الأموال
الجمعة 26 سبتمبر 2025 06:44 مـ 3 ربيع آخر 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي
في اليوم العالمي للسياحة .. جيفارا الجافي: جنوب سيناء نموذج عالمي للسياحة المستدامة فندق هيلتون القاهرة جراند نايل يحتفل باليوم الوطني السعودي الـ95 انطلاق مهرجان الغردقة لسينما الشباب على شواطئ صن رايز ويلث هولدينج تبرم شراكة استراتيجية مع رتاج العالمية للفنادق والضيافة قوافل للتطوير العقاري تستضيف الفنان كريس المصري في سيتي سكيب 2025 المنارة للتطوير العقاري تجذب عملاء «سيتي سكيب 2025» بخصومات 50% وزير الرياضة يشهد توقيع بروتوكول تعاون بين نادي 6 أكتوبر ونادي خورفكان الإماراتي أسامة ايوب يكتب: ”طوفان الأقصى” هو الذى فجر تسونامى الاعترافات بدولة فلسطين د.محمد فراج يكتب: مطلوب وقفة حادة لمواجهة المتاجرين بصحة المصريين (2 -1) عادل زيدان: 158 دولة تعترف بفلسطين.. عزلة إسرائيلية متزايدة ودعم عالمي للحقوق المشروعة كجوك: علاقات مصر وألمانيا مرشحة لشراكة اقتصادية متكاملة ومستدامة وزير الري يتابع مشروعات الخطة الاستثمارية للعام 2025/2026 بميزانية 8 مليارات جنيه

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب: مطلوب وقفة حادة لمواجهة المتاجرين بصحة المصريين (2 -1)

د.محمد فراج ابو النور
د.محمد فراج ابو النور


تحدثنا فى مقالنا السابق (الأموال – 21 سبتمبر) عن الزيادات الهائلة والمنفلتة فى أسعار الدواء بصورة أصبحت تمثل خطرا متفاقما على صحة ملايين المصريين، وبالتالي على حياتهم نتيجة عجزهم عن توفير متطلبات العلاج بسبب عجز دخولهم عن ملاحقة التصاعد الصاروخى في أسعار الأدوية، بما فيها أدوية الأمراض الخطيرة والمزمنة كالأورام وأمراض القلب والجهاز العصبى والسكر وغيرها، فضلًا عن اختفاء العديد من هذه الأدوية لفترات طويلة ثم ظهورها بعد ارتفاع أسعارها بصورة كبيرة، مما يثير الشكوك فى أن هذا الاختفاء يمكن أن يكون قد جرى بفعل فاعل!! من أجل تعطيش السوق!!
واستعرضنا تقريرًا مطولًا حول ضغوط متزايدة تمارسها شركات الأدوية على الحكومة في الفترة الأخير لحملها على السماح لهذه الشركات بفرض زيادات جديدة فى أسعار الدواء بدعوى ارتفاع أسعار الخامات ومستلزمات الإنتاج وأجور العمال وأسعار الطاقة.. إلخ بالرغم من أن الأرقام تشير بوضوح تام إلى تزايد ضخم فى أرباح شركات الدواء خلال العام المالى المنقضى والنصف الأول من هذا العام بنسبة بلغت 127% بالنسبة لبعضها وتراوحت بين 49% و75% و80% لبعضها الآخر "الأموال – 14 سبتمبر" وبالرغم من الأداء القوى لأسهم شركات الأدوية فى البورصة (8.2%) فى شهر أغسطس الماضى (الأموال 14 و21 سبتمبر) ليحتل هذا القطاع المركز الرابع بين أقوى القطاعات في البورصة بعد قطاع الخدمات التعليمية والمقاولات والسياحة والترفيه علي التوالي.
جشع لا يبالى بحياة الناس
وتشير هذه الأرقام بوضوح تام إلى أن شكوى شركات الأدوية من تعرضها للخسائر أو أى احتمال من هذا النوع لا يعدو أن يكون استخفافاً بالعقول، وأن الضغوط التي تمارسها هذه الشركات من أجل المزيد من رفع الأسعار، هي تعبير عن جشع غير محدود لتحقيق مزيد من الأرباح الفاحشة، في قطاع بالغ الحساسية، يتصل بصحة الناس، ومن ثم بحياتهم، ودون أدنى مراعاة للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وكذلك دون أي مبرر اقتصادي، مما يتعين معه على الحكومة رفض الضغةط التي تمارسها شركات الأدوية، التي حققت خلال السنوات العشر الماضية أرباحًا هائلة، نتيجة لتصاعد أسعار الدواء مرات عديدة لمبررات اقتصادية مقبولة في حالات محدودة، وبدون أي مبرر اقتصادي مقبول في معظم الحالات، بل ومن خلال ممارسات احتكارية إجرامية، مثل إخفاء الأدوية عمدًا من أجل "تعطيش السوق" ثم إظهارها بعد رفع الأسعار، وهي ممارسة تجرمها القوانين، وخاصة فيما يتصل بالسلع الضرورية لصحة الناس وحياتهم وفى مقدمتها الأدوية لكنها أصبحت ممارسة مألوفة في بلادنا للأسف الشديد فى ظل مفاهيم مغلوطة تماما "لاقتصاد السوق" و"الاقتصاد الحر".
وعلى سبيل المثال فقد تزايدت الدعوات لرفع أسعار بعض الأدوية من إنتاج شركات القطاع العام (سنة 2015) التى كانت تباع بأسعار ضئيلة مفروضة على تلك الشركات من جانب الدولة مما كان يعرض الشركات للخسائر خاصة مع ثبات الأسعار لسنوات طويلة، بينما كانت نفس نظائر هذه الأدوية من إنتاج شركات القطاعين الخاص والأجنبي تباع بأسعار أعلى بكثير لأن تغليفها أفضل مثلًا، أو لأن بعض الأطباء يكتبونها للمرضى نظرًا "لسخاء" الشركات الخاصة والأجنبية فى الإنفاق على الدعاية وتوزيع العينات المجانية على بعض الأطباء ضعاف النفوس أو دعوتهم إلى مؤتمرات علمية ذات طابع سياحى فاخر في الداخل أو الخارج، إلخ، وبديهى أن هذه الممارسات كانت تؤدى إلى رواج أكبر لمنتجات الشركات الخاصة والأجنبية وإلى تعاظم مبيعاتها.
وكان من الضرورى رفع تسعيرة بيع عديد من منتجات شركات القطاع العام من الأدوية لوضع حد لخسائرها وإتاحة فرصة تنافسية أفضل لها، من خلال العمل على أسس اقتصادية بدلًا من إجبارها على دفع ثمن التدخل الحكومى من أجل فرض تسعيرة غير عادلة ولم تعد تتناسب مع مقتضيات السوق.
لكن ما حدث عام 2015 هو أن الشركات الخاصة والأجنبية طالبت هى الأخرى برفع أسعار أدويتها المرتفعة أصلًا بنفس نسبة ارتفاع أسعار أدوية شركات القطاع العام!! ورضخت حكومة شريف إسماعيل "وقتها" لهذا المطلب غير العادل!! وهكذا فإنه حين ارتفعت تسعيرة دواء من إنتاج شركة حكومية مثلًا بنسبة 20% (أى من 25 جنيها إلى 30 جنيها) فإن نظير هذا الدواء من إنتاج الشركة الخاصة أو الأجنبية كان يزيد بنفس النسبة (من 50 جنيها مثلا إلى 60 جنيها/ أو من مائة جنيه إلى مائة وعشرين جنيها)!!
والنتيجة أن هذا القرار الذى كان مفروضا أن يصلح اقتصاديات شركات الدواء الحكومية ويرفع قدرتها التنافسية قد استفادت منه شركات الأدوية الخاصة والأجنبية بصورة أكبر بكثير!! بينما كان المواطن هو الذى دفع ثمن كل ذلك..
...
وتزامنت مع هذه الخطيئة الاقتصادية جريمة تمثلت فى اختفاء أنواع عديدة من الأدوية مع بدء الحديث عن رفع الأسعار لتظهر بعد التسعيرة الجديدة وقد ارتفع سعرها بدون وجه حق، وكل من عاش هذه الفترة يذكر أن السعر القديم كان يتم شطبه حتى بدون عناية وتتم كتابة السعر الجديد، فى اعتراف وقح بارتكاب جريمة الاحتكار وتعطيش السوق دون أدنى محاسبة من جانب الدولة!! وبديهى أن كل من استطاع تخزين كميات أكبر من الأدوية المشتراة حسب الأسعار القديمة قد حقق أرباحا طائلة من بيع هذه الكميات حسب التسعيرة الجديدة وهى أرباح يمكن أن يحسدهم عليها تجار المخدرات ورجال العصابات!! ومرة أخرى فإن هذه الأموال الطائلة قد دفعها المواطنون من جيوبهم!!

التعويم و"الاستعباط"!
تعويم الجنيه فى أواخر عام 2016 أدى إلى القفزة الكبرى الثانية فى أسعار الدواء، فقد اعتبرتها شركات الأدوية فرصة مناسبة للمطالبة برفع الأسعار بنسبة مائة بالمائة (100%) بدعوى أن تكلفة استيراد الخامات سترتفع بنفس النسبة لأن سعر صرف الدولار ارتفع من ثمانية جنيهات إلى ستة عشر جنيها!! (الأموال – 22 يناير 2017) وتجاهل مسئولو الشركات حقيقة أن أغلب أنواع الأدوية شائعة الاستعمال لا يتم استيراد خاماتها من الخارج أو يتم استيراد بعض عناصر خاماتها فقط، كما تجاهلوا وجود مخزونات كبيرة من الخامات ومستلزمات الإنتاج "والأدوية" تم استيرادها قبل صدور قرار التعويم وتجاهلوا كذلك بقية عناصر الإنتاج المحلية وبعد مفاوضات طويلة مع الحكومة "تنازلوا" ووافقوا على أن يتم رفع تسعيرة جميع أنواع الأدوية بنسبة خمسين بالمائة فقط (50%) بشرط مراجعتها كل ثلاثة أشهر!! ودون دراسة تفصيلية لمشكلة إنتاج كل دواء حسب نسبة تأثر عناصر ومستلزمات إنتاجه بقرار التعويم!! (الأموال- 22 يناير 2017).
واستلزم الأمر تدخل رئيس الوزراء لوضع حد لهذه المطالب الجنونية لكن أسعار الأدوية إجمالا ارتفعت بنسبة كبيرة جدا ومرة أخرى تم بيع المخزون القديم بالتسعيرة الجديدة وتحقيق أرباح هائلة على حساب المرضى، لكن هذا لم يكن كافيًا لإرضاء المتاجرين بصحة الشعب، فمع كل ارتفاع جديد في سعر صرف الدولار كان يجرى إخفاء الأدوية الموجودة حتى يتم تعديل التسعيرة مع بيع المخزون بالأسعار الجديدة واستفحلت بصورة كبيرة جدًا ظاهرة إخفاء الأدوية و"تعطيش السوق".
وللحديث بقية...