أسامة أيوب يكتب : لمواجهة مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية الشعوب العربية تترقب انعقاد القمة الطارئة بعد غد

لعله لم يعد خافيا أن مجرم الحرب نتن ياهو رئيس حكومة الكيان الصهيونى يسعى بكل دأب لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا وفق المخططات اليهودية المدعومة أمريكيا وغربيا لاغتصاب ما تبقى من فلسطين التاريخية لتكون خالصة لليهود وعلى النحو الذى يحول دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 فى الضفة الغربية وغزة وفقا لقرار مجلس لاأمن رقم 424 بل وفقا لقرار تقسيم فلسطين بين دولة لليهود ودولة للفلسطينيين الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947.
وفى سياق هذ المسعى اليهودى الأمريكى الصهيونى شن نتن ياه العدوان الوحشى على غزة وما تخلله من حرب إبادة ضد الفلسطينيين وتدمير القطاع بالكامل بهدف إخلاء غزة وتحويلها إلى مكان غير آمن وغير صالح للحياة ومتماهيًا مع هذا المخطط جاء مقترح الرئيس الأمريكى ترامب بتهجير فلسطيني غزة إلى مصر وفلسطينى الضفة إلى الأردن، غير أن تمسك الفلسطينيون بالبقاء في أرضهم ثم رفض مصر والأردن اقتراح التهجير والذى بدا أن ترامب ونتن ياهو يستهدفان أن يكون التهجير قسريا، فإن الحديث الآن داخل الكيان عن التهجير الطوعى وهو ما يعنى دفع الفلسطينيين إلى الخروج الاضطرارى من غزة بفعل استحالة الحياة فى غيبة لمقومات الحياة بفعل عرقلة إسرائيل بل منع دخول المساعدات الإغاثية ثم أيضا بفعل القتل فى حالة استئناف العدوان حسبما يخطط نتن ياهو.
...
وفى هذا السياق أيضا جاءت محاولات نتن ياهو لإفشال اتفاق الهدنة وصفقة التبادل قبل نهاية المرحلة الأولى بافتعال الأزمات حسبما كان متوقعا وعلى نحو فاضح ومفضوح أمام العالم بل أمام المجتمع الإسرائيلى ذاته عندما أوقف الأسبوع الماضى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والذى كان مقررًا الإفراج عنهم فى الدفعة السابعة من المرحلة الأولى بينما اعترفت حماس بالاتفاق وسلمت 4 جثث أسرى إسرائيليين للصليب الأحمر.
المبرر الواهى الذى تعلل به نتن ياهو لانتهاك الاتفاق هو مظاهر الاستعراض لمقاومى حماس خلال تسليم الأسرى، حيث استهدف تحميل حماس المسئولية عن تعطيل تنفيذ الاتفاق، أما المبرر الآخر فهو الادعاء بتعرض الأسرى الاسرائيليين للتعذيب والتنكيل طوال فترة الأسر، وهو الادعاء الذى كذبته وتكذبه مشاهد الأسرى المفرج عنهم وهم فى صحة جيدة وبملابس نظيفة ثم إنه يكفى مشهد تقبيل أحد الأسرى لرأس اثنين من رجال المقاومة أثناء تسلمه من الصليب الأحمر وهو الادعاء الذى كذبته أيضا شهادات الأسرى بأنهم لقوا أفضل معاملة من رجال حماس الذين حرصوا علي حياتهم رغم القصف الإسرائيلى.
ادعاء نتن ياهو كذبا بتعذيب حماس للأسرى هو جزء من الموروث اليهودى وبفعل الجينات الوراثية لاستدرار التعاطف واتهام الآخر فى مواجهة كراهية الشعوب الأوروبية لهم بسبب ممارساتهم وسلوكياتهم الممجوجة داخل تلك المجتمعات والتى كانت سببا فى التخلص منهم وإبعادهم وتجميعهم من الشتات فى أرض فلسطين العربية وحيث تلاقت الدوافع الغربية الاستعمارية مع المخططات اليهودية للاستيلاء على أرض فلسطين.
....
فى مقابل هذا الادعاء الكاذب من جانب نتن ياهو كانت مشاهد السجناء الفلسطينيين المفرج عنهم وهم فى حالة صحية متدهورة والذين اشتكوا من المعاملة الوحشية وتعرضهم للتنكيل والتعذيب والإهانة طوال فترة السجن وحتى قبل الإفراج عنهم وتسليمهم للصليب الأحمر.
المقارنة بين المعاملة الكريمة للأسرى الإسرائيليين والمعاملة الوحشية للسجناء الفلسطينيين تكشف الفارق بين القيم الأخلاقية والإنسانية الإسلامية فى احترام إنسانية الأسرى الذين هم فى ذمة المسلمين وبين العنصرية اليهودية واستحلال انتهاك آدمية قتل ليس الأسرى فقط وإنما مع كل الأغيار من غير اليهود وفقا لمعتقداتهم التوراتية المحرفة، وتلك المقارنة كان يتعين على الإعلام العربى والإسلامى التركيز عليها وتوثيقها أمام شعوب العالم وأمام المنظمة الأممية (الأمم المتحدة).
...
إن قراءة المشهد الحالى تشير إلى أن نتن ياهو يسعى إلى إفشال الاتفاق وتحميل حماس مسئولية الفشل بداية من محاولة إفشال المرحلة الأولى بالتنصل من الالتزام بالإفراج عن سجناء الدفعة السابعة وهو ما تراجع عنه وقت كتابة هذه السطور (يوم الأربعاء الماضى) تحت ضغوط الوساطة المصرية – القطرية، حيث من المقرر أن يكون قد تم الإفراج عن السجناء بالتزامن مع تسليم جثث أربعة من الأسرى ليلة الخميس الماضى، غير أنه فى نفس الوقت يسعى لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق وإطالتها لأسابيع بهدف إطلاق سراح جميع الأسرى دون انتظار لبدء المرحلة الثانية، ومن المثير للدهشة أن الرئيس ترامب راعى الاتفاق والذي ضغط على نتن ياهو للتوقيع عليه عشية وصوله للبيت الأبيض توقف عن متابعة التنفيذ وصرح بأن على نتن ياهو أن يقرر ما يريد!
واقع الأمر أن نتن ياهو بدا متخبطا بين خيارات صعبة بعد أن فشل فى تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب على غزة، إذ لا هو نجح فى تدمير حركة حماس ولا هو نجح فى تحرير الأسرى بالقوة العسكرية حيث لم ولن يتم تحريرهم إلا عبر المفاوضات مع الحركة، ولأنه يرغب فى تحقيق أى انجاز يحفظ ماء وجهه أمام المجتمع الإسرائيلى ويجنب حكومته السقوط فإنه لجأ إلى حيلة السعى لتمديد المرحلة الأولى من المفاوضات وتسريع جدول صفقة التبادل بهدف إطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين لدى حماس قبل الدخول فى مفاوضات المرحلة الثانية.
غير أن محاولة نتن ياهو لتمديد المرحلة الأولى وإطلاق سراح جميع الأسرى هى محاولة بالغة الخبث بل بالغة الغباء السياسى، إذ إنه من غير الممكن أن تقبل حماس بالإفراج عن جميع الأسرى وهم ورقة الضغط الهائل لديها قبل الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من كل مناطق غزة وقبل إقرار نتن ياهوو بالوقف النهائى والدائم لإطلاق النار أى وقف العدوان على أن يكون الانسحاب ووقف إطلاق النار مشمولا بضمانات دولية، إذ إن حماس لن توافق على إطلاق سراح جميع الأسرى دون تحقيق هذين الشرطين باعتبار أنه لا ضمانة تحول دون استئناف نتن ياهو للعدوان فور إطلاق سراح الأسرى لاستكمال مخطط التهجير.. قسرا أو طوعا.
حقيقة الأمر أن المعضلة فى هذا الصراع هى اليوم التالى لانتهاء الحرب أى من يحكم ويدير غزة خاصة أن حماس ترفض أن يأتى الحل غير فلسطينى أى أنه فى حالة إخضاع غزة لإدارة طرف غير فلسطينى فإن حماس ستتعامل معه تعاملها مع الاحتلال الإسرائيلى، ثم إنها فى نفس الوقت لا تتمسك بإدارة غزة ولكنها ترفض أى محاولة لنزع سلاحها باعتبارها حركة المقاومة المشروعة، بينما يبدو التوجه الإسرائيلى الأمريكى نحو الإصرار على نزع سلاحها مؤكداً.
ولأن خطر مخطط تهجير فلسطينى غزة مازال قائمًا إن لم يكن قسريا فسوف يكون طوعيا، ولأن هذا المخطط ممتد إلى الضفة الغربية فى ضوء تصعيد العدوان على الشعب الفلسطينى فى المخيمات والبلدان التى يجرى هدمها واعتقال أهلها وإجبار عشرات الآلاف على النزوح خارج المخيمات حسبما جري ويجرى خاصة فى جنين وطولكرم، فإن الخطر الداهم على القضية الفلسطينية بات مؤكدا.
...
لذا فإن الرد العربى فى ضوء التصور المصرى على مقترح الرئيس ترامب لتهجير فلسطينى غزة والذى سيصدر عن القمة العربية (الكارثة) المقرر انعقادًا بعد غد (الثلاثاء المقبل) من الضرورى أن يكون قويا وحاسما ليس لوأد مخطط التهجير من غزة فحسب وإنما أيضًا للتصدى لتهجير فلسطينى الضفة وضمها لإسرائيل، ومن ثم التصدى لخطر تصفية القضية.
مع هذا الخطر الذي تتعرض له القضية الفلسطينية فقد بدا عصيا على الفهم تأخر انعقاد القمة إلى يوم 27 من فبراير الماضى، ثم تأجيلها إلى يوم الرابع من ديسمبر الجارى وحيث كان يتعين انعقادها (الطارئ) قبل 27 فبراير، إذ أن هذا التأخير لا يتفق مع وصفها بالكارثة، كما أن وصف القمة المصرية الأردنية الخليجية التى عقدت فى الرياض بالقمة الأخوية غير الرسمية لم يكن مناسبا للظرف العصيب الذى تتعرض له القضية ويتعرض فيه الفلسطينيون فى غزة والضفة، بينما كان الصحيح بل الأصح أن توصف بالقمة التشاورية التى تسبق القمة العربية الكارثة، وحيث كان من المفترض أن يصدر عنها بيان رسمى ولو مقتضبًا يتضمن الإشارة إلى جدول أعمال القمة الطارئة.
...
إن شعوب الأمة العربية تترقب بفارغ الصبر انعقاد القمة العربية (الكارثة) بعد غد بقدر ما تترقب ما سيصدر عنها من قرارات ومخرجات بشأن مجمل القضية الفلسطينية ليس فى غزة فقط ولكن أيضا وبالضرورة فى الضفة الغربية أيضًا، ومن ثم مستقبل الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف العربية خاصة مع تأكيدات مجرم الحرب نتن ياهو المتكررة رفض قيام الدولة الفلسطينية وفى ضوء مخططات ضم الضفة لدولة الكيان، وفى هذا الصدد فإنه يتعين على القمة أن تستوضح موقف الولايات المتحدة والرئيس ترامب من إقامة الدولة الفلسطينية ومن التزام أمريكا بتنفيذ واحترام مقررات الشرعية الدولية مع التذكير بمواقف الإدارات الأمريكية السابقة المؤيدة والمقررة لحل الدولتين باعتباره السبيل لإحلال السلام العادل والدائم فى الشرق الأوسط.
...
إن القمة العربية الطارئة وهى تتصدى لخطر تصفية القضية الفلسطينية فإنها تتصدى فى نفس الوقت لخطر المشروع الصهيوني لإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ويضم أجزاء من عدة دول عربية، ومن ثم فإنه غير خاف عنها الخطر الأكبر الذى يهدد مجمل الأمن القومى العربى..
وللحديث بقية..