أسامة ايوب يكتب: خطة ترامب الغامضة فى غزة.. تستهدف تدويلها وفصلها عن الضفة
وحرام فى البيت الحرام
مع مرور الأيام منذ توقيع اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار فى غزة، واتساع نطاق الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار واستمرار الجيش الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين ونسف المباني، فإن سؤالا يطرح نفسه بقوة على الشارع السياسي بالمنطقة والعالم أيضا، هل كان مؤتمر شرم الشيخ خدعة أمريكية بقيادة الرئيس ترامب لصالح مُجرم الحرب نتن ياهو وحكومة الكيان فى سياق تنفيذ الاستراتيجية اليهودية الصهيونية لاحتلال غزة وتهجير أهلها آجلا أو عاجلا.. وصولا لوأد فكرة الدولة الفلسطينية ومنع قيامها.
إذ إنه وعلى العكس تماما من تصريحات ترامب الخادعة والمضللة بأن الحرب فى غزة قد انتهت، فإن قوات الاحتلال وفى اليوم التالى لتوقيع الاتفاق وقبل أن يجف حبره واصلت عدوانها وقصف المدنيين وهدم المنازل وعلى النحو الذى أسفر عن استشهاد نحو مائة فلسطينى فى الأربع وعشرين ساعة الأولى، وحيث لا تزال إسرائيل تواصل عدوانها يوميا بل تمنع أيضا دخول القدر الكافى من المساعدات الإغاثية حسبما نص الاتفاق.
ولعله قد تأكد الآن أن إقدام ترامب على توقيع الاتفاق على وجه السرعة كان هدفه الأول إطلاق سراح الرهائن الأحياء لدى حماس أولا لإنقاذ نتن ياهو فى مواجهة الاحتجاجات الداخلية وإنقاذ إسرائيل ذاتها من العزلة الدولية وبعدها يبدأ فى التخلص من تنفيد الاتفاق وهو ما حدث بالفعل بزعم تباطؤ حماس فى تسليم جثث الرهائن رغم إجماع كل المراقبين والوسطاء والضامنين وترامب ذاته على صعوبة العثور على الجثث المدفونة تحت الركام جراء القصف الإسرائيلى العنيف وهو الأمر الذى أبلغته حماس قبل توقيع الاتفاق للوسطاء واقتنع به ترامب شخصيا.
اللافت والمثير هو تضارب وتناقض تصريحات ترامب بين كل عشية وضحاها وبين ما يقوله فى الصباح ويتراجع عنه فى المساء خاصة بشأن حماس التى تارة يشيد بالتزامها ببنود المرحلة الأولى من الاتفاق وتارة أخرى يهدد بأنه سيقتلها إذا لم تسلم جثث الرهائن لإسرائيل فى أسرع وقت.
أما المسخرة السياسية فهى أن ترامب رغم استمرار القصف الإسرائيلى على غزة يوميا، فإنه مازال يهزى ويصرح بكل "الاستعباط" أن وقف إطلاق النار فى غزة صامد وهو بهذا "الاستعباط" الذى لا ينطلى على الشعوب العربية والإسلامية ولا على قادة دول العالم الذين كانوا بحضورهم توقيع الاتفاق فى شرم الشيخ شهودا وضامنين، إنما يحاول التغطية على خداعه بقدر ما ينطوى على منح الضوء الأخضر لمجرم الحرب نتن ياهو لمواصلة حرب الإبادة بالتدمير والتجويع في غزة وهو بذلك يعد شريكا كاملا لدولة الكيان فى العدوان وصولا إلى الفصل الأخير فى مخطط احتلال غزة إسرائيليا وأمريكيا تحت لافتة مجلس السلام الذى يترأسه ترامب ويستهدف تدويل غزة وفصلها عن الضفة الغربية الجناح الثانى للدولة الفلسطينية المفترضة فى الوقت الذى يصعد فيه المستوطنون المسلحون جرائمهم ضد فلسطينى الضفة وتدمير منازلهم وإجبارهم على النزوح وحيث تلوح في الأفق بدايات سيناريو ضم الضفة لإسرائيل.
...
إن قراءة المشهد المأساوى فى غزة وحيث لم تلتزم إسرائيل حتى الآن بتنفيذ بنود المرحلة الأولى من اتفاق شرم الشيخ وتواصل قصفها وعدوانها وتمنع دخول المساعدات الغذائية والإغاثية وفى ضوء تضارب تصريحات ترامب الخادعة فإن مستقبل غزة يكتنفه الكثير من الغموض والارتياب خاصة بعد أن عين ترامب نفسه وصيا على غزة مع استمرار وجود قوات الاحتلال فى أغلب مناطق القطاع.
...
الخطير والمُقلق فى خطة ترامب وعناوينها غير الواضحة وغير المحددة والمتماهية مع مخططات نتن ياهو هو تشكيل قوة دولية تحكم غزة حتى عام 2027 مع استمرار وجود قوت الاحتلال فى أغلب مناطق القطاع، بينما تتولى شرطة فلسطينية إدارة شئون الأمن تحت سلطة القوة الدولية فى حين أنه لا تأكيد لتشكيل لجنة فلسطينية مدنية لإدارة القطاع حتى الآن، ومن ثم فإن قطاع غزة سيبقى تحت رحمة ترامب ولجنته الدولية والتى قد يتم تمديد عملها لما بعد عام 2027 دون تحقيق سقف زمنى لانتهاء عملها!!
يبقى أمر بالغ الأهمية لم يرد ذكره فى اتفاق شرم الشيخ ولا يتحدث عنه ترامب ويتطلب تحركا عاجلا للوسطاء والضامنين يتعلق بتوفير أماكن إيواء آمنة وآدمية للفلسطينيين فى قطاع غزة لمواجهة برد الشتاء القارص الذى بات على الأبواب والذى يتطلب أضا توفير الأغطية الكافية والأغذية والوقود والدواء والمستلزمات الطبية، ويبقى أيضا إعادة إعمار غزة حيث لا أحد دوليا أو اقليميا بما فى ذلك ترامب ذاته يمكنه تحديد متى يبدأ أو تحديد المدة الزمنية للانتهاء منه، ولذا يبقى الشك فى تنفيذه فى سياق الشك فى خطط ترامب ومخططات نتن ياهو!
...
أما المعضلة الكبرى فى تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق شرم الشيخ فهى نزع سلاح حركة حماس والذى تتولاه القوة الدولية وفقا لخطة ترامب، إذ إنه من غير الممكن أن تقبل الحركة بوصفها حركة مقاومة مشروعة ضد الاحتلال الصهيونى بنزع سلاحها بينما تظل القوات الإسرائيلية باقية فى القطاع ودون أن تتسلم سلطة فلسطينية إدارة شئون القطاع بالكامل وبدون وجود أى قوة احتلال أجنبية أخرى خاصة أن الحركة وافقت على التخلى عن حكم غزة.
..
خلاصة القول إن القضية الفلسطينية تتعرض لنكبة كبرى أخطر من نكبة 1948.. تلوح بوادرها فى الأفق، إذ سوف تسفر بحسب المخططات الصهيونية ومخططات نتن ياهو برعاية ترامب إلى فصل كامل لقطاع غزة عن الضفة الغربية ونزع هويتها الفلسطينية، وحيث تتصاعد جرائم المستوطنين اليهود فى بلدات ومدن الضفة لهدم بيوت الفلسطينيين وطردهم منها، وصولا فى النهاية إلى ضم الضفة وتهجير فلسطينى غزة.
...
إن ملامح هذا المخطط الذى يجرى تنفيذه تتراءى أمام الجميع، ولن تكون مفاجأة عندما يصحو العرب والمسلمون فى العالم فى يوم قريب على ضياع ما تبقى من فلسطين التاريخية وضمها لدولة الكيان مع اعتراف الغرب الأوروبى والأمريكى ليبدأ فصل آخر فى المخطط قد يستغرق بضع سنوات قادمة لإقامة إسرائيل الكبرى، لذا لزم التنبيه والانتباه والتحذير والصراخ أيضا قبل وقوع الكارثة التى سيستغرق القضاء عليها عقودا طويلة وأجيالا متعاقبة قادمة.
حرام فى البيت الحرام
حادثة اعتداء شرطى سعودى على معتمرة مصرية وسحلها داخل الحرم المكى وعلى بُعد خطوات من الكعبة المشرفة ثم الاعتداء على زوجها واعتقاله عندما حاول التدخل لحمايتها، هى حادثة مؤسفة وغير مقبولة بكل المقاييس وجاءت صادمة للعالم الإسلامى وليس للمصريين فقط.
إن سلوك ذلك الشرطى الذى أساء ليس إلى سلطات أمن الحرم فقط بل إلى السعودية كلها يُعد فى واقع الأمر خروجا مؤثما على الدين وعدوانا على ضيوف الرحمن وانتهاكا لحرمة بيت الله الحرام الذى أوجب سبحانه وتعالى وبنص القرآن الكريم أن من دخله كان آمنا، بل إن أمن زوار الحرم كان أمرا مقدسا فى العصر الجاهلى وقبل الإسلام، حيث كان الرجل العربى يرى قاتل أبيه فى الحرم فلا يقترب منه بأى أذى أو قصاص.
...
إن المسلمين فى العالم وبينهم المصريون فى انتظار أن تصدر إدارة الحرم المكى بيان اعتذار لاحتواء تداعيات تلك الحادثة على أن يتضمن الإعلان عن تقديم ذلك الشرطى المعتدى إلى محاكمة عادلة وإنهاء خدمته فى الحرم، حتى لا يتكرر ذلك الحرام فى البيت الحرام.
مع التأكيد على أنه لا أحد من المسلمين يسعى لسكب الزيت على النار، فإن ثمة خشية أن تستدعى تلك الحادثة دعوات سابقة كان من بينها مطالبة القذافى بتدويل إدارة الحرمين إسلاميا، وهى الدعوات التى أجهضها بذكاء وفطنة الملك فهد باتخاذه لقب خادم الحرمين الشريفين والذى صار لقبا لكل الملوك اللاحقين.












