الأموال
الإثنين، 29 أبريل 2024 08:00 صـ
  • hdb
20 شوال 1445
29 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : مجزرة نيوزيلاندا.. وانتشار الإرهاب العنصرى

الأموال

رئيسة الوزراء النيوزيلاندية.. امرأة بألف رجل

مجزرة المسجدين المروعة- التى راح ضحية لها أكثر من خمسين من المصلين الآمنين المسالمين- سلطت الضوء بقوة على حقيقة أساسية: الإرهاب ملة واحدة.. قوامها التطرف والتعصب والكراهية العمياء للآخر.. المختلف، التى تقود إلي الاستخفاف المطلق بحياته.. والسعي إلى إزاحته من الوجود، باعتباره المسئول عن كل الشرور!

السفاح الاسترالى برينتون تارانت «٢٨سنة» الذى ارتكب المجزرة، درس أكثر من موقع في أكثر من بلد لتنفيذ جريمته الوحشية، حتى استقر اختياره على مدينة «كرايست تشيرس ـ كنيسة المسيح» الصغيرة الهادئة، في نيوزيلاندا الآمنة، الواقعة فى أقصى أطراف العالم، جنوب شرقى استراليا حيث الإجراءات الأمنية شبه غائبة، لأن البلاد لا تكاد تعرف الجرائم الكبيرة.. وهذا ما سهّل له البدء في تنفيذ مجزرته فى أحد المسجدين، ثم الانتقال إلي المسجد الآخر لاستكمال المجزرة قبل أن يتم القبض عليه.. ووضع كاميرا على الرشاش الذى استخدمه فى تنفيذ جريمته الوحشية، ليسجل وقائع فعلته الشنعاء!! وهو ما يكشف عن قدر كبير من الشذوذ، إلى جانب ما اتسمت به جريمته من برودة دم وقسوة ووحشية.

ونظرًا لأن مسرح الجريمة كان مسجدين، فقد كان منطقيًا أن يتجه التفكير إلى أن السفاح متعصب دينيًا إلى حد التهوس.. وأنه ارتكب المجزرة ضد المسلمين بدافع الانتقام (المنحرف) لضحايا العمليات الإرهابية التى يرتكبها أعضاء «داعش» و«القاعدة» في دول أوروبا، متذرعين بالإسلام، وهو منهم ومن إرهابهم وجرائمهم براء.

لكن اعترافات القاتل فى التحقيقات كشفت عن أنه متطرف يمينى عنصرى يعتنق الكثير من الأفكار النازية، ويؤمن بتفوق البيض ونقاء عنصرهم، ويكره الأجناس الأخرى على اختلافها، ويرى فى هجرة أبنائها إلى البلدان الغربية تهديدًا لنقاء عنصرها وحضارتها!! وبالرغم من أنه «ملحد أو غير مؤمن» فهو يكره المسلمين أكثر باعتبار أن عقيدتهم وجذورهم الحضارية تجعل مجتمعاتهم فى الدول الغربية أكثر تماسكًا «سواء كأسر أو كتجمعات» ولهذا فهو يراهم أكثر خطرًا على الحضارة الغربية!!

أى أن السفاح الاسترالى هو امتداد «شديد التطرف والإجرام» للحركات العنصرية واليمينية المتطرفة «والفاشية والنازية الجديدة» التي أخذت تنتشر فى الغرب على نطاق متزايد الاتساع خلال السنوات الأخيرة، كتعبير عن الأزمة الاقتصادية والفكرية لعديد من البلدان الرأسمالية، وعن رفض الهجرة من بلدان العالم الثالث إلى تلك البلدان الغربية، والتى يروّج اليمنيون المتطرفون والعنصريون لأفكار تتهمها ـ أى الهجرة ــ بأنها السبب فى البطالة التى يعانى منها أبناء المجتمعات الغربية، لأن المهاجرين يقبلون بأعمال وأجور متدنية، مما يخلق فائضاً في الأيدى العاملة.. ويتجاهل هؤلاء المروجون للأفكار العنصرية واليمينية المتطرفة، حقيقة أن شيخوخة المجتمعات الغربية (ارتفاع مستوى الأعمار، والنقص الكبير فى المواليد) هى السبب الرئيسى فى فتح حكومات تلك البلدان لأبواب هجرة أبناء العالم الثالث إليها، وخاصة من الشباب.

كما يستغل هؤلاء «المفكرون» والساسة والإعلاميون الجرائم الهمجية التى ترتكبها المنظمات الإرهابية مثل داعش والنصرة وغيرها سواء فى بلدانها الأصلية أو فى الدول الغربية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين عموما.. ويتجاهلون حقيقة أن الإرهاب ظاهرة لا دين لها، وموجودة لدى أبناء جميع الديانات (هندوساً وبوذيين ووثنيين) والقوميات (من اليابان إلى أوروبا وأمريكا الشمالية واللاتينية).. وجرائم الإرهاب والتطرف الدينى والقومى في كل مكان تفيض بها الصحف ونشرات الأخبار فى كل مكان.

اللافت للنظر أن جماعات إرهابية «كالإخوان المجرمين» حاولت استغلال مجزرة نيوزيلاندا لتبرير جرائم الإرهاب فى بلادنا، وتصوير الإرهاب المتستر بالإسلام ــ والإسلام منه براء ــ كأنه تعبير عن الصراع بين العالم الإسلامى والصليبيين!! ومن ثم تبرئة ساحة الإرهابيين في بلادنا!! وهو اتجاه بالغ الخطورة لأنه يضلل كثيرًا من الشباب عن جوهر الصراعات القائمة في العالم، ويموّه على وحشية وهمجية الإرهاب من ناحية، ولأنه يساعد على ترسيخ أشد الصور immages الذهنية سوءاً وظلامية عن الإسلام والمسلمين فى أعين العالم.. وهى أكبر خدمة يمكن تقديمها للتطرف والإرهاب اليمينى العنصرى في الغرب.

غير أن اعترافات السفاح الاسترالى حول بواعثه وانتماءاته الفكرية العنصرية والنازية قد سحبت البساط إلى حد كبير من تحت أقدام «الإخوان» وأردوغان وغيرهم من الشخصيات والمنظمات المتطرفة والإرهابية التى تزعم أنها تتحدث باسم الإسلام.

وهنا ينبغى أن نقف بإعجاب شديد أمام رد فعل المجتمع النيوزيلاندى بأفراده ومؤسساته وقيادته السياسية، والذى ساعد كثيرًا في إضعاف حجة أولئك الذين حاولوا المزايدة والتجارة بدماء شهداء المسجدين.

فحينما قرر البوليس النيوزيلاندى وقف الصلاة مؤقتا في المسجدين مسرح الجريمة وبعض المساجد الأخرى القريبة لأسباب أمنية، دعت كنائس المنطقة المسلمين للصلاة فيها.. كما أن جلسة البرلمان التى خصصت لمناقشة المجزرة، تم افتتاحها بقراءة للقرآن الكريم، وكان قد دعى إليها عدد من وجوه المجمع الإسلامى فى «كرايست تشيرس» وما حولها.

أما رئيسة الوزراء «جاسيندا أرديرن» فقد كانت ردود أفعالها أكثر من ممتازة سواء على المستوى السياسى أو الإنسانى، فقد سارعت إلى زيارة المسجدين، وهى ترتدى ملابس الحِداد، الشبيهة بملابس المحجبات «عباءة وغطاء أسود للرأس».. وأدانت الجريمة بكل قوة، وبلا أدنى التباس.. وقدمت التعازى لأهالى الشهداء.. وكان واضحًا تمامًا تأثرها الشديد وهى تعانقهم وتعزيهم بحرارة.. وكذلك وهى تتحدث في جلسة البرلمان. والواقع أن هذه السياسية الشابة (٣٤ سنة) قدمت درسًا شديد الاحترام لكثير من السياسيين ورجال الدولة فى كل مكان فى العالم.. واستحقت احترام وتقدير الرأى العام في بلادها وفي العالم الإسلامى، والعالم بأسره.. وأثبتت أنها امرأة بألف رجل.. خاصة أنها اتخذت قرارات حازمة تحد من بيع الأسلحة الآلية والذخيرة.

بقيت نقطة أخرى مهمة نقولها للمتاجرين بدماء شهداء المسجدين، والمتحدثين عن الإرهاب الصليبى.. إلخ.. ذلك أن أكبر عدد من «شهداء المساجد» الأبرياء والآمنين قد سقط فى تفجير مسجد الروضة فى سيناء، وهى المذبحة التى قامت بها داعش وأعلنت مسئوليتها عنها (أكثر من ٣٠٠ شهيد).. كما أن العمليات الانتحارية الوحشية والجنونية التي يقوم بها إرهابيو داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية ضد المساجد أثناء صلاة الجمعة، قد تكررت كثيرًا فى السنوات الأخيرة.. وهى تحدث باسم الإسلام!!

ونُكرر أن الإسلام براء من هذه العمليات ومن كل إرهاب.. فلا تزايدوا وتتاجروا بدماء المسلمين..

 

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE