الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 03:57 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: زيادة أسعار السجائر.. وحكومة وبرلمان «مصلحة المواطن»

الأموال

 

 

 

رغم الإقرار بأضرار التدخين الصحية التى لا خلاف عليها والتى يُقرها المدخنون أنفسهم قبل غيرهم من الأطباء والناصحين ومنهم السيد وزير المالية «الحريص على صحة المواطنين»، ورغم محاولات كثير من ملايين المدخنين hلإقلاع عن التدخين، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل.

ورغم الإقرار أيضًا وفي المقابل بضرورة تصدىّ الحكومة الواجب للزيادة المستمرة في أسعار السلع الغذائية الضرورية باعتبارها حريصة على «صحة المواطنين ومصلحتهم» بحسب تبرير السيد وزير المالية لرفع أسعار السجائر قبل أيام اتباعًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، إلا أنها فشلت هى الأخرى ومازالت تفشل في الإقلاع عن الزيادات المستمرة والمتتالية لأسعار السلع والخدمات، بينما تتقاعس في اتباع توصيات هذه المنظمة الدولية فيما يتعلق بتدبير الرعاية الصحية الواجبة للمواطنين.

< < <

وبسبب هذا الفشل الحكومى في الإدارة الرشيدة لموارد الدولة الذاتية والقروض الخارجية وعلى النحو الذى يُسفر عن العجز الكبير والمستمر في الموازنة العامة للدولة، وبسبب عجزها غير المبرر عن تحقيق العدالة في توزيع أعباء وتداعيات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى على كافة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية وبما يتناسب مع دخول أفراد كل طبقة، وبسبب عجزها أيضاً عن تحصيل ــ ولا نقول زيادة ــ الضرائب المستحقة على الأثرياء وأصحاب الدخول المرتفعة والمتضخمة والمتهربين من سدادها.

بسبب هذا العجز وذاك الفشل، فإن الحكومة  اختارت حسبما  تختار دائما اللجوء إلي الطريق السهل والحلول السريعة بزيادة أسعار الخدمات الحياتية الضرورية مثلما فعلت في الكهرباء والمحروقات والنقل الجماعى والمواصلات والاتصالات ومياه الشرب والغاز الطبيعي في الاستهلاك المنزلي بينما لم تقترب من الشركات والمصانع الكبيرة والضخمة ذات الاستهلاك الصناعى المرتفع والتى تحقق أرباحاً طائلة ومُبالغ فيها.

لم تكتف الحكومة بتلك الزيادات المتتالية في أسعار تلك الخدمات والكهرباء والمحروقات والتي سوف يتبعها زيادات أخرى قادمة في سياق سياسات رفع الدعم نهائيا خلال الفترة القصيرة المقبلة، ولكنها تقف عاجزة نهائياً عن التصدى لاستمرار الزيادات الهائلة فى الأسعار خاصة أسعار السلع الغذائية الضرورية والتى هى القوت الضرورى والحد الأدنى للحياة في بلد نصف شعبه تحت خط الفقر وفقاً للمعايير الدولية للفقر، وهى ذاتها المعايير التي تعيّر بها الحكومة الشعب عندما تتحدث عن الدعم المستحق للفقراء ومحدودى الدخل.

< <<

اللجوء إلى الطريق السهل والحلول السريعة التي اختارت الحكومة أن تسلكه إلي نهاية غير متوقعة النتائج في غيبة رؤية سياسية للتداعيات الاجتماعية الخطيرة لسياساتها.. جعلها تتحول إلى حكومة جباية حيث استمرأت التوسع في فرض الضرائب والرسوم علي السلع والخدمات والتي كان آخرها الزيادة في ضريبة القيمة المضافة والتي بررّتها حسبما تقول إعلاناتها التليفزيونية بأنها في «مصلحة المواطن»!!

ولذا فإن قرار الحكومة قبل أيام بزيادة أسعار السجائر والتي بلغت في بعضها أكثر من ستة جنيهات نموذج واضح وحقيقى لغيبة الرؤية السياسية للآثار الاجتماعية الناتجة عن قراراتها، ومن ثم فإن هذا القرار «خطأ سياسى» علي حد وصف عدد من نواب البرلمان الذىن اعترضوا علي إقراره، وهو أيضا ودون أن يكون ذلك تكرارًا نموذج لفشل الحكومة في إدارة موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية باللجوء إلي الحلول السهلة علي حساب المواطنين.

< < <

ورغم أن السجائر ليست من السلع الضرورية بالفعل، إلا أن الاعتراض على الزيادة الأخيرة في أسعارها وحيث باتت سلعة مرتفعة السعر جدًا.. سببه تأثيرها الاقتصادى والاجتماعى على ملايين الأسر المصرية، باعتبار أن هذه الزيادة الكبيرة شئنا أم أبينا سوف تخصم كثيرا من نفقات الغذاء الضرورى لها ولأطفالها، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الزيادة لن تقلل من التدخين ولن تفلح في إقلاع المدخنين عنه مثلما لا تقلع الحكومة ولن تقلع عن ممارسة سياساتها غير الاجتماعية وغير السياسية لرفع الأسعار وفرض المزيد من الضرائب والرسوم كلما فتشت في دفاترها القديمة.

< < <

ثم إن العائد من هذه الزيادة في أسعار السجائر أو بصيغة أدق من زيادة ضريبة القيمة المضافة علي هذه السلعة لا يزيد وفقًا لتقديرات الحكومة علي ما بين سبعة إلي ثمانية مليارات جنيه، وهو رقم ضئيل نسبياً مقارنة بقيمة العجز في الموازنة العامة للدولة ومقارنة بتكلفة الإنفاق الحكومى في مجالات مختلفة، ومن ثم فإنه يتضاءل أيضًا مقارنة بالتكلفة الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة والصعبة التي سوف يتسبب فى إلحاقها بالأسر والأطفال.

< < <

ليس دفاعًا عن التدخين، ولكن الواقع الاجتماعى والاقتصادى والذى تسبب في معاناة بالغة الصعوبة لملايين المصريين في السنوات الأخيرة خاصة في السنة الأخيرة منذ قرار تحرير سعر الصرف.. هذا الواقع من شأنه أن يجعل هذه الزيادة تضيف المزيد من المعاناة والضغوط النفسية وهى ضغوط يتعيّن ألا يُستهان بها، إذ لم يعد في قوس صبر المصريين منزع.

< < <

حقائق هذا الواقع الاجتماعى والاقتصادى والنفسى للمصريين لم ينتبه إليها البرلمان يوم الثلاثاء الماضى عندما أقر زيادة أسعار السجائر في نصف ساعة بينما يتباطأ فى إقرار الكثير من التشريعات الضرورية والمهمة ومنها ما هو مكمّل للدستور!

هذه العجلة البرلمانية تعنى أن الأمر الحكومى قد صدر وأن الزيادة مقررة بالفعل وأن على مجلس النواب أن يقرها دون مناقشة متأنية حتى لو تم ذلك بالمخالفة للقواعد البرلمانية، إذ إن مشروع قانون الزيادة ورد إلى مجلس النواب صباح يوم الثلاثاء الماضى وتمت إحالته فورًا إلى لجنة الخطة والموازنة التى عقدت اجتماعًا لإقرارها أثناء انعقاد الجلسة العامة بالمخالفة للمواعيد المقررة لعقد اللجان بعد الساعة الرابعة!

< < <

المضحك المبكى في إقرار هذه الزيادة هو تبرير النائب المحترم محمد السويدى رئيس ائتلاف دعم مصر بأنها «في مصلحة المواطن» وأنها «محاولة لتقليل استخدام السلع الضارة مثل السجائر وأن هذه الزيادة ستساعد المواطن علي تقليل استخدامه لها ليوجه أمواله لأسرته»!

هذا التبرير المتهافت من جانب النائب المحترم الذي يترأس الأكثرية ربما الأغلبية البرلمانية يقود إلي سؤال مهم ومنطقى في سياق حرصه على «مصلحة المواطن» وهو هل السلع الغذائية الضرورية للحياة من السلع الضارة التى ترفع الحكومة أسعارها حتى يقلل المصريون من استخدامها لطعامهم وإطعام أطفالهم وأن ذلك التقليل فى «مصلحة المواطن» أيضًا!!

< < <

أما النائب المحترم محمد الحسينى فقد أوقع نفسه والحكومة والبرلمان في فخ كبير كاشف وفاضح لأوضاع المصريين المعيشية حين برّر زيادة أسعار السجائر بأنها أيضًا «في مصلحة المواطن»، وبحسب قوله «الأولى بالمدخن أن يشترى ربع كيلو لحمة بدلا من التدخين».

هذا التبرير المؤسف من جانب هذا النائب يكشف عن أمرين بالغى الأسف.. الأول هو أن تكلفة التدخين لا تساوى إلا «ربع كيلو لحمة»، وهى دلالة علي الارتفاع المروع في أسعار اللحوم والتى حرمت غالبية المصريين من شرائها، والثانى أنه يعتبر أن «ربع كيلو لحمة» وهو مكافأة وثمرة الإقلاع عن التدخين يكفى لإطعام أسرة وتغذية أطفالها بسلعة غذائية ضرورية ولا غنى عنها لبناء أجسام الأطفال وضمان سلامة صحتهم في المستقبل! ليت هذا النائب المحترم سَكَتَ ولم يتكلم ولم يتطوّع بهذا التبرير الفاضح واكتفى بالتصفيق والموافقة على إقرار هذه الزيادة التى هى «في مصلحة المواطن».

< < <

إن ما جرى في البرلمان يوم الثلاثاء الماضى يؤكد أن الحكومة «لا ترعى مصالح الشعب رعاية كاملة» وأن البرلمان لم يعد مجلس نواب الشعب ولكنه مجلس نواب الحكومة، رغم ادعاء الاثنين بأنهما حكومة وبرلمان «مصلحة المواطن».

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE