الأموال
الخميس 4 سبتمبر 2025 08:38 مـ 11 ربيع أول 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي
د. محمد فراج يكتب : رسائل شديدة اللهجة من الصين إلى أمريكا والغرب أسامة ايوب يكتب: النبى محمد أول من احتفل بيوم ميلاده انطلاق الدورة السابعة لبرنامج المدرب المالي المعتمد «CFAT» التعاونيات الزراعية في صدارة مباحثات مصرية – إيطالية لتعزيز الأمن الغذائي سيدات الأعمال يتفقدن جناح الحرف اليدوية بمعرض ”أهلاً مدارس” الرئيسي بمدينة نصر ”الدولي لرجال الأعمال” يبحث تعزيز سياحة الأعمال وتطوير 4 آلاف قرية تراثية في عسير «آي صاغة»: الذهب يتراجع بعد قمة تاريخية وسط جني أرباح واستقرار الدولار «البروج للإنشاء والتعمير» توقع اتفاقية تطوير مشروع تجاري جديد بالشروق ببجي موبايل: المغامرات والمفاجآت تسيطر على ساحات القتال في تحديث الإصدار 4.0 إطلاق مشروع «قبول» لتقديم خدمات متميزة للمصريين داخل المشاعر المقدسة محافظ أسيوط يبحث مع ”المصرية للتنمية الزراعية” فرص الاستثمار وتطوير المشروعات الزراعية بالمحافظة التمثيل التجاري يطرح فرص تنمية الصادرات الغذائية المصرية إلى ألمانيا قبيل المشاركة في معرض ”أنوجا 2025”

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : رسائل شديدة اللهجة من الصين إلى أمريكا والغرب

د. محمد فراج أبوالنور
د. محمد فراج أبوالنور

حدثان بارزان شهدهما الأسبوع المنقضى هُما فى حد ذاتهما مهمان، لكن الصين نجحت فى إدماجهما وتحويلهما إلى حدث دولى شديد الأهمية ومنصة لإطلاق رسائل عميقة المغزى وشديدة اللهجة للغرب، يتعين على كل من يهمه الأمر التفكير مليًا فى دلالاتها.

الحدث الأول هو القمة الخامسة والعشرون لمنظمة شنغهاى، والثانى هو الاحتفال بالذكرى الثمانين للنصر الصينى على القوات الفاشية اليابانية فى نهاية الحرب العالمية الثانية والعرض العسكرى المهيب الذى رافق الاحتفال.

القمة الخامسة والعشرون لمنظمة شنغهاى للتعاون جاءت بمناسبة مرور 24 عامًا على تأسيسها فى بداية الألفية (2001) وهي منظمة كانت أساسا للتعاون فى مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة وتضم إلى جانب الصين كلًا من روسيا والهند وباكستان ودول آسيا الوسطى الإسلامية "كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وأذربيجان وأرمينيا وبيلاروس، وإيران"، كما أن للمنظمة 14 شريكا للحوار من بينها مصر وتركيا واندونيسيا وماليزيا، وبمرور الوقت توسعت مفاهيم التعاون لتشمل أشكالا مختلفة من التعاون السياسي والاقتصادى.

وقد انعقدت القمة فى مدينة تيانجين الصينية، وهى مركز لإحدى أولى المناطق التى بدأ فيها تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح بقيادة الزعيم الصينى الراحل "ونج شياوبنج" والتى يمكن أن نُطلق عليها "رأسمالية يبنيها الشيوعيون"، وقد أصبحت هذه المدينة ومنطقتها واحدة من أكثر مناطق الصين ازدهارا، ومن هنا فإن عقد القمة فيها يحمل فى حد ذاته رسالة حول ازدهار الاقتصاد الصينى.

وقد شارك فى القمة عدد من أحد زعماء العام الدول الأعضاء فى منظمة شنغهاى فى مقدمتهم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ورئيس وزراء الهند ناربندرا مودى، كما حضرها الرئيس التركى أردوغان رئيس الوزراء الباكستانى شاهباز شريف والرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان ورؤساء بقية الدول الأعضاء وعدد من زعماء الدول شريكة الحوار.

ضد الهيمنة والدولار

وناقشت القمة مختلف قضايا التعاون الاقتصادى بين الدول الأعضاء "الشركاء" وتم عقد عدد من القمم الثنائية بين الزعماء الحاضرين وعقد عدد كبير من اتفاقيات التعاون الاقتصادى مع التركيز على فكرة التبادل التجارى بالعملات الوطنية وهى الفكرة المسيطرة أيضًا على أجواء التعاون بين أعضاء البريكس ولا يخفى ما تنطوى عليه من مناهضة لهيمنة الدولار الأمريكى على الأسواق المالية العالمية.

ويلفت النظر هنا أن القمة أعلنت الاتفاق على إقامة "بنك للتنمية" فى إطار منظمة شنغهاى على غرار البنكين التابعين "للبريكس" وهما بنك التنمية والبنك الآسيوى للبنية التحتية، وكلها خطوات تهدف للفكاك تدريجيا من أسر منظمات التمويل الدولية الخاضعة للهيمنة الغربية وفى مقدمتها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وصحيح أن حجم التمويل الذى يمكن أن تقدمه مثل هذه البنوك لا مجال لمقارنته بالصندوق والبنك الدوليين ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.

كما يلفت النظر أن البيان الختامى للقمة قد أكد على ادعاء الهيمنة وأحادية القطب وأكد على ضرورة إعادة نظام عالمى متعدد الأقطاب واحترام القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية وهى التوجهات التى تزعج الولايات المتحدة والدول الغربية كثيرًا وتعتبرها مناهضة لها.

حضور الزعيم الهندى مودى والأجواء الحميمة التى تميز بها القادة مع الرئيس الروسى بوتين كان أيضًا من الأمور اللافتة للنظر، ومعروف أنه قد تم عقد قمة بين الزعيمين لمدة أربعين دقيقة فى سيارة بوتين الرئاسية (!) فى خروج غير مألوف على البروتوكول، ومعروف أيضًا أن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة تمر بأزمة جدية على خلفية العقوبات التجارية التى فرضتها أمريكا على الهند والتى يرجع أحد أهم أسبابها إلى شراء الهند للبترول الروسى بكميات كبيرة وتكريره فى المصافي الصينية ومن ثم بيعه إلى الدول الأوروبية فى التفاف واضح على العقوبات الغربية ضد روسيا، علمًا بأن نيودلهى لا تقيم أى اعتبار لتلك العقوبات عموما، بغض النظر عن علاقاتها الواسعة والوثيقة بالولايات المتحدة وعن الاحتجاجات الأمريكية والأوروبية المستمرة.

صفقة ضخمة وحفاوة خاصة ببوتين

وجرى على هامش القمة عقد عدد كبير من الصفقات التجارية، أهمها تلك التى تم عقدها بين الصين وروسيا وفى مقدمتها صفقة الغاز الطبيعى بين البلدين والتى يقام بموجبها خط جديد لأنابيب الغاز بين غرب سيبيريا الروسية والصين – مرورًا بمنغوليا- تبلغ طاقته السنوية خمسين مليار متر مكعب "خط قوة سيبيريا-2" بالإضافة إلى تعزيز طاقة الضخ فى خط "قوة سيبيريا-1" الموجود حاليا لتتجاوز الخمسين مليار متر مكعب سنويا، بإجمالى يزيد على مائة مليار متر مكعب سنويا وذلك عدا الغاز المسال والبترول اللذين تصدرهما روسيا إلى الصين وتُمثل هذه الإمدادات الروسية من البترول والغاز تأمينا راسخا لاحتياجات الصين من الطاقة ويتيح للغاز الروسى سوقا واسعة.

وقد تم توقيع عقد صفقة الغاز فى قاعة الشعب ببكين، وهى قاعة الاحتفالات الرسمية الرئيسية فى الصين، وسط إجراءات حفاوة لافتة للنظر بالرئيس الصينى الذى عُومل كضيف شرف لكل من القمة والعرض العسكرى المهيب فى بكين وأظهرته الصور إلى يمين الرئيس الصينى مباشرة فى العرض العسكرى، وهو نفس ما جرى مع الرئيس الصينى أثناء العرض العسكرى فى موسكو فى (9 مايو) الماضى بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار روسيا على النازية الألمانية.

وتتسم هذه النقطة إلى جانب التصريحات الحارة المتبادلة بأهمية خاصة على ضوء ما يتردد في الغرب وخاصة بعد قمة آلاسكا بين بوتين وترامب حول استعداد بوتين "لبيع" تحالف بلاده مع الصين لصالح التقارب مع الولايات المتحدة ومساعدة ترامب في وضع نهاية للحرب الأوكرانية!! وهى تحليلات تعكس نوعا من التفكير بالتمنى لأصحابها، كما تدل على انعدام واضح لفهم تفكير القيادة الروسية وطبيعة العلاقات بين كل من روسيا والصين.

استعراض مهيب لقوة الردع الصينية

العرض العسكرى الضخم الذى شهدته بكين بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار القوات الصينية على القوات الفاشية اليابانية كان أول عرض عسكرى بمناسبة عيد النصر يُقام منذ عدة سنوات وقد حضره أغلب الزعماء المشاركين فى قمة "تيانجين" وجاء ليُمثل استعراضا مهيبا لقدرة الردع الصينية ولتعاظم القوة العسكرية للبلاد وتقدمها العلمى والصناعى الكبير فى المجال الحربى وقد شاركت فى العرض الصواريخ الاستراتيجية العابرة للقارات التى يتم إطلاقها من الأرض أو من الجو والصواريخ الاستراتيجية فرط الصوتية "فائقة السرعة" ونشير هُنا إلى أن الصين هى ثانى دول العالم فى استخدام تكنولوجيا الصواريخ فرط الصوتية "فائقة السرعة" بعد روسيا والتى من المرجح أن تكون قد نقلت هذه التكنولوجيا فائقة التطور إلى حليفها الصينى وربما إلى كوريا الشمالية وإيران بينما تأخرت الولايات المتحدة فى التوصل إلى هذه التكنولوجيا المتطورة.

وبينما غطت القاذفات والمقاتلات الصينية المزودة بأحدث الرادارات والصواريخ جو-جو و"جو-أرض سماء ميدان العرض، فإن أرضه حفلت بمنجزات التكنولوجيا المتطورة من الروبوتات القادرة على القتال فى حرب المدن وزراعة ونزع الألغام، إلى جانب الدبابات والمدرعات الحديثة وغيرها من الأسلحة المتطورة وبديهى أنه يجب أن يضاف إلى هذا كله ذلك التطور الكبير فى القوات البحرية الصينية وبناؤها لحاملات الطائرات وغيرها من الأسلحة البحرية المتطورة وبديهى أن كل هذا يضع الصين فى مصاف القوى العسكرية العظمي فى العالم، ويخلق تحديًا صعبًا أمام الدول الغربية الكبرى الراغبة فى حصارها وضربها.

وبالرغم من قوة الردع الصينية الضخمة هذه فإن اللافت للنظر حقًا هو تلك اللقطة بالغة الأهمية –ودائمًا- بالأرقام والمقاييس الصينية العملاقة التى جاءت فى نهاية العرض العسكرى المهيب، ونعنى إطلاق ثمانين ألف حمامة سلام فى سماء ميدان العرض، فى دعوة واضحة للسلام.. لكنها دعوة تنسجم مع خبرة البشرية كلها عبر التاريخ، وفى كل مكان، وخلاصتها أن السلام لا يمكن أن يتحقق دون أن تحميه القوة.