الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 12:30 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : بيروت .. بين الانفجار وزيارة ماكرون

الأموال

ردود الأفعال على الانفجار المروع الذى ضرب بيروت مساء الثلاثاء الماضى كانت واسعة وغنية بالدلالات، بقدر ما كانت شديدة التناقض.

وأول ما يلفت النظر هو ذلك التعاطف الشعبى العربى الجارف مع مأساة الشعب اللبنانى الشقيق، والذى فاضت به وسائل التواصل الاجتماعى وتعليقات المواطنين فى برامج التليفزيون والإذاعات العربية، والندوات الواسعة لتقديم كل أشكال الدعم الممكنة للشعب اللبنانى فى محنته.. وذلك التعاطف الذى يبرهن على أن جذور فكرة «العروبة» والمشاعر «العربية» لدى شعوبنا أعمق بكثير جداً مما يظن أغلب الساسة والمحسوبين على نهضة الإعلام فى مختلف البلدان العربية، فضلاً عن البلدان الغربية.. ويلفت النظر بشدة أن موجات التعاطف الشعبى الجارف تلك تظهر بجلاء مع كل محنة يتعرض لها شعب عربى أو عدوان إسرائيلى أو تركى أو غربى ضد أى بلد عربى ـ وذلك بغض النظر عن الموقف من النظام الحاكم فى هذا البلد العربى أو ذاك، أو القوى السياسية التى تكون طرفاً فى الصراع مع المعتدين الأجانب.

>‫> الملاحظة الثانية بالغة الأهمية هى أن غالبية الأطراف السياسية والإعلامية اللبنانية والإقليمية والدولية سارعت إلى استباق نتائج التحقيق، وتحميل خصومها المسئولية عن الانفجار المروع وما نتج عنه من دمار وضحايا.. ودون انتظار حتى لأي «نتائج أولية» للتحقيق، أو تفكير فى منطقية الاتهام، أو الفائدة التى يمكن أن يجنيها هؤلاء الخصوم من وقوع هذا الانفجار المدمر.. أو ترك الفرصة لمجرد احتمال نظرى بأن يكون الانفجار قد حدث نتيجة لإهمال جسيم هو فى حد ذاته جريمة كبرى ـ أو خطأ يستحق مرتكبوه أشد العقاب.. فالمهم هو استغلال الفرصة لتوجيه الاتهام بالخصوم.. وبغض النظر عما يمكن أن يترتب على هذا الاتهام «المستبق لنتائج التحقيق» من ردود أفعال من هذا الطرف أو ذاك يمكن أن تزيد من فداحة المأساة.

وتبدو لا أخلاقية هذا الموقف إذا ما قورنت بالموقف الشعبى المهتم أولاً بتقديم المساعدة الضرورية للشعب اللبنانى وضحايا الكارثة وهو رد الفعل الثورى الذى جاء من جانب بعض السياسيين الأكثر رشداً وإحساساً بالمسئولية .

>‫> وقبل أن نستعرض بعض هذه المواقف أن نشير بكل وضوح إلى أن استبعاد مسئولية هذا الطرف أو ذاك، أو ترجيح مسئولية طرف آخر "استباقاً لنتائج التحقيق" لا يعنى تنزيهنا لطرف أو آخر عن ارتكاب هذه الجريمة المروعة أو تأييدنا لمواقفه «وخاصة فيما يتصل بإسرائيل».. وإنما ضرورة التفكير المنطقى النزيه، وانتظار نتيجة التحقيق.. واحترام أهمية التوصل إلى «الحقيقة».. ورفض منهج المتاجرة بالمأساة، دون وازع من ضمير.

الخصم .. هو المسئول!!

وعلى سبيل المثال فقد بادرت بعض الأطراف السياسية والإعلامية اللبنانية والغربية إلى اتهام حزب الله بارتكاب هذه الجريمة المروعة للتشويش على الإعلان المرتقب لحكم المحكمة الجنائية المرتقب خلال أيام فى قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى، وتأجيل انعقاد المحكمة للنطق بالحكم.. علماً بأن أهم الضباط المقربين للحزب، والمتهمين فى القضية قد تم إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة.. وأن هناك اتهامات متداولة للمخابرات الإسرائيلية بتدبير جريمة اغتيال الحريرى فضلاً عن أن حكم المحكمة، بعد كل هذه السنين، لم تعد له تلك الأهمية التى تبرر تدمير ميناء بيروت ونصف المدينة خاصة أن حزب الله هو أحد كبار المستفيدين من الميناء، وليس من مصلحته تدميره، وجلب مزيد من العداء المحلى والإقليمى والدولى لنفسه.

ثم تغير الاتهام بعد ذلك لاتهام الحزب بأنه يملك نفوذاً كبيراً فى إدارة الميناء، وأنه هو الذى جلب هذه الكمية الهائلة من "نيترات الأمونيوم" ـ «٢٧٥٠ طناً» إلى البلاد لاستخدامها فى صناعة المتفجرات.

غير أنه اتضح أن هذه الكمبية الكبيرة من "نيترات الأمونيوم" قد قامت السلطات الحكومية اللبنانية بمصادرتها من سفينة كانت ترفع علم دولة "مولدوفا" وقادته من جورجيا ومتجهة إلى موزمبيق عام ٢٠١٤ وأن حزب الله لم تكن له علاقة بالمسألة ثم إن مادة «نيترات الأمونيا» قد تم تفريغها من السفينة لعطل أصابها، وخشية تلويث مياه الميناء.. فضلاً عن أن المادة نفسها ليست متفجرة بذاتها، بل تستخدم فى الصناعة «الأسمدة وغيرها» ـ وأنها تنفجر إذا تعرضت لعنصر محفز خارجى كالنار أو انفجار يحدث إلى جانبها.

حزب الله بدوره اتهم إسرائيل بأنها قامت بقصف مخزن النيترات بصاروخ أدى إلى حدوث الانفجار وتحدث عن وجود طائرات مسيرة وغير مسيرة فى سماء بيروت يوم الحادث.. بل وتم نشر صورة توضح انطلاق صاروخ من إحدى هذه الطائرات.. ثم نشرت وكالة الصحافة الفرنسية ما يؤكد أن الصورة مزيفة، وأن الصاروخ قد تم إدخاله عليها بوسيلة من وسائل التلاعب الإليكترونى.

وصرح السفير الروسى فى بيروت بأن تقارير المخابرات الروسية وصور الأقمار الصناعية لا تشير إلى وجود طائرات عسكرية، إسرائيلية أو غير إسرائيلية، فى سماء المدينة يوم وقوع الحادث!! فانتقلت الشائعات إلى الحديث عن دس قنبلة فى مخزن «النيترات».. ليتضح فيما بعد أن حريقاً كان قد شب فى مكان مجاور للمخزن، ثم امتد إليه ليؤدى إلى انفجاره.. وذلك حسب بيانات الحكومة اللبنانية، التى اتخذت قراراً بفرض الإقامة الجبرية على المسئولين عن مخزن "النيترات" والمتصلين بالموضوع تمهيداً للتحقيق معهم ومحاكمتهم.

>‫> الرئيس الأمركى ترامب بدوره كان لابد أن يدلى بدلوه فى الموضوع ـ شأن علاج كورونا وكل الموضوعات محل الاهتمام العام ـ فأعلن أن ضباطاً أمريكيين كباراً ـ لم يسمهم ـ أخبروه أن الانفجار "قد يكون» نتيجة عمل إرهابى ـ وأنه «يبدو كأنه اعتداء رهيب» .. «مواقع ووكالات وقنوات الأربعاء ٥ / ٨ / ٢٠٢٠ « .. بينما أعرب وزير الدفاع الأمريكى مارك إسبر عن اعتقاده بأن الانفجار كان نتيجة «حادث» وأن هذا ما تشير إليه التقارير » DW الألمانية ـ الأربعاء ٥ / ٨ / ٢٠٢٠« .. وهو ما يتناقص بوضوح مع كلام ترامب غير محدد الصياغة.

كما نقلت قناة «سى . إن . إن» الأمريكية عن ثلاثة مسئولين فى وزارة الدفاع قولهم إنه ليس هناك ما يشير إلى حادث إرهابى.. وقال أحدهم إنه لو كان الأمر كذلك لكانت الولايات المتحدة عززت حماية القوات والمنشآت الأمريكية فى المنطقة.. وهو ما لم يحدث ‪(‪ - DW 5/8/2020‪) وموقع CNN بالعربية، وسبوتنيك الروسية ٥ / ٨ / ٢٠٢٠ .

مدخل إلى الوصاية الدولية

وبالرغم من ذلك فإن الأطراف اللبنانية الموالية للغرب والراغبة فى وضع لبنان تحت الوصاية الدولية دعت إلى إقصاء السلطات اللبنانية عن التحقيقات بدعوى عدم الثقة فيها!! وإلى إجراء "تحقيق دولى" حول الانفجار وملابساته، دون حتى مشاركة السلطات الشرعية اللبنانية فى هذا التحقيق.. وكلنا يعرف بالطبع مدى نزاهة مثل هذه التحقيقات التى تجريها أمريكا والدول الغربية الكبرى.

كما تركز هذه الأطراف اللبنانية على مسئولية حكومة حسان دياب "رئيس الوزراء الحالى" عن الانفجار، وإهمالها الجسيم بترك هذه المادة الخطيرة «نيترات الأمونيوم» وبهذه الكمية الكبيرة "٢٧٥٠ طناً" فى الميناء دون اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية.. لكن الأطراف اللبنانية الأخرى بما فيها الحكومة ترد بأن مخزن "النيترات" موجود منذ عام ٢٠١٤ فى ظل وجود حكومة الحريرى، بينما لم يتول حسان دياب السلطة إلا فى ديسمبر ٢٠١٩ .

>‫> تحرك الرئيس الفرنسى ماكرون السريع إلى بيروت «الخميس ٦ / ٨ / ٢٠٢٠« وحديثه عن أن لبنان ليس وحيداً.. وأنه سيتم تقديم المساعدات الضرورية له.. «ولكن ليس إلى الأيدى الفاسدة».. وإلى ضرورة تجاوب لبنان مع الشروط الدولية المعروفة ـ والتى رفضتها الحكومة اللبنانية فى محادثاتها مع صندوق النقد الدولى ـ وهى ليس شروطاً اقتصادية فقط، وإنما لها جوانب سياسية وعسكرية.. مسألة تدعو إلى الانتباه للإصرار الغربى على «تدويل» الأزمة اللبنانية .. وأن ماكرون قد جاء كمندوب للغرب بحكم العلاقات الخاصة بين فرنسا ولبنان ـ وأن هناك إصراراً على مواصلة الضغوط الغربية العنيفة على لبنان، والتى وصلت إلى حد ما يشبه الحصار الاقتصادى المحكم تماماً خلال الشهور الماضية.. وهذا أمر يرتبط بسياسة لبنان العربية والإقليمية، والموقف من سورية وإيران وحزب الله.. إلخ..

وبديهى أن الخسائر الهائلة التى سببها الانفجار الكبير تضع لبنان فى موقف أضعف فى مواجهة الضغوط الغربية القاسية، ومحاولات وضعه تحت الوصاية.

ويحملنا هذا إلى التفكير فى الأطراف المستفيدة من الانفجار الكبير فى ميناء بيروت.. وبمعنى آخر فإنه قد يكون من السذاجة المفرطة الأخذ بالمظاهر التى تبدو «بريئة» ـ أو أن الانفجار مجرد نتيجة «للإهمال الجسيم» .. فقد يكون هذا تسرعاً شديداً، بينما الحقيقة تقع فى مكان آخر، خاصة أن خرائط المنطقة بأسرها يعاد رسمها من العراق وسوريا "ولبنان مرتبط بدمشق عضوياً" إلى ليبيا وتونس والشمال الإفريقى.. وصولاً إلى إثيوبيا.. وفى المركز من ذلك كله مصر..

يحتاج الأمر إلى تفكير متأن ـ وإلى متابعة نتائج التحقيق.. ونتائج زيارة ماكرون مندوب الغرب النشيط.

ولنا عودة إلى بيروت وانفجارها الكبير.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE