الأموال
الثلاثاء، 30 أبريل 2024 10:41 صـ
  • hdb
21 شوال 1445
30 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

خالد أبوطالب يكتب .. إعادة صياغة الشخصية المصرية ... مسألة أمن قومي

الأموال

عزيزي القارئ أنا أعلم أنك مثلي تماماً مصري الجنسية ، وأنت أيضاً مثلي تماماً تعتز بهذه الجنسية ، وبالتاريخ وبالحضارة المصرية ، وأعلم أيضاً أنك تعشق مثلي تراب هذا الوطن ، وتذوب حباً في نسيمه ، وأنا أيضاً مثلك تماماً ، فمصر هي أم الدنيا ، ونحن جميعاً مصريين ولو لم نكن مصريين لوددنا مثل مصطفي كامل أن نكون مصريين ، ولكن ( وأه من لكن فهي حرف إستدراك يفيد إثبات ما يتوهم نفيه ، أو نفي ما يتوهم إثباته ) أقول ولكن الشخصية المصرية في طورها الحالي التي هي في حقيقتها تمثل الوعي الجمعي المصري ، والإرادة المجتمعية والسلوك المجتمعي المجمل ، تعرضت هذه الشخصية للعديد من الضغوط والأمراض المجتمعية التي شوهت معالم هذه الشخصية ، وأصابتها بالتمسخ والمساخة ( والتمسخ إشارة إلي التحول الردئ ، والمساخة إشارة إلي المذاق الردئ ) ، وحقيقة أن في غاية الأسف أن أقول هذا الكلام عن شخصية المجتمع الذي أنتمي إليه ، ولكن النقد الذاتي ، والشفافية ، والصراحة مع الذات تقتضي بيان أوجه العوار في هذه الشخصية لإستدراك أسباب تخلفنا عن الأمم التي جاوزتنا بعد أن تجاوزتنا في ركب التحضر .

 

وأول الأمراض التي صادفتها أثناء بحثي في التحولات الخطيرة التي شهدتها العقود المنصرمة ، كانت حالة التمرد ، ولعل هذا اللفظ "التمرد" هو اللفظ الأنسب والأقرب إلي الدقة في وصف حالة إعتياد خرق القانون بغض النظر عن السبب لمجرد خرق القانون وكأنها أصبحت عادة أو إدمان ، فالمصريين الأن بحكم الأغلب صار لديهم هوي في خرق القانون ، وميل فطري يصل إلي مرحلة الغريزة لمخالفة القوانين بل والتفاخر بذلك ، ويكفي لإثبات ذلك أن تقف في كمين شرطة وتشاهد أحد الضباط يطلب من الباشا المواطن قائد المركبة الفارهة رخصة سيادته ، وستفاجئ به يرد علي السيد الضابط أو السيد الأمين بعبارة ( إنت متعرفش أنا مين ؟؟؟ ) لا والله عارفين .. أنت الميلامين ، جامد ومتين .. طب بلاش رخصة ممكن أستأذن جنابك يا أفندم في البطاقة ( يا ابني انت بتقول إيه .. وش الباشا بطاقة يا حبيبي ) .

 

دع عن هذا وذاك وإذهب إلي أحد الطوابير التي تنظم أولولية الحصول علي إحدي الخدمات ( تذكرة مترو – ترخيص سيارة – إستخراج شهادة ميلاد ... إلخ ) ستجد دائماً هذا المتنطع المتسكع ( علي بك مظهر – بكالوريوس تجارة – عضو مجلس إدارة – خطيب سنسن هانم ) هذا المعفن  علي بك مظهر يرغب دائماً في الحصول علي مصلحته دون الإلتزام بدوره بحجة أنه مستعجل ، وكأن هؤلاء الذي يقفون في الطابور فاضيين وبيلعبوا لعبة القطار ، طب هننزل من هذا القطار في المحطة دي ونروح علي مشهد تاني في حته تانية ، استني ... أنا لما نزلت من القطار فوجئت إن الدولة عاملة سور لحماية المواطنين من القطار ، أو لحماية القطار من المواطنين ، وفوجئت أيضاً إن الناس عاملة فتحه في هذا السور لتسهيل مرورهم من هذا الجانب إلي الجانب الأخر لأنهم مكسلين يمروا من الأماكن المخصصة لعبور المشاة ( كوبري أو نفق ) ، هل سبق وأن شاهدت ذلك في أي دولة من دول العالم ؟؟؟ ( إيجبشيان إستايل ) ، ببساطة المصريين يتحدون إرادة القانون ، ولو وضع كل مصري قانون خاص لمزاجه وعلي كيفه أقسم أنه لن يلتزم به ، ولن يحترمه مطلقاً .

 

مرض أخر أصاب الشخصية المصرية ، وعبر عنه المصريين بمثلهم الشهير ( إن خرب بيت أبوك خدللك منه قالب ) ، وأيضاً عبروا عن ذات المعني بمثل ( إن جالك الطوفان حط إبنك تحت رجليك ) ، يا سادة إنها الإنانية وإفتقاد الإنتماء للوطن ، وأصبح غالب المصريين يؤثر نفسه علي أخيه ، ويفضل مصلحته علي مصلحة وطنه ، ويعتبر الوطن مجرد مكان يعيش فيه ، وليس وطن يعيش فينا .

 

دقق البحث عزيزي القارئ في الشخصية المصرية الممسوخة تجدها تفوح بعبارة بذيئة ( اللي يعوزه البيت .. يحرم علي الجامع ) .. يا أخي حرمت عليك عيشتك يا بعيد ، وضع هذا المثل لتبرير التنصل من سداد الضرائب والإلتزامات المالية المستحقة علي المواطنين للدولة ، وأصبح هذا المثل بمثابة وثيقة شرعية يجوز لك الإستناد إليها في التزويغ من مأمور الضرائب ، وأحياناً التزويغ من محصل النور أو الغاز أو خلافه ، أين الإنتماء يا سادة أين الرجولة يا سادة ؟؟؟ ( الرجالة ماتت في الحرب يا بيه ) ، وتتفاقم الإشكالية الي حد السلبية والنفاق والتوقف عن النقد وعن إبداء الرأي بحجة ( أن اللي هيتجوز أمي هقولله يا عمي ) .. يا أخي جاك عمي الدببة يا شيخ ، ويقال هذا المثل عموماً للدلالة علي الشخص الذي هو ( معاهم معاهم .. عليهم عليهم ) وهي دعوة صريحة لإبطال إعمال العقل ، وإبطال تدبر الأمور أو المشاركة فيها ، وفي ذات السياق فقد قرر بعض المرؤوسين من المصريين أن يدعموا رؤوسائهم بقدر كبير من النفاق حتي روي أن أحد المديرين ضرب مرؤسه بالشلوت ، فرد علي المرؤس بالمثل القائل ( شلوت سعادتك دفعة للأمام يا أفندم .. ) ، عزيزي القارئ سأزيدك من الشعر بيتاً في سياق بيان الأمراض التي أصابت الشخصية المصرية واحكي لك موقف حدث لي بالأمس حينما إمتطيت حماري ، وتوجهت إلي مقر الجريدة لتسليم هذا المقال ليمثل للطبع ، وحينما وصلت إلي مقر الجريدة لم أجد مكاناً أربط فيه حماري العزيز سوي مكان واحد تقف فيه حمارة منفردة وأمامها العليق ( العليق هو الأكل الذي يعلق في رقبة الدابة ) ، وحينما هممت بربط حماري إلي جوار هذه الحمارة في عمود النور إياه فوجئت بالسيد المحترم السايس يصرخ في وجهي بإسلوب إستفهامي الغرض منه الإستنكار قائلاً ( إنت عايز تربط حمارك جنب حمارة العمدة ؟؟؟ ) ، وماله يا عم هو أنا حماري جربان إيه التمييز والعنصرية الطبقية دي ، المهم يا جدعان أنا مسبتش الواد ده أنا علي طول رحت مادد إيدي في شنطتي وطلعتله الدستور علي المادة 53 وبدأت أقرأ النص التالي ( المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل ، أو العرق ، أو اللون ، أو اللغة ، أو الإعاقة ، أو المستوى الإجتماعى ، أو الإنتماء السياسي أو الجغرافي ، أو لأى سبب آخر ، التمييز والحض على الكراهية جريمة ، يعاقب عليها القانون ، تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز ، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض ) ، المهم ياجماعة هو سمع مني الكلمتين دول وراح متنح في وشي وقاللي بص يا باشا أنا عبد المأمور ، وبعدين أنت مسمعتش المثل اللي بيقول ( إربط الحمار مكان ما صاحبه عايز ؟؟؟ ) قلتله يا حبيبي المثل ده يقتل الإبداع ، ويعوق الإبتكار ، والله مش هنشر مقالي عندكم ( بالمناسبة أنا لم أوافق علي نشر المقال إلا بعد أن أبدي رئيس تحرير الجريدة إعتذاراً رسمياً ونفي صلته بهذا الغبي ) .

المهم يا عزيزي القارئ المحترم عايز أخد رأيك في الشاي ، طبعاً مش الشاي اللي بنشربه في البيت أو في القهوة مع حجر معسل ، أنا لا أقصد هذا الشاي من قريب أو من بعيد ، أنا أقصد إنك ( تفتح مخك معايا ) ، ( تشغل دماغك يعني ) ، أنت مش فاهم صح ؟؟ اصللك علي نياتك ، أنا أقصد أنك ( تلاغيني , ولما تلاغيني هتلاقيني ) ياحبيبي ( شخلل ) ( إبرز ) طب بص أنا هفهمك يا صديقي إنت عارف إن ( الجنيه غلب الكارنيه ) ، بص بقي أنا قصدي الرشوة ، الرشوة التي أصبحت حلال بحجة أنها إكرامية أو شاي ، أنا أقصد الرشوة إبتداء من التمرجي الذي ما تدس في كفه الجنيهات العشرين حتي تلج إلي حجرة الطبيب قبل والدة الطبيب ذاتها ، وحتي السيد الوزير السابق الذي لم يكن سابق يوم قبض عليه بتهمة الرشوة بمعرفة جهاز الرقابة الإدارية بميدان التحرير بتهمة الإضرار العمدي بالمال العام ، والرشوة والإستيلاء وخلافه .

 

عزيزي القارئ لن أطيل عليك في الخوض في هذا الوحل ، وسأكتفي بما تقدم بيانه مشيراً إلي ان البين من جماع ما سلف ذكره أن الإشكالية الحقيقة تتمحور حول عدم إحترام القانون ، والإخلال بمقتضاه علي كافة الأصعدة وبكافة الأشكال ، وأن أغلب أمراض الشخصية المصرية متكرسة في الإنتقاص من قيمة مقتضي القانون ، وهذا هو الفارق الأساسي الذي جعل الدول المتقدمة تجاوزنا وتتجاوزنا في ركب التحضر [ تطبيق القانون علي الكافة ] .

والحق الحق أقول لكم لقد أبلغنا المصطفي عليه الصلاة والسلام بذلك منذ ما يجاوز 1400 سنة عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التى سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صل الله عليه فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامه بن زيد حب رسول الله صل عليه وسلم فكلمه أسامه فقال رسول الله صل عليه وسلم :

( أتشفع فى حد من حدود الله ثم قام فخطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .

والشاهد من هذا الحديث يا سادة ليس مبدأ السرقة ولا حتي مبدأ المساواة بقدر ما أن الشاهد منه هو أن سبب هلاك الأمم هو عدم الإنصياع للقانون وعدم تطبيقه علي الكافة ، وبمفهوم المخالفة يصير سبب تقدم الأمم وإرتقاؤها وبقاؤها هو إحترام القانون ( إحترموا القانون يا سادة حتي نتمكن من كسب ما فاتنا ، ونعوض خسارتنا التي حاقت بنا من جراء تمسخ شخصيتنا ومساختها ) .

مصر للطيران
السيسى الحكومة
بنك الاسكان
NBE