أسامة ايوب يكتب: فرعون.. اسم أحد ملوك مصر القديمة
الحضارة المصرية القديمة وآثارها ليست فرعونية ولا قدماء المصريين فراعنة ولا نحن أحفاد الفراعنة
هذه السطور عن الحضارة المصرية القديمة تأخرت عن كتابتها كثيرًا، إذ كلما هممت بالحديث عنها مستهدفًا تصحيح خطأ تاريخى التصق بها كانت تدهمنى أحداث جسام عربية وإقليمية فرضت نفسها، وإن ظلت قضية الحضارة المصرية القديمة حاضرة فى بؤرة الاهتمام ولم تغب حتى وإن تأجلت كثيرًا.
غير أن افتتاح المتحف المصرى الكبير فى الأول من نوفمبر الجارى وبما أحدثه من زخم عالمى، تخليدا وتوثيقا لآثار وعجائب تلك الحضارة.. بدا مناسبة فرضت نفسها وحرصت ألا تفلت منى لتصحيح ذلك الخطأ التاريخى الظالم للحضارة المصرية القديمة.
إن تسمية الحضارة المصرية القديمة وكذلك آثارها الشامخة والخالدة بالفرعونية هى الخطأ الشائع والذى ظل ومازال شائعا طوال عقود مضت وحتى الآن والمؤسف أن يظل هذا الخطأ مسكوتا عنه وعن تصحيحه.. تصحيحا يرفع فى نفس الوقت ظلما تاريخيا ووطنيا عن مصر القديمة وحضارتها العريقة التى لا خلاف على أنها أقدم بل أولى الحضارات التى عرفتها البشرية على كوكب الأرض منذ بداية التاريخ بل قبل كتابة التاريخ الإنسانى.
> > >
إن تسمية هذه الحضارة وآثارها بالفرعونية تنطوى على التباس كبير يتعين إزالته وعلى خلط فادح يتعين توضيحه، حيث تنسب إلى أحد ملوك مصر القديمة قبل آلاف السنين كان اسمه «فرعون» ولم يكن لقبه، وحيث كان ملوك مصر القديمة يعرفون بأسمائهم والتى لم يكن من بينها اسم فرعون أو لقب فرعون.
ولقد كان الملك فرعون أسوأ ملوك مصر القديمة، إذا ادعى الألوهية حسبما ورد فى القرآن الكريم وحيث كانت نهايته غرقًا فى معجزة إلهية على يد النبى موسى عليه السلام، بينما لم يسجل تاريخ مصر القديمة وفقا لترجمة اللغة الهيروغليفية وفك رموز حجر رشيد أن أحدًا غيره من ملوك مصر القديمة قد ادعى الألوهية أو كان ملكا مستبدا مثلما كان الملك فرعون.
...
إن تاريخ مصر القديمة عبر آلاف السنين حافل بأسماء ملوك عظام.. شيدوا تلك الحضارة بأيدى علماء وعمال وأبناء مصر القدية، وصدوا عن مصر غزوات المعتدين الطامعين وأحرزوا أكبر الانتصارات العسكرية التى سجلت بسالة الجيش المصرى منذ فجر التاريخ ولاتزال تلك الانتصارات باقية ومسجلة على جدران المعابد حتى الآن.
لقد سجل الملك مينا اسمه فى التاريخ المصرى القديم بوصفه موحد القطرين.. مصر العليا «الصعيد» ومصر السفلى «الدلتا» وحيث ظلت مصر دولة موحدة داخل حدودها الحالية منذ آلاف السنين وحتى الآن.
ولايزال التاريخ يذكر اسم الملك أحمس وانتصاراته وإنجازات مصر الحضارية فى عهده، وكذلك الملك تحتمس الثالث وانتصاره على الغزاة وحماية حدود مصر القديمة الباقية حتى الآن.
أما الملك إخناتون فيحسب له تاريخيا أنه حافظ على الوحدة الوطنية فى مصر القديمة وأنقذها من الطائفية العقائدية والانقسام الدينى بقراره توحيد الديانتين بمقاييس ذلك العصر «آمون وآتون» فى ديانة واحدة، وحيث كان توحيد العقيدة الدينية أمرًا بالغ الأهمية كان من شأنه الحفاظ على استقرار الدولة ووأد الفتنة التى كان يشعلها كهنة معبد آمون.
> > >
ولقد سجل تاريخ مصر القديمة اسم الملكة حتشبسوت حيث كانت مصر سباقة منذ آلاف السنين فى أن تعتلى امرأة العرش، وحيث سجل التاريخ أيضا أنها حكمت مصر بكل قوة وحنكة، بينما كانت زيارتها التاريخية إلى بلاد بونت «الصومال فى العصر الحديث» لعقد صفقات تجارية حدثا غير مسبوق باعتبارها أول ملكة تقدم بزيارة خارجية وحيث كانت هذه الزيارة آخر زيارة يقوم بها حاكم مصرى لتلك البلاد، وهنا أذكر أن سفير الصومال فى القاهرة فى ثمانينيات القرن الماضى أشار إلى هذه الزيارة بمناسبة الإعداد لزيارة الرئيس الأسبق حسنى مبارك إلى الصومال وقال لى إنها أول زيارة لحاكم مصرى إلى الصومال منذ زيارة الملكة حتشبسوت قبل آلاف السنين.
> > >
ويبقى أن أشهر هؤلاء الملوك وأكثرهم ذكرًا وتداولًا بين المصريين بوجه خاص وشعوب العالم هو خوفو وخفرع ومنقرع والذين استمدوا هذه الشهرة بسبب الأهرامات الثلاثة التى خلدت أسماءهم حيث لاتزال تلك الأهرامات شاهدًا حيًا منذ آلاف السنين على عبقرية المصرى القديم وشاهدًا أيضا على التقدم العلمى المذهل الذى أنتج تلك الحضارة والتى لاتزال تحير علماء العالم الذين وقفوا عاجزين عن التوصل إلى كيفية بناء تلك الأهرامات التى بدت معجزة معمارية تكنولوجية من غير الممكن تكرارها رغم التقدم العلمى الكبير غير المسبوق فى العصر الحديث.
إن معجزة الأهرامات الثلاثة هى التى استند إليها مباهيًا بحضارة مصر القديمة فى قصيدته الرائعة «مصر تتحدث عن نفسه» عندما قال:
وبناة الأهرام كفونى الكلام عند التحدى.
وإذا كانت الأهرامات الثلاثة التى شيدها ملوك مصر العظام خوفو وخفرع ومنقرع هى الأثر الحضارى الأشهر والأوضح من بين عشرات الآلاف من الآثار المصرية، فإن كل الآثار المصرية من مسلات وتماثيل عملاقة نحتها المصرى القديم بتلك العبقرية والإبداعى تبقى أيضًا شاهدًا على عظمة الحضارة المصرية القديمة التى أنتجت كل هذه الآثار.
> > >
إن الحضارة المصرية القديمة التى أذهلت البشرية هى التى دفعت علماء الآثار والتاريخ والعمارة فى العالم الحديث إلى دراستها بكل العمق حتى ظهر علم جديد يجرى تدريسه فى جامعات أوروبا باسم «علم المصريات» مع ملاحظة أنهم لم يطلقوا عليه اسم علم الفراعنة!
المثير واللافت فى استمرار هذا الخطأ التاريخى الشائع أن عموم المصريين والكثير من الخاصة والمثقفين مازالوا يصفون حضارتهم القديمة العريقة بالحضارة الفرعونية ويتحدثون عن آثارها بوصفها آثارًا فرعونية بل إنهم يصفون قدماء المصريين بالفراعنة ثم يتباهون بأنهم أحفاد الفراعنة حتى عندما يفوز لاعب فى إحدى اللعبات الرياضية أو منتخب مصر الكروى فى مباراة فإنهم يتباهون بفوز فريق الفراعنة، وهو نفس الخطأ الذى التصق باللاعب المصرى محمد صلاح الذى احترف فى بريطانيا حيث يصفونه بالفرعون فى الإعلام البريطانى أو بين مشجعى فريقه من البريطانيين.
ومن المؤسف أن الإعلام فى مصر.. المقروء والمرئى على حد سواء هو الذى كرس هذا الخطأ التاريخى حتى شاع بين المصريين دون إدراك لأن هذا الخطأ يلحق أكبر ظلم بحضارة مصر القديمة وبالمصريين القدماء.
> > >
وللإنصاف فإن علماء الآثار وأساتذة الآثار فى الجامعات لا يقعون فى مثل هذا الخطأ، وحيث لم يسجل على أحدهم أنه وصف الحضارة وآثارها المصرية بحضارة الفراعنة والآثار الفرعونية، ولذا فإنه يبقى عليهم واجب بالغ الأهمية فى تصحيح ذلك الخطأ الظالم الشائع عبر وسائل الإعلام التى عليها الانصياع لهذا التصحيح، بحيث لا يتحدث أحد فى الإعلام عن الملك توت عنخ آمون على أنه الفرعون الصغير!! ولا يصف الآثار على أنها الآثار الفرعونية حسبما يحدث الآن.
والأهم هو أن يمتد هذا التصحيح إلى خارج مصر بحيث يتوقف الإعلام الخارجى عن تسمية الحضارة المصرية القديمة وآثارها بالفرعونية، وإذ يبقى هذا التصحيح فى الخارج واجبًا وطنيًا وتاريخيًا مفروضًا على جميع المصريين.
> > >
خلاصة القول إن الحضارة المصرية القديمة ليست حضارة فراعنة، وإن الآثار المصرية القديمة ليست آثارًا فرعونية وأن قدماء المصريين ليسوا فراعنة، ولا نحن أحفاد الفراعنة، ذلك وكما أسلفت أن فرعون كان اسم ملك من ملوك مصر القديمة ولم يكن لقبه ولم يكن لقبًا لأى ملك غيره، لذا لزم الانتباه والتنبيه والتصحيح.












