الأموال
الإثنين، 29 أبريل 2024 01:12 مـ
  • hdb
20 شوال 1445
29 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : نجاح متوقع لقمة إفريقيا ـ روسيا.. ومنتداها الاقتصادى

الأموال

حدث دولى كبير ومهم تشارك مصر في رئاسته هذا الأسبوع، هو مؤتمر قمة إفريقيا ـ روسيا، الذى ينعقد فى مدينة سوتشى الروسية، والمنتدى الاقتصادي الإفريقى - الروسى المصاحب للقمة، والذى سيشارك فيه أيضا رؤساء دول وحكومات من الحاضرين للقمة، وتتشارك مصر بصفتها رئيسا للاتحاد الإفريقى (ممثلة فى الرئيس السيسى) فى رئاسة القمة والمنتدى مع روسيا، الدولة المضيفة والداعية (ممثلة في الرئيس بوتين)، وتنعقد القمة والمنتدى يومى الأربعاء والخميس (23 و24 أكتوبر) فى سوتشى، بحضور حوالى 40 رئيسا ورئيس حكومة من مختلف بلدان القارة السمراء.

 

والمؤتمر هو الأول من نوعه بين روسيا والدول الإفريقية، لكن مثل هذه الآلية أصبحت معروفة على نطاق متزايد الاتساع بين الدول العظمى والكبرى والنامية على السواء، كشكل من أشكال التفاعل المكثف والتعاون متعدد الأطراف، لإنجاز مهمات أو حل مشكلات تتعلق بمصالح هذه الأطراف. فهناك مثلاً آلية «الصين ـ أوروبا» و«الصين - إفريقيا» و«الهند - إفريقيا».. وهكذا.

ومعروف أن موسكو كانت لديها علاقات وثيقة بعدد كبير من الدول الإفريقية في العهد السوفيتى، غير أن هذه العلاقات تعرضت لإهمال كبير بعد انهيار الاتحاد السوفيتى - وحتى فى مرحلة تصدعه، بسبب ضعف قيادة الدولة، وتركيز اهتمامها على العلاقات مع الغرب، لكن هذا الوضع بدأ يتغير بعد وصول فلاديمير بوتين والنخبة الوطنية المحيطة به إلى السلطة عام 2000، وانتهاج سياسة العمل المكثف على إعادة بناء الدولة الروسية، واستعادة مكانة الدولة العظمى على الساحة الدولية، بما يقتضيه ذلك استعادة علاقاتها القديمة، ونسج علاقات جديدة فى مختلف أنحاء العالم.

وانطلاقا من هذا أكدت وثيقة «السياسة الخارجية للاتحاد الروسى» عام 2008 على أهمية استعادة الدور الروسى في القارة الإفريقية، ثم جاءت وثيقة «السياسة الخارجية» لعام 2016 لتؤكد بقوة أكبر على أن الدولة الروسية «تتوسع في علاقاتها مع القارة الإفريقية فى مختلف المجالات، سواء على المستوى الثنائى أو الجماعى»، وهو ما كان قد بدأ يتحقق فعلاً في السنوات السابقة لهذا الإعلان.

وقد كانت العلاقات مع مصر بالذات هى التعبير الأكثر سطوعًا عن هذا التوجه الروسى، وتحديدًا من خلال إعلان الكرملين دعمه غير المحدد لثورة 30 يونيو 2013، التي أطاحت بحكم الإخوان الإرهابيين، والتى ناصبها الغرب العداء منذ اللحظة الأولى، غير مبال بإرادة الشعب المصرى، التى خرج عشرات الملايين ليعلنوها فى شوارع البلاد وميادينها.

وقتها أعلنت روسيا استعدادها لتقديم كافة أشكال الدعم السياسى والاقتصادى والعسكرى اللازمة لمصر.. وتلاقى هذا الإعلان مع توجه القيادة المصرية لتوسيع دائرة الخيارات الاستراتيجية أمام صانع القرار فى جميع المجالات، بالتوجه إلى القوى الدولية الكبرى تحقيقا لمصالح الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتحرر من قيود التبعية للولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى، التي كانت سمة لنظام مبارك.

وكان النمو الكبير، المتسارع ومتعدد الأوجه الذى شهدته العلاقات المصرية - الروسية في مختلف المجالات، أكبر خطوة تحققت فى اتجاه استعادة روسيا لعلاقاتها بالقارة الافريقية، ليس فقط لأن هذه العلاقات تمثل نموذجًا للتعاون البناء والمثمر، القائم على تحقيق المصالح المتبادلة، ولكن أيضًا لأن مصر تمثل بوابة واسعة على القارة السمراء بموقعها الجغرافى الفريد،وخطوط مواصلاتها الاستراتيجية، وعلاقاتها الواسعة بدول القارة سواء كانت علاقات ثنائية أو جماعية عبر الاتحاد الإفريقى والجامعة العربية أو منظمات إقليمية أخرى كتجمع «الكوميسا» الاقتصادى.

ويكفى أن نشير إلى أن حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا يزيد على 30٪ من إجمالى حجم التجارة الروسية ـ الإفريقية البالغ (حوالى 21 مليار دولار) عام 2018.. وهو مرشح للزيادة بنسبة كبيرة، إذا وضعنا فى اعتبارنا وتيرته المتصاعدة بسرعة خلال الأعوام الأخيرة، كما أن العلاقات العسكرية والأمنية (فى مجال مكافحة الإرهاب) تتعزز بصورة مستمرة، ويتسع مجال التعاون الاقتصادى بين البلدين ليشمل إقامة محطة الضبعة النوية، وإقامة منطقة صناعية روسية شرقي بورسعيد، باستثمارات تصل إلى 7 مليارات دولار تضم صناعات هندسية وإلكترونية، وغيرها من الصناعات المتقدمة التى سيتم توطين تكنولوجياتها في مصر.

وكل هذه المجاولات تمثل نموذجاً لأوجه التعاون الاقتصادى والتجارى الذى تسعى روسيا لتعميمه فى علاقاتها بالدول الإفريقية.

ومعروف أن قارة إفريقيا تمثل سوقًا عملاقة يبلغ عدد سكانها نحو مليار نسمة، وتمتلك ثروات طبيعية ضخمة من البترول والغاز واليورانيوم والذهب والألماس والزنك والمنجنيز والفوسفات والماغنيسيوم وغيرها كثير.. وكلها ثروات بالغة الأهمية سواء كمصادر للطاقة، أو كخامات للصناعة.. والشركات الروسية توليها اهتماما كبيرًا.. كما أن هناك حاجة للاستثمارات وللتكنولوجيا الحديثة لاستغلالها.

وتواجه روسيا منافسة غربية وصينية كبيرة فى محاولتها للنفاذ إلى تلك الأسواق.. وإن كان موقف صادرات السلاح الروسية جيدًا جدًا فى المنافسة، وخاصة فى أسواق تقليدية لها مثل مصر والجزائر وليبيا.

كما تهتم روسيا بمواقع ذات أهمية استراتيجية لحماية طرق النقل البحرية كمنطقة القرن الإفريقى المطلة على مضيق باب المندب (مدخل البحر الأحمر وقناة السويس) وخليج عدن وبحر العرب (المتصل بالخليج العربى عبر مضيق هرمز).. وكلها طرق نقل بحرية ذات أهمية قصوى لنقل البترول وغيره من السلع.. كما تطل على ساحل المحيط الهندى فى منطقة سبق أن عانت من القرصنة البحرية.. ولذلك تهتم روسيا بتعزيز علاقاتها بالدول الواقعة على ساحل البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل القرن الإفريقى عموما، حيث سبق أن عرض عليها نظام البشير تقديم تسهيلات بحرية أو قاعدة بحرية.. وليس معروفًا كيف سينظر النظام الجديد إلى هذه المسألة.. كما تسعى روسيا للحصول على تسهيلات بحرية في كل من إريتريا والصومال.. ويستدعى هذا بالطبع إقامة علاقات سياسية قوية، ومشاركة هذه البلدان الفقيرة فى تنمية اقتصاداتها.

كما أن التعاون فى المجالات العلمية والبحثية والتعليمية يعتبر من أهم المجالات التى تفوقت فيها روسيا تقليديا منذ العهد السوفيتى حتى الآن، حيث يوجد نحو 15 ألف طالب إفريقى فى جامعاتها، منهم (4 آلاف) يدرسون بمنح حكومية روسية.. وهذه كلها مجالات تحتاج إليها الدول الإفريقية احتياجًا ماسًا.

أما من الناحية الأمنية فإن روسيا مهتمة اهتمامًا كبيرًا بمكافحة الإرهاب فى إفريقيا، وخاصة فى منطقة ساحل البحر المتوسط (المواجهة مباشرة لأوروبا) ومنطقة الصحراء الكبرى، حيث توجد أعداد كبيرة من الإرهابيين في المنطقة الممتدة من ليبيا حتى سواحل إفريقيا الغربية المطلة على المحيط الأطلسى.. وتلعب روسيا دورًا كبيرًا فى مواجهة الإرهاب في ليبيا، من خلال دعمها لقوات المشير حفتر ضد العصابات الإرهابية.. وهى تحتاج إلى تعزيز علاقاتها بدول الصحراء الكبرى ليمكنها تعظيم دورها في مكافحة الإرهاب في هذه المناطق.

هذه هى أهم نقاط الأجندة الحافلة التى يبحثها الزعماء المجتمعون فى قمة (إفريقيا ـ روسيا) والمنتدى الاقتصادى فى سوتشى.. والتى نعتقد أن التفاهم العميق بين الرئيسين المشتركين (مصر ممثلة في الرئيس السيسى) و(روسيا ـ ممثلة فى الرئيس بوتين).. وبين البلدين الصديقين سيكون عنصرا هاما في قيادة القمة والمنتدى لتحقيق نتائج مثمرة، لما فيه خير جميع الأطراف.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE