الأموال
الخميس، 25 أبريل 2024 06:29 مـ
  • hdb
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب : الأزمة الأوكرانية.. بين الحرب ومعضلات توسع «الناتو» شرقا

د. محمد فراج أبوالنور
د. محمد فراج أبوالنور


مرة أخرى.. بوتين يسبق خصومه بخطوة كبيرة

وإذن فقد حدث ما كان متوقعاً أن يحدث، وما كانت تطورات الأحداث تشير إليه، وأفاق العالم من نومه فجر الخميس (٢٤ فبراير) على دوى الانفجارات وعويل صفارات الإنذار.. وتحدت روسيا أمريكا وحلف «الناتو».. وعبرت قواتها الحدود الشرقية لأوكرانيا استجابة لطلب جمهوريتى «دونيتسك» و«لوجاتسك» للمساعدة العسكرية، فى مواجهة القوات الأوكرانية، بعد أن كانت موسكو قد اعترفت باستقلال الجمهوريتين الواقعتين على الحدود الجنوبية الغربية لروسيا مع أوكرانيا، وكان بوتين قد حصل على موافقة البرلمان علي إرسال القوات الروسية إلى منطقة «الدونباس»، وقامت الدنيا في الغرب، وهى لن تقعد قريبًا، فقد بدأت مواجهة طويلة الأمد بين روسيا و«الناتو» الراغب في التمدد شرقا حتى الحدود الروسية، وكالعادة سبق بوتين خصومه بخطوة كبيرة، وقبل التحدى وانتزع زمام المبادرة.
الضجيج الإعلامى الهائل على مدى الأسابيع الماضية، حول ما يحدث في أوكرانيا الآن، يحيط الأحداث بسحب كثيفة من الدخان، غير أن هذا لا ينفي أن المواجهة الناشبة لها مقدمات تعود بداياتها إلى تسعينيات القرن العشرين، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى «عام ١٩٩١»، ولكى نفهم ما يجرى علي وجهه الصحيح فلابد أن نتذكر ونتتبع هذه المقدمات والبدايات التى أدت إلى ما نشهده الآن، وهذا ضرورى جدًا لكى نستطيع أن نتوقع المآلات والسيناريوهات المحتملة لتطور الأحداث.
وبدايات ما نشهده اليوم تعود إلى سياسة «توسع الناتو شرقًا» بعد انهيار الاتحاد السوفيتى والذى كان قد سبق انهيار حلف وارسو، وانسحاب السوفييت من بلدان أوروبا الشرقية، بناءً علي تعهد «شفوى» من الرئيس الأمريكى وقتها بأن قوات «الناتو» لن تتقدم شرقًا باتجاه الحدود السوفيتية، ولكن لأن العلاقات الدولية لا تعترف بـ«اتفاقات الجنتلمان»، فإن ما حدث هو أن بلدان حلف وارسو السابقة فى وسط وشرق أوروبا تم ضمها تباعًا إلى الاتحاد الأوروبى، ثم إلى «الناتو» ــ التشيك وسلوفاكيا، والمجر وبولندا ورومانيا وبلغاريا ــ وصولاً إلى ضم بلدان سوفيتية سابقة إلى الحلف، هى جمهوريات البلطيق الثلاث «ليتوانيا ولاتفيا واستونيا» عام ٢٠٠٤، وهى بلدان مجاورة مباشرة للحدود الروسية، وتم نشر أسلحة متقدمة وقوات أطلسية في كل هذه البلدان، الأمر الذى رأت فيه روسيا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومى، وخاصة بعد إزاحة بوريس يلتسين وإدارته التابعة للغرب، ومجىء بوتين إلى السلطة عام ٢٠٠٠، وبدء انتهاج سياسة مستقلة، وإعادة بناء روسيا لاقتصادها وقواتها المسلحة اعتمادًا على الدخل الكبير بصورة استثنائية نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار البترول والغاز.

أوكرانيا.. الجائزة الكبرى


وظلت أوكرانيا هدفًا يتمتع بأهمية خاصة لحلف «الناتو» نظرًا لأنها كانت ثانية أكبر جمهوريات الاتحاد السوفيتى وأكثرها تقدمًا من الناحية الصناعية والزراعية والعلمية، فضلا عن قوتها العسكرية، وعدد سكانها الكبير (٤٥ مليون نسمة)، ومساحتها ٦٠٠ ألف كم٢، فضلا عن موقعها الاستراتيجى بالغ الأهمية، إذ تملك سواحل ممتدة على البحر الأسود «منفذ روسيا إلى المياه الدافئة»، بما فيها شبه جزيرة القرم، مقر الأسطول الروسي تاريخيًا، منذ القرن الثامن عشر والعهد القيصرى، حتى الآن.. والأمر الذى لا يقل أهمية، هو أن أوكرانيا تملك حدودًا مشتركة مع روسيا بلغ طولها ١٥٠٠ كم٢ محاذية للمنطقة المركزية من روسيا، سواء من حيث الكثافة السكانية أو التقدم الصناعى والإنتاج الزراعى.. وحيث تمتد المنطقة الحدودية بدون أى موانع جغرافية، مما يجعل من السيطرة على أوكرانيا خطرًا شديد الفداحة علي روسيا وما يمكن تسميته «بطنها الاستراتيجى الرخو» ويضاف إلى ذلك كله أن أوكرانيا هى بلد العبور «الترانزيت» لخطوط أنابيب الغاز الروسى إلى أوروبا.
وهكذا بدأ الصراع حول أوكرانيا بين روسيا من ناحية، والاتحاد الأوروبى و«الناتو» من ناحية أخرى، وهو صراع لم يكن سهلا، لأن أوكرانيا تربط روسيا بروابط اقتصادية وثيقة تاريخياً، وخاصة بسبب التكامل الاقتصادى بين البلدين على مدى عقود من الحكم السوفيتى، ومن ناحية أخرى فإن الترابط البشرى والثقافى عميق الجذور بين الشعبين يمتد إلى أكثر من ألف سنة، حيث إنهما كليهما ينتميان إلى الجنس السلافي الشرقى، وإلى كنيسة أرثوذكسية واحدة، ولديهما لغتان شديدتا التقارب، فضلا عن أن الأغلبية الساحقة من الأوكرانيين تتحدث الروسية، أو تعرفها جيدًا «كانت الروسية هى اللغة الرسمية للإمبراطورية القيصرية الروسية، ثم الاتحاد السوفيتى»، بما يعنيه ذلك كله من اندماج ثقافى عميق.. وعلاوة على ذلك كله فقد كان بين الشعبين درجة كبيرة من التداخل السكانى، حيث يشكل الروس نحو ٢٠٪ من سكان أوكرانيا، كما يعيش ملايين من الأوكرانيين فى روسيا، للعلم فإن أول دولة للسلاف الشرقيين «بأغلبيتهم الروسية» كانت عاصمتها مدينة «كييف» العاصمة الحالية لأوكرانيا، وكان اسم الدولة «كييفسكا باردس» أى «روسيا الكييفية» التي تأسست في القرن العاشر الميلادى.
< < <
وفي المقابل فإن الانهيار الاقتصادى الكبير لكل من روسيا وأوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، ونتيجة لسياسة «العلاج بالصدمة» والخصخصة المنفلتة المشوبة بفساد كبير قد خلفت أوضاعا ضاغطة بشدة، جعلت قطاعا لا يستهان به من الأوكرانيين يتطلع إلى الغرب، حيث الاتحاد الأوروبى ببلدانه المتقدمة ذات الاقتصاد المزدهر، فضلا عن التغلغل الغربى فى البلاد «وخاصة الأمريكى» وتأثيره القوى على قطاع من المثقفين، وعلي الأقليات القومية غرب البلاد «ذوى الأصول البولندية والمجرية والرومانية» التي لا يشعر أبناؤها بنفس الارتباط العميق بروسيا.
وبالرغم من ذلك كله فقد ظلت أغلبية الأوكرانيين ترفض فكرة الانضمام إلى «الناتو» رغم جاذبية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى بالنسبة لهذه الأغلبية ودون تفاصيل كثيرة لا يتسع لها المقام، فإن «أنصار أوروبا» انضموا إلى ما عُرف باسم «الثورة البرتغالية» التى تمكن مؤيدوها من الوصول إلى الحكم بزعامة «يوشينكو» المدعوم من الغرب ومن إسرائيل، إلاّ أن الفساد الواسع وسوء الإدارة وعدم كفاءتها، جعل أغلبية الأوكرانيين تعود فتنتخب رئيسا مؤيدا لروسيا «عام ٢٠١٠» هو فيكتور يانوكوفيتش، ورفض يانوكوفيتش مشروعا قدمه الاتحاد الأوروبى «٢٠١٣» لإعداد أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد، نظرًا لما كان يتضمنه المشروع من تنازلات اقتصادية كبيرة، في مقدمتها رفع الدعم الحكومى عن السلع الزراعية والغذائية، وإزالة الحواجز الجمركية أمام المنتجات الزراعية الأوروبية، مما كان من شأنه إلحاق أضرار فادحة بالاقتصاد الأوكرانى.
وإزاء هذا الرفض لجأت أجهزة المخابرات الغربية لتحريك أنصارها ضد الرئيس المنتخب «يانوكوفيتش».. بمن فيهم المنتمون إلى الأقليات القومية غربى البلاد، والأوكرانيون القوميون المتطرفون، وبعضهم يتبنى أفكارا فاشية صريحة «نازية جديدة»، وتمكن هؤلاء من الإطاحة بالرئيس بعد مظاهرات مسلحة، شارك في قيادتها شخصيات أمريكية مسئولة، منها السيناتور الراحل «جون ماكين» أحد أبرز زعماء مجلس الشيوخ الأمريكى، ونائبة وزير الخارجية «فيكتوريا نولاند» وغيرهم «فبراير ٢٠١٤».
سيطرة الاتجاه الأطلسى
وأجبر المتظاهرون المسلحون أعضاء البرلمان على اتخاذ قرارات من بينها إلغاء الاتفاقية المعقودة مع روسيا باستئجار قاعدة سيناستوبول» البحرية حتى عام ٢٠٢٤، وتقديم طلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى و«الناتو»، الأمر الذى كان من شأنه تسليم قاعدة الأسطول الروسى الرئيسية إلى «الناتو» بما يعنيه ذلك من حرمان روسيا من القاعدة، وتسليمها للولايات المتحدة وحلفائها.
علمًا بأن «القرم» هى أصلا أرض روسية، تم نقلها إلى أوكرانيا بقرار إدارى من الزعيم السوفيتى الأسبق «خروشوف» في الخمسينيات، لم يصدق عليه البرلمان الروسى.
كما اتخذ البرلمان الأوكرانى قرارا بإلغاء اللغة الروسية «كلغة رسمية ثانية» ومنع استخدامها فى المدارس ووسائل الإعلام والمصالح الحكومية فى منطقة «الدونباس»، الأمر الذى أغضب سكان المنطقة، وأغلبهم من ذوى الأصول الروسية، أو حاملى جنسية روسيا ــ وكلهم تقريبا من المتحدثين الروسية ــ وبناءً على ذلك أعلنت محافظتا «دونيتسك» و« لوجاتسك» تمردهما على السلطة الجديدة فى «كييف» واستقلالهما عنها.
وبناءً على ذلك تحركت القوات الروسية لاسترداد «القرم» ذات الأغلبية السكانية الروسية (٧٥٪) من السكان، كما أعلنت موسكو دعمها للحقوق الثقافية والقومية لسكان «الدونباس» دون أن تعترف بالجمهوريتين الجديدتين رسميًا.
ومعروف ما ترتب على ذلك من عقوبات غربية صارمة ضد روسيا، وكذلك تقدم القوات الأوكرانية لتصفية «الحركة الانفصالية» فى «الدونباس» بالقوة، وهو ما ترتب عليه نشوب حرب أهلية راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف إنسان، وتدمير المنطقة، دون أن ينجح الجيش الأوكرانى فى تحقيق أهدافه، لينتهى الأمر إلى تدخل ألمانيا وفرنسا ليتم التوصل إلى اتفاقيتى «مينسك» التي نصت على منح منطقة «الدونباس» حكمًا ذاتيًا فى إطار أوكرانيا، وتغيير الدستور الأوكرانى ليتضمن هذه الحقوق، غير أن سلطات «كييف» رفضت تنفيذ الاتفاقية، بالرغم من توقيعها عليها.
بؤرة للتوتر والنزاع
وهكذا أصبحت منطقة «الدونباس» بؤرة للتوتر والنزاع، وبدأت أمريكا ودول «الناتو» في تسليح الجيش الأوكرانى وإعادة بنائه لاجتياح المنطقة بالقوة، بغض النظر عن اتفاقيتى «مينسك» مع تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة لأوكرانيا «الاتحاد الأوروبى وحده قدم لأوكرانيا ١٧ مليار (سبعة عشر مليار) دولار من عام ٢٠١٤ حتى هذا العام» وذلك عدا المساعدات الأمريكية، كما بدأ «الناتو» فى إعلان مقاطعة مع طلب أوكرانيا الانضمام إليه، وفي إجراء مناورات مشتركة مع أوكرانيا، سواء على أراضيها، أو فى البحر الأسود.. علمًا بأن انهيار الاقتصاد الأوكرانى وتغلغل الفساد فى الإدارة ووجود تيارات قومية متطرفة، كلها أوضاع تجعل انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى مسألة بعيدة المنال لعقود من الزمان، كما أن النزاعات الحدودية بين أوكرانيا وروسيا تجعل انضمام «كييف» إلى «الناتو» متناقضًا مع ميثاق الحلف.
لكن ذلك كله لم يمنع «الناتو» من إعلان استعداده للنظر فى مسألة انضمام أوكرانيا إليه، وإمداد جيشها بكميات كبيرة من الأسلحة المتطورة، ودعم حشوده على خطوط التماس مع منطقة «الدونباس» بما فى ذلك إرسال مستشارين عسكريين أمريكيين وأوروبيين بأعداد كبيرة إلى شرق أوكرانيا لمساعدة جيشها فى اجتياح المنطقة بالرغم مما يمثل ذلك كله من استفزاز لروسيا، وتهديد لأمنها القومى كما سبق أن أوضحنا بالتفصيل، وهو ما أدى فى نهاية الأمر إلى قرار بوتين بشن العملية العسكرية التى أنزلت ضربة قاسية بالقوات المسلحة الأوكرانية، والتى يمكن أن يتسع نطاقها إلى مدى أكبر بكثير من حماية «الدونباس»، وأن يصل إلى تدمير أو شل القدرات العسكرية الأوكرانية، وإلى انتزاع مزيد من الأراضى لتأمين الحدود الروسية..
وللحديث بقية..

مصر للطيران
الأزمة الأوكرانية. الحرب.الناتو

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE