الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 02:09 صـ
  • hdb
16 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : العراق فى مهب العواصف الأمريكية - الإيرانية (3/3)

الأموال

أوضحنا فى المقالين السابقين من هذه السلسلة (الأموال - 6 و 13 ديسمبر) كيف يلقى الصراع الأمريكى - الإيرانى على النفوذ فى العراق بظلاله الثقيلة على الحياة السياسية والاجتماعية والأوضاع الأمنية فى العراق. وشرحنا كيف أدت الخطيئة الاستراتيجية الأمريكية لسلطة الاحتلال الأمريكى (بعد الغزو فى 2003) بحل الجيش العراقى وتدمير مؤسسات الدولة إلى نشوء فراغ سياسى وإدارى وأمنى هائل استغلته إيران للتغلغل عميقاً فى البلاد، ودعم الميليشيات الطائفية المتطرفة الموالية لها.. ثم كيف أدى (الدستور) الذى فرضته أمريكا على العراقيين إلى تعزيز النزعات الطائفية بين الشيعة والسنة بصورة غير مسبوقة فى تاريخ العراق الحديث، وإلى تعميق النزعة الانفصالية لدى الأكراد فى الشمال.
كما أوضحنا كيف أدى التقاعس المتعمد فى إعادة بناء وتسليح الجيش العراقى (فضلاً عن الدور الأمريكى المشبوه فى خلق «القاعدة» ثم «داعش».. والإفراج عن قياداتهما من سجون الاحتلال) إلى استفحال خطر «داعش» واستيلائها على ثلث مساحة البلاد.. الأمر الذى أتاح لفصائل «الحشد الشعبى» الموالية لإيران فرصة القيام بدور بارز فى التصدى لداعش.. وبالتالى حصدت الولايات المتحدة نتائج مناقضة تماماً لما أرادته فى البداية..
ويلفت النظر بشدة مثلاً أنه حينما برز دور قيادة عسكرية وطنية (شيعية) مثل الفريق عبدالوهاب الساعدى قائد قوات مكافحة الإرهاب، فى تحرير الموصل (وهى المعركة الأكبر ضد داعش) تم عزله من منصبه وإحالته إلى دور إدارى فى وزارة الدفاع!! ليخلو المجال للميليشيات الموالية لإيران، ولزعمائها العسكريين والأحزاب السياسية المستندة إليها.
وحينما تفجرت الانتفاضة الشعبية فى أكتوبر 2019 وتلاحمت فيها جماهير السنة والشيعة فى حراك شعبى عارم، أطاح بالحكومة المستندة إلى ميليشيات موالية لإيران أو شخصيات مرتبطة بالأجهزة الأمنية الأمريكية، وطالبت الجماهير المنتفضة بمحاكمة الفاسدين، وبإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، تحت إشراف قضائى نزيه.. كما نجحت الحركة الشعبية فى إسقاط أكثر من مرشح لتشكيل الحكومة من الأحزاب الموالية لإيران.. وبدا أن النظام الطائفى العراقى يتعرض لشرخ كبير بمشاركة الجماهير السنية والشيعة (المرتبطة بتيارات أقرب إلى الاعتدال والنزعة العربية).. وأن الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران تتعرض لعزلة متزايدة.. ولم يكن أمام المرجع الشيعى العراقى الأعلى (السيستانى).. من إعلان تأييده للانتفاضة على المتظاهرين.
وفجأة.. جاء اغتيال أمريكا للجنرال الإيرانى -قاسم سليمانى، ونائب قوات «الحشد الشعبى» أبو مهدى المهندس ليربك المشهد، ويخلط الأوراق ويضعف زخم الانتفاضة الشعبية بشدة.. ويدفع إلى صدارة الأحدث من جديد الصراع بين أمريكا وإيران (والموالين لها) بعد أن كان الصراع بين الجماهير الشعبية العرقية من السنة والشيعة المعتدلين ذوى النزعة العروبية من ناحية، والأحزاب والميليشيات والسياسيين الطائفيين الفاسدين هو الذى يحتل صدارة المشهد السياسى.
الكاظمى.. وبداية التغيير
وتقديرنا أن الانتفاضة الشعبية لو كانت قد تركت تمضى إلى غايتها.. ولو أن صانع القرار الأمريكى كان لديه من الذكاء ما يجعله يتوارى عن صدارة المشهد فى تلك المرحلة بالغة الأهمية بالنسبة للشعب العراقى، لكانت الانتفاضة قد توصلت إلى تحقيق تغييرات بالغة الأهمية فى المشهد السياسى العراقى، وإضعاف ومحاصرة الطائفية، فضلاً عن إضعاف كل من التأثيرين الأمريكى والإيرانى على الحكومة العراقية. ولكن البديهى أن هذا كله - باستثناء إضعاف النفوذ الإيرانى - هو آخر ماكان يمكن أن يشغل ترامب.
على أية حال فإن الأثر السياسى لثلاثة أشهر من الانتفاضة الجماهيرية الحاشدة، أتاحت إمكانية تكليف شخصية من خارج جميع الأحزاب الطائفية برئاسة الحكومة.. وهو أمر لم يكن ممكناً تمريره فى البرلمان الموبوء بالاستقطاب الطائفى، لولا تأثير الانتفاضة. وهكذا تم تكليف السيد/ مصطفى الكاظمى رئيس المخابرات الأسبق بتشكيل حكومة جديدة مؤقتة، مهمتها الأساسية إجراء انتخابات مبكرة خلال عام واحد (يوليو 2021) بعد تعديل قانون الانتخابات، وتشكيل مفوضية جديدة للإشراف على الانتخابات، وبالطبع الخروج بالبلاد من حالة الشلل الاقتصادى التى كانت قد بلغتها ظل حكومة عادل عبدالمهدى، والتى أدت لاشتعال انتفاضة أكتوبر.
والكاظمى رجل معروف بنظافة اليد، وبكفائته فى إدارة عمله السابق كرئيس للمخابرات. كما أنه غير مرتبط بأى من الأحزاب المتصارعة، وخاصة الطائفية المتطرفة (وهو شيعى معتدل).. وهو مطلع بصورة ممتازة على ملفات الفساد وإساءة استخدام السلطة بحكم منصبه السابق.. ولديه علاقات متوازنة بكل من إيران وأمريكا بحكم المنصب أيضاً.. ومن الأهمية ارتباط العراق بمحيطه العربى، بخلاف رؤساء الحكومات السابقين عليه، وبديهى أنه مهتم جدياً بمكافحة الإرهاب، وكان من أولى القرارات التى اتخذها بعد تشكيل الحكومة.. ولقيت صدى شعبياً طيباً.. إعادة الفريق عبدالوهاب الساعدى إلى منصب قائد قوات مكافحة الإرهاب. وكذلك بدء حملة لمكافحة الفساد وطالت عدداً من القيادات، وتحجيم نفوذ قيادات الميليشيات الموالية لإيران فى أجهزة الدولة (بصورة نسبية) والأمر بتنقية جداول المنتسبين للحشد الشعبى من «الأشباح».. المقيدين بصورة وهمية لمجرد صرف مرتباتهم
مد الجسور مع الدول العربية
كما بدأ الكاظمى فى مد جسور العقلاقات مع دول الجوار العربية، وفى مقدمتها مصر والسعودية والأردن على النحو الذى أشرنا إليه فى مقالين سابقين (الأموال 29 نوفمبر - و 6 ديسمبر).. وهو الأمر الذى أسفر عن توقيع عدد من الاتفاقيات مع مصر، فى مقدمتها اتفاق «النفط مقابل إعادة الإعمار».. والاتفاق على إقامة خط للربط الكهربائى من شأنه إتاحة إمكانية الاستغناء عن الحصول على الطاقة الكهربائية من إيران.. واتفاقات أخرى شأن الاستثمار، وتعظيم التبادل التجارى عبر الأراضى الأردنية.. إلخ. وذلك أثناء زيارة رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى إلى بغداد.
ومما يشير إلى اهتمام الطرفين بتطوير التعاون بينهما بوتيرة متسارعة، قيام نائب رئيس الوزراء العراقى، ووزير التخطيط الدكتور خالد بتال نجم إلى القاهرة مؤخراً (11 ديسمبر 2020) على رأس وفد رفيع المستوى، حيث استقبله الرئىس السيسى الذى أبدى اهتمامه الكبير بتطوير التعاون فى مختلف المجالات، وتقديم كل المساعدات الممكنة، وبوتيرة سريعة.. وقد تم أنثاء الزيارة توقيع بروتوكولات للتعاون بين وزارتى التخطيط والزراعة فى البلدين.. كما أعلن الوزير العراقى أن البلدين شديدا الاهتمام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه فى إطار أعمال اللجنة العليا المشتركة.. كما أعلن عن الإعداد لقمة ثلاثية ثانية قريباً بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء العراقى، وملك الأردن (القمة الأولى انعقدت فى أغسطس الماضى - وتفاصيلها منشورة فى مقالنا بالأموال - 20 نوفمبر 2020).
ومعروف أن الكاظمى كان قد اجتمع مؤخراً بولى العهد السعودى، وتم الاتفاق على تقديم مساعدات صحية (فى مجال مكافحة الكورونا) واقتصادية سعودية للعراق.. كما تم إعادة افتتاح معبر «عرعر» البرى بين البلدين لتطوير التجارة البيئية، وانتقال الأفراد.
.. كما تشهد العلاقات العراقية - الأردنية تطوراً مستمراً فى كافة المجالات.
وقد أشرنا فى مقالاتنا السابقة بقدر كبير من التفصيل إلى الآفاق الواسعة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين مصر والعراق، وما تحققه من مصلحة متبادلة للطرفين - كما أشرنا إلى الآفاق الكبيرة لتطوير التعاون بين بغداد وكل من السعودية والأردن - وهو ما يجرى العمل عليه لوتيرة متسارعة كما أشرنا. كما توجد آفاق كبيرة لتطوير التعاون بين العراق وبقية الدول الخليجية، وبلدان عربية أخرى.
وواضح أن القيادة العراقية الحالية تدرك ذلك كله وأن هذا التوجه جدى تماماً لديها.. كما أنها تسعى لتوسيع نطاق علاقاتها الدولية.. وهذا هو السبيل للتحرر من وضع العراق كساحة للصراع الأمريكى - الإيرانى، والتحرر من هذه التبعية المزدوجة التى سببت للبلاد كوارث كثيرة.. أعاقت تقدمه طويلاً.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE