الأموال
الثلاثاء، 30 أبريل 2024 04:53 صـ
  • hdb
21 شوال 1445
30 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

  أسامة أيوب يكتب : السودان فوق بركان (9)

الأموال

رغم مرور أكثر من عشرة أسابيع على إسقاط نظام البشير في 11 أبريل الماضى، فإن الأزمة السياسية في السودان لاتزال تراوح مكانها ما بين مد وجزر.. بين الاقتراب من الحل والاتفاق بين طرفيها.. المجلس العسكرى الانتقالى وقوى الحرية والتغيير وبين تعثر الحل بفعل تراجع المجلس عما توصلت إليه المفاوضات بشأن ترتيبات المرحلة الانتقالية ونقل السلطة السيادية للمدنيين، بادعاء أن قوى الحرية والتغيير لا تعبّر عن كل المكونات السودانية ثم بإثارة المخاوف مما وصفها بسيطرتها علي الحكومة الانتقالية والمجلس التشريعى وذلك بهدف عودة المفاوضات إلى نقطة البداية.

لذا فإنه لم يعد خافيًا أن المجلس العسكرى يمارس سياسة المراوغة والمماطلة وإضاعة الوقت لإجهاد قوى الثورة فى مفاوضات عبثية.. يتراجع عن مخرجاتها وينقلب عليها بعد إقرارها وإعلانها.. مستهدفًا تبريد الثورة وإضعاف قوى الحرية والتغيير، ومن ثم إحباط الشارع وجموع السودانيين لإشاعة أجواء اليأس من إمكانية تحقيق مطالب الثورة فى مواجهة تعنت المجلس العسكرى القابض على السلطة بيد من حديد.

< < <

وفى سياق هذا المخطط فإن المجلس العسكرى يمارس العنف والقمع وترويع المواطنين السودانيين بنشر قواته وآلياته العسكرية في الشوارع واستخدام القوة المفرطة فى الاعتداء على المتظاهرين فى المظاهرات الليلية وهى الممارسات التي زادت من حالة العداء ضده وارتفاع وتيرة الغضب في الشارع السودانى، في نفس الوقت الذى يمارس فيه سياسة التضييق علي قيادات قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين بمنع إقامة أى ندوات أو تجمعات وإلى درجة فض الندوات باستخدام القوة، بينما لاتزال خدمة «النت» مقطوعة لمنع التواصل بين قوى الثورة.

هذه الممارسات القمعية كان من شأنها وبالضرورة تزايد هواجس قوى الثورة ومخاوف الشعب السودانى من استمرار المجلس العسكرى فى السلطة السيادية بالقوة وبالمخالفة لتعهداته بعد إسقاط النظام السابق بنقل السلطة إلى المدنيين، وحيث بدت ممارساته أشد عنفًا وقمعًا من نظام البشير ذاته، وهو الأمر الذى يزيد من فقدان الثقة تمامًا في المجلس وفي ادعائه بأنه شريك في الثورة وهو الادعاء الذى يتبدد يومًا بعد يوم حتى تبدّد نهائيًا خاصة بعد مجزرة فض اعتصام مقر القيادة العامة فى آخر أيام شهر رمضان الماضى.

< < <

وفي نفس الوقت ومع هذه الممارسات والمراوغات فإن ارتباك المجلس العسكرى المتواصل يومًا بعد يوم فى التعاطى مع الأزمة لم يعد خافيًا وعلى النحو الذى يتضح من تناقضات مواقفه وتصريحات رئيسه البرهان ونائبه حميدتى، حيث يؤيد البرهان استئناف المفاوضات وفقًا لآخر ما توصلت إليه بينما يقول حميدتى باستئنافها من نقطة البداية وتوسيع المشاركة بانضمام الأحزاب والقوى السياسية من خارج قوى الحرية والتغيير وبما يعنى الانقلاب علي ما توصلت إليه المفاوضات معها بشأن الحكومة الانتقالية والمجلس التشريعى بدعوى التخوف من سيطرتها على الحكومة دون مشاركة بقية المكونات السياسية والتى ظلت موالية للنظام السابق حتى لحظة إسقاطه!

< < <

غير أن هذا الانسداد السياسى في المشهد السودانى بفعل ممارسات ومراوغات المجلس العسكرى لم يفت في عضد قوى الثورة الماضية قدمًا فى ثوريتها السلمية حتى تتحقق مطالب الثورة وعلى غير ما يستهدف المجلس وخاصة نائب رئيس المجلس الفريق حميدتى لتهميش قوى الحرية والتغيير الممثل الشرعى للثورة خاصة مع اصطناعه لحاضنة شعبية كما أوضحنا في مقال سابق ممثلة في قيادات الإدارات الأهلية المحلية ورؤساء العشائر في قرى ومدن الولايات التى تدين بالولاء له وللنظام السابق.

< < <

وتأتى دعوة قوى الحرية والتغيير إلى مليونية اليوم (الأحد) الموافق 30 يونيو تصعيدا ثوريًا سلميًا ضد المجلس العسكرى وضد الحكم العسكرى الاستبدادى بوجه عام، إذ إن اختيار هذا التاريخ تحديدًا له دلالته المهمة لدى الشعب السودانى باعتبار أنه اليوم الذى حدث فيه الانقلاب العسكرى الذى قاده البشير (العقيد في الجيش وقتها) قبل ثلاثين عاما ضد نظام الحكم المدنى، حيث كان الصادق المهدى رئيس الحكومة المنتخب والسيد أحمد الميرغنى رأس الدولة بحسب نتائج الانتخابات التى جرت عام 1986 وبعد عام واحد من إسقاط نظام جعفر نميرى وفى نهاية مرحلة انتقالية تعهد الفريق أول سوار الذهب الذى انحاز للانتفاضة ضد النميرى في ابريل 1985 بنقل السلطة إلى المدنيين فى نهايتها.

< < <

وفي نفس الوقت فقد كشف المجلس العسكرى مجددًا عن أنه غير جاد وغير راغب فى حل الأزمة وفقًا لمطالب الثورة برفضه لمقترحات مبادرة الوساطة الأثيوبية والتي أقرت ما تم التوصل إليه بشأن تشكيل الحكومة الانتقالية والمجلس التشريعى ثم حل الخلاف بشأن المجلس السيادى باقتراح تشكيله بالمناصفة بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير بحيث يضم سبعة مدنيين وسبعة عسكريين إضافة إلى شخصية مستقلة متوافق عليها من الطرفين لتكون العضو رقم 15 في المجلس،.

المفارقة اللافتة هى أن المجلس العسكرى برفضه للمقترح الاثيوبى يتناقض مع موقفه السابق بالموافقة على تلك الوساطة، وحيث جاء رفضه بصورة عدائية وحسبما صرح الناطق باسمه الفريق شمس الدين كباشى بأن السودان دولة مستقلة ولا يقبل أى إملاءات خارجية، والمثير أنه بعد ذلك الرفض للإملاءات طالب بتوحيد كل من المبادرة الإثيوبية والإفريقية في مقترح واحد.

<< <

ولأن المقترح الاثيوبي يتوافق مع مبادرة الاتحاد الافريقى وفقا للتسريبات، فإن المجلس سوف يلجأ بل لقد لجأ بالفعل إلى التهرب من الحل بدعوى تلقيه نحو عشرين مبادرة للحل من شخصيات سودانية مرموقة تستحق الدراسة بحيث يأتى الحل توافقيًا ومعبّرًا عن الشعب السودانى بكل مكوناته بادعاء أن قوى الحرية والتغيير الممثل الشرعى للثورة باعترافه وتفاوضه معها لا تمثل كل السودان، بل إن المثير للسخرية حقًا أن يقول الفريق حميدتى إن قوى الحرية والتغيير قد سرقت الثورة!!

< < <

ثم إنه مع دخول الولايات المتحدة على الخط في المشهد السودانى بمبادرة وساطة جديدة ومع وصول وفد الترويكا الدولية إلى الخرطوم واجتماعه مع طرفي الأزمة، فإن تعدّد المبادرات والوساطات الإقليمية والدولية قد تسهم فى سريع الحل بقدر ما يمكن أن تكون سببًا فى تعطيله، إلا أنها فى كل الأحوال تتيح للمجلس وقتًا إضافيًا للاستمرار فى السلطة والالتفاف على الثورة بقدر ما تسهم فى إضاعة الوقت بالنسبة للثورة ذاتها.

< < <

الجديد في المشهد السودانى هو عودة الصادق المهدى زعيم جماعة الأنصار وحزب الأمة القومى للظهور فى المشهد من خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده يوم الأربعاء الماضى، وحيث بدا حريصًا على خفض أجواء التصعيد والتخفيف من غليان الشارع وغضب قوى الحرية والتغيير ضد المجلس العسكرى.

ولقد جاء رفضه الشخصى خلال المؤتمر لمليونية اليوم (الأحد) باعتبارها تصعيدًا سابقًا لأوانه من وجهة نظره.. مطالبًا بتأجيل التصعيد لحين تحديد موقف المجلس العسكرى النهائى.. وهو الموقف الذى بدا متعارضًا كليًا مع المزاج السودانى العام السائد ومع توجه قوى الحرية والتغيير الذى يعد أحد مكوناتها الرئيسية رغم أنه أشار إلي إنهاء الخلافات داخلها.

< < <

خلاصة القول.. إن الأزمة السودانية تزداد تعقيدًا، إذ لا يبدو بصيص ضوء في آخر النفق، وحيث بدا أن المجلس العسكرى ماض قدمًا في محاولة تبريد الثورة تمهيدًا للالتفاف عليها وتصفيتها، لاستمراره في ممارسة السلطة السيادية وإشاعة الانقسام بين قوى الثورة وبقية القوى والأحزاب، خاصة مع ادعاء حميدتى بالحصول على تفويض شعبى من خلال ولاءات قيادات الإدارات الأهلية المحلية له وللنظام السابق.. معتبرًا أن ذلك التفويض الزائف والمصطنع وغير المعبّر عن الثورة يتيح له الانفراد بإدارة شئون البلاد وممارسة السلطة السيادية بمشاركة حكومة مدنية انتقالية يسعى لتشكيلها وفقًا لأجندته الخاصة لتأتمر بأمره!

أما ما يتعلق بتلويح الولايات المتحدة بفرض عقوبات على المجلس العسكرى إذا لم يتوقف العنف ضد المدنيين وإذا لم يتم نقل السلطة، فإن الخبرة السابقة عندما أفلت البشير من الملاحقة القضائية الدولية لمحاكمته كمجرم حرب.. من شأنها أن تُقلل من مخاوف المجلس من تلك العقوبات.

< < <

حتى كتابة هذه السطور صباح الخميس الماضى، وفى انتظار ما سوف تسفر عنه تطورات الأزمة المتصاعدة فى الأيام القادمة، فإن السودان لايزال فوق بركان.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE