الأموال
السبت، 20 أبريل 2024 09:04 صـ
  • hdb
11 شوال 1445
20 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

‎ ‎د.محمد فراج يكتب : قمة شرم الشيخ «لحظة فارقة» فى جهود إنقاذ كوكبنا (٢‏‎)

د.محمد فراج أبوالنور
د.محمد فراج أبوالنور


الدول الصناعية تتكلم كثيرًا وتدفع قليلا.. وأفريقيا أكبر الخاسرين‎!‎


ذكرنا فى مقالنا السابق أن انسحاب الرئيس الأمريكى السابق ترامب من اتفاقية باريس للمناخ قد ألحق ضررًا ‏كبيرًا بالجهود المبذولة لمواجهة التغيُّرات المناخية، ومثَّل نكسة لهذه الجهود. ولذلك فقد قابل العالم بالترحيب ‏إعلان الرئيس الحالى بايدن عودة الولايات المتحدة للالتزام باتفاقية باريس، ومشاركته فى قمة جلاسجو العام ‏الماضي ‎ COP26، والالتزامات التي أخذتها واشنطن على عاتقها فى مجال مواجهة التغيٌّرات المالية.
وكانت مشاركة بايدن فى قمة شرم الشيخ‎ Cop27 ‎والخطاب الذى ألقاه في القمة، والخطاب المطول الذى ‏ألقاه أمام القمة محل ترحيب دولى أيضًا، وخاصة فيما يتصل بالالتزامات التى تعهدت بها الولايات المتحدة ‏تجاه قضايا التغيُّر المناخى، سواء فيما يتصل بخفض الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحرارى «بما فيها ‏خفض انبعاث غاز الميثان بنسبة ٣٠٪ حتى عام ٢٠٣٠، وخفض الانبعاثات عموما بنسبة ٥٠ - ٥٢٪ ‏بحلول عام ٢٠٣٠، والتزم واشنطن بمضاعفة دعمها لدول العالم النامى فى مجال مواجهة التغيُّر المناخى ‏لتصل إلى ١١ مليون دولار سنويا بحلول عام ٢٠٢٤، بالإضافة إلى ٣ مليارات لدعم جهود التكيف المناخى ‏فى الدول النامية‎.‎
وأعلن بايدن عن دعم بلاده لمصر بمبلغ ٥٠٠ مليون دولار لمساعدتها على إنتاج عشرة آلاف ميجاواط من ‏الطاقة المتجدِّدة بحلول عام ٢٠٣٠. وخفض الانبعاثات الناتجة عن إنتاج خمسة آلاف ميجاواط من الطاقة ‏الكهربائية التقليدية المنتجة حاليا، كما أعلن عن تقديم مساعدات أقل بكثير لعدد من بلدان العالم النامى، ‏وخاصة أفريقيا «الأهرام ــ ١٢ نوفمبر ٢٠٢٢‏‎».‎
ملاحظات على خطاب بايدن
وللوهلة الأولى تبدو هذ المساهمات سخية.. إلا أن مراقبين كبارا في مجال المناخ «وخاصة من منظمة ‏‏(جرين بيس/ السلام الأخضر) الدولية الشهيرة والنافذة أبدوا تحفظات مهمة على خطاب بايدن، فى مقدمتها‎:‎
‏١‏‎ - ‎أنه تجنب الإشارة إلى تعهد أمريكا السابق بالعمل على التخلص التدريجى من الوقود الأحفورى، باعتباره ‏مصدر الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحرارى‎.‎
‏٢‏‎ - ‎كما أشاروا إلى أن أرقام المساعدات التى أعلن عنها بايدن، أقل بكثير من تعهدات أمريكا السابقة، في ‏قمة جلاسجو، بتوفير ١٧ مليار/ سبعة عشر مليار دولار) سنويا من أصل (مائة مليار) تعهدت الدول ‏الصناعية الغنية بتقديمها للدول النامية سنويا، فى قمة جلاسجو العام الماضى‎.‎
‏٣‏‎ - ‎كما انتقد هؤلاء المراقبون عدم تطرق بايدن لملف تمويل «التعويضات عن الخسائر والأضرار» التى ‏تلحق بالدول النامية بسبب التغيُّرات المناخية السلبية الناتجة أساسًا عن الانبعاثات التى تصدرها الدول ‏الصناعية المتقدمة والغنية. ومعروف أن هذا الملف هو بند جديد على أجندة مؤتمرات المناخ، نجحت الدول ‏النامية فى إدراجه على أجندة ‎ Cop 27‎بعد جهود طويلة‎.‎
والأمر الأسوأ هو ما أشار إليه هؤلاء المراقبون من أن الدول الصناعية الكبرى ــ وعلى رأسها الولايات المتحدة ‏ــ تعرقل الجهود المبذولة فى قمة شرم الشيخ من أجل الاتفاق على إنشاء «صندوق التعويضات عن الخسائر ‏والأضرار» التي تتكبدها الدول النامية، بالرغم من أن الدول الصناعية الغنية كانت قد وافقت على إدراج هذا ‏البند على أجندة القمة «الشرق الأوسط ــ ١٣ نوفمبر ٢٠٢٢».. وبالرغم من إقرار شخصيات أمريكية رفيعة ‏المستوى مثل جون كيرى وزير الخارجية الأسبق، ومبعوث الرئيس الأمريكى للمناخ حالياً، بأن الدول العشرين ‏الكبرى هى المسئولة عن ٨٠٪ من الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحرارى، وأن ١٥ مليون نسمة يموتون ‏سنويا في البلاد النامية أساسًا، بسبب الاضطرابات والكوارث المناخية الناشئة عن هذه الانبعاثات! (اليوم ‏السابع، ١١/ ١١/ ٢٠٢٢‏‎)
خسائر أفريقية فادحة
وإذا كانت الدول العشرون الأغنى والأكثر تقدمًا وعلى رأسها أمريكا والاتحاد الأوروبى والصين وغيرها تتسبب ‏فى ٨٠٪ من الانبعاثات وهى المتسبب الأول في الكوارث المناخية المترتبة على الاحتباس الحرارى، فإن ‏الدول النامية هى التى تدفع الثمن الأفدح لهذه التغيُّرات.. وفى الوقت نفسه فإنها هى الأقل إنتاجًا ‏للانبعاثات، كما أنها هى الأقل قدرة على مواجهة العواقب الوخيمة للمتغيرات المناخية السلبية‎.‎
وتشير دراسة علمية مقدمة إلى مؤتمر شرم الشيخ نشرتها جريدة «الجارديان» البريطانية وعرضتها جريدة ‏الأهرام المصرية بدرجة كبيرة من التفصيل إلى أن القارة الأفريقية البالغ عددها ٥٤ دولة يمثل سكانها (خمسة ‏عشر بالمائة/ ١٥٪) من سكان العالم، تُسهم بأقل من (أربعة بالمائة) من الانبعاثات المتسبِّبة فى الاحتباس ‏الحرارى، بينما تُسهم الصين «بسبعة وعشرين/ ٢٧٪» والولايات المتحدة «بخمسة عشر بالمائة/ ١٥٪» ‏ودول الاتحاد الأوروبى «بسبعة عشر/ ١٧٪» بينما تتعرض الدول الأفريقية للجانب الأكبر من الخسائر ‏المترتبة على الاحتباس الحرارى وكوارثه المناخية، من سيول وفيضانات وجفاف وتصحُر..إلخ، الأمر الذى ‏يهدِّد بفقدان القارة السمراء ٦٤٪ من ناتجها المحلي الإجمالى (أى حوالى الثلثين على مدار القرن الحالى)، ‏بينما تواجه ثمانى دول منها هى «السودان وموريتانيا ومالى والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وچيبوتى ‏والصومال» خطر فقدان (٧٥٪ ــ أى ثلاثة أرباع ــ من ناتجها المحلى الإجمالى، ويواجه عشرات الملايين ‏من البشر فى القارة الأفريقية عموما أخطار المجاعة، ويضطر كثيرون منهم إلى النزوح داخل بلادهم أو ‏الهجرة خارجها بحثًا عن لقمة العيش والمأوى «الأهرام، ١٧/ ١١/ ٢٠٢٢‏‎».‎
وبديهى أن ما يحتاجه هؤلاء قبل كل شيء، هو التعويض عن الخسائر والأضرار الفادحة التى يتعرضون لها ‏دون ذنب جنوه.. وتقديم كل أشكال المساعدة الاقتصادية والإنسانية الممكنة لهم.. وبالطبع انتهاج الدول ‏الصناعية لسياسات فى مجال الطاقة والمناخ من شأنها تقليل الانبعاثات، وصولا إلى وضع «صفر ‏انبعاثات» بحلول عام ٢٠٥٠، والحيلولة دون ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار ١.٥ درجة مئوية، بما يعنيه ‏ذلك من تطوير الطاقة النظيفة والمتجددة..إلخ‎.‎
ويستدعى هذا إقامة صندوق دولي لتعويض الدول الفقيرة والمتأثرة بالنتائج السلبية للتغيُّر المناخي.. وهو ‏صندوق يجب أن تكون موارده ضخمة بكل معنى الكلمة، فضلا عن الالتزام القائم بدفع المساعدات المقررة ‏‏«مائة مليار دولار سنويا» التى سبق لنا الحديث عن وجوه إنفاقها «الأموال - ١٣ نوفمبر» وفيما سبق من ‏هذا المقال‎.‎
لذلك فإن عرقلة إنشاء هذا الصندوق أو إقامته بموارد رمزية أو ضعيفة أمر يمثل جريمة فعلية في حق ‏شعوب القارة الافريقية، والدول المعرضة للكوارث المناخية فى جنوب آسيا وفى أمريكا اللاتينية.. وهو تعبير ‏عن انعدام الشعور بالحد الأدنى من المسئولية الإنسانية، ومثل ذلك بالطبع تقاعس الدول الصناعية عن ‏انتهاج سياسات في مجال الطاقة والمناخ تؤدى إلى خفض الانبعاثات طبقا للاتفاقات الدولية السابق الحديث ‏عنها‎.‎
ونكتب هذا المقال قبل يوم من انتهاء قمة شرم الشيخ وصدور بيانها الختامى، ولذلك فإننا لا نستطيع تقييم ‏نتائج القمة.. وهذا ما سنحاول فى مقالنا القادم بإذن الله.. ويظل الأمر الأكثر أهمية فى جميع الأحوال هو ‏التزام الدول الصناعية الكبرى والغنية بما سيتم الاتفاق عليه حتى وإن كان دون المأمول.. وألاّ يكون مصير ‏التزاماتها فى شرم الشيخ هو نفس مصير تلك الالتزامات الصادرة عنها في قمة جلاسجو‎..‎
وللحديث بقية‎..‎

مصر للطيران
‎ ‎قمة شرم الشيخ. «لحظة فارقة». جهود إنقاذ كوكبنا (٢‏‎)

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE