الأموال
الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 01:34 صـ 15 ربيع أول 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

مركز الأموال للدراسات

د. إبراهيم درويش: السد العالي.. 65 عامًا من حماية مصر وصناعة المستقبل

الدكتور ابراهيم درويش
الدكتور ابراهيم درويش

أكد الدكتور إبراهيم درويش، وكيل وزارة الزراعة بالمنوفية الأسبق وأستاذ الزراعة بالجامعة، أن السد العالي لم يكن مجرد مشروع هندسي ضخم على مجرى النيل، بل ملحمة وطنية غيّرت وجه مصر اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.

وأوضح درويش أن أعمال بناء السد بدأت عام 1960 بطول 3.8 كيلومتر وارتفاع 111 مترًا، ليخزن خلفه بحيرة ناصر بطاقة استيعابية تصل إلى 132 مليار متر مكعب من المياه، لافتًا إلى أن انسحاب البنك الدولي من تمويل المشروع تحت ضغوط غربية، دفع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى اللجوء للاتحاد السوفيتي، ليتحول السد إلى رمز للاستقلال والسيادة الوطنية.

فوائد غيرت وجه مصر

استعرض د. درويش أبرز فوائد السد العالي التي شكلت نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث:

التحكم في مياه النيل: بعد أن كانت البلاد عرضة لفيضانات مدمرة أو مواسم جفاف قاسية، بات تدفق المياه منتظمًا على مدار العام.

التوسع الزراعي: ارتفعت الرقعة الزراعية بنسبة 30% منذ سبعينيات القرن الماضي، في وقت تستهلك فيه الزراعة 83% من الموارد المائية.

إنتاج الكهرباء: ساهم السد عند تشغيله في توليد 2.1 غيغاواط، أي أكثر من نصف احتياجات مصر آنذاك، ولا يزال حتى اليوم يوفر ما بين 10 و13% من إجمالي الكهرباء القومية، موفرًا ملايين الدولارات سنويًا.

بحيرة ناصر: الممتدة لمسافة 650 كيلومترًا بين مصر والسودان، مثلت مخزونًا استراتيجيًا ضد الجفاف، وتنتج نحو 12 ألف طن أسماك سنويًا تمثل 70% من إنتاج الصيد الداخلي.

تنمية الصعيد: ساعد السد على إدخال الكهرباء إلى محافظات الصعيد وفتح الطرق، ما رافقه طفرة صناعية واجتماعية واسعة.

تحديات وتضحيات

وأشار أستاذ الزراعة بالمنوفية إلى أن المشروع، رغم إنجازاته، خلف بعض التحديات، أبرزها حجز الطمي الذي قلل من خصوبة التربة وزاد الاعتماد على الأسمدة الكيماوية، إلى جانب تآكل شواطئ البحر المتوسط نتيجة تراجع اندفاعات النيل، فضلًا عن تهجير نحو 100 ألف من أهالي النوبة في واحدة من أكبر التضحيات الاجتماعية.

قيمة استراتيجية لا تُقدّر بثمن

وقال د. درويش إن السد العالي أنقذ مصر من كارثة زراعية خلال جفاف الثمانينيات، مشيرًا إلى أن تقديرات عام 1997 قدرت أرباحه بما بين 7.1 و10.3 مليار جنيه، أي ما يعادل 3–4% من الناتج المحلي حينها.

ورغم أن قدرته التوليدية تبدو متواضعة مقارنة بسدود كبرى مثل "الممرات الثلاثة" في الصين (22.5 غيغاواط) أو "إيتايبو" في البرازيل (14 غيغاواط)، إلا أن قيمته الحقيقية تكمن في دوره التاريخي كصمام أمان لمصر.

السد في مواجهة التحديات الراهنة

وأضاف أن السد العالي يظل حتى اليوم درعًا واقيًا لمصر في ظل تحديات سد النهضة الإثيوبي وتغير المناخ، مشيرًا إلى وجود خطط لتطوير قدرته الإنتاجية إلى 2.4 غيغاواط بحلول عام 2028.

واختتم درويش تصريحاته قائلًا: "بعد مرور 65 عامًا، يبقى السد العالي مشروع القرن، لأنه لم يحجز المياه فقط، بل غيّر مصير أمة، وحمى أمنها المائي والزراعي والصناعي، وأثبت أن الإرادة الوطنية قادرة على صناعة المعجزات."