الأموال
الجمعة، 3 مايو 2024 08:22 مـ
  • hdb
24 شوال 1445
3 مايو 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : العروبة أقوى من أعدائها.. والخليج عربى والعراق أيضًا

 د. محمد فراج أبوالنور
د. محمد فراج أبوالنور


أزمة سياسية حادة اندلعت فجأة فى أجواء العلاقات العراقية ‏ـ الإيرانية. الغضب فى طهران وصل إلى حد ‏استدعاء ‏السفير العراقي إلى وزارة الخارجية وتسليمه مذكرة ‏احتجاج شديدة اللهجة، مع المطالبة باعتذار من ‏جانب ‏بغداد.. ووزير الخارجية الإيرانى أسير عبداللاهيان أصدر ‏تصريحات غاضبة مطالبا هو الآخر باعتذار ‏عراقى.. وشهد ‏البرلمان الإيرانى مناقشات غاضبة أدانت الموقف العراقى، ‏وطالبت بتصحيحه والاعتذار عنه‎!!‎
ولكن.. ما هو الموقف العراقى الذي أثار كل هذا الغضب ‏في إيران؟
المسألة أن رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى ‏يتحدث في افتتاح دورة «خليجى - ٢٥» في البصرة يوم ‏‏الجمعة ٦ يناير الجارى والتى تستمر مبارياتها حتى الآن ‏وسط تشجيع جماهيرى عراقي وخليجى حاشد، ‏وترحيب ‏حار من جانب الجمهور العراقى والمسئولين. رئيس ‏الوزراء العراقى رحب في كلمته بفرق كرة القدم ‏والمشجعين ‏من «دول الخليج العربى» وأشاد بالتقارب المتزايد بين ‏بغداد وبينها‎.‎
وصف رئيس الحكومة العراقية للخليج بأنه «عربى» أثار ‏ثائرة السلطات ونواب البرلمان في طهران، فسارعوا ‏‏بإصدار بيانات حادة اللهجة تعتبر هذا الوصف «تزييفا ‏للتاريخ والجغرافيا» من جانب أكبر مسئول عراقى، ‏وتطالب ‏باعتذار رسمى!! مؤكدة أن الاسم الصحيح للخليج هو ‏‏«الخليج الفارسى»!! وأن هذا الاسم هو من ‏ثوابت التاريخ ‏والجغرافيا والخرائط الدولية.. إلخ إلخ‎.‎
غير أن رئيس الحكومة العراقية تجاهل الغضب الإيرانى ‏تمامًا، ولم يعلق عليه بكلمة واحدة.. الأكثر من ذلك ‏أن ‏الزعيم الشيعى المعارض «مقتدى الصدر» زعيم التيار ‏الشيعى المعتدل المعارض باسم «التيار الصدرى» ‏انضم ‏إلى السودانى فى استخدام تعبير «الخليج العربى» و«بلدان ‏الخليج العربى».. إلخ غير مبال بغضب ‏الحكومة والبرلمان ‏والإعلام في إيران‎.‎
دلالات سياسية هامة
والحقيقة أن المسألة أكبر بكثير من مجرد مصطلح جغرافي، ‏فوصف الخليج بأنه «عربى» أو «فارسى» يحمل ‏دلالات ‏سياسية وتاريخية هامة، وتسمية «الخليج» نفسها لم تكن ‏تطلق على هذا المسطح المائى فى العصور ‏القديمة ‏والوسطى، بل كان يطلق عليه اسم «بحر البصرة» أو «بحر ‏العراق» حتى جاء الاحتلال البريطانى ‏للمنطقة في القرن ‏الثامن عشر الميلادى فأطلق عليه تسمية «الخليج ‏الفارسى» نسبة لدولة فارس الموجودة علي ‏ساحله ‏الشرقى، بالرغم من أن الجزء الأكبر من سواحل الخليج ‏كانت تسكنه قبائل عربية «الساحل الغربى من ‏البصرة ‏والكويت شمالا حتى ساحل عمان»، بل وجزء كبير من ‏الساحل الشرقى المعروف باسم «عربستان» أو ‏أرض ‏العرب، والذى أطلق عليه الإيرانيون فيما بعد اسم ‏‏«خوزستان‎‏»‏‎.‎
وظل الأمر كذلك حتى ظهر المد القومى العربى في النصف ‏الثانى من القرن العشرين، وكانت الدول العربية قد ‏بدأت ‏تظهر تباعا على الساحل الشرقى للخليج بدءا من العراق ‏والسعودية في العقود الأولى من القرن، ثم ‏الكويت ‏والبحرين وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة.. وبدأت ‏تظهر وتنتشر تسمية «الخليج العربى» الأكثر ‏تعبيرًا عن ‏الواقع السياسى الجديد، وعن شعور شعوب دول الخليج ‏بانتمائها القومى العربى وتدريجيًا أصبحت ‏تسمية «الخليج ‏العربى» سائدة في الخطاب السياسى والإعلامى العربى‎.‎
وبديهى أن هذا لم يكن يروق لطهران سواء فى عهد الشاه ‏أو بعد الإطاحة به وتأسيس الجمهورية الإسلامية، ‏حيث ‏تتمسك طهران بتسمية «الخليج الفارسى» الموروثة عن ‏الاحتلال البريطانى والموجودة فى الخرائط الدولية، ‏والتى ‏تنسجم مع طموحات إيران للهيمنة علي منطقة الخليج ‏العربى‎.‎


العراق.. بين العروبة والنفوذ الأجنبى


معروف أنه بعد الغزو الأمريكى للعراق (٢٠٠٣) تم حل ‏الجيش العراقى وتفكيك مؤسسات الدولة، وإطلاق ‏حملة ‏شرسة لملاحقة كل من يشتبه فى انتمائه أو ولائه لنظام ‏صدام حسين، وفتح الباب على مصراعيه لسيطرة ‏الطائفية ‏والنزعات التقسيمية. وخلق هذا فراغا أمنيا وسياسيا هائلا ‏أتاح لإيران الفرصة لتحقيق نفوذ سياسى ‏هائل فى العراق ‏من خلال الأحزاب والميليشيات الطائفية المتطرفة التى ‏أصبحت تسيطر على الحكم في البلاد‎.‎
ومن ناحية أخرى فإن الدستور الجديد الذى وضعته الإدارة ‏الأمريكية «دستور برايمر» قد أزال عن العراق صفته ‏‏العربية، وحدد هويته «الرسمية» بأنه «دولة عضو فى ‏جامعة الدول العربية» وليس «دولة عربية»!! ولسنوات ‏‏طويلة عملت قوات الاحتلال الأمريكى من جهة والأحزاب ‏والميليشيات الطائفية الموالية لإيران من جهة أخرى ‏على ‏عزل العراق عن محيطه العربي، كما عملت الأحزاب ‏الكردية وخاصة «الحزب الديمقراطى الكردستانى» ‏على ‏تمييع أو نفى الهوية العربية للدولة، ثم جاءت «داعش» ‏عام ٢٠١٤ لتستولى على ثلث أراضى البلاد، ‏وتوقعها فى ‏حالة من الفوضى الأمنية لعدة سنوات‎.‎
نقطة تحول
وكرد فعل على كل هذه الأوضاع جاءت انتفاضة أكتوبر ‏‏٢٠١٩ التى شاركت فيها جماهير شيعية وسنية ‏حاشدة، ‏لتمثل نقطة تحول بالغة الأهمية، ليس فقط فى مواجهة ‏الطائفية والفساد والاستبداد والفوضى الأمنية، ‏بل وأيضًا ‏فى مواجهة الاحتلال الأمريكى والتغلغل الإيرانى على ‏السواء، ومن أجل استعادة الشعب العراقى ‏لهوية، وإقامة ‏علاقات متوازنة مع محيطه العربى‎.‎
وكانت انتفاضة (أكتوبر ٢٠١٩) بقيادة التيار الصدرى ‏المعروف بتوجهاته الشيعية المعتدلة، وبنزعته العروبية، ‏‏وبوجود مرجعيات دينية شيعية عربية على رأسها «مدرسة ‏النجف» ترفض التوجهات الطائفية المتطرفة للمراجع ‏‏الدينية الإيرانية «مدرسة قم»، كما ترفض مبدأ «ولاية ‏الفقيه» الخمينى الذى يقضى بسيطرة رجال الدين علي ‏‏السلطة السياسية وإقامة دولة دينية‎.‎
نحو استعادة العراق لعروبته
وأسفر الحراك السياسي الذى أطلقته الانتفاضة عن مجىء ‏حكومة مصطفى الكاظمى إلى السلطة «يونيو ‏‏٢٠٢٠» ‏وهى الحكومة التى عملت على إقامة علاقات متوازنة بين ‏العراق ومحيطه الإقليمى العربى، وخاصة ‏مع مصر ‏والأردن والسعودية والإمارات وبقية دول الخليج العربى، ‏وعلى وضع حد للحالة المزرية التي رفع ‏العراق تحت ‏وطأتها طويلا كساحة للصراع الأمريكى - الإيرانى على ‏النفوذ‎.‎
وكان فوز «التيار الصدرى» بالأكثرية فى الانتخابات ‏البرلمانية «أكتوبر ٢٠٢١» دليلا على أصالة توجهات ‏‏‏«ثورة أكتوبر ٢٠١٩» بين صفوف الجماهير العراقية، ولا ‏يتسع المقام هنا للحديث عن الملابسات التى حالت ‏دون ‏تشكيل التيار الصدرى للحكومة العراقية، ومجىء حكومة ‏محمد شيَّاع السودانى للسلطة بعد صراع سياسى ‏محتدم ‏استمر لأكثر من عام بين التيار الصدرى وحلفائه من جهة، ‏و«الإطار التنسيقى» الذى ينتمى إليه ‏السودان من جهة ‏أخرى‎.‎
لكن من الواضح أن السودان لم يكن بوسعه تجاهل المزايا ‏الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي تحققت للعراق ‏نتيجة ‏لسياسة التقارب مع الدول العربية التى انتهجتها حكومة ‏الكاظمى، كما لم يكن يمكنه أن يتجاهل ‏التوجهات الواضحة ‏للشارع العراقى «نحو استعادة العراق لعلاقاته وهويته ‏العربية»، لهذا اتجه السودانى «بواقعية ‏سياسية ملحوظة» ‏لتبني سياسة حريصة على مواصلة التقارب مع الدول ‏العربية، وخاصة دول الخليج، مستفيدًا ‏فى ذلك من ‏صلاحياته الواسعة كأكبر مسئول في البلاد، وبغض النظر ‏عن توجهات التحالف الطائفى الشيعى ‏الذى تستند إليه ‏حكومته، وبغض النظر عن الغضب الإيرانى‎.‎
وفي هذا السياق تجىء إشارة السودانى بالتطور الذى ‏حققته علاقات العراق مع الدول العربية.. ويجىء حديثه ‏عن ‏‏«الخليج العربى» وتجاهله لغضب إيران وحلفائها فى ‏الداخل العراقى. فهذه ليست «زلة لسان» وإنما توجه ‏من ‏شأنه تحقيق شعبية له ولحكومته، وهى شعبية تمثل حماية ‏له من محاولات الانتقام التى يمكن أن يتعرض ‏لها من جانب ‏إيران وحلفائها بإثارة المتاعب له فى البرلمان أو حتى ‏بإسقاط الحكومة‎.‎
ومن جهة أخرى فإن مثل هذا التوجه من شأنه أن يخفف ‏كثيرًا من حدة عداء التيار الصدر للسودانى، بل وأن ‏يفتح ‏نافذة للحوار مع «التيار» وزعيمه «مقتدى الصدر» الذى ‏يدافع باستمرار عن دعم العلاقات مع الدول ‏العربية، والذى ‏أكد بدوره علي عروبة الخليج.. ويدفعنا ذلك للقول بأن ‏موقف رئيس الحكومة العراقية هو خطوة ‏سياسية ذكية ‏موجهة نحو الداخل العراقى ودول الجوار العربى علي ‏السواء‎.‎
ولا شك أيضًا أن السودانى قد أخذ بعين الاعتبار ذلك ‏الحماس الجارف الذى شمل الجماهير العربية أثناء ‏‏‏«مونديال قطر» مع كل انتصار لفريق عربى على فريق ‏أجنبى، وخاصة فريق المغرب، وهو الحماس الذي ‏يؤكد أن ‏‏«العروبة» توجه حى وقوى فى وجدان الجماهير العربية، ‏بالرغم من كل ما شهدته المنطقة وتشهده من ‏تقلبات‎.‎
وخلاصة القول إن موقف رئيس الوزراء العراقي والزعيم ‏الشيعي العروبى مقتدي الصدر، هو موقف ذكى، ‏يبعث على ‏الأمل في استمرار مسيرة العراق نحو مزيد من التقارب مع ‏أشقائه العرب ويظل الخليج عربيًا.. ‏والعراق بالطبع‎.‎

مصر للطيران
العروبة .الخليج عربى .العراق .

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE