الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 12:51 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : الغاز الليبى في «أوكازيون» الدبيبة‎!‎

د. محمد فراج أبوالنور
د. محمد فراج أبوالنور



شهد الأسبوع الماضى حلقة جديدة وخطيرة من مسلسل إهدار ثروات الشعب الليبى ‏تحت عناوين براقة تخفى الوقائع الحقيقية.. حكومة الدبيبة أعلنت عن توقيع اتفاقية ‏بين المؤسسة الوطنية الليبية للطاقة وشركة إينى الإيطالية لاستثمار ثمانية مليارات ‏دولار للتنقيب عن الغاز في حقلين بحريين قبالة سواحل ليبيا الغربية، تقدر ‏احتياطياتهما بحوالي ستة تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعى، ويتوقع أن ينتجا ‏كمية تتراوح بين ٧٥٠ ـ ٨٠٠ مليون قدم٣ يوميًا لمدة خمسة وعشرين عامًا، فيما ‏وصف بأنه أكبر استثمار فى قطاع الطاقة الليبى منذ خمسة وعشرين عامًا، وأعلنت ‏مصادر الطرفين الموقعين أنه سيدر على ليبيا «ثلاثة عشر مليار دولار» (الشرق ‏الأوسط وسكاى نيوز عربية - ٢٨ يناير‎).‎
الاتفاق تم توقيعه أثناء زيارة خاطفة قامت بها رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ‏ميلونى إلى ليبيا، وشهدت التوقيع هى وعبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة المنتهية ‏ولايتها فى طرابلس، ولاحظ المراقبون غياب وزير النفط الليبى (فى حكومة الدبيبة) ‏محمد عون عن حضور التوقيع، مع أنه هو الذى كان يجب أن يوقع الاتفاق مع الجانب ‏الإيطالي، وكان طبيعيًا أن تثار التساؤلات حول غياب الوزير المعنى، وحول قيام ‏رئيس مؤسسة النفط «فرحات بن قدَّارة» بتوقيع الاتفاق بدلاً منه، علمًا بأن الدبيبة ‏هو الذى قام بتعيين «بن قدارة» فى منصبه الصيف الماضى، بعد عزل رئيس ‏المؤسسة السابق «مصطفى صنع الله» دون تشاور مع البرلمان الليبى، وبالرغم من ‏أن هذا المنصب الحساس يعتبر من «المناصب السيادية» التي يجب أن يوافق ‏البرلمان علي تعيين القائمين بها، وفقًا لخارطة الطريق التى جاءت بالدبيبة نفسه رئيسا ‏للحكومة، كما أن وزير النفط هو الذى يملك صلاحية توقيع مثل هذه الاتفاقات ‏بموجب القانون‎.‎
وسرعان ما بدأت تتوالى الحقائق والانتقادات الحادة‎.‎
وزير النفط محمد عون أعلن أن الاتفاق غير قانونى وأنه رفض توقيعه لأنه ينطوى ‏على تنازلات كبيرة لصالح الجانب الإيطالى، وأوضح عون أن هذا الاتفاق «فى ‏صيغته الأولية» قديم يعود إلى عهد القذافى (٢٠٠٨)، ولم يتم توقيعه وقتها لأن ‏صيغته النهائية لم يكن قد تم التوصل إليها‎.‎
كما أعلن أن حصة الشريك الأجنبى فى الاتفاق الأصلى كانت ٣٠٪ فقط تمت ‏زيادتها في الاتفاق الجديد إلى ٣٧٪ بزيادة قدرها ٧٪ لصالح شركة إينى، وعلى ‏حساب ليبيا!! وأوضح الوزير أيضا أن حكومة الدبيبة التزمت بدفع أربعة مليارات ‏دولار من إجمالى قيمة الاستثمارات فى المشروع البالغة ٨ مليارات دولار.. أى أن ‏الحكومة الليبية تساهم بنصف استثمارات المشروع وفقا للاتفاق الجديد، بينما كان ‏الاتفاق الأصلى يقضي بقيام «إينى» بتقديم الاستثمارات كاملة (الشرق الأوسط ‏والاندبندنت عربية، ٣٠ يناير‎).‎
وهكذا فإن الحكومة الليبية تدفع نصف قيمة الاستثمارات (أربعة مليارات دولار) ‏التى كان ينبغى أن تدفعها شركة إينى كاملة والتي تحصل مقابلها ومقابل الخبرة ‏الفنية على حصتها في إنتاج المشروع، وعلاوة على ذلك فإن الحكومة قد «أهدت» ‏سبعة فى المائة من حصتها إلى إينى لتصبح حصتها ٣٧٪ بدلا من ٣٠٪ في الاتفاق ‏الأصلى‎!!‎
وبديهى أن هذه التنازلات غير المبررة تثير كثيرا من التساؤلات، كما تفسر عدم قيام ‏الدبيبة بعرض الاتفاق علي الحكومة قبل توقيعه، كما يقضى القانون، وتكليف رئيس ‏مؤسسة النفط بتوقيعه بدلا من الوزير المسئول، بخلاف مقتضي القانون وهو ما دفع ‏الوزير لرفض توقيع الاتفاق ورفض حضور التوقيع أصلا.. هذه الوقائع كلها أثارت ‏انتقادات حادة للاتفاق من جانب قوى سياسية مختلفة، ومن جانب أعضاء فى ‏البرلمان
أوكازيون لصالح إيطاليا‎!‎
ونضيف من جانبنا أن مبلغ (١٣/ ثلاثة عشر مليار دولار) المتوقع حصول الحكومة ‏الليبية عليها مقابل الإنتاج الضخم للحقلين (٦ تريليونات قدم مكعب تساوى حوالى ‏مائتى مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى/ ٢٠٠ مليار م٣) خاصة أن الحكومة ‏ستشارك بنصف الاستثمارات (أى بأربعة مليارات دولار) الأمر الذى يعنى أن ‏صافى العوائد التى ستحصل عليها ليبيا هو (تسعة مليارات دولار) وليس (١٣ مليار ‏دولار) كما أعلنت الحكومة! وهو مبلغ لا يتناسب إطلاقاً مع الإنتاج الضخم المتوقع ‏والمعلن عنه رسميا، ولا مع التخفيض الكبير الذى تم على استثمارات (إينى) ‏وتوفير أربعة مليارات دولار للشركة، ولا مع الزيادة الكبيرة لحصتها فى الإنتاج ‏‏(من ٣٠٪ إلى ٣٧٪) أى ما يعادل حوالى أربعة عشر مليار متر مكعب إضافية من ‏الغاز تحصل عليها الشركة الإيطالية مجانا بموجب الاتفاق الجديد‎!‎
ويزيد من فداحة الإهدار والخسائر الليبية أن توقيع هذا الاتفاق يجىء في وقت تشهد ‏فيه سوق الغاز الطبيعى العالمية نقصا كبيرا في الإمدادات نتيجة للعقوبات الغربية ‏ضد صادرات الغاز الروسية، الأمر الذى يجعل الدول المنتجة للغاز في وضع ‏تفاوضى أقوى بكثير من وضعها فى الظروف العادية وهو الوضع الذى تستغله ‏الولايات المتحدة لبيع إنتاجها من الغاز المسال إلى حلفائها الأوروبيين بأضعاف ‏أسعار السوق، كما يصرح المسئولون الأوروبيون وعلى رأسهم الرئيس الفرنسى ‏إيمانويل ماكرون‎.‎
ويتضح حجم الإهدار والخسائر أكثر إذا وضعنا فى اعتبارنا القرب الشديد لحقول ‏الغاز الليبية من السوق الإيطالية والأوروبية عمومًا، وكذلك وجود خط جاهز ‏للأنابيب بين ليبيا وإيطاليا، هو خط «السيل الأخضر» الذى تبلغ طاقته من ١٢ - ‏‏١٤ مليار م٣ سنويا أى ما يتراوح بين ٣٥ - ٤٠ مليون م٣ يوميا وهو ما يتيح ‏لإيطاليا تعويض جزء كبير من واردات الغاز الروسية التى خسرتها والتي ‏ستخسرها بسبب العقوبات الغربية ضد روسيا‎.‎
لكن حكومة الدبيبة أهدرت هذه الأوضاع التفاوضية المواتية تماما وبدلاً من ذلك ‏قدمت لإيطاليا ولشركة إينى تنازلات ضخمة لم يكن لها أى مبرر عن اتفاقات سابقة ‏كان قد تم التوصل إليها منذ عهد القذافى!! وفعلت هذا فى انتهاك صريح للقانون ‏والدستور الليبيين، اللذين لا يعطيانها هذا الحق إطلاقا، بحكم كونها حكومة منتهية ‏الولاية قبل كل شيء، ثم بحكم الشروط التفصيلية لعقد الاتفاقات مع الأطراف ‏الدولية‎.‎
وللعلم فإن هذا هو الاتفاق الثانى الذى يتضمن إهدارا صريحا لثروات الشعب الليبى ‏بعد الاتفاق الذى عقدت حكومة الدبيبة مؤخرًا مع الحكومة التركية للتنقيب عن النفط ‏والغاز في مياه ليبيا، وأيضا بمشاركة ليبية في الاستثمارات بخلاف المعمول به في ‏كل مكان في العالم، وبناء على آتفاق سابق غير مشروع أيضا بين حكومة السراج ‏‏«غير الشرعية وبين تركيا (راجع: الأموال، ١٥ يناير ٢٠٢٣‏‎).‎
وبديهى أن مثل هذه التوجهات والانتهاكات هى التى تفسر دعم الودل الغربية ‏الكبرى «تركيا» لحكومة الدبيبة ولاستمرارها فى السلطة، بالرغم من انتهاء ولايتها ‏ومن سحب البرلمان الليبى للثقة منها منذ سبتمبر ٢٠٢١، وهذه السياسات هنفسها ‏هى التى دعت مصر وأغلب الدول العربية للامتناع عن حضور الاجتماع الأخير ‏لوزراء الخارجية العرب فى طرابلس، ولسحب غطاء الشرعية العربية عن حكومة ‏الدبيبة‎.‎
وبقى أن نشير إلى أن الاتفاق الأخير يمثل مكسبا كبيرا لصالح إيطاليا وشركة إينى ‏فى السباق التاريخى لنهب بترول وغاز الشعب الليبى.. هذا السباق الذى لاتزال ‏إيطاليا وشركة «إينى في مقدمته، سابقة على أكبر منافسيها، فرنسا وشركة توتال ‏العملاقة، لكن هذا موضوع يحتاج إلى معالجة مستقلة‎.‎

مصر للطيران
الغاز الليبى. «أوكازيون». الدبيبة‎!‎.د. محمد فراج أبوالنور

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE