أسامة ايوب يكتب: النبى محمد أول من احتفل بيوم ميلاده

فى ذكرى مرور 1500 سنة على مولد أشرف الخلق
سوف تظل ذكرى مولد أشرف الخلق النبى محمد صلى الله عليه وسلم التى احتفل بها المسلمون فى أرجاء المعمورة يوم الخميس الماضى باقية إلى يوم القيامة، وسوف يظل إحياؤها تعظيما لسنته المشرفة وسيرته العطرة وحيث يبقى إحياؤها إحياء للأمة الاسلامية.
إن سيرة النبى محمد وسنته المشرفة حاضرة دائما فى نفوس ووجدان وحياة الأمة الاسلامية طوال العام وعبر كل تلك السنين والقرون وليس فقط فى ذكرى مولده.. حيث يتدارسها العلماء والفقهاء ودارسو السيرة والسنة وعموم المسلمين باعتبارها نبراسا وهداية للأمة ودستورا ثانيا بعد القرآن الكريم أو مع القرآن الكريم ومكملا له حسبما قال صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا".
ولذا فإن هذا الحديث الشريف أمر ملزم باتباع السُنة تكتمل به العقيدة ثم إنه فى نفس الوقت رد مفحم على المتنطعين الداعين إلى تنمية السنة والاكتفاء بالقرآن الكريم فى تغافل متعمد يعكس جهلا عن أنه بغير السُنة لم يعرف المسلمون عدد الصلوات الخمس المفروضة ولا عدد ركعات كل صلاة، بل كيف تؤدى هذه الصلوات وكذلك لم يكن المسلمون يعرفون نصاب الزكاة علي اختلافها مثل زكاة الفطر وزكاة المال وزكاة الزروع ولا كيفية توزيعها وغير ذلك الكثير من أمور العبادات.
...
إن ثمة ملاحظة لافتة فى الاحتفال بالذكرى العطرة هذا العام، إذ إنها صادفت مرور 1500 (ألف وخمسمائة سنة هجرية) قمرية على مولده صلى الله عليه وسلم الذى أضاء نوره الكون، حيث إننا فى العام (1447) من هجرته المشرفة ولأنه هاجر وعمره 53 سنة أى بعد 13 سنة من بعثته، فإنه بحساب السنين يكون صلى الله عليه وسلم قد ولد منذ 1500، ولما كان مولده فى عام 561 ميلادية (شمسية) فإن العام الحالى 2025 يوافق مرور 1464 سنة ميلادية وهذا الفارق سببه أن كل مائة سنة قمرية تقل تقريبًا ثلاث سنوات عن السنة الشمسية.
...
رغم مرور خمسة عشر قرنا على مولده صلى الله عليه وسلم فإن هذه الذكرى العطرة لم تغب أبدا ولن تغيب بالضرورة ما بقيت الدنيا عن وجدان المسلمين مثلما لم تغب سنته المشرفة التى يتبعها وتحيا بها الأمة فى كل شئون حياتهم الدينية والدنيوية.
...
غير أنه لا خلاف على أن احتفال المصريين بوجه خاص بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم له مذاقه الدينى والاجتماعى شديد الخصوصية الذى تعكسه مظاهر الاحتفال حسبما اعتادت كل الأسر والعائلات فى ربوع مصر.. فى المدن والريف على حد سواء.
الاحتفال الدينى يكون عبر حلقات الدرس والعلم فى المساجد وفى الإعلام المسموع والمرئى والمقروء وفى الندوات حيث يستدعى العلماء والدعاة السيرة النبوية وما تخللها من جهاده وصبره صلى الله عليه وسلم لنشر الدعوة وتبليغ رسالة التوحيد التى أرسله المولى عز وجل لتبليغها للناس كافة، حيث إن رسالته هى آخر وحى السماء وآخر اتصال السماء بالأرض، وأنه خاتم النبيين والمرسلين الذى أرسله الله رحمة للعالمين، بل إنه ذاته هو الرحمة المهداة من الله للناس.
...
أما مظاهر الاحتفال الاجتماعى والشعبى فى مصر والذى يتسم أو بالأحرى يتميز بها المصريون فإنها تشهد لهم بحب لا مثيل له للنبى محمد، وهو الحب الجارف الذى تتضاءل وتتراجع أمامه انتقادات المتنطعين لتلك المظاهر الاحتفالية التى لا ينكرها الدين بوسطيته ولا الشرع الحنيف، ومن بينها حلوى المولد التى اشتهرت بها مصر على وجه الخصوص والتى تعد مناسبة سعيدة يفرح بها المسلمون وخاصة الأطفال والصغار وهى مناسبة أيضا لتعريف الصغار بسيرة النبى منذ نعومة أظفارهم حتى يشبواعلى حبه صلى الله عليه وسلم وحب سيرته وسنته.
...
أما اعتراض وانتقاد المتنطعين للاحتفال بالمولد النبوى الشريف وإلى درجة الغلو ووصفه بأنه بدعة لا يقرها الإسلام فمردود عليهم بأنه صلى الله عليه وسلم أول من احتفل بيوم مولده حسبما ورد فى الحديث الشريف عندما سألته بعض الصحابة عن سبب صومه فى يوم الاثنين من كل أسبوع وأجاب: "هذا يوم فيه وُلدت"، ومن ثم فإن احتفال المسلمين بذكرى المولد النبوى الشريف يمثل اتباعا لسنته صلى الله عليه وسلم باعتبار أنه احتفل بيوم مولده وحيث صار إحياء ذكرى المولد جزءًا لا يتجزأ من السنة المشرفة.
...
ليست مظاهر الاحتفال شديدة الخصوصية بالمولد النبوى هى فقط التى يتسم بها المصريون بل إن ثمة ملاحظة بالغة الأهمية والدلالة يتوقف أمامها غير المصريين من مسلمى العالم، إذ تعكس تعلق المصريين وحبهم الذى لا يُبارى للنبى صلى الله عليه وسلم وعلى نحو لا مثيل ولا شبيه له لدى المسلمين فى العالم.
إن المصريين هم أكثر المسلمين صلاة على النبى فى كل أحوالهم وذلك بخلاف الصلاة عليه كلما جاء ذكره وكذلك فى الصلوات الخمس فى التشهد، حيث من الملاحظ أن المسلم المصرى عندما يبدأ حديثه مع آخر يبادره بقول "صلى على النبى" والذى يرد عليه بالضرورة بقوله "عليه أفضل الصلاة والسلام" أو "اللهم صلى وسلم على النبى" وحتى جلسات الصلح بين متخاصميهم فإنها دائما تبدأ بالصلاة علي النبي، وكذلك فى حالة استحسان أى أمر فإنه يقترن بالصلاة على النبى كما اقترنت الصلاة على النبى بالبيع والشراء في الأسواق، وفى التراث الشعبى المصرى فإن الصلاة على النبى اقترنت بالحكى وقص القصص على الصغار، حيث تبدأ بعبارة "ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام"، وهكذا صارت الصلاة على النبى تملأ حياة المصريين فى كل مناسبة وفى كل حديث وحتى صارت السمة الغالبة المهيمنة على المصريين ويتبركون بها ويتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى.. اتباعًا للأمر الإلهى كما ورد فى القرآن الكريم: "إن الله وملائكته يصلون على النبى، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".
...
إن تكرار وديمومة صلاة المصريين على النبى كانت لافتة لغيرهم من مسلمى العالم ورغم أننى كمصرى مسلم جزء من هذا السلوك ومشارك فيه حسبما اعتدنا فى مصر، إلا أن ذلك لم يستوقفنى باعتباره سلوكا معتادا في مصر، ولكنى وجدتنى مدفوعا للإشارة إلى تلك الملاحظة فى هذه السطور بمناسبة الذكرى الـ1500 للمولد النبوى المشرف.
وإذا كانت أحداث السيرة النبوية وتفاصيل السنة المشرفة قد احتوتها أمهات الكتب التى سطرها الأئمة العظام وحيث لاتزال المرجع للعلماء والدارسين وعموم المسلمين، فإن قصائد المديح التى نظمها الشعراء منذ عهد النبى وحتى الآن، بداية من شاعر الرسول حسان بن ثابت تُعد المرجع الروحى والزاد الوجدانى للمسلمين باعتبارها الرواية الشعرية للسيرة كلما أنشدها المنشدون وتغنى بها المسلمون.
...
من بين كل قصائد مدح النبى صلى الله عليه وسلم تبقى أشهرها ثلاث قصائد.. أولها البردة الأولى التى نظمها الشاعر العربى كعب بن زهير بعد توبته واعتناقه الإسلام بعد فتح مكة وقرأها فى حضرة الرسول طالبا عفوه إذ كان ممن أهدر الرسول دمه لقتله المسلمين داخل الحرم وقد عفا الرسول عنه وأعطاه بردته الشريفة دليلا على العفو واستحسانا للقصيدة التى غير الرسول شطرا من أحد أبياتها يقول:
إن الرسول يستضاء بنوره..
مهند من سيوف الهند مسلول
...
القصيدة الثانية هى بردة الإمام البوصيرى وهى الأشهر والأكثر ذيوعا وقد نظمها فى مدح الرسول، أما سبب تسميتها بـ"البردة" أيضا فهو أن البوصيرى أصابه مرض عضال منعه من استكمال القصيدة بعد أن توقف عند شطر بيت يقول فيه: "فمبلغ العلم أنه بشر" ثم رأى النبى فى المنام الذى أكمل له الشطر الثانى من البيت: "وأنه خير خلق الله كلهم" ثم رأى أنه صلى الله عليه وسلم ألقى عليه بردته، وعندما استيقظ من نومه وجد نفسه وقد شُفى من مرضه، ولذا أطلق على القصيدة اسم البردة فكانت البردة الثانية بعد بردة كعب بن زهير.
أما القصيدة الثالثة فقد نظمها أمير الشعراء أحمد شوقى بعنوان "نهج البردة" وحيث بدا اسم البردة مشتركا بين القصائد الثلاث تيمنًا بالبردة الأولى التى هى بردة النبى صلى الله عليه وسلم.
...
لقد تعددت قصائد مدح النبى التى من غير الممكن إحصاء عددها بطول الزمن وبمرور القرون والسنين وحتى أيامنا هذه والتى يشدو بإنشادها المنشدون والمبتهلون وفرق المديح التى انتشرت وتزايدت أعدادها، بل حتى المطربين خاصة في مصر شاركوا بالغناء في مدح النبى وحيث يذوب المصريون عند سماعها عشقا وحبا للنبى صلى الله عليه وسلم.
يبقى أخيرًا الدعاء فى ذكرى المولد الشريف أن يكون صلى الله عليه وسلم شفيعا لنا وللأمة الإسلامية يوم القيامة.
...
صلاة وسلاما عليك يا أشرف وأكرم خلق الله.