الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 01:16 صـ
  • hdb
14 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : حسابات المكسب والخسارة فى العدوان الصهيونى والمقاومة الفلسطينية

الأموال


مع تواصل العدوان الصهيونى الوحشى على غزة حتى كتابة هذه السطور عصر الثلاثاء الماضى، ورغم وحشية هذا العدوان على الشعب الفلسطينى فى غزة والذى أسفر عن استشهاد ما يزيد على ٢٢٠ من المدنيين العزل.. بينهم عشرات النساء والأطفال ورغم الخسائر التي ألحقها العدوان بالبنية التحتية للقطاع وحركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى، ورغم إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين السلميين فى بلدات الضفة الغربية.. تضامنا مع غزة ونصرة للمسجد الأقصى.. رغم كل ذلك فإن الرياح سوف تأتى بما لا يشتهى ويستهدف الإرهابى نتنياهو، بل على العكس تماما فإن هذ ا العدوان قد أعاد القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام العالمى بعد أن كادت تتوارى في طى النسيان.
لقد فجرّ نتنياهو غضب الشعب الفلسطينى الذى لن يتوقف وأشعل بعدوانه البربرى ثورة هى الأكبر منذ ١٩٦٧ لن تتوقف إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية العربية، ولذا فإن ما بعد العدوان سيكون مختلفا تماماً عما قبل العدوان على كافة الأصعدة الفلسطينية والصهيونية والإسلامية والعربية والدولية.
<<<
ففى داخل الكيان الصهيونى ذاته فإن إسرائيل باتت مهددة بما يشبه الحرب الأهلية التى بدت بوادرها بالاشتباكات التى جرت بين السكان الفلسطينيين (عرب ٤٨) وبين اليهود فى البلدات التى يقطنها العرب واليهود، وذلك هو الخطر الداخلى الداهم على دولة الاحتلال، وهو ما تخوّف منه سياسيون ومحللون يهود باعتباره خطرا يهدد بقاء إسرائيل ذاتها.
<<<
على الصعيد الفلسطينى.. أعادت الغارات الجوية المتواصلة علي غزة بل جددت قدرة المقاومة الفلسطينية فى أقوى صورها على مواجهة وحشية عدوان جيش الاحتلال الصهيونى بقدر ما أكدت شجاعة وصمود الشعب الفلسطينى فى التصدي لإرهاب الصهاينة وعلى نحو مذهل رغم انعدام التكافؤ فى القوة العسكرية حسبما تبدّى جليًا فى دقة وقوة رشقات الصواريخ وقذائف الهاون التى انهمرت على الداخل الإسرائيلى وعلى تل أبيب ذاتها وعلى النحو الذي فاجأ جيش الاحتلال وأفقده توازنه.
إن هذه الحالة الثورية التى تبدت بشجاعة غير مسبوقة فى المواجهات المسلحة مع قوات الاحتلال يوم الثلاثاء الماضى مع الإضراب العام الذي شمل أراضى الضفة الغربية والبلدات العربية فى الكيان الصهيونى.. تضامنا مع غزو المسجد الأقصي وحي الشيخ جراح، ورغم سقوط شهداء وجرحى.. هذه الحالة الثورية الفلسطينية مع استمرار صواريخ المقاومة فى غزة.. تؤكد أن شعب فلسطين هو شعب الجبارين وأنه سوف ينتصر فى النهاية ويزيل الاحتلال وهذا ليس كلاما عاطفيا إنشائيا لكنه حقيقة تجلت على الأرض.
<<<
على الصعيد الدولي فقد كشف هذا العدوان الصهيونى عن تخاذل إزاء نصرة شعب محتل يواجه القمع والقتل وارهاب قوات الاحتلال، بينما الضمير العالمى على مستوى الحكومات غائب بل متواطئ مع إسرائيل التي تمارس التمييز العنصرى اليهودى ضد العرب الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين.
<<<
ثم إنه مما يعد مدعاة للدهشة والاستياء أن يجرى التعاطى الأوروبى مع هذا العدوان الصهيونى ومع قتل المدنيين من الأطفال والنساء داخل بيوتهم بتصريحات مائعة غير منصفة.. تساوي بين القاتل والمقتول وبين الجانى والضحية بمطالبة الطرفين بوقف التصعيد والعنف دون إدانة واضحة ومستحقة لإسرائيل ودون إنذارها بوقف العدوان على المدنيين فورا في تجاهل وتغافل عن أن إسرائيل هى البادئة بالعدوان في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح ثم في غزة.
هذا الموقف الأوروبى لا وصف له سوى أنه نفاق مبتذل لإسرائيل وتواطؤ ضمنيا معها على حساب حقوق وحريات الشعب الفلسطينى وهو الشعب الوحيد على ظهر الكوكب الذى يرزح تحت الاحتلال.. أسوأ احتلال فى التاريخ البشرى ويتعرض لأبشع جرائم حرب بالمخالفة للقانون الدولى وحقوق الإنسان اللذين يتشدق بهما الغرب الأوروبى.
<<<
أما الأسوأ على الإطلاق فى تلك المواقف الدولية فهو الموقف الأمريكى الذي تجاوز الانحياز إلى إسرائيل إلى التواطؤ فيها حسبما تبدى بعرقلة انتقاد مجلس الأمن وعندما يقول الرئيس جو بايدن أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وكأنها هى التى تتعرض للعدوان ثم حين يصف حركة المقاومة المشروعة حماس بأنها حركة إرهابية.. فى قلب واضح للحقيقة.. حقيقة أن إسرائيل هى التى تمارس الإرهاب وأن حماس هى التى لها الحق فى الدفاع عن غزة والشعب الفلسطينى في مواجهة العدوان الصهيوني.
<<<
المؤسف أيضا فى المواقف الأوروبية والأمريكية هو الزعم بالسعي لوقف التصعيد والتهدئة من خلال التحرك الدبلوماسى مع أطراف عربية وهو مسعى بدا شكليا وغير جاد إذ إن واشنطن تملك القدرة على إجبار إسرائيل على وقف العدوان، والحقيقة أن تباطؤ أمريكا وهو تواطؤ يهدف إلى منح إسرائيل مزيدا من الوقت لمواصلة إرهاب الشعب الفلسطينى ومعاقبته على المقاومة ريثما يتم تدمير مقدرات حماس وفصائل المقاومة العسكرية، وهو الأمر الذى يفضح نيات وتوجهات أوروبا وأمريكا العدائية ضد الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة رغم التشدق بحل الدولتين منذ عشرات السنين دون تحرك حقيقى لإنجاز هذا الحل.
<<<
حتى مواقف حكومات العالمين الإسلامى والعربى فإنها وبحق لم ترق إلى مستوى العدوان، ولم ترق إلى دعم حقيقى للشعب الفلسطينى والدفاع عن القدس والمسجد الأقصي والدعم المقصود هنا هو استخدام أدوات الضغط المتاحة لديها على واشنطن وأدوات العقوبات على إسرائيل، ومن المؤسف أن تخرج تصريحات من دولة الإمارات العربية تتحدث وسط هذا العدوان الوحشى عن أن اتفاقيات إبراهام هى التى تؤسس للسلام!
< < <
حقيقة الأمر لقد أراد نتنياهو بهذا العدوان الوحشى في هذا التوقيت تحقيق عدة أهداف، أولها التغطية على اعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين اليهود علي المسجد الأقصى والمرابطين والمصلين فى أواخر شهر رمضان الماضي وعيد الفطر وكذلك علي الاعتداءات التى تعرض لها المسيحيون فى عيد القيامة حسبما أوضح المطران عطاالله حنا والذى أكد أن إسرائيل تمارس التمييز العنصرى اليهودى ضد الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين علي حد سواء، وهو الأمر الذى يكشف عن الإرهاب الدينى اليهودى الذى تمارسه إسرائيل وهى رسالة إلى الغرب الأوروبى الأمريكى الذى يروّج لأن الإرهاب فى العالم إرهاب إسلامى.
<<<
ثم إن نتنياهو استهدف أيضا التغطية على جريمة اعتزام تهجير السكان الفلسطينيين من منازلهم فى حى الشيخ جراح بالقدس الشرقية لهدمها وإقامة مستوطنات فوقها، وحيث جرى الاعتداء من جانب الشرطة وجيش الاحتلال على سكان الحي وعلى المتظاهرين والمتضامنين معهم اعتراضا على جريمة التهجير البشرى المخالف للقانون الدولى، وهي الجريمة التى تصب فى خانة تغيير هوية مدينة القدس العربية وتهويدها فى إطار خطة الاستيطان الإسرائيلية والاستيلاء على المدينة بالكامل.
<<
ثم إن نتنياهو استهدف بهذا العدوان الهروب من محاكمته بتهم فساد ودخوله السجن، بدعوى أن اسرائيل فى حالة حرب دفاعًا عن أمنها، ومن ثم يتم تأجيل تشكيل الحكومة التى فشل في تشكيلها ثم الذهاب إلى انتخابات هى الخامسة فى أقل من ثلاث سنوات.
<<<
ولذا فإن نتنياهو سوف يدفع ثمنًا سياسيا شخصيا لهذا العدوان بقدر ما سوف تدفع إسرائيل ثمنا اقتصاديا وعسكريا باهظا، باعتبار أن هذا العدوان كلف إسرائيل خسائر بعشرات المليارات من الدولارت بمعدل مليار دولار يوميا تكلفة الغارات الجوية والصواريخ الحربية فى قصفها لغزة، وذلك بخلاف عشرات المليارات التى خسرها الاقتصاد الإسرائيلى جراء قصف خط الغاز الإسرائيلى ومنشآت أخرى وجراء تعطل حركة الحياة والاقتصاد والذي بلغ درجة إغلاق مطار بن جوريون ووقف الرحلات الجوية القادمة إلي إسرائيل من عواصم العالم مما أسفر عن خسائر باظة لقطاع السياحة.
<<<
ليست الخسائر الاقتصادية فقط هى الخسائر جراء هذا العدوان ولكن ثمة خسائر أكثر فداحة ولا تخفى دلالتها متمثلة فى حالة الرعب والهلع التى أصابت المواطنين اليهود الإسرائيليين جراء رشقات الصواريخ التى انهمرت على اسرائيل والتى تجاوزت ثلاثة آلاف صاروخ من أصل ٥٠ ألف صاروخ لاتزال فى حوزة حماس وفصائل المقاومة فى غزة، وحيث أجبرت تلك الصواريخ على البقاء بجوار الملاجئ للاحتماء من رعب هذه الصواريخ التى فشلت القبة الحديدية فى التصدى لأغلبها مع ملاحظة أن تكلفة إنتاج الصاروخ لا تزيد على ٣٠٠ دولار بينما تبلغ قيمة الصاروخ الاسرائيلى ما يزيد علي ٣ آلاف دولار وهو الأمر الذى يُؤكد أهمية وقوة المقاومة الفلسطينية.
<<<
بحسابات المكسب والخسارة ورغم الخسائر التى تعرضت لها غزة والشعب الفلسطينى الذى سقط منه عشرات الشهداء ومئات الجرحي والمصابين يبقي أنه إذا كان قد مسّ الفلسطينيين قرح فقد مسّ اليهود الإسرائيليين قرح مثله، وإن كان قرح الإسرائيليين بمعايير انعدام التكافؤ فى القوة العسكرية أكبر وأقسى رغم أن قتلاهم لم يزيدوا علي ١٢ قتيلا مع ملاحظة أن القتلى الإسرائيليين معتدون محتلون وأن القتلى الفلسطينيين شهداء يقاومون إرهاب جيش احتلال، ويبقى أن قتلاهم فى النار وقتلى الفلسطينيين شهداء فى الجنة.
<<<
يبقى أن أُذكّر بأنى تحدثت فى مقال الأسبوع قبل الماضى ــ إذ احتجبت الجريدة عن الصدور فى عيد الفطر ــ عن استراتيجية الرئيس الأمريكى جو بايدن بشأن السياسة الخارجية لإدارته لتسوية أزمات وصراعات المنطقة.. فى سوريا والعراق واليمن وليبيا، حيث اعتبر أنه لا مصلحة لأمريكا فى الانخراط فى هذه الصراعات وفى معارك لا نهائية وأن على واشنطن التوجه نحو آسيا والتفرغ لمواجهة النفوذ الصينى المتنامى والمناوئ لأمريكا.
<<<
وكنت أنتوى التطرق إلى القضية الفلسطينية باعتبارها لب الصراعات فى الشرق الأوسط ومن ثم فإنه لا نهاية لأزمات المنطقة ولا استقرار ولا سلام دائم فى الشرق الأوسط إلا بحل هذه القضية حلا عادلا من خلال حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
ولذا فإن نجاح استراتيجية بايدن الجديدة فى المنطقة يبقي رهنا بحل القضية وفقا لمرجعيات الشرعية الدولية وعلى أساس حل الدولتين الذى عبّر عنه خلال حملته الانتخابية وقبل دخوله البيت الأبيض، وعلى النحو الذى أشاع أجواء تفاؤل عربى وفلسطينى بقرب تحرك أمريكى جاد لحل القضية خاصة بعد تعاطف شعوب العالم فى أرجاء المعمورة مع الشعب الفلسطينى ومع استنكار واستهجان العدوان الإسرائيلي.
<<<
سوف تبقى مصداقية الرئيس جو بايدن وإدارته علي المحك في قادم الأيام عبر تحرك جاد وضغط حقيقى علي اسرائيل لوقف العدوان والممارسات الإرهابية ضد الشعب الفلسطينى ومن ثم التوصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية أى التوصل إلى حل دائم لهذا الصراع يُحقق الاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط مع ملاحظة أن ثمة اعتراضات على تباطؤ بايدن في وقف العدوان الإسرائيلي من داخل حزبه.. الحزب الديمقراطى.. وإلى قادم الأيام..

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE