الأموال
الخميس، 18 أبريل 2024 02:00 مـ
  • hdb
9 شوال 1445
18 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : قمة شرم الشيخ «لحظة فارقة» في جهود إنقاذ كوكبنا (١‏‎)

د. محمد فراج أبوالنور
د. محمد فراج أبوالنور


ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية فى دورته السابعة والعشرين‎ Cop27 ‎هذا العام فى شرم الشيخ (٦ - ١٨ نوفمبر) فى ظل ظروف مناخية بالغة القسوة ‏تمثلت فى عدد كبير من الكوارث الطبيعية المترتبة على تغيرات المناخ، التى شهدها ‏العالم المنقضى منذ قمة جلاسجو‎ Cop26 ‎وكذلك فى ظل ظروف دولية شديدة ‏التوتر تمثلت فى المواجهة الجارية بين الولايات المتحدة ودول التحالف الغربى من ‏ناحية وروسيا من ناحية أخرى، والتى مثلت الحرب فى أوكرانيا عنوانا لها، بما ‏ترتب على هذه المواجهة من تفاقم شديد لأزمة الطاقة العالمية ونقص فادح فى ‏إمدادات الغاز الطبيعى والبترول الروسيين بسبب العقوبات الغربية ضد روسيا، وما ‏أدى إليه ذلك من عودة لاستخدام الفحم الحجرى على نطاق واسع فى القارة ‏الأوروبية، بما ترتب عليه ذلك من زيادة فى الانبعاثات الكربونية، وتفاقم في ظاهرة ‏الاحتباس الحراري‎.‎


وقد مثلت كل هذه الظروف تحديات كبيرة أمام الجهود الدولية المبذولة لمواجهة ‏التغيرات المناخية السلبية، وهو ما دعا وزير الخارجية المصرى سامح شكرى ‏للحديث عن قمة شرم الشيخ‎ COP27 ‎باعتبارها «لحظة فارقة» فى الجهود الدولية ‏لمواجهة التغيرات المناخية السلبية.. وما جعل من شعار «لحظة فارقة في التعامل ‏مع قضية التغير المناخى» عنوانا لمؤتمر شرم الشيخ، الذى شارك فيه أكثر من ‏‏١٢٠ زعيما وقائدا عالمياً، وأكثر من ١٣٠ ألفا من مندوبى الحكومات والمنظمات ‏الأممية والحكومية وغير الحكومية ونشطاء العمل البيئى فى العالم‎.‎


وانعقد المؤتمر على مستوى القمة في أول يومين له «الأحد والاثنين ٦ و٧ نوفمبر» ‏والتى حددت الاتجاهات العامة للمؤتمر، لينتقل العمل بعد ذلك إلى المفاوضات ‏التفصيلية بين مندوبى وممثلى الدول والمنظمات للتوصل إلى تجسيد لتلك التوجهات ‏العامة في اتفاقات محددة يتم الإعلان عنها فى نهاية المؤتمر‎.‎
الاحتباس الحرارى.. أصل المشكلة
ومعروف أن التحدي الكبير الذى يواجه الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية ‏وما يترتب عليها من كوارث مثل ذوبان جليد القطب الشمالى وارتفاع منسوب ‏البحار بما يُمثل تهديدًا خطيرًا للسواحل والمدن الساحلية، والاضطرابات المناخية ‏التى تؤدى لتفاقم ظواهر مثل الأعاصير، والفيضانات المدمِّرة، والجفاف ‏والتصحر.. إلخ.. هذا التحدى المرتبط بانبعاث غازات «الاحتباس الحرارى» نتيجة ‏للأنشطة الصناعية والحفرية، هو الذى دفع بالعشرات من دول العالم للعمل المشترك ‏من أجل إنقاذ الكوكب، وهو ما انتهى إلى عقد «قمة الأرض» فى ريو دى جانيرو ‏عام ١٩٩٢، حيث تم اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ والتى ‏نصت على «تثبيت استقرار تركيزات غازات الاحتباس الحرارى في الغلاف ‏الجوى لمنع التأثير الخطير للنشاط البشرى على نظام المناخ» ــ وهى الاتفاقية التى ‏انضم إليها تباعًا (١٩٧/ مائة وسبع وتسعون) دولة ومنظمة.. وتم على أساس هذه ‏الاتفاقية إنشاء «أمانة الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ»، ثم بدأ منذ عام ١٩٩٤ عقد ‏المؤتمر السنوى.. أو قمة الأمم المتحدة للمناخ المعروفة باسم‎ COP ‎والتى تعنى ‏‏«مؤتمر الأطراف» وآخرها هو مؤتمر شرم الشيخ الجارى‎.‎
وخلال هذه المؤتمرات تفاوضت الدول على ملحقات إضافية للمعاهدة الأممية لوضع ‏حدود «مُلزِّمة قانونًا» للانبعاثات، من أشهرها «بروتوكول كيوتو» عام ١٩٩٧ ‏و«اتفاق باريس» ٢٠١٥ الذى اتفقت جميع دول العالم بموجبه على تكثيف الجهود ‏للحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى، بحيث لا تزيد درجة حرارة الكرة الأرضية ‏على «١٫٥ درجة/ درجة ونصف درجة مئوية» فوق درجات حرارة ما قبل الثورة ‏الصناعية «فى القرن الثامن عشر» والتى مثلت بداية الانبعاث واسع النطاق للغازات ‏المسبِّبة للاحتباس الحرارى‎.‎
تحديات خطيرة وجهود متعثرة
ومعروف أن الدول الصناعية الكبرى هى المتسبِّب الرئيس فى انبعاثات غازات ‏الاحتباس الحرارى «انبعاثات الكربون والميثان وغيرها» نتيجة لاستهلاكها الكثيف ‏للطاقة سواء فى الصناعة أو فى الأنشطة الحضرية المختلفة، وفى مقدمة هذه الدول ‏ــ تاريخيا ــ الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى فى أوروبا واليابان ثم ‏انضمت إليها تباعًا روسيا «الاتحاد السوفيتى» والصين والهند ودول جنوب شرق ‏آسيا «النمور الآسيوية‎».‎
غير أن هذه الدول بالذات كانت الأكثر مماطلة فى التوصل إلى اتفاقات بشأن الحد من ‏انبعاث غازات الاحتباس الحرارى، لأن استخدام موارد الطاقة الأرخص فى توليد ‏الطاقة الكهربائية كـ«الفحم والبترول» يظل أقل تكلفة، وبالتالى يعزِّز من قدراتها ‏التنافسية، بالرغم من أضراره الفادحة على مواطنيها أنفسهم، وعلى المناخ العالمى، ‏فالغاز الطبيعى مثلاً- وهو أنظف مورد الطاقة الأحفورية- يظل أغلى من الفحم ‏والبترول.. أما موارد الطاقة المتجددة فهى تحتاج إلى استثمارات كبيرة.. وتكلفة ‏إنتاج الكيلووات من الطاقة الكهربائية فيها أعلى كثيرًا، باستثناء الطاقة الكهرومائية، ‏أما الطاقة الكهروذرية فإن لها مخاطرها التى جعلت أقساما واسعة من النشطاء ‏البيئيين «وصناع القرار» غير متحمسين للتوسع كثيرًا فى استخدامها فى أغلب ‏البلدان الصناعية.. وهكذا ظل التوجه لتطوير الطاقات المتجددة أبطأ كثيرًا من التوسع ‏ــ السهل ــ فى استخدام موارد الطاقة التقليدية‎.‎


وحينما كانت مشكلات التلوث البيئى تتفاقم فإن الدول الصناعية الكبرى كانت تلجأ ‏في كثير من الأحيان لتصدير الصناعات الملوِّثة للبيئة، وكثيفة الاستخدام للطاقة إلى ‏الدول النامية، كصناعة الأسمنت والحديد والصلب ومواد البناء، وما شابه‎.‎


وقد رأينا مثلا كيف أن الولايات المتحدة انسحبت من «اتفاق باريس» مع وصول ‏دونالد ترامب إلى السلطة «٢٠١٧»، الأمر الذى ألحق ضربة قاسية بجهود تقليص ‏الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحرارى، وأضعف كثيرًا من التزام الدول الصناعية ‏الأخرى بالاتفاقات الدولية فى هذا الصدد، وظل الأمر هكذا حتى جاء الديمقراطيون ‏إلى البيت الأبيض فعادت أمريكا إلى الالتزام بـ«اتفاق باريس» بعد ضياع أربعة ‏أعوام غالية من جهود مكافحة الاحتباس الحرارى على العالم بأسره‎.‎


ومن ناحية أخرى فإن الدول الصناعية الكبرى والغنية ماطلت باستمرار فى الوفاء ‏بالتزاماتها تجاه الدول النامية لمساعدتها على استخدام موارد طاقة أقل تسبُبًا فى ‏انبعاث غازات الاحتباس الحرارى، وتطوير آليات تقليص الانبعاثات من «فلاتر» ‏وغيرها، وكذلك تطوير ماكينات أقل استهلاكًا للطاقة، فضلا عن تطوير الطاقات ‏المتجددة وجهود منع القطع الجائر لأشجار الغابات، وزراعة أشجار جديدة محل تلك ‏التى يتم قطعها..الخ‎.‎


ويكفى أن نشير إلى أن الدول الغنية التزمت فى القِمم المناخية المتعاقبة بتقديم ‏مساعدات للدول النامية لهذه الأغراض، لكنها لم تف أبدًا بالتزاماتها بالكامل، وأعلنت ‏الدول الصناعية فى قمة جلاسجو‎ COP26 ‎عن تقديم مائة مليار دولار للدول ‏النامية خلال العام المنقضى، لكنها لم تف بهذا الالتزام، ويحدث هذا بالرغم من أن ‏الدول الصناعية الكبري هى المتسبِّب الرئيس فى انبعاثات غاز الاحتباس الحرارى ‏عالميًا، وبالرغم من أن الدول النامية هى التى تدفع ــ أكثر من غيرها ــ الثمن الأكبر ‏لاختلالات المناخ من سيول جارفة وفيضانات مدمِّرة، وجفاف وتصحر..إلخ، وهى ‏بالطبع أقل قدرة على مواجهة هذه الكوارث بسبب ضعف اقتصاداتها، وما يترتب ‏على ذلك من مجاعات وأمراض واضطرار ملايين البشر إلى النزوح داخل بلادهم ‏أو إلى «الهجرة الاقتصادية» وما يرتبط بذلك كل من معاناة إنسانية قاسية‎.‎


فحم وحطب‎!‎


كما فشلت الدول الصناعية الكبرى فى الوفاء بالتزاماتها فى قمة جلاسجو بخفض ‏استخدام الفحم الحجرى و«التخلص التدريجى» منه باعتباره أكثر أنواع الوقود ‏الأحفورى تسبُّبًا فى التلوث‎.‎
والأسوأ من ذلك أن الدول الصناعية الكبرى فى أوروبا- وتحت ضغوط أمريكية ‏شديدة- قد لجأت إلى فرض عقوبات غير مدروسة على موارد الطاقة الروسية، وفى ‏مقدمتها الغاز الطبيعى والبترول، ما تسبَّب عنه نقص فادح فى هذه الموارد «تعتمد ‏أوروبا على الغاز الطبيعى الروسى بنسبة أربعين بالمائة، ترتفع إلى خمسة وخمسين ‏بالمائة فى ألمانيا ــ وعلى أكثر من ثلاثين بالمائة من احتياجاتها من البترول».. ومع ‏العجز عن توفير موارد بديلة، ومع الارتفاع الصاروخى لأسعار الغاز ــ مع عدم ‏كفايته ــ ومع اقتراب الشتاء، اضطرت الدول الأوروبية للعودة على نطاق واسع ‏لاستخدام الفحم الحجرى فى توليد الطاقة الكهربائية، وتشغيل محطات الفحم التى ‏كانت قد تم إيقافها، بما ترتب عليه زيادة الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحرارى بدلا ‏من تقليصها، كما كان قد تم عليه فى «جلاسجو‎».‎
بل وصل الأمر ــ مع حظر استيراد الفحم الروسى وعدم كفاية المصادر البديلة ــ إلى ‏أن المواطنين فى عديد من الدول الأوروبية لجأوا إلى قطع أشجار الغابات استعدادًا ‏لتوفير التدفئة لمنازلهم فى الشتاء، فى ظل نقص الطاقة الكهربائية! وهو ما يُذكرنا ‏بمواقد الحطب التى يلجأ إليها الفلاحون فى دول العالم الثالث فى فصل الشتاء!! وهى ‏كارثة بيئية وحضارية كبيرة‎.‎


شرم الشيخ.. وتعويض الخسائر


أى أن قمة شرم الشيخ سيتعين عليها أن تبدأ من نقطة أدنى مما انتهت إليه قمة ‏‏«جلاسجو»!! وإزاء هذا كله فإن الدول النامية بالذات أبرزت مطلبًا يُعد سمة جديدة ‏فى مؤتمرات قمة المناخ هو مطالبة الدول الصناعية الكبرى والغنية ليس فقط ‏بالالتزام بتقديم المساعدات التى تعد بها لدعم جهود العالم الثالث فى مجال مكافحة ‏التغيُّرات المناخية السلبية.. بل وتقديم تعويضات عن الخسائر التى تتعرض لها الدول ‏النامية بسبب السياسات الأنانية التى تنتهجها الدول الغنية، دون مبالاة بآثارها السلبية ‏على شعوب العالم الثالث، بل وعلى مصير الكوكب بأسره، والحقيقة أن هذا مطلب ‏عادل تماما.. لكنه سيكون موضوعًا لصراع شديد فيما تبقى من أيام عمل مؤتمر ‏شرم الشيخ، الذى تشهد أجندته هذا المطلب العادل والوجيه للمرة الأولى فى تاريخ ‏قِمم المناخ.. وهو ما سنتابعه فى مقالنا القادم بإذن الله، إلى جانب بقية بنود الأجندة ‏الجديدة والقديمة المتجددة فى مجال العمل المضنى من أجل إنقاذ كوكبنا‎..‎
وللحديث بقية‎..‎

مصر للطيران
د. محمد فراج قمة شرم الشيخ «لحظة فارقة إنقاذ كوكبنا الأموال

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE