الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 07:37 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : مرة أخرى.. سوريا تواجه مخاطر التقسيم

الأموال

بسبب المؤامرات الأمريكية.. والأطماع الكردية والتركية:

مرة أخرى.. سوريا تواجه مخاطر التقسيم

 

بالرغم من الثمن شديد الفداحة من الأرواح والمعاناة الإنسانية التى فوق القدرة على الوصف، والدمار الهائل الذى تكبده الشعبان السورى والعراقى فى مواجهة الإرهاب الذى تبنته ورعته أمريكا، سعيًا لتنفيذ خططها فى تشكيل ما يسمى بـ»الشرق الأوسط الجديد« الممزق إلى دويلات وكانتونات متناحرة على أسس دينية ومذهبية وعرقية (راجع ما كتبته وزير الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون، وما قاله الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب حول دور إدارة أوباما ـ كلينتون فى هذا الصدد أثناء حملته الانتخابية صيف وخريف عام 2016).

وبالرغم من الانتصارات فادحة التكلفة والمروية بدماء غزيرة، التى حققتها شعوب المنطقة ضد الإرهاب الأسود، فإن الولايات المتحدة ظلت طوال الوقت ـ ولاتزال ـ تحاول خلط أوراق أى خطوة نحو التسوية والتوجه إلي الحياة المستقرة وإعادة الإعمار وإنهاء معاناة وتشرد الشعوب، هذا  ما حدث مثلا في العراق مؤخرا بعد هزيمة داعش وتدمير تجمعاتها الكبرى، حيث شجعت واشنطن الأكراد على إجراء الاستفتاء حول حق تقرير المصير وإعلان استقلالهم عن بغداد.. لكن الخطر الكبير الذى مثلته هذه الخطوة دفع حكومات العراق وإيران وتركيا ـ علي ما بينها من تناقضات كبيرة ـ إلى التحالف فى مواجهة هذه الخطوة الاتصالية وإحباطها تماما.. ودخلت القوات العراقية إلى المناطق الكردية، وأعادت الأمور إلى نصابها بأسرع مما تصورت واشنطن وأربيل..

أما فى سوريا فقد بذلت أمريكا كلجهد ممكن لتعطيل الحرب علي داعش والنُصرة وغيرها من المنظمات الإرهابية، وتوجيه الضربات إلي الجيش السورى، وفرض التعثر على »مسيرة جنيف« للتسوية السياسية، والدفع بها إلى طريق مسدود.. ثم حاولت تعطيل »مسار آستانة« وشنت هجوما دبلوماسيا وإعلاميا ضاريا على اقتراح عقد مؤتمر سوتشى للحوار الوطنى السورى، فى محاولة لإفشاله قبل أن يرى النور.

وحينما أصبح واضحًا أن الجهود التعويقية الأمريكية نالها الفشل، أخرجت واشنطن من جعبتها ورقة انفصالية تقسيمية شديدة الخطورة.. هى الورقة الانفصالية الكردية، التى لجأت لتفجيرها مؤخرا فى محاولة لإعادة الصراع فى سوريا إلى مربع البداية!! والسعى لإقامة دولة انفصالية كردية في سوريا تحت ستار الفيدرالية!

كانت القوات الأمريكية بعد دخول القوات الروسية إلى سوريا (30 سبتمبر 2015) قد فقدت زمام المبادرة علي الساحة السورية.. وتمكن الروس من قلب الأوضاع العسكرية لصالح الجيش السورى والقوات المتحالفة معه، إلا أن القوات الأمريكية كثيرا ما كانت تتدخل لوقف تقدم الجيش السورى وحلفائه، كما حدث مثلا فى سبتمبر 2016 حينما نجح هؤلاء الحلفاء فى تحرير جبل »الثردة« الاستراتيجى المطل على مطار دير الزور، تمهيدًا لفك الحصار عن المطار، لكن القوات الجوية الأمريكية هاجمت القوات السورية والحليفة وأنزلت بها خسائر فادحة (أكثر من مائة شهيد).. وساعدت »داعش« على إعادة احتلال الجبل.. والأمثلة كثيرة.. بينما كانت طائرات التحالف الأمريكى كثيرا ما تلقى بـ»الخطأ!« المؤن والعتاد والذخيرة على قوات داعش!!

الأمر الأكثر خطورة أن الولايات المتحدة سعت إلى إقامة قواعد جوية وبرية علي امتداد المناطق الكردية والمناطق المجاورة لها.. ومعروف أن الأكراد يوجدون (بصورة متناثرة وغير متصلة) فى محافظات الحسكة، فى أقصى الشمال الشرقى للبلاد، والرقة الواقعة فى الجزء الأوسط من الحدود السورية الشمالية المشتركة مع تركيا، ثم محافظة حلب.. في الشريط الشمالى منها وصولا إلى مدينة »عفرين«.. فى الركن الشمالى الغربى على الحدود المشتركة مع تركيا.. وكذلك فى محافظة دير الزور المجاورة للحسكة والرقة من الجنوب (انظر الخريطة)، وقد بدأت سلسلة القواعد الأمريكية فى المناطق الكردية والمجاورة لها من قاعدة الرميلان الجوية عند مثلث الحدود السورية ــ العراقية ـ التركية.. وقاعدتين بريتين فى القامشلى وعامودا لتمتد غربا إلى قاعدتين علي الحدود السورية ـ التركية، وثالثة جنوب الحسكة كلها مخصصة للقوات الخاصة الأمريكية »الشدادى« جنوب الحكسة »وتل بدر وتل تامر« علي الحدود السورية ـ التركية.. ثم تتجه سلسلة القواعد الأمريكية لتضم قاعدتين بريتين جنوبي عين العرب الشهيرة التى دارت فيها معارك ضارية بين الأكراد وداعش.. قاعدتا: تل ميستانور، وعين عيسى البريتان وقاعدة »حدين« الجوية شمال غربى عين العرب، وهى قاعدة كبيرة قادرة على استقبال طائرات الشحن، بالإضافة إلى قاعدة (خراب عشق) الجوية جنوب غرب عين العرب، والمخصصة لاستقبال طائرات الهليكوبتر العسكرية.. وهناك أيضًا مركزان قويان للمراقبة فى مدينة »منبح« بمحافظة حلب..

هذه القواعد والمواقع الأمريكية المحاطة بكل مظاهر التمويه، والتي تخفى واشنطن بعناية عدد القوات الأمريكية فيها (قوات خاصة ذات قدرات قتالية متطورة).. اعترف الجنرال لقوات التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب بأن عدد القوات الأمريكية فيها 4000 رجل (وكالات ومواقع إلكترونية بتاريخ 1 نوفمبر 2017).. يقومون بدعم وإمداد قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارًا باسم (قسد) التي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين أغلبيتهم العظمى من الأكراد.. وهي قوات مسلحة بالأسلحة الثقيلة والمتطورة وذات تدريب ممتاز.

اللافت للنظر أنه بعد هزيمة داعش، قامت القوات الأمريكية بإمداد (قسد) بكميات هائلة من الأسلحة المتقدمة، منها مثلا 2000 طائرة بدون طيار، وصواريخ ستينجر المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، وصواريخ مضادة للدروع، فضلا عن 5000 سيارة وعربة قتالية محملة بالأسلحة والذخيرة!!

ولاحظ أن هذه الإمدادات الهائلة جاءت بعد هزيمة داعش، وبالتزامن مع ارتفاع الدعوات إلى الفيدرالية بين الأكراد!! فعند من سيتم استخدام هذه الأسلحة إذا لم يكن ضد الجيش السورى وحلفائه؟

ما أشعل الموقف أكثر فى الشمال السورى، ولدى تركيا هو إعلان الولايات المتحدة عن تأسيس جيش كردى جديد (بخلاف قسد!) بهدف حماية حدود ما يسمونه بـ(المنطقة الكردية)!! من ناحية الشمال، أى الحدود السورية ـ التركية، والشرق، أى الحدود العراقية، وتحت اسم »قوات حرس الحدود«.. وأنه سيتم تدريب وتسليح هذه القوات تحت قيادة أمريكية.. علما بأنه كانت قد أجريت انتخابات لتشكيل ما يعرف باسم الإدارة الذاتية للإقليم..  أى أنه بدأت ترتسم كل الملامح الأولية لدولة كردية تحت قيادة أمريكية!! وحينما يتم اتخاذ هذه الخطوات العسكرية قبل أيام من انعقاد مؤتمر سوتشى (روسيا) للحوار الوطنى السورى.. فإن المعنى الوحيد لذلك هو أن الأكراد يتوجهون إلى المؤتمر من موقع قوة.. وبحماية أمريكية وأنه إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم »الفيدرالية التى رأينا في العراق كيف تتحول لمطالبة بكونفيدرالية أو دولة مستقلة«.. فإنهم يكونون أحرارًا فى اتخاذ الخطوات التى تروق لهم!! وبحماية أمريكا التى تعلن أنها لا تنوى الانسحاب قريبا من سوريا..

> > الذين يناقشون هذه القضية سواء من الأمريكان أو من القوميين الأكراد المتحمسين يتجاهلون حقائق لا يجوز تجاهلها مطلقا.. فى مقدمتها:

1 - إن المنطقة المسماة بـ»المنطقة الكردية« ليست كردية في حقيقة الأمر.. لأن عدد الأكراد في سوريا لا يزيد علي 8 ــ 10% من مجموع السكان.. ليسوا كلهم مقيمين فى هذه المنطقة.. بينما تبلغ مساحة هذه المنطقة من 25 ــ 30% من مساحة سوريا..

2 - إن الأكراد لا يمثلون أغلبية سكان المنطقة بل أقليتهم.. حوالي 25 ــ 30% منهم، بينما يمثل العرب أغلبية السكان، إلي جانب أقليات قومية ودينية أخرى من الآشوريين والأيزيديين وغيرهم.. وكل هؤلاء متداخلون في أماكن إقامتهم.. وهناك تجمعات كردية يفصل بينها وبين غيرها عشرات الكيلومترات.. أى أنه لا يوجد امتداد قومى كردى واحد في المنطقة.

3 - فكيف إطلاق اسم المنطقة الكردية على المنطقة لمجرد أن فيها تجمعات كردية غير متصلة.. بينما أغلب سكانها عرب وأقليات أخرى؟ هل لمجرد أن الأكراد مسلمين جيدا ويتمتعون بدعم أمريكى؟!

4 - علما بأن القوميين الأكراد تمتد مطامعهم إلى مناطق أوسع تشمل حوالى ثُلث مساحة سوريا التي تبلغ 185 ألف كم2، وهناك خرائط لمعاهد ومراكز أبحاث كردية تؤكد ذلك، يمكن العثور عليها ببساطة على الشبكة العنكبوتية.

5 - الأمر الذى لا يقل عن ذلك كله أهمية ــ إن لم يزد ــ هو أن هذه المنطقة بالذات تضم أكثر من 60% من الأراضى الخصبة فى سوريا.. وأكثر من 60% من المياه العذبة فيها.. وحوالى 70% من الغاز الطبيعى والبترول.. أى الجزء

الأعظم من الثروات الطبيعية وموارد الحياة فى سوريا.. وهذه المنطقة بكل ثرواتها يراد لها أن تكون دولة تحمل اسم (8 ـ 10% من السكان)!! تحت حماية أمريكا!!

لهذه الأسباب كلها ـ وغيرها ــ بدأت روسيا ترفع صوتها مطالبة بجلاء القوات الأمريكية عن سوريا حينما بدأت التحركات العسكرية الأمريكية والكردية التى ذكرناها.

ونظرا لما هو معروف من حساسيات عن تركيا  ضد أى حديث عن كيان كردى (ناهيك عن دولة) في المنطقة المجاورة لحدودها الجنوبية أو الشرقية، حيث يوجد نحو 20 مليونا من الأكراد المتطلعين للانفصال، فقد أثارت الخطوات الأخيرة المذكورة قلقا وغضبا عميقين لدي أنقرة، التى رأت في الموقف المتوتر الناشئ فرصة لمحاولة تحقيق أطماعها التوسعية العدوانية فى شمال وشمال غرب سوريا، فتقدمت بقواتها لدخول »عفرين« الكردية الواقعة علي حدودها الجنوبية مع سوريا (فى أقصى جنوب غرب الحدود).. وبدأت تتحدث عن إمكانية الزحف على (منبج) علي بعد 100 كم نحو الشرق.. وهى مدينة عربية تقع شمال شرق حلب.. وهكذا اشتعلت منطقة الحدود السورية ـ التركية من جديد!

> > بقيت حقيقة لا يصح أن نغفلها.. تلك هى أن قوات حرس الحدود الكردية المزمع إنشاؤها من المقرر أن تضم مئات من »الدواعش« الذين قبضت عليهم القوات الكردية في منطقة الرقة ما حولها!! وهى مرشحة لأن تضم المزيد!! وبعلم أمريكا!!

>> وبقيت حقيقة أخرى بالغة الأهمية.. بل أهم من كل الحقائق الأخرى وهى أنه إذا لم يدرك العرب المخاطر الهائلة المترتبة على موقفهم العبثي من أمنهم القومى فإن بلدانا عربية أخرى معرضة لأن تتكرر فيها المهزلة.. وفكرة العروبة ذاتها معرضة للزوال...

اللهم هل بلغت؟

اللهم فاشهد..

 

 

مصر للطيران
سوريا العراق تركيا
بنك الاسكان
NBE