكراد أصيبوا بالذعر من الدخول الوشيك للقوات التركية إلى مناطقهم.. فوافقوا بسرعة كبيرة على الوساطة الروسية لدخول قوات الجيش السورى وأعداد كبيرة من القوات الروسية إلى المنطقة، استباقا لدخول قوات أردوغان (فى أكتوبر ٢٠١٩).

وتم خلال ٤٨ ساعة تنفيذ عملية عسكرية ضخمة للغاية لنقل أعداد كبيرة من القوات السورية والروسية بمعداتها الثقيلة إلى منطقة شرق الفرات.. مع استثناء مناطق حقول البترول.. التى احتفظت «قسد» بسيطرتها عليها حتى عاد الأمريكان!

وترتب على هذا متغير استراتيجى بالغ الأهمية يتمثل في سيطرة القوات السورية والروسية على الجزء الأكبر من الحدود الشمالية مع تركيا.. وأجزاء كبيرة من الحدود السورية مع العراق.. وكذلك على العديد من المدن والبلدات، فى مقدمتها الرقة والحسكة والقامشلى.. الأمر الذى ترتب عليه أيضًا تقليص مساحة سيطرة القوات التركية بدرجة كبيرة.

وأدى هذا الوضع إلى إنعاش المشاعر الوطنية والقومية لدى الأغلبية العربية والأقليات القومية الأخرى من الشركس والأشوريين وغيرهم، والتفافهم حول القوات السورية، وبروز نزعات واضحة للتمرد على سلطة «قسد» بل ومقاومتها علنًا (يمثل الأكراد خُمس سكان المنطقة فقط)، وأيضا مقاومة القوات الأمريكية ومنع مرور دورياتها بإقامة الحواجز، بل والتصدى الجسدى من جانب المواطنين السوريين.

كما أعلنت العشائر العربية (أكثر من نصف سكان المنطقة) عزمها على تنظيم صفوفها لخوض كل أشكال المقاومة، بما فى ذلك المقاومة المسلحة ضد «قسد» والقوات الأمريكية، وتم بالفعل تنفيذ عشرات العمليات خلال الشهور الأخيرة.

وترد «قسد» على هذه المقاومة بشن حملات الاعتقالات ضد السكان.. وبإحراق محاصيل الفلاحين، ومنع خروج الشاحنات المحملة بالقمح من المنطقة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية.. وهو ما تشارك فيه بدورها الفصائل الإرهابية الموالية لتركيا في المنطقة، كما تقوم هذه الفصائل بضرب محطات تنقية المياه، وتوليد الكهرباء.. فضلا عن قيام تركيا بإغلاق السدود على نهر الفرات لفرض الجفاف والعطش على السكان السوريين فى شرق الفرات.

لكن هذا كله لم يمنع تصاعد عمليات المقاومة الجماهيرية والمسلحة ضد الأمريكيين و«قسد» والأتراك وعملائهم الإرهابيين على السواء.

ويبدو مشروع «قسد» التقسيمى مسدود الآفاق من الناحية الاستراتيجية، لأن الأكراد لا يمثلون أكثر من خُمس سكان منطقة سيطرة «قسد».. كما أن الأكراد لا يعيشون في منطقة واحدة ممتدة، وإنما تتزع مناطق تمركزهم وسط محيط عربى.. وطريقهم إلى العالم الخارجى مسدود وبالحدود التركية من الشمال، وبالوجود السورى من الجنوب والغرب، وعلى الحدود الشرقية مع كردستان العراق.. وهذه كلها حقائق استراتيجية لن يغيّر من جوهرها لا الوجود الأمريكى، ولا اتفاقية «دلتا» ولا وضع السيطرة العسكرية المؤقت، والذى أصبح يعانى من ثغرات جدية.

ويبقى سؤال ملح: أين العرب من معاناة السوريين، ومن مقاومتهم؟؟

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE