الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 07:01 صـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: نيران أغسطس

الأموال


 

 

مهما قال خبراء الأرصاد الجوية وأكدوا أن ما شهدناه في شهر يوليو الماضي ونشهده في شهر أغسطس الجاري من ارتفاع كبير وهائل في درجات الحرارة هو أمر طبيعى في هذا الوقت من السنة، فإن هذا الواقع المناخى الصعب مقارنة بفصل الصيف خلال العقود السابقة يجعلنا نختلف مع هؤلاء الخبراء.

إن من تجاوزت أعمارهم الستين مثلي يتذكرون جيدًا أن صيف الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضى.. لم يكن بهذه الحدة والشدة التي نشهدها حاليًا والتي بدأت منذ عدة عقود وتتزايد عامًا بعد عام، إذ كان نهار يوليو وأغسطس حارًا معتدلاً في درجات الحرارة نسبيًا، بينما يأتي ليلهما بما كنا نسمّيها «نسمة ليلة صيف».

ثم إننا نذكر ونتذكر أن أيام الصيف كانت تنتهى تمامًا بنهاية شهر أغسطس ومع الأسبوع الأول من شهر سبتمبر علي أكثر تقدير، ثم تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض حتى يميل الجو إلي البرودة الخفيفة في ليالى النصف الثانى من الشهر.

ونذكر أيضًا ونتذكر أنه مع بدء العام الدراسى في منتصف سبتمبر كنا نبدأ في ارتداء الملابس الخريفية في الصباح ثم نرتدي الأثقل ليلاً، وكانت المصايف والشواطئ في الاسكندرية وغيرها من المدن الساحلية تغلق أبوابها وتُنهى موسم الاصطياف مع اليوم الأول من سبتمبر، إذ لم يكن الجو المائل للبرودة محتملاً علي الشواطئ.

أما الآن ومنذ سنوات طويلة فإن الصيف بدرجات حراراته الهائلة يستمر حتى نهاية شهر أكتوبر في ذروة فصل الخريف، بل إنه قد يمتد ويظل الإحساس بالحر الشديد إلي نهاية شهر نوفمبر حسبما شهدنا في السنوات الأخيرة.

هذا التغير المناخى الحاد وإلى درجة اختزال فصول السنة الأربعة إلى فصلين اثنين.. ثلثاهما صيف والثلث الثالث شتاء، وحيث تلاشى الإحساس بفصلي الخريف والربيع.. هذا التغير المناخى الحاد الذى ترفض مصلحة الأرصاد الجوية الاعتراف بحدوثه ولا تُقدم التفسير الحقيقى لحدوثه وهو أنه نتيجة طبيعية للتلوث البيئى الهائل وعوادمه التى تسببت في الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة على هذا النحو الذى نشهده ونستشعره إضافة إلى التكدس السكانى الكثيف والعمارات السكنية والأبنية شاهقة الارتفاع التي تمنع مرور الهواء بينها بسبب هذه العشوائية العمرانية فى غيبة واضحة لقواعد التخطيط العمرانى وتخطيط إقامة المدن السكنية.

لقد ضرب هذا التغير المناخى الكبير في مصر الثوابت العلمية فيما يتعلق بأجواء الأقاليم الجغرافية ومن بينها إقليم البحر المتوسط مناخيًا الذى تقع مصر في نطاقه، والذى يتسم مناخه في فصل الصيف بأنه حار جاف حسبما جرى تدريس هذه المعلومة ومازال في مراحل التعليم المختلفة، إذ لم يعد صيف مصر جافًا بل صار رطبًا شديد الرطوبة، حيث تصل نسبة الرطولة خاصة في فترات الليل إلي نحو 90٪ تماما مثل دول الخليج، وذلك هو السبب في تزايد الإحساس بحرارة الجو شديدة الارتفاع والسخونة والتى أحالت الصيف في مصر إلى نار ملتهبة.

صحيح أن الإحساس بارتفاع نسبة الرطوبة كان في النصف الثانى من شهر أغسطس ولأيام معدودة فيما عُرف بـ«وفاء النيل»، لكن ارتفاع الرطوبة بهذا المعدل فى شهر يوليو ووصوله إلي معدلات أكبر فى شهر أغسطس الجارى.. يُعد أمرًا طارئًا علي المناخ في مصر وعلي غير ما يقول خبراء الأرصاد.

الجديد هذا العام هو أن عذاب شهر أغسطس لم يقتصر علي إحساس المصريين بنار الحر الشديد والرطوبة المرتفعة، بل امتد إلي الإحساس بنار أخرى هي نار الأسعار المستمرة التى توالي ارتفاعها دون توقف لتضاعف عذاب أغسطس الذي فاق أى قدرة علي الاحتمال.

في هذا الحر الخانق لم تُعد أجهزة التكييف ترفًا ورفاهية مثلما كانت في الماضى بل صارت ضرورة لا غنى عنها لمن استطاع إلي امتلاكها سبيلاً، أما من يعجز عن خوض المعاناة المالية لشرائها فليس أمامه سوى المراوح الكهربائية التي اقتربت أسعارها من الألف جنيه بعد تعويم الجنيه في خريف العام الماضى.

غير أنه في الحالتين.. أجهزة التكييف والمراوح الكهربائية، فإن نارًا ثالثة أصابت المصريين مع نار الحر ونار الأسعار وهى نار فاتورة الكهرباء التى ارتفعت قيمتها ارتفاعًا حادًا ولم تجد الحكومة وقتاً أفضل من شهر أغسطس لرفعها لتضيف نارًا ثالثة تُلهب بها أجساد وأنفاس وظهور المصريين ولتكون عونًا للحر وناره عليهم.

الأسوأ من ذلك كله هو أن الاستعانة بأجهزة التكييف أو حتى المراوح الكهربائية للتصدى لنار الحر وتخفيف سعارها.. من شأنه الإصابة بمرض من بين مرضين.. إما تكسير العظام وإما نزلات البرد، وما أدراك ببرد الصيف الذى يصفه المثل الشعبي بأنه «أحد من السيف» مع ملاحظة أنى أكتب هذه السطور بينما أقاوم كليهما بالدواء والدعاء بأن ينتهى الصيف سريعًا.

< < <

نيران أغسطس هذه استدعت إلى ذاكرتى إحدى دعابات أستاذنا الراحل كامل زهيرى حين كان في زيارة لدولة خليجية في مثل هذا الوقت وأرسل خطاباً لزوجته واصفًا شدة الحر هناك بأن درجة الحرارة ليست 50، ولا 60، ولا 70، ولكنها رقم تليفون!

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE