الأموال
الإثنين، 6 مايو 2024 08:35 صـ
  • hdb
27 شوال 1445
6 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : المقاطعة.. حتى لا تتحول أموالنا إلى رصاص فى صدورنا

د. محمد فراج  ابو النور
د. محمد فراج ابو النور

يومًا بعد يوم يتسع نطاق حملة المقاطعة الشعبية لمنتجات الشركات الأمريكية والأوروبية الغربية، تعبيرًا عن الغضب العارم على حرب الإبادة التى يشنها الكيان الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، والدعم اللامحدود من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى، وخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا للعدوان الصهيونى الهمجى الموغل فى وحشيته، وإذا كانت حملات المقاطعة الشعبية تشمل منتجات شركات الدول الغربية الكبرى عمومًا، والدول المشار إليها خصوصًا، فإنها قد استهدفت بصورة أخص تلك الشركات التى قدمت دعمًا مباشرا للكيان الصهيونى وجيشه، مثل «ماكدونالدز» و«كارفور» أو تلك التى تمثل رموزا للمنتجات الاستهلاكية الغربية كشركات بيبسى وكوكاكولا وبيتزا بأنواعها، وكنتاكى وستاربكس وغيرها.

حملة المقاطعة الشعبية ألحقت خسائر كبيرة، بل وموجعة لعدد من هذه الشركات للدرجة التى دفعت بعضها مثل ماكدونالدز وكارفور لإصدار بيانات تتبرأ فيها من تصرفات فروعها فى إسرائيل، وتؤكد أنها لا تنحاز إلى أى طرف، بل وإلى تقديم تبرعات لهيئات إغاثة غزة! كما فعلت مجموعة «الفطيم» الإماراتية المالكة لحقوق سلاسل كارفور فى المنطقة العربية. (موقع القاهرة٢٤ فى ٧/ ١١/ ٢٠٢٣).

التأثير الواضح لحملة المقاطعة يلاحظه الجميع فى انخفاض عدد رواد محلات مثل ماكدونالدز وبيتزا وكنتاكى وستاربكس، التى أصبحت مهددة بإغلاق بعض فروعها وتسريح العاملين فيها، وهو ما سنأتى إلى مناقشته وضرورة معالجته لاحقًا، كما نلاحظه فى امتناع ملايين المصريين عن شراء منتجات عديد من الشركات الغربية.

وذكر حازم المنوفى رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة الاسكندرية التجارية أن مبيعات بيبسى وكوكاكولا وشويبس وعدد من العلامات التجارية الأجنبية الشهيرة قد تراجعت بنسبة لا تقل عن ٣٠٪ (ثلاثين بالمائة)، كما ذكر أن مقاطعة المصريين للمنتجات الأجنبية قد ترتبت عليها ظهور قرابة (ألف منتج مصرى) فى الأسواق من جديد.

هل قتلت فلسطينيًا اليوم؟

حملات المقاطعة الشعبية للمنتجات الأمريكية والغربية لا تقتصر على مصر بالطبع، فهى منتشرة أيضًا فى الأردن والعراق والكويت والسعودية وغيرها من البلدان العربية، وتساعد وسائل التواصل الاجتماعى على انتشارها، وترفع حملات المقاطعة فى الكويت والبحرين شعارًا شديد التأثير هو: «هل قتلت فلسطينيًا اليوم؟» فى إشارة إلى أن أرباح الشركات متعددة الجنسية فى الغرب يتم استخدامها فى تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية للكيان الصهيونى، بما يساعده فى شن عدوانه الفاشى الهمجى على أشقائنا الفلسطينيين (فرنسا ٢٤ فى ٨/ ١١ ــ واليوتيوب قبل أسبوعين)، كما ترفع دعوات المقاطعة فى الأردن شعارات من قبيل «لن نقدم لهم ثمن الرصاص الذى يقتلوننا به» وهكذا.

المقاطعة ومصلحة الاقتصاد الوطنى

أشرنا فيما سبق إلى ما ذكره حازم المنوفى رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة الإسكندرية التجارية من عودة نحو ألف منتج مصرى إلى التداول، أو الزيادة الكبيرة فى الإقبال عليها بما يُمثل نوعًا من «الانبعاث» من جديد، فضلا عن زيادة مبيعات أنواع عديدة من المنتجات المتداولة بما لا يقل عن (١٠٠٪ ــ مائة بالمائة) في بعض الحالات، ووصولا إلى (٣٠٠٪ ــ ثلاثمائة بالمائة) فى حالات أخرى.. ويشار هنا إلى أنواع من المشروبات الغازية التى شهدت إقبالا كثيفًا على حساب البيبسى وكوكاكولا، وإلى العصائر ومنتجات الألبان والشوكولاتة والبسكويت والحلويات ومأكولات الأطفال، والشاى وغيرها من المنتجات الغذائية، وكذلك إلى الصابون ومختلف أنواع المنظفات وغيرها وغيرها وخاصة من الصناعات الصغيرة.

والأمر المؤكد أن هذا كله يمثل انتعاشًا للصاناعات الوطنية فى هذا المجال، ويخلق عددًا كبيرًا من فرص العمل، كما أنه يمثل تخفيفًا للضغوط على أرصدتنا الدولارية وعلى ميزاننا التجارى.

والحقيقة التى يجب أن نشير إليها هى أن بعض المنتجات المحلية ربما لا ترقى إلى نفس جودة بديلها الأجنبى، لكننا يجب أن نعترف أيضًا أننا أسرفنا كثيرًا خلال العقود الماضية فى الأخذ بأنماط استهلاكية أرهقت ميزاننا التجارى وميزانيات الأسر، وتم فرضها على المجتمع من خلال الإلحاح المستمر بالإعلانات المكثفة، وألحقت ضررًا بالعديد من صناعاتنا الوطنية، وتفرض علينا الأزمة الاقتصادية ضرورة مراجعة الكثير من هذه الأنماط الاستهلاكية بما يخفف العبء عن اقتصادنا.

ضوابط ضرورية

وإذا كانت حملة المقاطعة بما يرتبط بها من دوافع وطنية وقومية وإنسانية تلتقى بالمصلحة الاقتصادية وتتيح فرصة ذهبية لازدهار صناعات وطنية عديدة، فإن هناك ضوابط قانونية وأخلاقية لابد للمنتجين والتجار من الالتزام بها فى مقدمتها مراعاة المواصفات القياسية للإنتاج، وعدم استغلال الفرصة للاحتكار ورفع الأسعار بصورة مبالغ فيها.. وهى أمور يجب أن تسهر الدولة على مراقبتها حرصا على مصلحة الاقتصاد الوطنى، وإلاّ فإن هذه «الفرصة الذهبية» ستتعرض للإهدار.

وهنا لابد من الاعتراف بأن أوضاع الرقابة على الأسواق ومواصفات الإنتاج تحتاج إلى دفعة تنظيمية وقانونية كبيرة، ولا يمكن ترك الأمور على ما هى عليه الآن، خاصة فى ظل الظروف السياسية والعسكرية المحيطة بالبلاد وبالمنطقة، لأن فوضى الأسواق لها تأثيرها السلبى على السلام الاجتماعى، ومن ثمَّ على الأمن القومى.

الجانب الآخر للمقاطعة

من ناحية أخرى فإن اتساع نطاق حملة المقاطعة الشعبية لمنتجات الشركات الأمريكية والغربية واستمرار هذه الحملة، أمر له تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية التى لابد من مواجهتها بيقظة تامة حتى لا تنعكس سلبًا على الاقتصاد والمجتمع.

ومن الناحية الاجتماعية فإن تأثيرات المقاطعة على الشركات المشمولة بها ستؤدى إلى تسريح أعداد من الشباب العاملين بها، وربما إلى إغلاق بعض فروعها، وهؤلاء مطلوب إتاحة فرص عمل بديلة لهم بصورة عاجلة. ويفترض أن تقوم المؤسسات التى تستفيد من المقاطعة برواج وتوسع أعمالها بإعطائهم الأولوية فى التوظيف. وحتى يتم استيعابهم يجب دعمهم بمساعدات من صناديق الدولة المعنية، أو بقروض صغيرة ميسرة، وتنظيم هذا الدعم بصورة عامة واجب ضرورى على الودلة (وعلى المؤسسات المستفيدة من المقاطعة كما أشرنا) وعلى النقابات والأحزاب واتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية ومنظمات رجال الأعمال وعلى كل جهة يمكنها المساعدة.

<<<

من الناحية الاقتصادية يجب مراعاة حقيقة أن ظروف تطور الاقتصاد المصرى خلال العقود الماضية هى التى أتاحت للشركات الأجنبية المشمولة بالمقاطعة (وغيرها) التغلغل فى اقتصادنا.. وأن المستثمرين فيها مصريون أيضًا، وتختلف أوضاعهم.. فمنهم من يُدير الفروع مقابل نسبة محددة من الأرباح، بينما تذهب النسبة الأساسية للشركات الأم في الخارج، ومنهم من يملك هذه الفروع أو بعضها، ويدفع للشركات الأم حق استخدام العلامة التجارية، ومنهم من يشارك فى الأرباح، ويجب على الدولة واتحاد الصناعات والغرف التجارية دراسة كل حالة على حدة، ومراعاة عدم وقوع الضرر بالمستثمر أو تخفيف الضرر إلى الحد الأدنى حتى لا يضطرب مناخ الاستثمار ويهرب المستثمرون أو يفلسون.

كما أنه لا يجب أن تمتد دعوة المقاطعة إلى كل المنتجات الأجنبية دون تمييز بين دول تتخذ موقفًا عدائيًا تجاهنا، ودول صديقة، أو شركات لا علاقة لها بالكيان الصهيونى أصلا، فتشجيع الإنتاج الوطنى شىء، ورفض كل ما هو أجنبى حتى لو كان اقتصادنا بحاجة إليه، وتربطنا بأصحابه علاقة معقولة، أمر آخر تمامًا.

<<<

وخلاصة القول إن الهدف الأهم للمقاطعة العربية هو معاقبة الأطراف الداعمة للمعتدى الصهيونى الفاشى، وحرمان القوى المعادية لنا من الاستفادة من أموالنا، وتوجيهها ضدنا فى نهاية المطاف.

لقد كان الصهاينة فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين يجمعون التبرعات لإسرائيل تحت شعار عنصرى إجرامى يقول: «ادفع دولارًا تقتل عربيًا»!! أما نحن فإن إنسانيتنا تمنعنا من تبنى مثل هذه الشعارات الإجرامية، لكننا نقول: إن كل دولار يكسبه المعتدى الصهيونى منك يتحول إلى رصاصة فى صدر شقيقك الفلسطينى اليوم، وفى صدرك أنت غدًا، فامنع عنه هذا الدولار بكل ما لديك من جهد حتى لا تشارك فى قتل شقيقك الفلسطينى اليوم ولا تتلقى هذه الرصاصة فى صدرك غدًا.

مصر للطيران
د. محمد فراج المقاطعة اسرائيل غزة

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE