الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 01:13 مـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : رسائل وقرارات بايدن التى دشن بها رئاسته في يوم تنصيبه

الأموال


مع بداية رئاسة جو بايدن يوم الأربعاء الماضى وتحديدا منذ الساعة الثانية عشرة ظهرا بتوقيت واشنطن عندما أدى اليمين الدستورية من فوق منصة التنصيب فى الجهة الغربية من مبنى الكابيتول مقر الكونجرس فإنه يمكن القول إن أمريكا بدأت فصلا سياسيا جديدا ومختلفا تماما عن فترة حكم الرئيس المنصرف دونالد ترامب الذى طُويت صفحته السياسية والرئاسية بهزيمته في الانتخابات رغم رفضه الاعتراف بالهزيمة.
هذا الفصل السياسى الجديد تأكدت ملامحه فى خطاب التنصيب الذى ألقاه الرئيس بايدن عقب أدائه القسم والذى انطوى على رسائل مهمة ترسم بوضوح خريطة سياسات إدارته الجديدة والتى تعهد بإنفاذها خلال حملته الانتخابية والتى يأتى فى مقدمتها السعى لإنهاء حالة الانقسام فى المجتمع الأمريكى التى أشاعها سلفه ترامب ومن ثم إعادة اللُحمة الوطنية علي حد تعبيره.
ثمة رسالة أخرى بالغة الأهمية وهى تعهده بمكافحة العنصرية وصعود التطرف السياسى والإرهاب المحلى وأفكار التفوق العرقى الأبيض ومن ثم تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنهاء التمييز العرقى في كافة الوظائف. وفي نفس السياق جاء تأكيده على إعادة بناء الطبقة المتوسطة.
< < <
ولقد جاء إصداره لعدد من المراسيم والأوامر التنفيذية فور انتهاء مراسم التنصيب وفى الساعة الأولى من بداية رئاسته تطبيقا عمليا لمقولته بأنه «ليس لدينا وقت نضيّعه» وتنفيذا سريعا لوعوده وتعهداته خلال حملته الانتخابية والتي بدت فى حقيقتها إبطالا لقرارات وسياسات سلفه ترامب الداخلية والخارجية.
فى الشأن الخارجى جاء فى قراراته بالعودة إلى اتفاق باريس لمكافحة تغيُّر المناخ والعودة إلى عضوية منظمة الصحة العالمية وتعليق البناء فى جدار الحدود مع المكسيك بمثابة إبطال لقرارات ترامب بقدر ما تعبّر عن توجه بايدن لما أسماها استعادة مكانة أمريكا القيادية فى العالم، مع ملاحظة أن القرار المتعلق بالجدار الحدودى مع المكسيك جاء متسقا ومتفقا مع رؤيته لقضية الهجرة إلى أمريكا.
وفي نفس السياق جاءت قرارات بايدن لإبطال قرارات ترامب بشأن الهجرة والجنسية والسفر وخاصة منع دخول المواطنين من الدول ذات الأغلبية المسلحة والتي عكست رؤيته العنصرية سواء داخل أمريكا أو خارجها.
وفي الشأن الداخلى جاء البدء الفورى في تنفيذ خطة مكافحة جائحة «كورونا» والتى راح ضحيتها نحو ٤٠٠ ألف أمريكى فقدوا حياتهم سواء بقرار الالتزام الإجبارى بارتداء الكمامات فى المنشآت الفيدرالية واتباع إجراءات التباعد الاجتماعى والبدء في تنفيذ خطة تلقيح مائة مليون أمريكى خلال المائة يوم الأولى من رئاسته.. وهو ما يؤكد التزام بايدن ومنذ اليوم الأول بالتصدى للجائحة التى تعامل معها ترامب منذ البداية باستخفاف بل بالسخرية أيضا.
وفي نفس الوقت لم يفت ترامب تأكيد تعهده والتزامه بإنعاش الاقتصاد الأمريكى ومواجهة تداعيات كورونا الاقتصادية من خلال حزمة قرارات تستهدف دعم المضارين من الأفراد والأسر والطلاب والشركات الصغيرة بتكلفة تصل إلى تريليون دولار وهى الإجراءات التى تعد استكمالا ضروريا لما يفعله ترامب.
<< <
أما حفل تنصيب بايدن ورغم مظاهر وأجواء الدفء التى أشاعها الحاضرون ورغم برودة الجو فقد جاء مختلفا تماما عن كل ما سبقه من احتفالات تنصيب للرؤساء السابقين وغير مسبوق في التاريخ السياسى الأمريكى منذ أكثر من مئتى سنة، بل إن كل شيء في ذلك اليوم وفي هذا الحفل كان أيضا غير مسبوق.
لقد بدت واشنطن يوم الأربعاء الماضى بل قبل ذلك اليوم بأسبوع كامل وكأنها ثكنة عسكرية معزولة مدججة بعشرات الآلاف من قوات الشرطة والجيش والحرس الوطنى لتأمين حفل التنصيب.. تخوفا من هجمات إرهابية وأعمال عنف يرتكبها المتطرفون من أنصار ترامب على خلفية جريمة اقتحام الكونجرس لإعاقة تصديق مجلس الشيوخ على فوز بايدن.
وعلى غير المألوف وعلى نحو غير مسبوق أيضاً تم تقليل أعداد المشاركين فى حفل التنصيب فيما غابت حشود المواطنين الأمريكيين الذىن كانوا عادة ما يصطفون لحضور الحفل وحيث بقي الأمريكيون في منازلهم لمتابعة الحفل عبر شاشات التليفزيون.
< <
ولقد كان غياب ترامب المتعمد عن حفل التنصيب أمرا غير مسبوق أيضا وخرقًا للتقاليد والأعراف الديمقراطية الراسخة طوال أكثر من ١٥٠ سنة، وهو التصرف الذى غابت عنه اللياقة السياسية والأخلاقية والتى تعكس شخصية ترامب غير السياسية وغير الديمقراطية.. استمرارا لممارساته فى انتهاك القيم الديمقراطية والدستور حسبما أنهى فترة حكمه بالتحريض على اقتحام الكونجرس من جانب الجماعات اليمينية المتطرفة التى ارتكبت عملا إرهابيا حيث من الممكن بل من الضرورى تصنيفها كجماعة إرهابية بقدر ما يمكن تصنيف ترامب ووصفه بأنه راع للإرهاب المحلى.
< < <
وفى المقابل فقد كان حضور مايك بنس بوصفه نائب الرئيس المنتهية ولايته لحفل التنصيب تعبيرا عن احترامه للديمقراطية والتقاليد الأمريكية بقدر ما بدا فى نفس الوقت استنكارا ضمنيا وربما صريحا لتصرف ترامب غير اللائق سياسيا وأخلاقيا وديمقراطيا.
ثم إنه من المؤكد أن غياب ترامب لم يضر سوى ترامب ذاته بقدر ما أدانه إذ لم يخصم غيابه أو يقلل بأى قدر من أهمية حفل التنصيب خاصة مع حضور كل الرؤساء السابقين.. بوش الابن «جمهورى» وكلينتون وأوباما وحيث لم يتغيب سوى كارتر لأسباب صحية إلى جانب حضور هيلارى كلينتون المرشحة الرئاسية السابقة والذين هنأوا الرئيس الجديد وتبادلوا فيما بينهم الأحاديث الودية.
< < <
مع أهمية رسائل بايدن التى جاءت فى خطاب التنصيب ثم فى خطابه في أول ليلة له فى البيت الأبيض فإن أهمها على الإطلاق والتى تمثل فى حقيقتها إصلاحا لما أفسده ترامب طوال أربع سنوات هى التعهد بالتخلص مما وصفها بالعنصرية الممنهجة التى تعانى منها أمريكا ثم تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية دون تمييز ضد الأقليات العرقية وهو بذلك يشير إلي أخطاء سياسات وتوجهات ترامب اليمينية المتطرفة والعنصرية، والتي أسفرت عن حالة الانقسام والاحتقان فى المجتمع الأمريكى.
< < <
وفي نفس السياق المهم جاء تحذير ترامب لموظفى البيت الأبيض بأنه سوف ينهى خدمة أى موظف لا يتعامل مع كل الأمريكيين بكل احترام.. تأكيدًا لنهجه السياسى بأن يسود الاحترام كل المجتمع الأمريكى، بحيث ينتهى ويتوقف سلوك السخرية والإساءة إلى أى أمريكى بسبب الانتماء الحزبى أو العرقى وهو السلوك الذى انتهجه ترامب طوال أربع سنوات.
< < <
الجديد فى المشهد الأمريكى ومع بداية فصل سياسى جديد هو أنه بانتخاب رئيس ديمقراطى واستحواذ الحزب الديمقراطى على الأغلبية فى الكونجرس بمجلسيه.. النواب والشيوخ.. فإن أمريكا باتت كلها تحت حكم الحزب الديمقراطى وهو ما من شأنه تسهيل مهمة بايدن فى تمرير قراراته وسياساته الجديدة خاصة بعد تصريح ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية السابق فى مجلس الشيوخ حاليا والذى أكد تطلعه إلى العمل مع الرئيس بايدن وأن يكون الاختلاف معه باحترام، مع ملاحظة أنه كان من أقرب المقربين والمؤيدين لترامب فى اللحظات الأخيرة إلا أنه اتهمه بالتحريض على اقتحام الكونجرس.
< < <
مع بداية فصل سياسى أمريكى جديد ومع بداية عمل مجلس الشيوخ بتشكيله الجديد فإن أمامه ثلاث مهام رئيسية ستكون لها الأولوية.. أولها التعاون مع بايدن فى التصدى لجائحة كورونا وتداعياتها ثم تثبيت ترشيحات الرئيس الجديد لأعضاء إدارته، وثالثا البدء فى إجراءات محاكمة ترامب برلمانيا وحيث بدا مرجحا أن تتم إدانته ومعاقبته بما يعنى عزله سياسيا بالحرمان من الترشح مستقبلا فى أى انتخابات أو تولى أى منصب فيدرالى.
لقد كان يوم الأربعاء الماضى يومًا فاصلا في التاريخ السياسى الأمريكى الحديث.. بين عهدين.. بين رئيسين.. ترامب الذى غادر منصبه حاملا معه عاره السياسي والأخلاقى والعنصرى المتطرف.. موصومًا بأنه أسوأ رئيس أمريكى.. وبايدن الرئيس الجديد السادس والأربعين والذى وصف يوم تنصيبه بأنه انتصار للديمقراطية وليس احتفالا بفوز مرشح، وهو بهذه العبارة الموجزة واضحة الدلالة وبرسائله التى تضمنها خطاب التنصيب وقراراته الأولى يكون قد دشن بداية رئاسته وبداية فصل سياسى جديد.

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE