”المرصد العربي للترجمة”.. مبادرة سعودية تعيد للترجمة مكانتها الريادية
يعد المرصد العربي للترجمة إحدى المبادرات الثقافية الرائدة التي أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة بالمملكة العربية السعودية، تحت مظلة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو - ALECSO)، في إطار جهودٍ عربيةٍ مشتركةٍ تهدف إلى تطوير بنيةٍ معرفيةٍ حديثة في مجال الترجمة، وتعزيز مكانتها في المشهد الثقافي والبحثي العربي.
"التكامل والثقافية العربية"
وهذا ما اكد عليه الدكتور عبدالحكيم بن فهد السنّان المشرف على المرصد العربي للترجمة بالمملكة العربية السعودية.
وتابع لقد كانت للمملكة العربية السعودية الريادة في إطلاق هذه المبادرة النوعية، حين وجّه سموّ وزير الثقافة بدراسة إمكانية إنشاء المرصد العربي للترجمة، وتابع مراحل تأسيسه خطوةً بخطوة، حتى أشرقت شمسه بين أيدينا رافدًا عربيًا وبيتَ خبرةٍ ثقافيًا ومعرفيًا، يُعزّز التكامل بين المؤسسات الثقافية العربية في مجال الترجمة.
وأكمل فهد وجاء تدشين المرصد خلال المؤتمر العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو - ALECSO) ليجسّد رؤيةً عربيةً موحدة نحو بناء منصةٍ متخصّصة تُعنى برصد حركة الترجمة العربية وتوثيقها وتحليل اتجاهاتها، بوصفها أداةً أساسية في صناعة المعرفة والتنمية الثقافية، ورافدًا محوريًا من روافد الاقتصاد المعرفي العربي.
"العلوم والأفكار وجسر الحضارة"
ولفت الى ان الترجمة لم تكن يومًا نشاطًا لغويًا محضًا، بل كانت ولا تزال جسرًا حضاريًا تمرّ عبره العلوم والأفكار والتجارب الإنسانية. وهي الوسيلة التي تُمكّن الأمم من الانفتاح على الآخر، وتُعيد صياغة حضورها في العالم من خلال المعرفة. فالمترجم شريكٌ في صياغة الوعي الجمعي وصناعة المستقبل، لا مجرد ناقلٍ للنصوص.
وقد كان للعالم العربي، وفي طليعته مصر، دورٌ محوري في ترسيخ ثقافة الترجمة منذ بدايات النهضة الحديثة، حين انطلقت مدارس الترجمة الكبرى ومراكز النشر والتأليف في القاهرة لتكون منارةً للعلم والمعرفة. ومن مصر انتقلت شرارة التنوير إلى العواصم العربية كافة، فصاغت حركة الترجمة ملامح الوعي العربي الحديث وأسهمت في بناء جسور التواصل الحضاري مع العالم. واليوم، يأتي المرصد العربي للترجمة ليُعيد إحياء هذا الدور التاريخي بروحٍ جديدة من التعاون والتكامل العربي، نحو مستقبلٍ معرفيٍ موحّد.
"بناء قاعدة معرفية"
مؤكدا انه من هذا المنطلق، تأسّس المرصد العربي للترجمة ليكون منصةً علميةً عربية شاملة تُسهم في بناء قاعدة معرفية دقيقة حول حركة الترجمة في الوطن العربي، من خلال إنشاء ببليوغرافيا عربية موحدة تُوثّق الإنتاج المترجم من العربية وإليها، وتتيح للباحثين ودور النشر وصُنّاع القرار بياناتٍ دقيقة تُبرز الاتجاهات والفجوات وتدعم التخطيط الثقافي المستقبلي.
فالببليوغرافيا ليست مجرد أرشفةٍ للأعمال، بل هي علمٌ يُنتج المعرفة حول المعرفة، وهي الركيزة التي تُبنى عليها النهضة في ميدان الترجمة والبحث الثقافي.
"التأثير وتطوير الأدوات الرقمية"
وكشف فهد ان المرصد يسعى إلى الانتقال من مرحلة الرصد إلى التحليل، ومن التوثيق إلى التأثير، عبر تطوير أدوات رقمية متقدمة تُسهم في قراءة حركة الترجمة العربية وتحديد ملامحها المستقبلية، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الثقافية والجامعات ودور النشر في العالم العربي.
إنّ المعرفة الموثّقة والكلام لفهد هي حجر الأساس لأي نهضة علمية وثقافية، والبيانات الدقيقة هي البوابة التي تُفتح منها آفاق التنمية في الاقتصاد المعرفي العربي. ولذلك، فإنّ المرصد لا يكتفي بجمع البيانات، بل يعمل ليكون بيت خبرةٍ عربيًا رائدًا يسهم في تطوير السياسات الثقافية الخاصة بالترجمة، ودعم الباحثين والمترجمين، وتوحيد الجهود العربية نحو مستقبلٍ معرفيٍ متكامل.
منوها الي ان تدشين هذا المرصد العربي للترجمة لحظةً فارقة في مسار العمل الثقافي العربي المشترك، وخطوةً طموحة نحو بناء مستقبلٍ يستثمر في اللغة والترجمة بوصفهما أداتين للتنمية الثقافية والاقتصادية معًا.
فهو ليس مشروعًا وطنيًا فحسب، بل مشروعٌ عربيٌ جامع يعكس قناعةً راسخةً بأنّ الترجمة هي قلب الثقافة العربية النابض، وعمودها الفقري في مسيرة التطور الحضاري. ومن خلال هذا العمل المؤسسي المشترك، يمكن للعالم العربي أن يستعيد دوره التاريخي في إنتاج المعرفة وتداولها، وأن يجعل من الترجمة بوابةً دائمةً نحو التواصل والتجدد والبناء.
"العواصم الثقافية العربية والتاريخ "
واختتم المشرف علي المرصد كلامه بتحيةُ تقديرٍ لكلّ العواصم الثقافية العربية التي حملت عبر التاريخ مشعل الترجمة وأضاءت به دروب المعرفة، وها هي اليوم مدعوةٌ لأن تتوحّد جهودها من جديد، من جامعاتٍ ومراكز بحثٍ ودور نشرٍ ومؤسساتٍ ثقافية، لدعم هذا المشروع العربي الكبير، ليكون المرصد العربي للترجمة منصةً جامعةً تُعبّر عن طموح الأمة في بناء مستقبلٍ معرفيٍّ مشترك، يليق بتاريخها ودورها الحضاري.
فالترجمة ستظلّ — كما كانت عبر العصور — لغةً تُوحّد العرب قبل أن تُقرّبهم من العالم، وجسرًا تبنيه العقول وتُشيّده القلوب المؤمنة بأنّ المعرفة هي سبيل النهضة، وأنّ التعاون الثقافي هو أساس الريادة.
ومن هنا، فإنّ دعم الجامعات العربية، ودور النشر، والمؤسسات الثقافية، والمهتمين بالترجمة، لهذا المشروع العربي الجامع، هو استثمارٌ في مستقبلٍ تتحد فيه الكلمة والرؤية، وتلتقي فيه الحضارة بالعطاء.












