الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 04:10 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : السياحة المصرية.. وتكلفة الاستهتار الفادحة

الأموال

حتى لا تتكرر جريمة الغردقة

هل تذكرون السائحين البريطانيين "زوج وزوجة" اللذين توفيا مؤخرًا في أحد فنادق الغردقة، وتضاربت التقارير بشأن سبب وفاتهما، وهل هو التسمم الغذائى أم أزمة قلبية؟ أخيرًا اتضح السبب بشكل رسمى، وفي تقرير للطب الشرعى المصرى مرفوع إلى النائب العام المستشار نبيل صادق (جريدة الأهرام ـ الخميس 13 سبتمبر) نشرت فى صفحتها الأولي، وعلي ثلاثة أعمدة خبرًا بعنوان »الطب الشرعى: وفاة السائحين البريطانيين بسبب بكتيريا إى كولاى« ونشرت على صفحتها التاسعة تقريرا رئيسيا على خمسة أعمدة بعنوان »نزلة معوية حادة تسببت في وفاة السائحين البريطانيين نتيجة الإصابة ببكتيريا إى كولاى«.. تناول تفاصيل تقرير الطب الشرعى. كما تضمن خبرًا عن إصدار وزيرة السياحة الدكتورة رانيا المشاط بيانًا أكدت فيه أن الوزارة تدرس التقرير، وتؤكد أن تطبيق أعلي معايير السلامة والجودة فى الخدمات المقدمة للسائحين علي رأس أولويات الحكومة، كما تقدم التعازى لأسرة المتوفيين.

وقبل كل شيء لابد من القول بأن هذا النشر المفصل لتقرير الطب الشرعى فى كبرى الصحف المصرية، وكذلك بيان وزيرة السياحة، يمثلان معًا أمرًا محمودًا يستحق الإشادة. كما يمثلان صفعة لأصحاب الأقلام غير المسئولة التى تبارت عند وفاة الزوجين المشار إليهما فى التنصل من أى مسئولية للفندق عمّا حدث لهما، وفى تقمص دور الأطباء والتأكيد على أن الوفاة نتجت عن أزمة قلبية تارة، أو عن الكحول تارة أخرى، مع التأكيد علي دور عنصر السن (الزوج 69 سنة ـ والزوجة 64 سنة).. إلخ.. دون انتظار لتقرير الطب الشرعى، ودون إعارة أى اهتمام لواقعة موت الزوجين فى نفس الوقت، ومظاهر التسمم الغذائى التى بدت عليهما!! وكأن هذه »الغلوشة الإعلامية« ستحل المشكلة، وتبرئ ساحة الفندق من أى مسئولية!! وكأن الاعتراف بخطأ فندق أو أى جهة مصرية سيمثل سبة في جبين مصر بأسرها! وسيلحق أضرارًا مدمرة بالسياحة المصرية.. ويخدم مؤامرات أعداء مصر ضد وطننا!! إلخ هذه الخزعبلات السخيفة التى تدفع نفرًا من أصحاب الأقلام والميكروفونات إلى رفض الاعتراف بأي مسئولية من جانب أى طرف مصرى عن أى خطأ أو أذى لحق بأى طرف أجنبى، وباعتبار أن مثل هذا الدفاع (العميانى) من ضرورات الوطنية والانتماء الوطنى!!

ويتجاهل هؤلاء أو يجهلون أن الدولة أو الدول ـ التى ينتمى إليها ضحايا أى حادث أو واقعة، ستهتم بالتحقيق ودراسة أسباب الأذى الذى لحق بمواطنيها، حفظا لحقوق هؤلاء المواطنين واحترامًا لهم، واحترامًآ من الدولة لنفسها أولاً.. ثم لمنع تكرار سبب الإيذاء ثانيا.. ولإنزال العقاب العادل بالمتسبب فى الإيذاء ثالثا.

ويتوهم هؤلاء أنهم برفعهم لرايات (الوطنية الزائفة) سيساعدون على جعل المخطئ يفلت من العقاب، وأنهم، بهذه الطريقة سيجنبون السياحة المصرية (أو أى جهة مصرية لها علاقة بالخطأ) أى مسئولية، وأنهم بهذه الطريقة يدافعون عن مصر نفسها!! وإذا تأملنا قليلا فسوف نكتشف أن هؤلاء (المغلوشين)، المدافعين عن الخطأ بالحق والباطل إنما يلحقون ضررًا فادحًا بالسياحة المصرية (فى هذه الحالة المحددة).. وبمصر وسمعتها واقتصادها، من حيث يدرون أو لا يدرون..

فالتحقيقات ستجرى فى مصر وفي بلدان السائحين أو المواطنين الأجانب.. والإعلام هنا لن يقصر في إبراز خطأ الجهة المصرية المعنية.. وكل إمعان في الإنكار من جانبنا سيواجهه إمعان فى الإثبات من الجانب الآخر.. والنتيجة المؤكدة هى مواقف إعلامية أكثر حدة تجاه مصر.. وإضرار أكبر بالسياحة المصرية، حتى تحصل الدولة (الغربية بالذات) على حقوق مواطنيها فى نهاية الأمر.. بينما ستكون مصر قد خسرت كثيرًا بسبب رغبة بعض الجهلاء في حماية فندق ما، أو مسئول ما، أو جهة ما، من دفع ثمن الخطأ وتحمل مسئوليته!! وبديهى أن هذا ليس من الوطنية في شيء علي الإطلاق..

وفى حالتنا المحددة، فإن شركة السياحة المعنية قد سحبت بقية السياح التابعين لها من الفندق محل الحادث، ثم أبدى كثيرون منهم رغبتهم فى قطع الرحلة.. وتم فتح التحقيق في مصر وبريطانيا وأصبحت السياحة المصرية محل اتهام، بغض النظر عن (غلوشة) بعض أصحاب الأقلام والميكروفونات.. وأخيرًا صدر تقرير الطب الشرعى فوضع حدًا للجدال..

لهذا السبب يقول إن النائب العام قد أحسن صنعًا حينما أذاع تقرير الطب الشرعى، ووزيرة السياحة قد أحسنت صنعًا بإصدار بيانها المشار إليه، ووعدت باستخلاص الاستنتاجات اللازمة.

فبهذه الطريقة لا تكون السياحة المصرية كلها في قفص الاتهام، وإنما فندق محدد والمسئولون فيه.. وبديهى أنهم سيدفعون ثمن ما جنته أيديهم.

ولمن لا يعلم ـ وقد سألنا الأطباء ـ فإن بكتيريا الـ»إى كولاى« هى من أنواع البكتيريا المرتبطة بدرجة متقدمة من فساد الأطعمة، وخاصة اللحوم، والتى توجد بكثرة في الأماكن والأشياء شديدة القذارة، ومنها البراز..

ولم يشر تقرير الطب الشرعى بالطبع إلي المصدر الدقيق لوجود هذه البكتيريا التى أدت إلى موت السائحين البريطانيين، لكنه أشار إلى وجودها، وبكثرة أدت إلى إصابتهما بنزلة معوية حادة أدت إلى وفاتهما فى النهاية.. (وكانت هى سبب الوفاة).. ويمكن لمن يشاء الرجوع إلي التقرير سواء فى الأهرام أو فى موقعه الإلكترونى.

وبالرغم من إشارة التقرير إلي أن حالة الزوج الصحية السيئة (ضيق في شرايين الأورطى بالذات) كانت من الأسباب التى ساعدت علي إضعاف مقاومته للنزلة الموعوية الحادة التي أصابته بسبب تناوله طعامًا شديد التلوث، فإن التقرير كان واضحًا تمامًا في تحديد هذه النزلة المعوية كسبب مباشر للوفاة بالنسبة له ولزوجته التى كانت حالتها الصحية عادية.

وإذا فإن الفندق (المحترم) قدم لنزلائه طعامًا فاسدًا أو شديد التلوث..

ونحن لا نعرف ما إذا كانت وزارة السياحة أو جهات التحقيق.. أو وزارة الصحة قد اتخذت قرارًا بإغلاق هذا الفندق (بصفة احترازية) أم لا.. لكننا نعتقد أن إغلاق الفندق ضرورى.. والإعلان عن هذا الإجراء علي أوسع نطاق أكثر ضرورة.. ومفهوم أن المسئولين عنه يخضعون للتحقيق طالما أن القضية بين يدى النائب العام.

إلاّ أن الأهم بكثير هو التطبيق الصارم لمعايير السلامة الصحية والجودة علي جميع الفنادق والمطاعم والمنشآت السياحية، سواء من جانب إدارة التفتيش في وزارة السياحة، أو من جانب وزارة الصحة ومكاتبها المنتشرة في جميع المحافظات، ونحن نعرف أن ما حدث فى فندق الغردقة ليس حادثة معزولة أو منفردة.. فحالات التلوث وفساد الأطعمة غير قليلة في فنادق ومطاعم ينبغى أن تكون بعيدة تمامًا عن أى احتمال لحدوث مثل هذه الأمور..

وصحيح أننا لم نسمع عن حالات وفاة بسبب حوادث كهذه، لكن حالات الإسهال والنزلات المعوية مختلفة الدرجات تحدث.. وهذه فضيحة لا يمكن السكوت عليها، وهي تعكس نقصًا معيبًا في الرقابة الصحية لا يمكن تبريره بأى حال، وخاصة في الأماكن السياحية.

لقد بدأت السياحة تستعيد عافيتها بعد سنوات عصيبة.. وتحقق للدولة والاقتصاد القومى دخلا طيبًا.. والدولة تنفق المليارات علي الاستثمار في السياحة، وعلى الترويج السياحى.. وتعلق آمالا عريضة علي ازدهار هذا النشاط الاقتصادى بالغ الأهمية.

وليس مقبولا أن يتسبب بعض المستهترين أو عديمى الضمير فى إهدار هذه الجهود الهائلة، وإلحاق الأذى بالاقتصاد الوطنى بسبب رغباتهم الدنيئة فى تحقيق أرباح أكبر باستخدام أطعمة فاسدة، أو بسبب إهمالهم.. لأن الضرر لن يُطال منشآتهم وحدها، وإنما سيُطال السياحة المصرية فى عمومها، والاقتصاد الوطنى بمجمله.. ومعروف أن حوادث مثل حادث الغردقة يترتب عليها إلغاء حجوزات، وإخراج مناطق بأكملها من خريطة الرحلات السياحية.. ويحتاج الأمر إلى أوقات طويلة حتى تعود الأمور إلى نصابها.. وكل هذه خسائر فادحة للاقتصاد القومى.

لهذا فإن تغليظ العقوبة على المخالفات والجرائم في هذا المجال يبدو أمرًا ضروريًا، بالإضافة طبعًا إلى ضرورة إحكام الرقابة وتطبيق معايير أعلى وأكثر صرامة لجودة عمل المنشآت السياحية والفندقية، وخفض تصنيف من لا يلتزم بها بدقة (عدد النجوم خمس.. أو أربع.. أو ثلاث.. إلخ).

وإذا كان حادث إهمال أو استهتار واحد يمكن أن يكلف بلادنا مليارات عديدة من عائد السياحة، وأن يحكم بالبطالة على آلاف من العاملين فيها، فإن من يرتكب مثل هذا الحادث يجب أن يعرف أنه يرتكب جريمة في حق الوطن.. وأن يدفع الثمن غاليًا، لا أن ترتفع دفاعًا عنه (رايات الوطنية الزائفة).. ومدفوعة الثمن غالبا!!

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE