شريف عبدالفهيم يكتب : نعكشات الخولي

عرفته منذ حوالي 22 عاماً، بحكم الزمالة في العمل، كان بالنسبة لي القدوة التي كنت أريد أن أقتدي بها، قلمه سلس مجتهد في عمله حسن السيرة والمعشر، حلو الكلام، لين في التعامل، بمجرد أن عرفته ارتاح له قلبي، فقد كنت أرى فيه إلى أين سوف تسير بي قدماي، فلقد كانت طريقنا واحدة وخطواتنا متشابهة، كلما خطوت إحدى الخطوات اكتشفت أنه خطا نفس الخطوة وسار على نفس الدرب.

ورغم انتهاء فترة عملنا معا في نفس المكتب، إلا أن علاقتنا ظلت كما هي بل ربما تعمقت.

وكنت كلما كتبت شيئاً آخذ رأيه، وكان يحرص على أخذ رأيي فيما يكتب كلما سنحت الظروف، وربما كان للفيسبوك فضل في تقارب المسافات بيننا، فكان الحوار كلما كان هناك أمر نتحاور فيه دون أن نحتاج لأن نلتقي.

وبدأ الأستاذ سعيد الخولي في كتابة نعكشاته التي أخرجها من ذكريات الطفولة والحياة في القرية التي نشأ وترعرع فيها، وقرأت أول نعكشة له في الذاكرة ومع قراءة أول سطر بدأ انجذابي إلى معرفة التفاصيل وكلما نهمت في القراءة ازداد نهمي للوصول إلى نهاية النعكشة الأولى، وعندما انتهت كنت أصبحت كالساري في الصحراء ونفد منه الماء منتظراً أن تأتيه غيمة بعيدة مثقلة محملة بالماء يراها آتية من بعيد لكن لا يعرف متى.

بدأ انتظاري لموعد النعكشة الجديدة، وهي حالة لا تصيبني إلا عندما أبدأ في قراءة شيء يشد انتباهي ويجعلني لا أفكر إلا فيه.

وبدأت النعكشات تترى واحدة وراء الأخرى وبدأ شغفي يزيد لأن أقرأ وأقرأ وفي كل مرة كنت أتمنى أن يجمع سعيد الخولي نعكشاته لينشرها في كتاب، فكم من آداب ضاعت في خبايا الزمن لأنها لم توثق، كما أنني من النوع الذي لا يحب أن يقرأ بالتقسيط وإنما القراءة عندي لا تنتهي إلا عندما تغلق عيناي وأنا أمسك الكتاب لأجد نفسي في الصباح وقد سقط الكتاب من يدي ليستقر على صدري.

وكم كانت سعادتي عندما وجدت الخولي ينشر تنويهاً على صفحته بفيسبوك عن صدور كتابه الأول نعكشات في الذاكرة، ولأن علاقتي به تسمح لي أن أطلب منه نسخة من الكتاب رغم معرفتي الجيدة بتكلفة النسخة الواحدة التي تكبد ثمنها مثل كل الكتاب الذين ينشرون بواكير إنتاجهم، إلا أنه لم يتردد في إرسالها لي، لتدور معركة بيني وبين بناتي حول من يقرأ أولاً.