الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 05:18 صـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : الأطماع التركية فى ليبيا.. خطر على الأمن القومى المصرى

د.محمد فراج ابو النور
د.محمد فراج ابو النور


تطورات خطيرة تشهدها ليبيا خلال الشهور والأسابيع الأخيرة وتمس بمصالح ‏بلادنا وأمنها القومى، ولا يعيرها الإعلام المصرى بعض ما تستحقه من ‏الاهتمام، والمؤسف أكثر أن النخبة السياسية لا تبدو واعية بخطورتها ولا مهتمة ‏بها أصلا‎!‎
آخر هذه التطورات كانت الزيارة التي قام بها وفد تركى رفيع المستوى إلى ليبيا ‏‏«٣ أكتوبر الجارى» برئاسة وزير الخارجية التركى «مولود جاويش أوغلو» ‏وتم خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بالغة الأهمية بين البلدين.. ‏وقد ضم الوفد التركى عدداً من كبار المسئولين في مقدمتهم وزير الدفاع ‏‏«خلوصى آكار» ووزيرا الطاقة، والتجارة والصناعة والمتحدث الرسمي باسم ‏الرئيس التركى أردوغان، وهو ما يشير إلى مستوى اهتمام أنقرة بتلك الزيارة‎.‎
الاتفاقات التى تم توقيعها فى مقدمتها مذكرة تفاهم حول التعاون فى مجال ‏الاستثمارات البترولية والتنقيب عن البترول والغاز الطبيعى فى مياه ليبيا ‏وأراضيها، وإقامة شركات مشتركة للعمل في هذا المجال، مع التأكيد علي أن ‏أنشطة التنقيب عن البترول والغاز فى مياه البحر لمتوسط قبالة السواحل الليبية، ‏تستند إلي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التى تم توقيعها بين البلدين في عهد ‏حكومة فايز السراج «نوفمبر ٢٠١٩» والتي أثارت في حينها انتقادات واسعة ‏سواء من ناحية عدم شرعية حكومة السراج وأهليتها للتوقيع على اتفاقيات مع ‏دول أجنبية، أو من ناحية تصادم هذه الاتفاقية مع حقوق دول أخرى كاليونان ‏وقبرص، وادخال ليبيا كطرف فى نزاعات تركيا مع هاتين الدولتين، أو من ناحية ‏ما تحققه لأنقرة من نفوذ في ليبيا، وهو ما تأكد بالاتفاقية الأخيرة «مذكرة ‏التفاهم» التي تتيح لتركيا «حقوقا» للتنقيب عن البترول والغاز في مياه ليبيا ‏واستغلال هذه الموارد اقتصاديا علمًا بأن الشركات التركية القائمة أو المحتمل ‏إنشاؤها ليس لديها الخبرات الفنية، ولا رءوس الأموال الضخمة التى تملكها ‏شركات البترول العالمية، وتنفق منها على عمليات التنقيب باهظة التكلفة.. أى أن ‏عمليات التنقيب والشركات المشتركة ستكون بتمويل ليبي أساسا‎!!‎
واللافت للنظر أن «جاويش أوغلو» علق على الإنشاءات الموجهة لاتفاقية ‏الحدود البحرية بقوله إنها اتفاق بين دولتين تتمتعان بالسيادة، وليس من حق أى ‏دولة أخرى الحق فى التعقيب عليها.. وكأن حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها «في ‏ديسمبر ٢٠٢١» والمسحوبة منها ثقة البرلمان أصلا في سبتمبر من العام ‏الماضى هى ممثل للدولة الليبية‎!!‎

واتفاقيات عسكرية أيضا‎..‎
كما ناقش أوغلو ووزير الدفاع «خلوصى آكار» مع الدبيبة «بصفته ‏وزيراً للدفاع» التعاون العسكرى بين البلدين، وعددا من البرامج التدريبية للجيش ‏الليبي، وتوفير معدات وتجهيزات متطورة له «المقصود هو جيش طرابلس ‏المكون من عدد رمزى من الضباط والجنود ولا تقارن قوته بالميليشيات المُسيطرة ‏على غرب البلاد».. وصرح أوغلو أن تركيا مهتمة ببناء الجيش الليبي علي ‏أساس اتفاقية التعاون العسكرى الموقعة بين البلدين منذ ٢٠١٩ في عهد حكومة ‏السراج، وشملت الاتفاقات مجال التدريب الأمنى لقوات الشرطة وشملت أيضًا ‏تسهيل نشاط الاستثمارات التركية فى ليبيا، وعودة رحلات الطيران التركي إلى ‏المطارات الليبية، والتعاون فى المجال الإعلامى ومجالات أخرى‎.‎
وجدير بالذكر أن «الاتفاق الدفاعى» الذى تم توقيعه عام ٢٠١٩ قد أتاح لتركيا ‏الحصول علي قاعدة بحرية وجوية كبيرة في مصراتة على ساحل البحر المتوسط ‏غربى ليبيا، وقواعد جوية في مطار معيتيقة بالقرب من العاصمة طرابلس، ‏و«الوطية» بالقرب من الحدود الليبية ــ التونسية والجزائرية، وأماكن أخرى، ‏كما أتاح تمركز عدة آلاف من الضباط والجنود الأتراك فى طرابلس ومصراتة ‏وغيرها من مناطق غرب ليبيا بصفتهم مستشارين ومدربين.. إلخ‎.‎
ومن ناحية أخرى فإن تركيا جلبت إلى ليبيا حوالى عشرين ألفا من المرتزقة ‏السوريين من أفراد الميليشيات الموالية لها فى سوريا، يمثلون جيشا صغيرا ‏يتمتع بتدريب وتسليح جيدين، وذلك فضلا عن تسليحها لميليشيات الإخوان ‏الإرهابية وميليشيات القاعدة وداعش المدربة بصورة ممتازة على العمليات ‏الإرهابية، وعن نفوذها القوى لدى الميليشيات المناطقية والقبلية من خلال ‏التسليح والتدريب، وكلها عمليات تتولى حكومة الدبيبة تمويلها من أرصدة ‏المصرف المركزى الليبى، وبدعم من محافظه «الصديق الكبيرى» أحد زعماء ‏الإخوان فى ليبيا، والذى قام بإبداع ثمانية مليارات دولار في البنك المركزى ‏التركى دون إذن أو رقابة من أى جهة شرعية‎.‎


تكريس التقسيم


وبمثل هذه الإجراءات ــ وغيرها ــ تحقق تركيا لنفسها وضعا استراتيجيا متميزا ‏فى غرب ليبيا، وتملك وجودا عسكريا قويا وقواعد عسكرية بحرية وجوية، ‏وعشرات الآلاف من المرتزقة الموالية لها، ويتم تمويل ذلك كله من خزانة ‏واحتياطيات المصرف المركزى الليبى، فضلا عن عمليات النهب الأخرى من ‏خلال الودائع فى البنك المركزى التركى، والصفقات التجارية والاستثمارية غير ‏الخاضعة للرقابة، وعمليات تعويض الشركات التركية عن «خسائر مزعومة» ‏تكبدتها بسبب الأوضاع غير المستقرة أثناء العمليات العسكرية المصاحبة ‏للإطاحة بنظاما لقذافى، وعدم الاستقرار خلال السنوات التالية.. أى أن أنقرة تقوم ‏بعملية احتلال للغرب الليبى، ونهب لثروات البلاد والاحتياطيات الموروثة عن ‏عهد القذافى، والتى يفترض أن يتم الإنفاق منها تحت رقابة من البرلمان والجهات ‏الرقابية، وبرعاية من الأمم المتحدة.. لكن شيئا من هذا كله لا يحدث‎.‎
والنتيجة هي أنه يتم تكريس واقع الانقسام فى ليبيا، بين شرق وغرب، مع ‏اعتراف الدول الغربية الكبرى والأمم المتحدة بـ«شرعية» حكومة الدبيبة، وقبلها ‏حكومة السراج.. وإلهاء الشعب الليبى بأحاديث معسولة عن التسوية السلمية، ‏وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد الاتفاق على «القاعدة الدستورية» لتلك ‏الانتخابات وهى «القاعدة» التى تتم المراوغة بشأنها منذ سنوات، دون نتيجة ‏ودون أدنى احترام لمقررات المؤتمرات الدولية وقرارات مجلس الأمن أو ‏الاتفاقات بين الأطراف الليبية تحت رعاية الأمم المتحدة‎.‎
ومفهوم أنه لا يمكن إجراء انتخابات نزيهة أو ديمقراطية فى ظل وجود احتلال ‏عسكرى أجنبى لعاصمة البلاد وانتشار الفوضى الأمنية التى تفرضها الميليشيات ‏فى مختلف أنحاء الغرب الليبي‎.‎
وبالتالى يبدو مضحكًا حديث «جاويش» عن مناقشته مع الدبيبة، ووزيرة ‏خارجيته نجلاء المنقوش لخطوات الحل السياسى فى ليبيا، وأهمية التوصل إلى ‏‏«قاعدة دستورية» لإجراء الانتخابات، وفق «خارطة طريق قصيرة ‏الأجل»..الخ‎.‎
‎‫‎‏(‬راجع تفاصيل الزيارة والاتفاقات فى «الشرق الأوسط السعودية، و«الحدث» ‏و«سكاى نيوز» وتليفزيون الوسط الليبى‎ WTV ‎ومواقع ووكالات).


غضب مشروع


الاتفاقات التى تم توقيعها والتصريحات التى رافقت زيارة الوفد التركى مثلت ‏تكريسا لواقع الانقسام الموجود في ليبيا وترسيخًا للاحتلال التركى والقواعد ‏العسكرية الموجودة علي أساس اتفاقيات غير شرعية ولا علاقة لها بالقانون ‏الدولى، وكان من الطبيعى أن تثير غضبا مشروعا فى شرق ليبيا حيث يوجد ‏البرلمان «الهيئة الوحيدة المنتخبة فى البلاد برئاسة عقيلة صالح» وحكومة ‏‏«الاستقرار» المكلفة من جانب البرلمان، والتى يرأسها فتحى الباشاغا.. وصرح ‏رئيس البرلمان «عقيلة صالح» بأن أى معاهدة أو اتفاقية أو مذكرة تفاهم يتم ‏توقيعها من جانب الدبيبة «رئيس الحكومة المنتهية ولايتها» مرفوضة وغير ‏قانونية وغير ملزمة للدولة الليبية وتتناقض مع البند العاشر من المادة السادسة ‏من «خارطة الطريق» التي تم التوصل إليها العام الماضي (٢٠٢١)، والتى ‏تولى الدبيبة السلطة بموجبها.. كما أصدر البرلمان الليبى ورئيس حكومة ‏‏«الاستقرار» بيانين بهذا المعني‎.‎


خداع وتلاعب


وقد زاد من شعور المسئولين فى «الشرق» الليبى بالغضب حقيقة أن تركيا ‏أظهرت خلال الأسابيع الأخيرة اهتماما بالتقارب معهم بعد سنوات من القطيعة ‏والعداء، وتمت دعوة عقيلة صالح للقيام بزيارة رسمية إلى تركيا والاجتماع ‏بأردوغان والمشرى «خالد المشرى الزعيم الإخوانى ورئيس ما يسمى بالمجلس ‏الأعلى للدولة» فى أنقرة، فيما بدا أنه محاولة تركيا للوساطة بين الجانبين أو نوع ‏من «رعاية» المحادثات بين بنغازى وطرابلس، وأعلن عقيلة صالح عزمه علي ‏إعادة العلاقات بين ليبيا وتركيا إلى أفضل مما كانت عليه، وتسهيل دخول ‏الاستثمارات التركية إلى شرق ليبيا، ورعاية مصالحها فى البلاد (٥ أغسطس ‏الماضى) وكان الدبيبة قد سبق عقيلة فى زيارة لأنقرة‎.‎
ثم تمت دعوة عقيلة صالح لزيارة قطر ــ أقرب حلفاء تركيا العرب ــ فى أوائل ‏شهر سبتمبر الماضى، بعد أن كان كل من الدبيبة والمشرى قد زارها.. ورافق ‏ابن المشير حفتر عقيلة صالح فى هذه الزيارة، فيما مثل أيضا إنهاء لفترة طويلة ‏من القطيعة والعداء، وتكاملا مع الجهد التركى «لرعاية» المحادثات بين ‏الطرفين الليبيين‎.‎
لكن زيارة الوفد التركى رفيع المستوى إلى طرابلس والاتفاقيات العديدة التي تم ‏توقيعها مع الدبيبة فى مجالات شديدة الأهمية والحساسية «الطاقة والدفاع والأمن ‏والاستثمار والإعلام» والتأكيدات على شرعية حكومة الدبيبة، الخ.. كلها أمور ‏أكدت أن تركيا كانت تخدع ممثلى «الشرق» الليبى وتتلاعب بهم، بينما هى تعد ‏لتوقيع الاتفاقات المذكورة مع الدبيبة!! وتأكيد «شرعيته» المزعومة وقوته ‏العسكرية، بما يتناقض مع أى حديث جدى عن التسوية السياسية، وبما يمثل ‏انتهاكًا صريحًا لشرعية البرلمان وإنكارًا لها‎.‎
غضب فى القاهرة
وواضح أن كل هذا كان مكشوفًا تماما أمام القاهرة المنحازة بكل وضوح لوحدة ‏ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها، وللتسوية السلمية والمصالحة الوطنية بين ‏الأطراف الليبية المتصارعة والملتزمة بالقرارات الدولية والأممية فى هذا ‏الصدد.. والتى تدرك أيضا أن محاولات أردوغان «لتطبيع» العلاقات معها لابد ‏أن يتم اختبارها فى الواقع الفعلى‎.‎
والقضية الليبية هى أحد المحركات بالغة الأهمية فى هذا الصدد، فمصالح الأمن ‏القومى المصرى لا يمكن أن تنسجم مع الإخلال الجسيم بتوازن القوي ‏الاستراتيجى فى شرق البحر المتوسط وجوار مصر المباشر من خلال ترسيخ ‏الوجود العسكرى التركى في ليبيا التي تمثل العمق الاستراتيجى لمصر من ناحية ‏الغرب، كما أن مصالح الأمن القومى المصري لا يمكن أن تنسجم مع «توطين ‏الإرهاب والفوضى الأمنية» فى ليبيا، وتعميق الانقسام وانتهاك الشرعية فيها، ‏وهو بالضبط ما تفعله تركيا وحكومة الدبيبة، وقد سبق أن عانت مصر من جرائم ‏الإرهاب القادم من ليبيا، قبل أن يتمكن الجيش الوطنى الليبى «بقيادة حفتر» من ‏تصفية تمركزات الإرهاب فى «درنة» وغيرها من المناطق الحدودية مع مصر‎.‎
وهذا هو ما يفسِّر انسحاب وزير الخارجية سامح شكرى من الجلسة الافتتاحية ‏لمجلس وزراء خارجية الجامعة العربية أثناء إلقاء وزيرة خارجية حكومة الدبيبة ‏‏«نجلاء المنقوش» لكلمتها، تعبيرا عن رأى مصر في «شرعية» حكومة الدبيبة ‏المنتهية ولايتها بحكم «خارطة الطريق» الأممية وغيرها من القرارات الدولية.. ‏وهو أيضًا ما يفسِّر عدم اعتراف مصر بشرعية توقيع حكومة الدبيبة على ‏الاتفاقيات الأخيرة التى تكرِّس اتفاقيات قديمة غير شرعية أصلا‎.‎
وإذا كانت الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى تحاول أن تعمد إلى تركيا ‏بدور وكيلها فى ليبيا، بغض النظر عن مصالح وإرادة الشعب الليبى، وإذا كان ‏أكثر ما يهم الغرب الآن هو ضمان تدفق البترول والغاز الليبيين إلي أوروبا ‏كبديل عن موارد الطاقة الروسية، فبديهى أن ما يهم مصر ــ بالدرجة الأولى ــ ‏هو أمنها القومى، الذى ينسجم مع مصالح الشعب الليبي فى تحقيق أمن وسلامة ‏واستقلال بلاده، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة منها، وحل الميليشيات ‏الإرهابية ونزع سلاحها وإعادة تأهيل أفرادها للحياة السلمية، وأن يسيطر الشعب ‏الليبى الشقيق على ثرواته ويعيش فى استقرار ورخاء. فهذا هو ما يحقق مصالح ‏مصر وأمنها القومى فى هذا البلد الشقيق المجاور فى حدود يبلغ طولها ١٢٥٠ ‏كم والذى تمثل شواطئه امتدادًا للشواطئ المصرية، واحترام هذه المصالح هو ‏محك لا يمكن لمصر تجاهله فى علاقتها بتركيا أو أى دولة أخرى‎.‎

مصر للطيران
الأطماع التركية .ليبيا. الأمن. القومى. المصرى

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE