الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 04:32 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : الفراخ المجمدة.. واقتصاد السوق.. وصحة الشعب

الأموال

الجدل الساخن الدائر هذه الأيام حول موضوع »الدواجن المجمدة« وأسعارها الرخيصة وصلاحيتها.. إلخ يسلط الضوء بقوة علي كثير من عورات حياتنا الاقتصادية، سواء من ناحية المفاهيم أو الممارسات وطريقة اتخاذ القرارات.. أو الدفاع عن المواقف ونقائضها بنفس الحجج!!

..فجأة ظهرت على الأرصفة وأمام المجمعات الاستهلاكية »فراخ مجمدة« يبلغ سعر الواحدة منها 12.5 جنيه.. (الأربعة بخمسين جنيه«!! بينما سعر الكيلو جرام من »الفراخ البيضاء« نحو 35 جنيها!! و»الفراخ الحمراء« التي توصف بأنها »بلدية« (38 أو حتى 40 جنيها)!! وفى ظل الغلاء الفاحش ومحدودية الدخول كان منطقيا أن يتدافع الجمهور بالمناكب لشرائها، بغض النظر عن بعض الشكوك فى صلاحيتها.. فثمن الدجاجة أرخص حتى من ثمن الكيلوجرام من الأرجل والأجنحة والعظام الخالية من اللحم التي يشتريها الفقراء ليصطنعوا رائحة (الزفر) فى بيوتهم.. أو يحصلوا على (مرقة) مغشوشة يطبخون بها شيئا لأولادهم.. وهذه الفراخ تباع أولا وأخيرًا فى منافذ حكومية، وبالتالى فإنها لا يمكن أن تكون ضارة بالصحة.. ونحن المصريين لدينا (معدة تهضم الزلط) كما يقال!!

وكان طبيعيًا أن يتحول قسم كبير من المستهلكين لشراء الفراخ المجمدة الرخيصة، تاركين الفراخ الطازجة التى ترتفع أسعارها بصورة جنونية فى الفترة الأخيرة، دون مبرر معقول. وبدا الأمر أشبه بلكمة هائلة مفاجئة (وتحت الحزام!) ترنحت علي أثرها كل أطراف صناعة وتجارة الدجاج.. فالانخفاض الحاد والمفاجئ في أسعار (البديل) أثر كثيرا على مبيعاتهم، وفرض عليهم التفكير بسرعة فى تخفيض الأسعار، أو مواجهة العواقب الوخيمة.

وهكذارأينا منتجى وتجار الدواجن يمتشقون سيف (الدفاع عن صحة الشعب).. ويهاجمون الصفقة مطالبين الدولة بسحبها من الأسواق وإعدامها باعتبارها منتهية الصلاحية!! وهنا أعلنت وزارة التموين بوضوح تام أن الصفقة غير فاسدة وأن صلاحيتها ممتدة حتى شهر مارس.. وإن لم تحدِّد بداية مارس أو نهايته.. ولكن في جميع الأحوال فإن تجار الدواجن يبيعون بضاعتهم القريبة من انتهاء الصلاحية بنفس النسبة أو أقل قليلا ــ وأحيانا منتهية الصلاحية فعلا ــ إلى محال السوبر ماركت الكبرى وإلى المطاعم ومحلات الشاورمة وغيرها، وهو مايتم ضبطه والإعلان عنه فى الصحف من وقت لآخر، دون تحديد أسماء المحلات غالبا!!

أى أن ما يزعج تجار الدواجن ليس »صحة الشعب« ولا مسألة الصلاحية وما شابه، وإنما أن صفقة وزارة التموين تباع بأرخص كثيرا مما يبيعون هم إنتاجهم (سواء كان جيدًا أو معيبا).. لكن سلاح »الحرص على صحة الشعب« يبدو أكثر فعالية فى مجال المزايدة.. وهو ما يجعلنا نتذكر صفقات »الفراخ الفاسدة« و»الفراخ بالسلامونيلا« وغيرها من المهازل المعروفة، والتى ينكرها التجار بكل إصرار بغض النظر عن تقارير الطب البيطرى وحالات التسمم المتكررة، وتقول لهم من فضلكم لا تزايدوا باسم الشعب وصحته!!

ولكن هل يعنى هذا أن الصفقة الأخيرة ممتازة.؟ بالتأكيد لا.. لأن اللحوم تفقد الجزء الأكبر من قيمتها الغذائية مع قرب انتهاء فترة صلاحيتها، وتتحول إلى ألياف خالية أو شبه خالية تماما من البروتينات.. أى أنه دجاج رخيص فعلا.. وغير مضر.. نعم.. لكنه عديم أو قليل القيمة الغذائية ومع ذلك فإن رائحة (الزفر) الصادرة عنه ترضي المستهلك الفقير.

وهنا يبرز سؤال موجه إلى منتجي وتجار الدواجن: ما الذى يرفع أسعار الدواجن إلى الدرجة التى تجعلها بعيدة المنال بالنسبة للمستهلك محدود الدخل؟ أليس إصرار حضراتكم علي تحقيق أرباح فاحشة بدعوى اقتصاد السوق وحريته؟ وإذا كان تخفيض أسعار الدجاج بهذه الدرجة ــ حتى بسبب قرب انتهاء صلاحيته ــ يسلط الضوء علي تكلفة الإنتاج والاستيراد الحقيقية.. ألا يعنى هذا أنكم تستطيعون تخفيض الأسعار، وتحقيق أرباح معقولة جدا مع ذلك؟

من ناحية أخرى يثير منتجو وتجار الدواجن قضية هامة هى إمكان الإضرار بصناعة الدواجن الوطنية فى حالة بيع دواجن مستوردة بسعر أقل بكثير من الإنتاج المحلى.. لكن الحق هنا يمكن أن يختلط بالباطل من زاوية أن المنتجين المحليين يمكن أن يكتفوا بهامش ربح معقول، مما يجعل إنتاجهم أكثر تنافسية، ويقطع الطريق علي الإنتاج المستورد الأرخص.. فلماذا لا يفعلون ذلك إذا كانوا حريصين إلى هذا الحد على مصالح الشعب؟! يجيبونك فورا بأن مبدأ »حرية السوق« أو »حرية الاقتصاد« يعطيهم هذا الحق.. أى أنهم يطالبون الحكومة بحماية »حقهم« في ابتزاز أعلى أرباح ممكنة من المستهلكين!! ويسمون هذا »حرية اقتصادية«!!

ولعلنا إذا عدنا بالذاكرة قليلا إلى الوراء نتذكر إعفاء الحكومة للدجاج المستورد من الجمارك ـ العام الماضي ـ لمدة أسبوعين، الأمر الذى استفادت منه مافيا الاستيراد بمبلغ حوالى 1.5 مليار جنيه ثم تم إلغاء القرار!! وقتها تضامن الرأى العام مع منتجى الدواجن، وطالبوا بأن يكون الإعفاء من الجمارك للعلف ولمستلزمات الإنتاج، ليتم تخفيض تكلفة المنتج... ولكن بمجرد انتهاء الأزمة عاد كل شيء لما كان عليه، وبدأ المنتجون والتجار يتضامنون معًا لرفع الأسعار، حتى بلغت حدودًا أدت لإضعاف قدر الناس على الاستهلاك.. وهو ما أدى مثلا لانخفاض استهلاك اللحوم مما أجبر تجارهم ومنهم الجزارون علي خفض أسعارها بما بلغ 30 جنيها للكيلوجرام في بعض المحافظات.. دون أن يعنى ذلك بالطبع أنهم لا يكسبون.. وإلا لما كانوا استمروا فى ممارسة مهنتهم.. وكان من أهم أسباب ذلك توفير الدولة للحوم المستوردة بأسعار أقل.. وصحيح أنها أقل جودة وطعما من اللحوم البلدية.. إلاّ أنها وفرت إمكانية طيبة لاستهلاك اللحوم.. بما أتاح ضغطا علي التجار والجزارين، أجبرهم على إظهار قدر من الاعتدال.. وهو ما ينبغى أن يفعله تجار الدواجن لتعتدل أحوال السوق بصورة معقولة.

والواقع أن كل ما سبق يوضح أن إطلاق الحرية بدون ضوابط للمنتجين والتجار ومافيا الاستيراد لإشعال الأسعار، دون ضرورة اقتصادية، ودون مبالاة بحرمان الفقراء وتهديد السلام الاجتماعى، وتحت دعاوى »حرية السوق«.. هي سياسة تنعكس بالضرر على كل أطراف عملية الإنتاج والتوزيع والاستهلاك. وأن المطلوب هو انتهاج سياسة تراعى مصالح جميع الأطراف.. ليسير الاقتصاد ويتطور بصورة متوازنة.

مصر للطيران
الدواجن المجمدة المجمعات الاستهلاكية
بنك الاسكان
NBE