الأموال
الثلاثاء 19 أغسطس 2025 09:16 صـ 24 صفر 1447 هـ
الأموال رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب: العرب من أحلام الوحدة الشاملة إلى هواجس تفتيت الأقطار

أسامة أيوب
أسامة أيوب


الأمة العربية فى حقبة محنة تاريخية.. ذروتها الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية
الحروب الأهلية والصراع الطائفى.. تهديد لمجمل الأمن القومى العربى
بينما لاتزال حرب الإبادة والتجويع الخسيسة التى يشنها جيش الكيان اليهودى الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة متواصلة منذ 22 شهرًا وعلى نحو لم تشهده الإنسانية فى التاريخ الحديث، وحيث لا تلوح فى الأفق أى بوادر لانتهاء هذا العدوان الوحشى وسط صمت فخر للمجتمع الدولى خاصة الدول الكبرى الفاعلة فى أوروبا وغيرها وأمام حالة الضعف والعجز العربى والإسلامى وفى مواجهة دعم ومشاركة أمريكا للكيان الصهيونى والتى تلطخت صورتها بدماء المدنيين والأطفال والنساء.
ولأن العدوان الإسرائيلى لم يتوقف عند غزة وحدها وانتقل إلى الضفة الغربية فى نفس الوقت، حيث يواجه الفلسطينيون فى مدنها وبلداتها ومخيماتها جرائم المستوطنين الإرهابية واقتحامات الجيش وهدم المنازل وطرد السكان خارجها فى سياق مخطط ضمة الضفة إلى السيادة الإسرائيلية.
ومع اعتزام نتن ياهو توسيع العدوان واحتلال قطاع غزة بالكامل بحسب تسريبات الإعلام الاسرائيلى وقت كتابة هذه السطور، ورغم معارضة قيادات الجيش باعتبار أن التكلفة ستكون باهظة وفقًا لتقديرات رئيس الأركان، فإن نتن ياهو ماض قدمًا فى تنفيذ مخططه حتى لو اقتضى الأمر إقالة رئيس الأركان، خاصة بعد حصوله على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخرًا لمواصلة العدوان على غزة واحتلالها حتى لو كان ذلك على حساب حياة 20 أسيرًا حيًا لدى حماس، إذ سيكون استمرار العدوان بمثابة حكم بالإعدام على هؤلاء الأسرى على حد تعبير أسرهم والشارع الإسرائيلى، مع ملاحظة أن تضحية نتن ياهو بحياة الأسرى يستند إلى عقيدة توراتية محرفة تبيح ذلك فى الحروب سبيلا لتحقيق الانتصار!
لكل تلك الاعتبارات فإنه لم يعد خافيًا وكما أسلفت فى الأسبوع الماضى أن القضية الفلسطينية ذاهبة إلى نكبة ثانية بعد ثمانية عقود من النكبة الأولى عام 1948، ومن ثَمَّ فإن الشعب الفلسطينى يواجه خطرًا وجوديًا داهمًا.
...
واقع الأمر.. أن ما تشهده غزة ومعها الضفة الغربية يشى بأن إقامة الدولة الفلسطينية وفقًا لمقررات الشرعية الدولية باتت أمرًا بعيد المنال وعلى النحو الذى يمثل ذروة المحنة العربية التاريخية فى هذه الحقبة من القرن الحادى والعشرين وبداية الألفية الثالثة، والحقيقة أن هذه المحنة طالت وتطال أقطارا عربية تواجه خطر التفتيت والتقسيم، بل إن منها من جرى تقسيمه فعليًا تحت نيران الاحتراب الأهلى والاضطرابات والفوضى وغيبة الاستقرار والأمن.
...
فى المشرق العربى يواجه لبنان المنهك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا نذر حرب أهلية جديدة تبدت فى الأفق بعد رفض حزب الله الامتثال لقرار الحكومة بتسليم سلاحه للجيش خلال مهلة حددتها الحكومة بنهاية العام الحالى استنادًا إلى مبدأ حصر السلاح فى يد الدولة، حيث حذر الحزب على لسان أمينه العام من تحول المشكلة من لبنانية - إسرائيلية إلى لبنانية – لبنانية، والخطير فى الأمر أن هذه الأزمة اللبنانية الداخلية تتجدد، بينما يواجه لبنان عدوانا إسرائيليا واحتلالا لمناطق فى الجنوب، وهو الأمر الذى يزيد مخاطر تداعياتها وسط تعقيدات سياسية وطائفية عانى ويعانى منها اللبنانيون خاصة مع النفوذ الإيرانى الطاغى فى الساحة اللبنانية حسبما تبدى وتأكد مؤخرًا بالتدخل فى الشأن الداخلى واعتراض وزير الخارجية الإيرانى على مطلب الحكومة اللبنانية بتسليم سلاح حزب الله.
...
فى نفس الوقت وبعد سقوط نظام بشار الأسد تواجه سوريا تحت الإدارة الجديدة خطر التقسيم والاحتراب الأهلى وسط تعقيدات الفسيفساء الطائفية والعرقية والمذهبية حسبما جرى ويجرى فى الشمال وفى السويداء جنوبًا، وحيث باتت الأراضى السورية مرتعا للوجود والتدخلات الإقليمية والدولية.. الأمريكية والتركية والإيرانية والإسرائيلية والعربية أيضًا وعلى النحو الذى بات خطرًا محدقا وواقعيا على استقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها فى مواجهة خطر التقسيم الذى يلوح فى الأفق، فى نفس الوقت الذى تتعرض فيه لعدوان إسرائيلى واحتلال مناطق فى الجنوب.
...
أما العراق الذى قاده صدام حسين إلى حرب عبثية ضد إيران طوال ثمانى سنوات، ثم قادته أطماعه التوسعية وحماقاته إلى كارثة احتلال الكويت عام 1990 التى تم تحريرها من جانب التحالف الدولى بقيادة أمريكا وتحت غطاء عربى، وصولا إلى الغزو الأمريكى البريطانى واحتلال العراق وإسقاط نظامه وإعدامه على الهواء مباشرة صبيحة عيد الأضحى فى مشهد مهين له وللعراق وللأمة العربية، وحيث كانت النتيجة المؤسفة خروج العراق كقوة عسكرية واستراتيجية كبرى من المعادلة العربية.. خصما من وزن وثقل العرب وعلى النحو الذى أحدث خللا فادحا متوازن القوى فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية ولصالح دولة الكيان ومن ثَمَّ لصالح مخططاتها للهيمنة على المنطقة.
ورغم أن العراق حاليا يحاول أن يلملم أشلاءه وسط تعقيدات سياسية وطائفة ومذهبية وجبهوية، ومع وجود اختراقات ونفوذ قوى إقليمية "إيران" ودولية، فإنه لم يحقق الاستقرار التام حتى الآن واستعادة سيادة الدولة بالكامل على أراضيه، وحيث كان ولايزال يمثل واحدة من مظاهر المحنة العربية الحالية.
...
وعن اليمن فى أقصى الجنوب الغربى من المشرق العربى بموقعه الاستراتيجى على البحر الأحمر ومضيق باب المندب حدث ولا حرج، حيث انشطر فعليا إلى دولتين.. إحداها فى عدن مدعومة عربيا وخليجيا والأخرى فى صنعاء تحت حكم جماعة أنصار الله "الحوثيين" بينما توزعت تحالفات الدولتين من إيران الداعمة للحوثيين وقوى دولية وعربية داعمة لحكومة عدن، وحيث بات من المستحيل فى الوقت الراهن عودة اليمن موحدا مرة أخرى ليمثل بذلك مظهرا آخر من مظاهر المحنة العربية الحالية.
...
وفى الشق الغربى من الخريطة العربية تُعد ليبيا وما تشهده واحدة من أخطر حالات المحنة العربية الحالية، ورغم أنها واحدة من أغنى الدول العربية بحكم امتلاكها لثروات نفطية هائلة مع قلة أعداد سكانها نسبيًا، إلا أنها صارت مقسَّمة بالفعل بين دولتين.. واحدة فى الشرق والأخرى فى الغرب ومقرها العاصمة طرابلس وهى الدولة المعترف بحكومتها أمميا ودوليا، وحيث لم تفلح كل الجهود والوساطات الأممية والدولية والإقليمية طوال السنوات الماضية فى إنهاء الأزمة والصراع وتوحيد الدولة تحت حكومة واحدة من خلال إجراء انتخابات عامة، ولاتزال ليبيا تعانى من الاحتراب الأهلى والتدخلات الخارجية الدولية والإقليمية وحيث صارت مرتعًا للمرتزقة من الخارج والعديد من الجماعات المسلحة الإرهابية، وهو الأمر الذى أشعل ويشعل نيران الصراع ويشيع الاضطراب والفوضى وعلى حساب الشعب الليبى، حيث صارت ليبيا أيضا مظهرا آخر من مظاهر المحنة العربية الحالية.
...
ومع أن السودان يشهد أخطر كارثة عربية بعد غزة، فإنه لم يحظ بالقدر اللازم والضرورى من الاهتمام السياسى العربى والإقليمى والدولى، إذ لاتزال الحرب الأهلية الطاحنة مشتعلة منذ أكثر من عامين بين الدولة ممثلة فى مجلس السيادة برئاسة الفريق أول البرهان قائد الجيش وبين ميليشيات الدعم السريع المتمردة بقيادة راعى الإبل السابق محمد حدانى دقلو "حميدتى" الذى كان إسناد قيادة هذه الميليشيات إليه ومنحه رُتبة فريق أحد أكبر أخطاء وخطايا الرئيس السودانى السابق عمر البشير عندما أنشأ قوات عسكرية موازية للجيش الرسمى والشرعى للدولة، وهو خطأ يتعين أن يظل ماثلا أمام أى دول تحذو حذو البشير.
واللافت أن الحرب مستمرة بين كر وفر دون بادرة أمل فى نهاية قريبة بسبب التدخلات الدولية والإقليمية وجلُّها تدعم حميدتى بالسلاح والعتاد ضد جيش الدولة، وحيث يعانى الشعب السودانى ويلات هذه الحرب سواء من بقى فى الداخل أو الملايين من النازحين واللاجئين، وحيث يواجه السودان خطر التقسيم والانقسام مرة أخرى بعد انفصال جنوب السودان ولايزال السودان تعبيرا حقيقيا آخر ومهما عن المحنة العربية الحالية، مع ملاحظة أن الصومال التى تعرضت للتقسيم بانفصال الجزء الشمالى عن الدولة تحت اسم أرض الصومال ورغم عدم الاعتراف بها إلا أن الصومال يتعرض أيضا لمخاطر عدم الاستقرار ووحدة أراضيه.
بعد قراءة المشهد الحالى فى بعض وأهم أجزاء الخريطة العربية، حيث تبدت مظاهر الضعف والفُرقة العربية فى غيبة العمل العربى المشترك وعلى النحو الذى أضعف العرب.. خصمًا من قوتهم وثرواتهم الطبيعية والبشرية والحضارية، فإن الأمة العربية باتت فى هذه المحنة الأخطر فى تاريخها وصارت مطمعًا للعدو الاسرائيلى والمخططات الصهيونية اليهودية لإقامة إسرائيل الكبرى على أراض عربية فى سيناء ولبنان وسوريا والأردن والعراق والسعودية بحسب الخريطة المعلقة.
...
يبقى أنه من المؤسف وبفعل المحنة العربية الحالية أن أحلام الوحدة العربية الشاملة التى عاشتها الشعوب فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى قد تبددت فى مواجهة هواجس تقسيم وتفتيت الأقطار العربية!