الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 01:58 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب :كورونا وضرورة ردم الفجوة الغذائية

الأموال

تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء .. ضرورة قصوى لمصر فى عالم ما بعد الوباء

«مشروع البتلو» .. خطوة هامة لتحسين جودة غذاء ومناعة المصريين

«مافيا اللحوم» ستقاوم المشروع .. لكن الشعب سيهزمها

الدمار الواسع الذى أصاب الاقتصاد العالمى بسبب تفشى وباء كورونا كان من الطبيعى أن تمتد آثاره الوبيلة إلى قطاع الإنتاج الزراعى (والإنتاج الحيوانى جزء أساسى منه) وإلى قطاع النقل البحرى بسبب حظر السفر بين البلدان، مما تسبب فى ارتباك كبير لإمدادات الغذاء على المستوى العالمى، فما تم منها حظر كثير من الدول للحبوب ولكثير من المنتجات الزراعية والحيوانية لفترات مختلفة لتضمن أولاً توفير احتياجات بشعوبها، بالإضافة إلى احتياطيات كافية لمواجهة ظروف انتشار الوباء.

وأدى ذلك إلى انتشار مخاوف واسعة عن حدوث اختلالات كبيرة فى إمدادات السلع الغذائية ـ التى بدأت بوادرها بالفعل وإلى تحذيرات متكررة من جانب الخبراء بهذا الشأن أو إلى بروز توجهات فى أغلب الدول بضرورة تحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتى فى مجال الإنتاج الزراعى «والحيوانى».. لتجنيب شعوبها بمخاطر مواجهة أوضاع تقف بها على حافة المجاعة، خاصة أن كارثة كورونا يمكن أن تمتد لشهور طويلة، أو حتى لسنوات، حسب تقديرات الخبراء.. وبديهى أن تداعياتها سوف تستمر لأوقات أطول.

‫> ‫>

فى هذا السياق تبرز أهمية الاجتماع الذى عقده الرئيس السيسى مع كبار المسئولين عن قطاع الزراعة «والانتاج الحيوانى» والرى »الثلاثاء ١٢ مايو» والذى نوقشت فيه قضايا توسيع الرقعة الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل، ودعم مشروعات الإنتاج الحيوانى والسمكى والداجنى «صحف الأربعاء ١٣ مايو» .. وأشارت التقارير الخبرية حول الاجتماع إلى تشديد الرئيس على أهمية السعى نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل «بوصفه هدفاً استراتيجياً للدولة».. كما نوقش فى الاجتماع قضايا زيادة الإنتاج الحيوانى ودعم منظومة تجميع الألبان على مستوى الدولة ورفع كفاءة الاستفادة منها للزيادة الإنتاجية والجودة.

مضاعفة الاهتمام بإنتاج اللحوم

وقد نوقشت فى الاجتماع القضايا المتعلقة بزيادة إنتاج اللحوم والدواجن والأسماك.. وأبدى الرئيس اهتماماً خاصاً «بدعم المشروع القومى البتلو» وضرورة «مضاعفة حجمه وإنتاجيته والتوسع فى إشراك الجمعيات الأهلية فى هذا الاطار لما لها من شبكة تواصل فعالة مع صغار المربين على مستوى الجمهورية وتقديم مشروع نموذجى لهم».

ويتسم «مشروع البتلو» بأهمية خاصة لما هو معروف من وجود نقص حاد فى إنتاج اللحوم ـ وخاصة اللحوم الحمراء ـ فى مصر.. وكذلك فى استهلاكها برغم الاستيراد الواسع ـ مقارنة بالمعدلات العالمية.

ومعروف أن المشروع كان قائما تحت إشراف وزارة الزراعة فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى.. وكان له دور كبير فى زيادة الإنتاج المحلى من اللحوم الحمراء، والسيطرة على أسعارها، والحد من استيرادها .. وكان يقدم للمستهلك نوعية جيدة من اللحوم البلدية الطازجة بسعر مناسب تماماً.. كما كان يتيح عدداً كبيراً من فرص العمل لمتوسطى وصغار الفلاحين المربيين.

لكن مافيا استيراد وتجارة اللحوم «الفاسدة والمعقولة على السواء» شنت حرباً ضارية على المشروع بدعوى أنه «لاعلاقة للدولة بتربية العجول»!! مع أن دور الدولة كان يتمدد بإمداد المربين بالاستثمارات الضرورية والأعلاف وتقديم الرعاية البيطرية، ورعاية أبحاث تحسين السلالات المنتجة للحم.. بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتى وتحسين نوعية غذاء الشعب أو توفير العملة الصعبة.. وكلها أمور تدخل فى صميم اختصاص الدولة ووزارة الزراعة، وواجبها فى تحقيق الأمن الغذائى للشعب.

وأخيراً.. نجحت «المافيا» فى تصفية »مشروع البتلو» عام ١٩٩٦ .. لتنفرد بسوق اللحوم فى البلاد.. وأدت هذه الخطوة التخريبية إلى انخفاض إنتاح مصر من اللحوم، وانخفاض نصيب الفرد منها.. وإلى رفع أسعارها بصورة منفلتة.. ثم نجحت «المافيا» فى فتح باب الاستيراد على مصراعيه، مع تقليص إجراءات الرقابة الصحية والبيطرية بشدة، لينتهى الأمر بإدخال لحوم مصابة بالأمراض، ومنتهية الصلاحية أو فاسدة تماماً «على نطاق واسع» مع استمرار ارتفاع الأسعار بصورة غير معقولة، وبالتالى تقلص قدرة المواطنين على استهلاك اللحوم الجيدة أو حتى الرديئة.. وتراجع نصيب الفرد من اللحم بصورة مأساوية.

وقد كان لتدخل الدولة والقوات المسلحة ممثلة فى جهاز الخدمة الوطنية دور مهم فى تخفيف حدة الأزمة سواء من حيث الأسعار أو كمية المعروض فى الأسواق.

إلا أن الأزمة ظلت موجودة فى انتظار توسيع الإنتاج المحلى بصورة جوهرية.. وتخفيف عبء وإهدار مواردنا الدولارية فيما يمكن أن ننتجه في بلادنا بنوعية أفضل وسعر أرخص.

ويكفى أن نشير إلى أن تصفية مشروع البتلو (1995) قد أدى إلى انهيار إنتاج اللحوم الحمراء، ليهبط إلى ٢٤٥ ألف طن ليزداد تدريجياً خلال ٢٥ عاماً تظل قدرتنا على تغطية استهلاكنا أقل من ٦٥٪ والباقى نستورده سواء فى صورة «ماشية حية» أو لحوم مذبوحة.. وقد بلغت فاتورة استيراد اللحوم » ومعها الأسماك الطازجة والمحفوظة وبعض منتجات الألبان» أكثر من ١٩٠٠ مليون دولار فى النصف الأول من عام ٢٠١٩ أى نحو أربعة مليارات دولار للعام بأكمله.. الجزء الأعظم منها للحوم الحمراء.

أهمية إحياء مشروع البتلو

لهذا كان إحياء مشروع البتلو مؤخراً خطوة مهمة فى الاتجاه الصحيح باستثمارات قدرها نحو ٣ مليارات جنيه.. ويجئ حديث الرئيس حول ضرورة «مضاعفة حجم وإنتاجية» المشروع ليفتح الباب للأمل فى إضافة مبلغ مماثل على الأقل لتصبح استثمارات المشروع ٦ مليارات جنيه إن لم يكن أكثر.. خصوصاً تزايد إدراك الدولة لأهمية تغطية الفجوة فى إنتاج المحاصيل والمواد الغذائية عموماً، وبصورة أخرى فى ظل المخاطر الناشئة عن تفشى وباء كورونا والذى سبق الحديث عنها.

كما أن الاتجاه إلى التوسع فى إشراك الجمعيات الأهلية وشبكة صغار المربين هو اتجاه جيد بالتأكيد لأنه يتيح الفرصة لتوسيع المشروع، وخلق فرص عمل جديدة لصغار الفلاحين ـ المربيين.

نقص فادح فى استهلاك اللحوم

والحقيقة أنه علاوة على ما ذكرناه أعلاه فإن استهلاك المصريين من اللحوم الحمراء متواضع بصورة مؤسفة للغاية.. ونقول ذلك بالرغم من وجود بدائل للبروتين من الدجاج وغيره من الدواجن فضلاً عن الأسماك.. لكن انتاجنا واستهلاكنا من البروتين عموماً ضئيل بالمقاييس العالمية.. وهذا عنصر مؤثر بالسلب على جودة الطعام.. بالتالى صحة المصريين.

ومعروف أن اللحوم الحمراء هى أكثر أنواع البروتينات شيوعاً وشعبية فى العالم، فضلاً عن ارتفاع قيمتها الغذائية.. ولذلك فإن استهلاكها هو مؤشر عام لمستوى المعيشة وجودة الطعام.. والحقيقة أن مستوى استهلاك اللحوم الحمراء فى مصر يجعلنا لا نتجاوز إذا تحدثنا عن «مجاعة لحوم» مقارنة بالمعدلات العالمية.

إذ تشير الأرقام إلى أن استهلاك الفرد المصرى من اللحوم الحمراء المحلية والمستوردة على اختلاف مستوى الجودة بينها يتجه للهبوط بصورة مستمرة.. وتشير التقارير إلى أن استهلاك مصر المتوقع من اللحوم هذا العام نحو ١٫١ مليون طن بواقع ١٥كجم للفرد سنوياً!! بينما يبلغ متوسط استهلاك الفرد عالمياً ٣٤٫٥ كجم .. ويبلغ نصيب الفرد من اللحوم الحمراء فى العالم العربى ٢٥ كجم سنوياً.. أى أن المصرى يستهلك أقل من نصف الاستهلاك المتوسط للفرد العربى عموماً.. وأقل من ثلث متوسط الاستهلاك العالمى للفرد ٣٤٫٥ كجم!!

وفى المقابل يبلغ استهلاك الفرد فى بلاد مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلاندا والأرجنتين أكثر من ١٠٠ كجم من اللحوم الحمراء سنوياً.. ويستهلك الفرد الأوروبى الغربى حوالى ٩٠ كجم منها.. بينما قفز استهلاك الفرد فى الصين من ٥ كجم فى الستينيات إلى أكثر من ٦٠كجم حالياً والأرقام وفقاً لإحصاءات أعدها باحثون من جامعة أوكسفورد العريقة على أساس معلومات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة »الفاو» .. وهى المصدر »العمدة» فى هذا الصدد.. BBC ٧ فبراير ٢٠١٩ والشرق الأوسط السعودية ٢٣ مارس ٢٠١٩.

والأرقام لا تحتاج إلى تعليق من جانبنا.. علماً بأن استهلاك هذه الشعوب من اللحوم الحمراء، لا يعطل بالطبع استهلاكهم للدواجن والأسماك.

واللافت للنظر أن المتوسط الحالى لاستهلاك اللحوم الحمراء فى مصر ١٢ كجم مثل تراجعاً عن أرقام أفضل عام ٢٠١٥ مثلاً (6-13 كجم).. وإن كانت تظلت ضئيلة فى تقديرنا لكن تراجعها أمر سيئ بالتأكيد «الأرقام مأخوذة عن دراسة لقسم الاقتصاد الزراعى بجامعة أسيوط استناداً إلى بيانات وزارة الزراعة المصرية ـ والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ومنظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة أعداه عاطف الشيمى وأخرجه .. وبديهى أن هذا المعدل الوسطى الضئيل لاستهلاك الفرد من اللحوم الحمراء فى مصر ١٢ كجم سنوياً / أى ٣٠ ج يومياً!! لا يحصل عليه كل مواطن مصرى.. فهناك أغنياء ومتوسطون وفقراء ـ وهناك أناس مدقعو الفقر.. ربما لا يذوقون اللحم إلا من عطايا المحسنين فى عيد الأضحى.. ويقنعون بقية العام بما تبيعه «مافيا اللحوم» من أحشاء وأعضاء داخلية للحيوانات.. مستوردة مباشرة من «قمامة» مستودعات اللحوم الأورويبة الفاسدة، أو الهندية المليئة بالديدان .. أو يشترون أرجل الدواجن وأجنحتها من باعة الدواجن.. لهذا كله نعتبر أن إحياء ومضاعفة «مشروع البتلو» إلى أقصى درجة ممكنة.. والتوسع فى غيره من مشروعات إنتاج الدواجن والأسماك وغيرها.. خطوة مهمة إلى الأمام، وتستحق كل الدعم.. وندعو الدولة إلى بيع كل هذه المنتجات بأقل سعر ممكن.. بل وإلى دعمها.. لأن غذاء المصريين فى حاجة إلى طفرة حقيقية.. وإذا كنا نتحدث عن أهمية «المناعة» لمقاومة كورونا وغيره من الأمراض فإن تحسين جودة غذاء المصريين هو الطريق الحتمى لرفع تلك المناعة.. كما نتوقع أن تشن «مافيا اللحوم» القوية والمتغلغلة فى المجتمع والاقتصاد وأجهزة الدولة.. أن تشن حرباً ضروساً على «مشروع البتلو» لأنه يمثل خطراً حقيقياً على أرباحهم الفاحشة والحرام.. وسيحاولون إلحاق المشروع الجديد بسابقه «المغدور عام ١٩٩٦» ـ لكننا نعتقد أنه لا الشعب ولا الدولة سيتركانهم يكررون هذه اللعبة الإجرامية فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE