الأموال
الثلاثاء، 30 أبريل 2024 02:39 مـ
  • hdb
21 شوال 1445
30 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : القطاع العام وخطط الوزير «تطوير» أم تصفية؟ (1)

الأموال

 

من المسئول عن مأساة قطاع الأعمال العام؟

الخصخصة ليست الحل.. وإليكم الدليل

بعد أن تم بنجاح عظيم، تخريب الشركة القومية للأسمنت إحدى قلاع الصناعة الوطنية تحت رعاية وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق شخصيا.. يبدو أن مسلسل التصفية يتجه بسرعة نحو عشرات الشركات الأخرى تحت شعار «التطوير» و«التخلص من الشركات الفاشلة» التي تخشي أشد الخشية أن يكون من بينها قلاع كبري للصناعة الوطنية مثل مجمع الحديد والصلب بحلوان! فقد  قال السيد الوزير في كلمة له أثناء اجتماع للجنة الصناعة بمجلس النواب أن «صناعة الحديد والصلب لم تعد صناعة استراتيجية (المصرى اليوم ـ 28نوفمبر 2018).

ولا يعلم إلا الله من أين أتى الوزير الهُمام بهذه «الفتوى» الخطيرة.. لكننا نعلم أن السيد الدكتور مدحت نافع رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية قد أدلي ببيانات تحث علي اليأس من إمكانية إصلاح شركة الحديد والصلب «ديونها 5 مليارات جنيه وخسائرها هذا العام 900 مليون جنيه» ـ المصرى اليوم، 10/12/2018 ـ في تتابع يعيد إلى الذاكرة سيناريو تصفية «القومية للأسمنت».

غير أن ملف شركة الحديد والصلب من الأهمية والضخامة، بما يوجب معالجته في مقال مستقل.

ولنعد إلي تصريحات الوزير في اجتماع لجنة الصناعة بمجلس النواب.. وهو من المناسبات التي طرح فيها الوزير خطته «لتطوير» قطاع الأعمال العام، بالتفصيل وبجرأة لا يحسد عليها.

فقد قال الوزير بكل وضوح إن «الحكومة لديها خطة كاملة وتفصيلية لتطوير شركات القطاع» معلنًا «إغلاق الشركات التى ستفشل معها هذه الخطة».. وأضاف «مش عايزين نكرر سيناريو الدخول في خسائر لمدة 20سنة.. ولازم يكون عندنا شجاعة قرار التصفية».. ولا ندرى ما هو الداعى للإلحاح على فكرة «شجاعة التصفية».. إذا كان الوزير نفسه قد ذكر أن الوزارة تتوقع أن تزيد أرباح شركات قطاع الأعمال العام بنسبة 45٪ في عام 2018/2019 المالى وحده؟!! أى أن أوضاع القطاع غير ميئوس منها كما يبدو من أحاديثه المتكررة، كما أن هناك خططًا لتسديد ديون شركات القطاع من خلال التصرف في أجزاء كبيرة من الأصول غير المنتجة لتلك الشركات، ولترشيد الإنفاق وتطوير الآلات المتقادمة، بما يؤدى لرفع الإنتاجية..إلخ.

ومع ذلك يواصل الوزير تصريحاته المتربصة بشركات قطاع الأعمال المتعثرة ـ دون أن يذكر دور الوزارة والحكومة في تعثرها ـ لدرجة الحديث عن بيع الماكينات كخردة!! مطمئنا النواب إلى أن الحصيلة ستكون جيدة لأن «طن الخردة الآن يساوى سبعة (7) آلاف جنيه!!

والسؤال هو: هل كان فشل مشروعات تطوير شركات قطاع الأعمال العام علي دور أكثر من (20) عاما بسبب عيوب جينية «وراثية» فى فكرة القطاع العام نفسها؟ أو في هذه الشركات بالذات؟ أم بسبب سوء وفساد وقصور مشروعات «التطوير»، وعدم كفاءة القائمين على تنفيذها أو فسادهم.. وتواطئهم مع صندوق النقد الدولى وغيره من مؤسسات التمويل الغربية والمقرضين الأجانب «لتخسير» هذه الشركات لصالح منافسين أجانب أو محليين أو للاستيلاء علي مساحات الأراضى التابعة لها، وبيعها كأراض للبناء؟

هل كانت شركة المراجل البخارية ـ ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد المصرى كله ـ تخسر ليتم بيعها ووقف نشاطها، وتوجيه أراضيها للاستثمار العقارى؟ هل كانت شركة بيبسى كولا تخسر؟ هل كانت شركات الأسمنت ـ التى تم بيعها بأبخس الأسعار تخسر؟ هل كانت شركة «نوباسيد» المتخصصة في تجهيز البذور للمحاصيل الزراعية تخسر، حينما تم بيعها بـ130 مليون جنيه.. بينما كان لديها أرصدة سائلة بنفس المبلغ (130مليون جنيه)؟!! أى بيعها بالمجان!! ليتم وقف نشاطها، وتضطر مصر لاستيراد البذور والتقاوى كل عام من الشركات الأمريكية والغربية؟ وبكل ما فيها من أمراض ومواد مسرطنة!! والأمثلة كثيرة جدًا: عمر أفندى، وطنطا للكتان، وشبين الكوم للغزل والنسيج.. وغيرها وغيرها.. وكلها أمثلة تطفح بالفساد والإضرار العمدى بالاقتصاد القومى.. فهل كانت المشكلة في نقص «شجاعة الإغلاق» يا معالى الوزير؟

وهل كانت تصفية «القومية للأسمنت» وخسائرها بسبب «نقص الشجاعة» أم بسبب خطط «التطوير» الفاسدة وخراب ذمم القائمين على تنفيذها. حتى تم اغتيال الشركة وفق خطة محكمة.. أشرفت بنفسك علي تنفيذ مشاهدها الأخيرة؟

وهل كانت شركات القطاع العام تدار بطريقة اقتصادية لتلام علي فشلها؟ لسنا بحاجة للحديث عن إجبار الشركات على البيع بأسعار «اجتماعية» دون أن تعوضها الدولة عن الفرق بين البيع بهذه الأسعار «الاجتماعية» والسعر الاقتصادى.. ولا عن استيلاء الخزانةالعامة علي أى أرباح تتحقق، وحرمان الشركات من توجيه جزء منها للإحلال والتجديد والتطوير.. ولا عن الهياكل الإدارية البيروقراطية الضخمة وامتيازات رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات، وكبار العاملين، ومكاتبهم الفخمة، وسياراتهم الفارهة، وجيوش السكرتارية والأمن.. وأشكال الفساد المختلفة ونهب المال العام.

ومع ذلك فقد صمدت تلك الشركات طويلا وتحملت أعباء حربين كبيرتين خاضتهما البلاد عامى 1967 و1973 وإعادة بناء القوات المسلحة وتعمير مدن القناة، وغيرها من الأعباء الاقتصادية الضخمة، فضلا عن تعيين أعداد ضخمة من العاملين بواسطة «القوي العاملة».. إلخ.

فهل العيب عيب الشركات.. أم عيب الحكومة يا معالي الوزير؟

والحقيقة أنكم إذا كنتم تقودون «تطوير» شركات قطاع الأعمال العام بنفس الطريقة التى حدثت مع «القومية للأسمنت» فإن «شجاعتكم» لا تلزمنا إطلاقا.

يقول الوزير هشام توفيق في حديث مطول لجريدة المصري اليوم (5/12/2018) على صفحتين كاملتين «فكرة وجودنا كقطاع أعمال عام لنوازن مع القطاع الخاص هي فكرة نبيلة، لكنها ليست حقيقية»!!! ولا ندرى ما علاقة النُبل بالاقتصاد، خاصة إذا اتضح أنه «نبل وهمى»!! (غير حقيقى)!! والحقيقة التاريخية المعروفة تقول «إن الدولة المصرية بعد ثورة 1952 لم تتجه لبناء القطاع العام والتوسع فيه إلا بعد بذل جهود مضنية (فاشلة للأسف) مع الرأسمالية الخاصة لإقناعها بالاستثمار في الصناعة، لكن هذه الرأسمالية الضعيفة المرتبطة بالإقطاع من ناحية، وبالرأسمالية العالمية من ناحية أخرى، كانت تفضل الاستثمار في العقارات والمقاولات والنقل (مع استثناء مجموعة بنك مصر، وبعض النماذج المضيئة الأخرى.. القليلة كعبود في صناعة  الأسمنت والأسمدة، وسيد ياسين في صناعة الزجاج.. وغيرهما).. ولم يكن ممكنًا تحقيق التراكم الرأسمالي الضرورى لبناء اقتصاد وطنى بدون دور نشيط للدولة (التأميم طبعًا).. وما تم بناؤه بجهود الدولة كان أكبر بكثير مما تم تأميمه (الحديد والصلب، تكرير البترول، المصانع الحربية.. وغير ذلك كثير).. ولم يكن دور قطاع الدولة هو موازنة دور القطاع الخاص، بل إنجاز ما لم يستطع الأخير إنجازه.. ومع تصاعد دور القطاع الخاص منذ أواخر السبعينيات حتي الآن، فإن دور قطاع الدولة يظل أساسيا وضروريا للغاية في فروع اقتصادية بأكملها، لايزال القطاع الخاص ـ حتى الآن ـ أضعف من أن يتحمل أعباءها كالصناعات الاستراتيجية، والإنشاءات الكبري «الطرق والكبارى والموانئ والمطارات ومشروعات الطاقة..إلخ».

ويمكن الحديث عن دور الدولة كدور وازن في بعض القطاعات الاستهلاكية أساسا (صناعات غذائية - خضر وفواكه ولحوم..الخ).

أما في الصناعات والقطاعات الكبري والاستراتيجية فإن دور الدولة يظل أساسيًا وضروريًا للغاية.

ومن هنا فإن النظر لدور قطاع الأعمال العام يجب أن يكون في إطار ضرورات تنمية الاقتصاد الوطنى، وأن يظل بعيدًا عن التوجهات الأيديولوجية المستوردة والبالية التي تنظر بعداء أو نفور إلى قطاع الدولة، وتعتبر أن الأساس هو دور القطاع الخاص، لاسيما أن هذا القطاع أضعف بكثير من أن يقوم بالدور الذى ينهض به قطاع الدولة في مجالات استراتيجية كثيرة.

وإذا كنا نهدف لتحقيق المصلحة الوطنية، فإن ما يعنينا لا يجب أن يكون «الموقف الأيديولوجى المستورد».. وإنما ضرورات تنمية الاقتصاد الوطنى، خاصة أن الدول الرأسمالية الكبرى نفسها تملك الدولة فيها وتدير كثيرًا من المشروعات الاقتصادية الكبرى، ومصانع السلاح.. إلخ (بريطانيا مثلا أممت السكك الحديدية، ثم خصخصتها.. ثم عادت لتأميمها) فما بالك ببلدان لاتزال الرأسمالية فيها ضعيفة بوجه عام، ومرتبطة بالخارج بخيوط كثيرة غليظة، ولا تملك طاقات تكنولوجية واستثمارية كبرى بحيث تؤهلها لأدوار كالتي تنهض بها المشروعات الخاصة في البلدان الرأسمالية المتطورة، أو حتى في الأسواق الناشئة.

خلاصة القول إن الأمر الأكثر أهمية والذى تقتضيه المصلحة الوطنية ـ هو بناء طاقات إنتاجية جديدة (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) وليس نقل ملكية مشروعات الدولة إلى ملكية القطاع الخاص.. الأمر الذى أثبتت التجربة أنه ينطوى علي قدر هائل من الفساد، ونهب الملكية العامة التى بناها الشعب كله بجهده وعرقه إلي أيدى بعض المحظوظين والمقربين من السلطة كما رأينا خلال العقود الماضية «رأسمالية المحاسيب».

وحتي فيما يتصل بإدارة المشروعات، فإننا يجب أن ننظر بحذر كبير إلى فكرة «استيراد الإدارة الأجنبية» لأن لدينا كوادر فنية على مستويات رفيعة من الخبرة، ولأن الإدارة الأجنبية ستسعى بالضرورة إلي تحقيق مصالح بلادها، وليس مصالح تنمية المشروعات المصرية.. وقد رأينا هذا في أمثلة كثيرة آخرها مشروعات «تطوير» الشركة القومية للأسمنت!! وشهدنا نتائجه الكارثية.

والحقيقة أن المشكلة تكمن قبل كل شيء فى نظام الإدارة والتدخلات الحكومية الضارة والعشوائية وتغلغل الأيديولوجيات البالية المستوردة المعادية لقطاع الدولة، وشروط صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الأجنبية، كما تكمن في الفساد المتغلغل في هذه المؤسسات وغيرها من مؤسسات الدولة والذى ينبغى إعلان حرب ضارية ضده، وفق آليات رقابة أصبحت معروفة في العالم كله، وليس وفقًا لـ«غارات» تشتعل ثم تخمد..

وهذا حديث سنجىء إليه فى مقالنا القادم إن شاء الله وكان في العمر بقية..

 

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE