الأموال
السبت، 27 أبريل 2024 03:19 مـ
  • hdb
18 شوال 1445
27 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : مشاهد من يوم القيامة في زلزال تركيا وسوريا

أسامة أيوب
أسامة أيوب


المجتمع الدولى أمام اختبار إنسانى حقيقى
إذا كان الزلزال المدمر الأعنف منذ نحو قرن من الزمان ‏الذى ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا قد تزلزل ‏الأرض هناك، فإنه قد زلزل فى نفس الوقت نفوس ومشاعر ‏مليارات البشر فى أنحاء العالم الذين شاهدوا ما أحدثه من ‏خراب ودمار كاملين فى الحجر بقدر ما تسبب في مقتل ‏عشرات الآلاف تحت الأنقاض وحيث أدمت مشاهد انتشال ‏الضحايا وإنقاذ الناجين من الموت قلوب العالم‎.‎
ولأن أعداد القتلى التي تجاوزت أربعين ألف قتيل في ‏البلدين حتى كتابة هذه السطور مرشحة للزيادة لحين انتهاء ‏الحصر الكامل للضحايا بعد انتشال جميع الجثث من تحت ‏الأنقاض، التى تجرى عمليات رفعها بصعوبة بالغة رغم ‏تدفق المعدات اللازمة من دول العالم خاصة إلى تركيا، فإن ‏المهمة الصعبة التي تواجه السلطات هى دفن الجثث دون ‏تأخير تجنبًا لأضرار بيئية‎.‎
الأصعب بعد مشاهد الدمار والخراب وبعد الأعداد الضخمة ‏من الضحايا وبعد الأحزان على هؤلاء هى مشاهد مئات ‏الآلاف من السكان فى العراء فى طقس شديد البرودة إلى ‏درجة الصقيع بلا مأوى ولا حطام ولا وسائل تدفئة وأغطية ‏كافية، ولذا فإن الأمر الضرورى والمُلِّح هو الإسراع بإيواء ‏هؤلاء الناجين المشردين وتوفير المساعدات الإغاثية ‏العاجلة من خيام وغذاء وأغطية ثقيلة وربما ملابس أيضًا‎.‎
‎<<<‎
المؤسف حتى اليوم الثامن من وقوع الزلزال كان تدفق ‏المعدات والمساعدات الإغاثية والإنسانية إلى تركيا من ‏عشرات من دول العالم، بينما ظلت غائبة تمامًا طوال ‏أسبوع كامل عن شمال غرب سوريا، وحيث وقفت السياسة ‏عائقا أمام الإنسانية إلى أن تحركت الأمم المتحدة بعد أن ‏اعترف ممثلها بخذلان الشعب السورى‎.‎
ورغم التحرك الأممى ورغم تدفق المساعدات الإغاثية لمدة ‏ثلاثة أشهر بحسب تصريح ممثل الأمم المتحدة، إلا أن ‏المشهد على أرض الواقع يؤكد أن الأمر سوف يستغرق ‏أكثر من ذلك خاصة في سوريا لتوفير متطلبات الحياة ‏لعشرات الآلاف حتى تعود الحياة الطبيعية‎.‎
‎<<<‎
أما إعادة الإعمار وإعادة البنية التحتية وآلاف العمارات ‏السكنية والأبنية التى تم تدميرها بالكامل جراء الزلزال فإنها ‏أيضًا مهمة بالغة الصعوبة على الأقل من حيث الوقت ‏خاصة فى تركيا إذ قد تستغرق سنوات وليس سنة واحدة ‏حسبما صرح الرئيس التركى أردوغان، بينما تبدو أكثر ‏صعوبة فى شمال غرب سوريا سواء من حيث الوقت أو ‏التكلفة‎.‎
ثم إن مخاطر تلوث البيئة وتلوث مياه الشرب تمثل تحديا ‏كبيرا فى مناطق الزلزال جراء تراكم عوادم إزالة الأنقاض ‏التى تسببت فى عواصف ترابية ملأت الأجواء وهو التحدى ‏الآخر لتجنب تفشى الأمراض والأوبئة‎.‎
‎<<<‎
إن هذه الكارثة الطبيعية الفادحة جراء هذا الزلزال المدمر ‏بتداعياتها المأساوية المروّعة تضع أو يتعين أن تضع ‏المجتمع الدولي كله وخاصة الدول الكبرى.. الولايات ‏المتحدة ودول أوروبا والصين أيضاً أمام اختبار حقيقى، ‏حيث تستدعى الكارثة المسارعة بتقديم الدعم اللازم ‏والضرورى من منطلق المسئولية الإنسانية الدولية، ولعل ‏الأمر يتطلب قرارًا أمميًا من الجمعية العامة للأمم المتحدة ‏ومنظماتها ومجلس الأمن باعتبار أنه مسئول عن إقرار ‏الأمن والسلم الدوليين، وحيث تعد إعادة الحياة إلى طبيعتها ‏فى مناطق الزلزال من عوامل استقرار الأمن والسلم‎.‎
‎<<<‎
إننى إذ أكتب هذه السطور بعد ثمانية أيام من وقوع الزلزال ‏أجدنى مازلت أتوقف طويلا أمام مشاهد الانهيار والدمار ‏والخراب المأساوية ومشاهد انتشال جثث الضحايا، بينما ‏أدمت قلبى المشاهد الإنسانية المؤثرة لإنقاذ الناجين خاصة ‏الأطفال، وأحسب أن هذه المشاهد سوف تبقى عالقة فى ‏الأذهان ولسنوات مقبلة‎.‎
لقد تجلت العناية الإلهية الرحيمة فى بقاء أطفال صغار قيد ‏الحياة لساعات وأيام بينما مات الكبار مثلما تجلت أيضًا فى ‏بقاء سيدة مسنة (٨٣ سنة) على قيد الحياة حتى تم إنقاذها ‏حسبما شاهد العالم على شاشات التليفزيون وعلى نحو لا ‏تفسير له سوى الحِكمة الإلهية وأن لكل أجل كتاب مهما ‏كانت الأسباب‎.‎
ولذا فإن هؤلاء الناجين من الأطفال وكبار السن الذين ‏عاشوا تحت الأنقاض لساعات وأيام بين رائحة الموت ‏المحيط بهم وبين الأمل والرجاء فى النجاة.. يحتاجون ‏بالضرورة إلى علاج ودعم نفسى ضرورى حتى يتخلصوا ‏من هول ما جرى لهم قبل وبعد إنقاذهم‎.‎
‎<<<‎
أما عشرات الآلاف من الضحايا الذين لقوا حتفهم تحت ‏الأنقاض والذين من المتوقع أن تزداد أعدادهم فحسبهم أنهم ‏ماتوا شهداء مثواهم الجنة حسبما جاء فى الحديث الشريف ‏بشأن الموتى تحت الهدم، بل حسبهم أيضًا نجاتهم من معاناة ‏وعذاب الحياة بلا مأوى في برد قارس وبلا حطام ولا ‏تدفئة مثلما حدث مع الناجين، ومن ثمَّ فإنهم أفضل حالا ‏بحسبانهم شهداء رغم الأحزان على موتهم هذه الميتة ‏المؤلمة، ورغم أحزان ذويهم وعائلاتهم وأحبائهم‎.‎
‎<<<‎
لقد كان مشهد ذلك الزلزال المدمر غير المسبوق منذ مائة ‏عام يشبه مشهد يوم القيامة حيث زلزلت الأرض زلزالها ‏فى جنوب تركيا وشمال غرب سوريا وحيث شاهدنا إحدى ‏علامات الساعة فى حالة موت أم بعد أن ولدت طفلتها التى ‏بقيت حية وتم إنقاذها.. تمامًا كما ورد عن مشاهد ذلك اليوم ‏حيث تضع كل ذات حمل حملها، بل إن مشهد الزلزال كان ‏أصعب من يوم القيامة باعتبار أنه سيكون نهاية الكون ‏والأرض والحياة كلها ولن يبقى إنسان تحت الأنقاض حيًا ‏أو ميتًا‎.‎
‎<<<‎
لكن يبقى القول الفصل بشأن هذا الزلزال حتى وإن كان ‏مشهده يشبه أو يقترب من مشهد يوم القيامة هو أنه ظاهرة ‏جيولوجية طبيعية قد تكون مدعاة لتذكير البشر بهول ذلك ‏اليوم ولو نسبيًا، لكنه من المؤكد أنه ليس كما يزعم البعض ‏أو يفتى بدون علم غضباً وانتقاماً من الله ولكنه امتحان ‏وابتلاء ليس إلا‎.‎
‎<<<‎
يبقي أخيراً أن ثمة ملاحظة مهمة بعد هذا الزلزال المدمر ‏وهى أنه الكارثة الرابعة التى ضربت الأرض والبشرية في ‏ربع سنوات.. بداية من كارثة جائحة «كورونا» التى ‏اجتاحت العالم ثم كارثة تغير المناخ ثم الحرب الروسية ‏الأوكرانية بتداعياتها من أزمة طاقة وغذاء وتضخم وركود ‏أصاب العالم كله، حتى داهم الزلزال سوريا وتركيا وإن كانت ‏آثاره وتداعياته المأساوية من نصيب شعبى البلدين فى ‏جنوب تركيا وشمال غرب سوريا فقط‎.‎
فى سياق هذه الملاحظة يتضح أنه إذا كانت كارثة الزلزال ‏ طبيعية، فإن الكوارث الثلاث الأخرى من صنع البشر ‏الذين يدمرون الحياة فوق كوكبهم، وفي نفس السياق أيضا ‏بدا واضحًا أن العشرية الثالثة من القرن الحالى التى بدأت ‏بجائحة «كورونا» تخبئ الكثير للبشرية ولكوكب الأرض ‏وأن سنواتها ستكون صعبة وسيئة.. وإن بقى الأمل والرجاء ‏في أن يكون القادم من بقية سنواتها أفضل وأهدأ‎.‎

مصر للطيران
مشاهد من يوم القيامة زلزال تركيا وسوريا

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE