شريف عبد الفهيم يكتب : ورحل الأستاذ
لم تكن الفترة التي قضيتها في أخبار اليوم في وجود الأستاذ إبراهيم سعدة بكافية لأتعلم منه، لكني كنت أعتبر نفسي تلميذاً له من منازلهم، فقد كنت حريصاً دائما أن أقرأ له عموده اليومى ومقاله الأسبوعى، وأحياناً كنت أعيد قراءته مرات ومرات حتى أتمتع بذلك الأسلوب السلس السهل لذي يصل بنا إلى المعنى في أقل كلمات ممكنة.
كنت في بداية عملي بالصحافة أتابع عمود أنور وجدي ولم أكن أعلم أنه هو الكاتب إبراهيم سعدة، رغم أن أسلوبه كان يشككني أنه هو حتى أكد لي أحد الزملاء أن أنور وجدي هو إبراهيم سعدة.
كانت الكاريزما التي يمتلكها الأستاذ إبراهيم سعدة لا يوجد مثيل لها فلقد كان رئيس التحرير الوحيد الذي لا يتهافت على السفر مع الرئيس مبارك ولكنه كان يكتفي بأن يرسل مندوب الرئاسة بدلا منه.
أذكر أنه عندما كان يتولى رئاسة مجلس الإدارة وكانت هناك أزمة مالية تمر بها المؤسسة واقترح
عليه عدد كبير من القيادات أن يلغي الحافز السنوي للعاملين حتى يوفر مبلغاً كبيراً تستطيع المؤسسة أن تعبر به تلك الأزمة فرفض بشدة وقال وقتها إن العمال ينتظرون هذا اليوم كل عام بفارغ الصبر فكيف أطفئ فرحتهم وأكدر صفوهم وهناك منهم من سيزوج ابناً أو بنتاً أو يسدد ديناً، الأخبار يمكن أن تقف على قدميها بالعامل لكن العامل لو شعر أن الأخبار خذلته فسوف يخذلها ووقتها سنقع جميعاً.
رحم الله الرجل الذي كان أكبر من المنصب ولم يتحمله الكرسي لأنه كان أصغر من أن يتحمل قامة مثل قامة إبراهيم سعدة، ولقد عرفنا ذلك عندما ترك الأستاذ المنصب ليقعد عليه أنصاف الرجال.
رحم الله الأستاذ الذي تعلمنا منه أن الكلمة سيف إما أن تتعامل معها بشكل يعطيك قوة أو تتعامل معها بشكل يجرح يدك وربما يقطعها.
رحم الله الأستاذ إبراهيم سعدة الذي تحولت أخبار اليوم في عهده إلى مدرسة متفردة في صياغة الخبر في أقل الكلمات ليعطيك أكبر المعاني.
رحم الله إبراهيم سعدة.
