الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 01:03 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : حكاوى عن الأغانى مع حكام مصر.. من فاروق إلى مبارك

أسامة أيوب
أسامة أيوب


من بين كل الأغانى الوطنية الحماسية التى تواكبت مع ‏التحديات التي واجهتها مصر والمعارك السياسية والحزبية ‏التى خاضتها فى تاريخها المعاصر، والتي تغنّى بها كبار ‏المطربين من أم كلثوم إلى عبدالحليم حافظ، والتى كان من ‏بينها بالضرورة تمجيد الحُكام والإشادة بإنجازاتهم بداية من ‏الملك فاروق وحتى الرئيس مبارك، فإن ثمة حكاوى ونوادر ‏عن بعض تلك الأغانى من الممكن أن تُحكى.. استدعتها ‏الذاكرة مع استماعى قبل أيام لأم كلثوم وهى تشدو بقصيدة ‏‏«الأطلال» من تأليف إبراهيم ناجى وألحان رياض السنباطي‎.‎
ففى العهد الملكى قبل يوليو ١٩٥٢.. كانت أم كلثوم تحيى ‏حفلا غنائيا فى النادى الأهلى عشية عيد الأضحى بأغنية «يا ‏ليلة العيد» وبينما كانت تقول «هلالك هل لعنينا وفرحنا ‏بيها..» تصادف أن دخل الملك فاروق مكان الاحتفال حسبما ‏كان يترقب الحاضرون دخوله فى أى لحظة، وبسرعة بديعة ‏غيّرت كلمات الأغنية لتحية الملك وقالت: هلالك «بفتح اللام» ‏وسعدها هايجينا على قدومك «بفتح الميم» فى ليلة العيد‎.‎
هذه اللفتة الذكية أسعدت الملك فاروق الذى صافحها مبتهجًا ‏وناداها يا صاحبة العصمة أى أنه منحها هذا اللقب الملكى ‏الذى لا يُمنح إلا لأميرات الأسرة العلوية، وقد تردد وقتها أن ‏الأميرات عبّرن عن الغضب من منح مطربة مهما كانت ‏مكانتها هذا اللقب الملكى الذى يجعلها مساوية لهن فى ‏البروتوكول‎.‎
‎<<<‎
حكاية أم كلثوم الثانية فى العصر الملكى هى غضب القصر من ‏بيت شعر واحد فى قصيدة «ولد الهدى» للشاعر أو بالأحرى ‏أمير الشعراء أحمد شوقى التى تغنت بها من ألحان رياض ‏السنباطى.. وذلك عندما قالت فى مدح الرسول صلى الله عليه ‏وسلم: «الاشتراكيون أنت إمامهم..» إذا كانت الاشتراكية فى ‏ذلك الوقت من الكلمات المكروهة، ورغم محاولات القصر ‏حذف هذا البيت، إلا أن أم كلثوم رفضت بشدة، وقد انتهت ‏المشكلة بسقوط الملكية بعد يوليو ١٩٥٢‏‎.‎
‎<<<‎
وفى العهد الجمهورى وفى فترة حكم الرئيس عبدالناصر ‏اضطرت أم كلثوم بحس شعرى وبذكاء سياسى أن تغيّر إحدى ‏كلمات قصيدة الأطلال التي بدأت بها هذه السطور والتى يصف ‏فيها ابراهيم ناجى الحبيبة بـ«واثق الخطى يمشى ملكا بكسر ‏اللام» إلى «ملكا بفتح اللام» إذ كانت كلمة ملك بكسر اللام من ‏الكلمات المكروهة فى العهد الجمهورى بعد أن أسقطت يوليو ‏الملكية وطردت الملك من مصر والذى كان يوصف بالملك ‏الفاسد‎.‎
‎<<‎
ومع بداية فترة حكم يوليو وحيث كان الرئيس محمد نجيب ‏رئيس مجلس قيادة الثورة وأول رئيس للجمهورية قد رفع ‏شعار المرحلة السياسية الجديدة وهو «الاتحاد والنظام ‏والعمل»، فقد صار محور الأغانى والأناشيد الوطنية فى ‏الإذاعة بل فى أفلام السينما خلال تلك المدة القصيرة التى ‏أمضاها محمد نجيب في رئاسة الجمهورية حتى عزله الضباط ‏الأحرار من مجلس قيادة الثورة‎.‎
‎< < <‎
وفى عهد الرئيس جمال عبدالناصر وخلال فترة ما كان يسمى ‏بـ«المد الثورى والقومى والعربى» وحيث تعددت الأغانى ‏الوطنية فى التعبير عن هذه الفترة، وفى تمجيد الزعيم وهي ‏الفترة الغنائية التي كان بطلها الشاعر والصحفى صلاح چاهين ‏وعبدالحليم حافظ الذى كان يُوصف بمطرب الثورة.. من بين ‏أغانى تلك الفترة تسببت كلمة فى إحداها فى مشكلة وهى كلمة ‏ضربة كانت من معلم «يقصد عبدالناصر» إذ خشى عبدالحليم ‏من أن يغضب الرئيس من وصفه بـ«المعلم»، إلا أن سرعان ‏ما جاءت الإشارة من الرئاسة بالموافقة بعد موافقة ‏عبدالناصر نفسه، إذ رأى أن وصف المعلم يعكس فى الثقافة ‏المصرية الشعبية قدراً كبيراً من الشجاعة والإقدام‎.‎
‎< < <‎
ولأن ذلك الزخم الغنائى الثورى والحماسى مع تمجيد الزعيم ‏عبدالناصر طوال عقدى الخمسينيات والستينيات قد بلغ ذروته ‏وصولا إلى أغنية «يا أهلا بالمعارك بنورها نتبارك» قبيل ‏حرب يونيو ١٩٦٧، فإنه لم يكن مستساغًا سياسيا ووطنيا ‏وشعبيا عند وقوع النكسة أن تستمر إذاعة تلك الأغانى، لذا لم ‏يجد النظام والإذاعة سوى أغنية وطنية واحدة خالية من ‏الحديث عن المعارك والانتصارات وتمجيد الأشخاص فى ‏شخص عبدالناصر.. وهي أغنية «بلدى أحببتك يا بلدى.. حبًا ‏في الله وللأبد (بكسر الدال)» وهى الأغنية التى غناها ولحنها ‏الفنان محمد فوزى والتى ظلت منسية ومهملة لا تُذاع طوال تلك ‏السنوات، إذ إنها بدت كأنها الأغنية المناسبة فى تلك الفترة ‏الحزينة باعتبارها تتغني بالوطن فقط بعيداً عن تمجيد ‏الأشخاص وحيث كان لها أكبر الأثر فى رفع معنويات ‏المصريين وسط أجواء الهزيمة‎.‎
ومن المعلوم فى تلك الفترة أن محمد فوزى كان مغضوبا عليه ‏لأنه لم يُقدم أغنية واحدة من نوعية الأغانى السائدة فى مدح ‏الزعيم، ولذا وقع عليه عقاب بالغ القسوة بتأميم شركة ‏الاسطوانات التى أسسها لتكون أول شركة من نوعها، وكان ‏ذلك سببا مباشرا فى شعوره بالقهر والظلم، حيث أصيب بنوع ‏نادر جدا من السرطان حار الأطباء فى علاجه فى مصر وفى ‏الخارج، لدرجة أنه تم تسميته بمرض محمد فوزى، الذي رحل ‏مقهورًا بعد أن نقص وزنه إلى ٢٥ كيلوجراماً، ولم يبق منه إلا ‏الأغانى العاطفية والوطنية الرائعة وكذلك أحلى وأفضل أغانى ‏للأطفال‎.‎
‎< <<‎
وفى عهد الرئيس السادات فإن حكايات ونوادر الأغانى ‏والمطربين كانت أكثر إثارة، وأولها حكاية أغنية لأم كلثوم ‏كانت منسية تماما ومهملة فى أرشيف الأغانى بالإذاعة وهى ‏أغنية «بالسلام احنا بدينا» والتى بدت مناسبة جداً بعد زيارة ‏السادات للقدس وبعد توقيع معاهدة السلام، وكأنها وليدة ‏اللحظة أو كأن أم كلثوم تغنيها بالتزامن مع مبادرة السادات ‏للسلام‎.‎
ومن بين الكم الهائل من الأغنيات الوطنية التى تغنى بها كبار ‏المطربين بعد انتصار السادس من أكتوبر.. كانت أغنية «على ‏الربابة» للمطربة وردة الجزائرية هى المُفضلة لدى الرئيس ‏السادات حسبما جاء فى إجابته على سؤال صحفى عن الأغنية ‏التى يحب الاستماع إليها عن نصر أكتوبر، إذ أجاب فورا ‏وسريعا ودون تفكير «الربابة.. الربابة‎».‎
‎‎‏<‏‎ >>‎
وفى حكاية أخرى بالغة الطرافة من حكايات ونوادر الأغانى ‏فى عهد الرئيس السادات.. كانت الأغنية الشهيرة للمطربة ‏شهرزاد التى تقول كلماتها «عسل وسكر.. عسل عيون حبيبى ‏عسل.. ضحكة حبيبى سكر».. هذه الأغنية غنتها شهرزاد فى ‏مناسبة كان يحضرها السادات، وحيث ظلت تشير إليه بيديها ‏مع كل كلمات الأغنية وكأنها تتغزل فيه شخصياً، ثم أضافت ‏وهى تشير إليه أيضا «وإنت حبيبى يا حلو يا أسمر‎».‎
واللافت أن الرئيس السادات ظل مبتسمًا سعيدًا بما فعلته ‏شهرزاد واعتبر ذلك تحية مقبولة منها، مع ملاحظة أنه كان ‏معروفًا عنه أنه محب للطرب ومستمع جيد للأغانى خاصة ‏أغانى أسمهان، بل إنه كان «يدندن» ببعض الأغانى عندما ‏كان يخلو إلى نفسه خاصة فى شبابه‎.‎
‎‎‏<<<‏
أما أعجب حكاية من حكايات ونوادر الأغانى فى عهد السادات ‏وأكثرها إثارة وغرابة فكانت حكاية المطرب محرم فؤاد الذى ‏كان يغنى فى مناسبة يحضرها السادات، إذ بدأ الغناء بالأغنية ‏التي تقول كلماتها «رخصتى يا دنيا الغالى، وغليتى اللي ‏مايسواش» وعندئذ أصاب الجميع الحرج الشديد من هذا ‏الاستهلال السيئ من جانب المطرب الذى اتسم بالغباء ‏السياسى ولم يراع مقتضى الحال، إذ لم يكن من اللائق وعلى ‏ذلك النحو من إساءة الأدب وأن يقول فى حضرة رئيس ‏الجمهورية: «غليتّى اللى مايسواش‎».‎
وعلى الفور تنبه المطرب إلى تلك السقطة بإشارات زاجرة من ‏الحاضرين ومن رجال الرئيس بالضرورة فتوقف عن الغناء ‏على الفور وانتقل إلى أغنية أخرى ومرت الصدمة بسلام، مع ‏ملاحظة أن الحفل كان مذاعًا على الهواء عبر شاشات ‏التليفزيون‎.‎
‎<<<<‎
أما فى عهد الرئيس مبارك والذى كان يحرص على حضور ‏الحفل الغنائى السنوى بمناسبة انتصار أكتوبر والذى تخصَّص ‏الموسيقار عمار الشريعى فى تلحين أغانيه وفقراته لسنوات ‏طويلة حتى توقف قبل ثورة ٢٥ يناير، فقد حدث فى إحدى ‏هذه الحفلات أن قدم عدد كبير من المطربين أغنية بعنوان ‏‏«اخترناك» والتى ظلت الأشهر فى عهد مبارك، ومن بين ‏فقرات هذه الأغنية جاءت فقرة المطربة التونسية لطيفة التى ‏ذكرت فيها كلمة «كفر مصيلحة» وهى القرية التى ولد فيها ‏مبارك بمحافظة المنوفية، عندها ابتسم مبارك وضحك مبتهجًا ‏مرورًا بهذه اللفتة والتى بدا أنها أسعدته كثيرا رغم كل ‏الأغنيات الأخرى التى مجدته وتحدثت عن إنجازاته‎.‎
لقد عكس ذكر كفر مصيلحة فى الأغنية ذكاءً سياسياً من ‏جانب الشاعر عبدالسلام أمين مؤلف الأغنية ولعل السبب فى ‏ذلك يرجع إلى أنه مؤلف درامى مبدع ومن ثمَّ لديه الحس ‏الإنسانى الذى جعله يدغدغ مشاعر مبارك بوصفه إنسانا قبل أن ‏يكون رئيسا عندما ذكر اسم قريته فى الأغنية‎.‎
‎‎‏<‏‎ < <‎
تلك كانت بعض الحكاوى والنوادر عن بعض الأغانى ‏ومطربيها مع حكام مصر فى العهود السابقة، وأحسب أنها لم ‏تبتعد كثيرًا عن السياسة، وعساها تكون أيضا رؤية سياسية ‏حسب العنوان الذى أكتب مقالاتى تحته‎.‎

مصر للطيران
حكاوى عن الأغانى. حكام مصر. فاروق . مبارك

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE