الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 06:51 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : كورونا.. تخفيف الحظر.. وضرورة تشديد إجراءات الوقاية وتطوير العلاج

الأموال

إجراءات ضرورية حتى لا يتحول تخفيف الحظر إلى سبب لانتشار العدوى

بدأ ينتشر في أغلب دول العالم اتجاه عام للتخفيف من إجراءات الحظر والإغلاق المرتبط بمكافحة وباء كورونا، بعد أن أدت هذه الإجراءات إلي خسائر اقتصادية فادحة، لم يكن هناك بدّ من تحملها فى سبيل الحفاظ على الأرواح، وحماية الصحة العامة، غير أنه أصبح واضحًا أنه لا يمكن المضى فى تحمل تلك الخسائر إلى ما لا نهاية، وإلا توقف العمليات الإنتاجية بالكامل، وأصبح اقتصاد عدد كبير من الدول معرضاً للانهيار، الأمر الذى ستكون له انعكاساته السلبية الأكيدة على النظم الصحية. وقد ارتبط هذا الاتجاه للتخفيف من إجراءات الحظر والإغلاق بتطور قدرة أغلب الدول المذكورة على احتواء تفشي الوباء بدرجات متفاوتة وتقلص العدد اليومى للإصابات والوفيات الجديدة، وكذلك بانتشار ثقافة عامة لاتخاذ إجراءات الوقاية، والتباعد الاجتماعى Social distaned بصورة تحد من انتشار العدوى ـ وهو لم يكن متوافراً فى بداية تفشى الوباء ـ كما أن التوجه لتخفيف الإجراءات ليس عامًا بدون ضوابط ولكنه يرتبط بصورة وثيقة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية الأكثر ضرورة وأهمية للمجتمعات، وبحيث يكون التوسع فى تخفيف إجراءات الحظر تدريجيا ومع مراقبة نتائج المجالات التى تم فيها تخفيف الإجراءات.
>> وبالنسبة لنا فى مصر ـ وتأسيسًا على ما أشرنا إليه ــ فقد بدأت الدولة في اتخاذ إجراءات متدرجة لتخفيف تدابير الحظر والإغلاق، سعيًا إلى استعادة النشاط الاقتصادى بدرجة أوسع، وإتاحة فرصة أكبر لكسب العيش للمواطنين فى مجال العمالة غير المنتظمة والموسمية بمختلف فروعها.. وأعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء منذ عدة أيام عن إجراءات من بينها تقليص ساعات حظر التجوال لتصبح من التاسعة مساء إلى السادسة صباحا واستئناف بعض الإدارات الحكومية المرتبطة بمصالح عاجلة للمواطنين للعمل، بما يتيح قضاء حاجات المواطنين ذات الطابع العاجل.. ودعا رئيس الوزراء المواطنين والمصالح والمؤسسات لمراعاة إجراءات الوقاية ومنع انتشار الفيروس، حتى لا تكون إجراءات تخفيف الحظر والإغلاق سببًا في تفشي كورونا.
أهمية التوازن الدقيق
ومع إدراكنا التام لضرورة الاستئناف التدريجى للنشاط الاقتصادى والاجتماعى، فإننا نؤكد ضرورة مراعاة التوازن العميق بين ضرورات ذلك الاستئناف التدريجى وضرورات الحفاظ على الصحة العامة وحماية الأرواح، ومنع تفشى الوباء..
>> ومن الضرورى هنا أن نشير إلى الاتجاه التصاعدى لانتشار حالات الحماية وزيادة حالات الوفاة خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية، بالرغم من كل الجهود التى تبذلها الدولة بمختلف أجهزتها وهو ما يشير إلى ثغرات جدية فى الإجراءات الاحترازية، وفى منظومة العلاج على السواء وهى ثغرات ينبغى التعامل معها بكل جدية وحزم لوقف هذا الاتجاه التصاعدى متزايد الخطورة، أو لإبطائه بصورة جدية على أقل تقدير.
>> وعلى مدى شهر أبريل (ونحن ننقل هنا عن بيانات وزارة الصحة المأخوذة عن بوابة أخبار اليوم) تطور انتشار وباء كورونا من (٦٩ إصابة بإجمالى ٧٧٩، ووفاة ٦ حالات/ يوم ١ أبريل) إلى (١٢٠ إصابة جديدة بإجمالى ٩٨٥ إصابة، ووفاة ٨/ يوم ٣ أبريل).. إلى (١٣٩ إصابة جديدة بإجمالى ١٦٩٩ إصابة ووفاة ١٥/ يوم ٩ أبريل) إلي (١٦٠ إصابة جديدة بإجمالى ٢٣٥٠ إصابة ووفاة ١٤ / يوم ٤ أبريل) إلى (١٨٩ رصابة جديدة بإجمالى ٣٣٣٣ إصابة ووفاة ١١/ يوم ٢٠ أبريل) إلى (٢٢٧ إصابة جديدة، بإجمالى ٤٣١٩ ووفاة ١٣/ يوم ٢٥ ابريل) إلى (٢٢٦ إصابة جديدة بإجمالى ٥٢٦٨ إصابة ووفاة ٢١/ يوم ٢٩ أبريل).
>> علمًا بأنه تم شفاء ١٣٢٥ حالة على مدى تلك الفترة.
>> أما مجموع حالات الوفاة فقد بلغ ٣٨٠ حالة حسب أرقام منظمة الصحة العالمية الصادرة يوم ٢٩ أبريل. ونلاحظ هنا باستغراب أن بيانات وزارة الصحة تذكر عدد الوفيات الجديدة كل يوم، لكنها لا تذكر إجمالى عدد الوفيات (وكذلك تفعل بوابة أخبار اليوم!) مع أن الوزارة تبلغ منظمة الصحة العالمية بالأرقام، وتقوم المنظمة بإعلانها!! والأولى أن تعلنها الوزارة بنفسها ضمن بيانها اليومى، فهى ليست سرًا. ملاحظات أساسية وبالمناسبة فإن هذه الأرقام ليست مفزعة، ولا تشير إلى خروج الوباء عن نطاق السيطرة، إذا ما قورنت بالأرقام فى بلاد كثيرة ظروفها شبيهة بظروفنا.. لكن المؤكد أن التصاعد المتسارع لأرقام الحالات المرضية والوفيات هو تصاعد مثير للقلق.. وهو ما يشير إلى وجود ثغرات فى نظام الوقاية وتجنب العدوى.. وفى المنظومة الصحية عمومًا، يجب التعامل معها بجدية وحزم ودون ذعر أو هيستيريا لإغلاقها بإحكام، وقطع الطريق على المزيد من انتشار الوباء.. خاصة أن هذه الأرقام قد لا تكون هى (الأرقام الفعلية) ليس لأن أحدًا يتعمد إخفاء هذه الأرقام الفعلية، ولكن لأن تواضع المستوى العام للوعى الاجتماعى والطبى يمكن أن يكون سببًا فى وفاة الكثيرين بسبب المرض دون أن يلجأوا إلى المستشفيات، فلا يتم تسجيلهم ضمن وفيات الوباء.. كما أن إجراءات دخول المستشفيات ليست دائمًا ميسورة، وهذا ما تجلى فى حالة الصحفى محمود رياض شهيد نقابة الصحفيين بسبب الوباء. ومن ناحية أخرى فإن أجهزة الكشف عن كورونا.. وإجراء التحاليل لمسحات المشتبه فى مرضهم لاتزال قليلة جدًا فى مصر مقارنة بالبلاد الأخرى، مما يؤدى لعدم معرفة كل حالات المرض.
<< نقول هذا بمناسبة بدء تخفيف إجراءات الحظر والإغلاق.. وهذه لا تتحول عملية تخفيف الإجراءات إلى نقطة انعطاف نحو تفشى الوباء بسبب التجمعات المرتبطة بالضرورة باستئناف العمل فى مواقع عديدة.
>> فمطلوب توافر كواشف حرارية وإمكانات كافية للكشف والتحليل حتى لا يتحول أى شخص لمصدر العدوى للعشرات، وحتى لا يتسع الخرق على الراقع ـ كما يقال ـ ومطلوب توافر كميات كافية من أدوات التعقيم للأفراد والأماكن، والكمامات والقفازات الواقية، فضلا عن الالتزام بارتدائها.
>> ولابد أن نلاحظ هنا أن أبسط أدوات التعقيم (الكحول) ظل لفترة طويلة ناقصًا بشدة في الأسواق، واستغل تجار الموت الأزمة لبيعه بأضعاف ثمنه.. ولم يبدأ فى التوافر إلا مؤخرا.. أما الكمامات لاتزال ناقصة بصورة كارثية.. وإذا وجدت فإن نوعيتها رديئة للغاية، ولا تحمى شيئًا، فضلا عن أنها تباع فى السوق السوداء بأضعاف أضعاف أسعارها.. فكيف سيتوافر الحد الأدني من الحماية للناس الذين سيتوجهون لأعمالهم؟؟!!
>> إن المسئولية عن أرواح المواطنين تقتضى توفير كل أدوات الوقاية والتعقيم.. إلخ فى الأسواق، وبصورة أخص فى الأماكن التى سيستأنف فيها العمل بصورة كافية تمامًا، وبأسعار التكلفة، أو حتى بالمجان فى حدود معينة.
وهذه خطوة يجب أن تسبق استئناف الأعمال، وإلا فإننا نفتح الباب لانتشار العدوى، ويجب أيضًا أن نقول إن النقص الفادح فى هذه الأدوات هو أحد أسباب بلوغ الحالات المرضية تلك الأرقام المثيرة للقلق.. أما الوعى وهو موضوع آخر يستحق تناولاً مستقلاً.
وهناك تفاصيل كثيرة ينبغى الاهتمام بها قبل استئناف الأعمال مثل توفير مواصلات عامة منتظمة وبدرجة تقاطر عالية لمنع الازدحام.. وترتيب أماكن العمل بصورة تسمح بالحفاظ على مسافات أوسع.. إلخ.. وإلاّ فإننا نلقى بالناس إلى قبضة الوباء.
المستشفيات والجيش الأبيض
حملت نشرات الأخبار (بوابة أخبار اليوم ٢٨ أبريل) خبرًا يبعث على السعادة بقدر ما يبعث على الحزن والأسى ـ الخبر يقول: «السيسى يوجه بتوفير المستلزمات الطبية اللازمة لمستشفيات العزل».. وهذا ما يبعث على السعادة بالطبع، أما المحزن فهو أن المسئولين عن الصحة (وربما المالية) كانوا بحاجة لانتظار توجيهات رئيس الجمهورية حتى يقوموا بعمل هو من أخص خصائص وظائفهم، ومن أوجب واجباتها!! وخاصة فى حالة انتشار الوباء: «توفير المستلزمات الطبية لمستشفيات العزل».. بالله عليكم هل يحتاج أمر كهذا إلى انتظار توجيهات رئيس الجمهورية شخصيًا؟!! وماذا تفعلون أنتم يا سادة؟! وما هذه الدرجة المخيفة من البلادة والبيروقراطية؟!! قضية احتياجات مستشفيات الصدر والحميات والعزل، قضية كبيرة.. بعض احتياجاتها قد تحتاج فعلاً إلى تدخل رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء على الأقل لحلها، لأنها مكلفة جدًا مثل توفير أعداد كبيرة من غرف العناية المركزة ومعامل التحاليل، وأجهزة التنفس الصناعى..إلخ.. وهى أمور تحتاج إلى اعتمادات إضافية بالمليارات، وبما يتجاوز صلاحيات وزير الصحة.. ومثلها قرارات كزيادة مرتبات (أو مكافآت) أطباء الامتياز بصورة جذرية، وزيادة مرتبات الأطباء والعاملين الطبيين فى مجال مكافحة الوباء (ومكافآتهم الاستثنائية) وهى أيضًا بالمليارات.
أما «المستلزمات الطبية لمستشفيات العزل»!! فلا نملك بشأنها إلاّ الدهشة والحزن.. ويجب أن نذكر هنا أن هناك نقصًا فادحًا في الغالبية العظمى من المستشفيات -بما فيها الصدر والحميات والعزل-، فى أدوات الوقاية من كمامات وملابس طبية واقية وقفازات.. الخ.. مما يُعرِّض الأطباء وطواقم التمريض والفنيين لمخاطر فادحة للإصابة بالعدوى.. وقد أصيب عشرات منهم بالفعل، وتوفى عدد منهم نحتسبهم شهداء للواجب عند الله، غير أن المشكلة لا تقف عند هذا الحد، بالرغم من خطورته، فعدم وجود أدوات للوقاية على أحدث وأكفأ طراز للأطباء والطواقم الطبية، وبصفة خاصة للعاملين مع مرضى كورونا، يجعل هؤلاء العاملين الطبيين يتحولون إلى ناقلين للعدوى إلى أسرهم والمخالطين لهم.. وللمرضى من غير المصابين بكورونا.. وقد وقعت بالفعل حالات عديدة من هذا النوع تحدثت عنها وسائل الإعلام. وهذا تقصير لا يغتفر فى حق (مقاتلى جيشنا الأبيض)، هؤلاء أناس شجعان ومحترمون يحملون أرواحهم على أكفهم بكل معنى الكلمة، ويواجهون الموت فى كل لحظة، وأبسط حقوقهم البديهية هو توفير كل مستلزمات الحماية لهم أولاً، ومن ثم لكل من يتعامل معهم. ويجب أن يكون مفهومًا أن تخفيف إجراءات الحظر والإغلاق سيترتب عليه بالضرورة زيادة فى حالات العدوى والمرض، مما سيلقى على كاهل (مقاتلي الجيش الأبيض) بأعباء أكبر، ويوجب تأمينهم بأفضل الأشكال وأكفأها. كما يجب الإسراع بصرف المكافآت والعلاوات التى قررها رئيس الجمهورية للجميع.. إذ تشير شكاوى بعضهم على صفحات التواصل الاجتماعى إلى تأخر صرف المكافآت، والغريب والمستفز أنك تجد بعض (المتفزلكين) يردون بأن خدمة الوطن واجب مقدس فى هذه الظروف، ولا يجب ربطها بالعلاوات.. إلخ.. وكأن هؤلاء المقاتلين الشجعان يشترطون صرف المكافآت حتى يعملوا ويؤدوا واجبهم المقدس!!
وبديهى أن هذا لم يحدث فى أى مكان.. والحالات الوحيدة للامتناع عن العمل كانت مرتبطة بعمل توافر الكمامات والملابس الواقية، ولاشك أن هذا حق أصيل لهم، فليس معقولا أن تطالب أحدًا بالانتحار المجانى، لأن آخرين يقصرون فى واجب توفير الملابس الواقية! خلاصة القول أن تخفيف إجراءات الحظر والإغلاق يجب أن يترافق معه ـ بل وأن يسبقه ـ توفير متطلبات الحماية والوقاية بصورة أفضل كثيراً مما هو حادث الآن، لعامة المواطنين، والأطباء والطواقم المساعدة لهم.. وهذا أضعف الإيمان. أما تطوير المستشفيات وزيادة عدد غرف العناية المركزة، وأجهزة الكشف ومعامل التحليل وإجراء تحاليل عشوائية (ومنهجية) في أماكن العمل، وباختصار رفع كفاءة المنظومة الصحية عموماً، فهى مهمة أكثر تكلفة وتعقيداً، لكنها ضرورة بصورة مطلقة. وخلاصة القول إنه لكى يتم إجراءات تخفيف الحظر والإغلاق بدرجة كافية من الأمان، ويظل الوضع تحت السيطرة، فلابد من أخذ الاستعدادات الكافية لمنع انفلات العدوى وانتشار الوباء، ولتعزيز قدرة المنظومة الصحية على علاج الحالات الجديدة حتى لا نواجه أوضاعًا شديدة الخطورة، أو يخرج الأمر عن السيطرة.
حفظ الله مصر من كل سوء..

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE