الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 09:16 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : فى قراءة للمشهد السياسى قبل ٢٠١١

الكاتب الصحفى أسامة أيوب
الكاتب الصحفى أسامة أيوب

ثورة ٢٥ يناير.. لماذا قامت ولماذا تأخرت ولماذا أخفقت؟ (٢)

سوف تظل ثورة ٢٥ يناير التى أسقطت نظام مبارك وأجبرته على الرحيل منذ أحد عشر عامًا مدعاة للتوقف أمامها بالتحليل والقراءة الموضوعية بالنظر إلى أنها لم تكن متوقعة ولم تكن ثورة جياع إذ بدأت باحتجاجات من شباب الطبقة الوسطى وحيث كانت لأسباب سياسية ديمقراطية وما يرتبط بها من حقوق الإنسان، ثم بالنظر إلى تطورها السريع وحتى تحولت من حالة ثورية إلي ثورة شعبية مكتملة الأركان.
لقد كان لاختيار الشباب الغاضب للتظاهر فى ميدان التحرير يوم ٢٥ يناير تحديدًا دلالته غير الخافية باعتبار أنه اليوم الذى يوافق الاحتفال بعيد الشرطة، حيث كان مطلبهم إقالة حبيب العادلى وزير الداخلية احتجاجًا على ممارسات الشرطة القمعية ضد المواطنين والمعارضين السياسيين بوجه عام والتى بلغت ذروتها التى فجرت غضب الشباب فى حادث مقتل الشاب خالد سعيد فى أحد أقسام الشرطة بمدينة الإسكندرية وحيث كان شعارهم كلنا خالد سعيد بعد أن جرى فبركة التحقيقات وكذلك تقرير الطب الشرعى للتستر على القاتل من أفراد الشرطة.
ولقد جاء تعامل الشرطة القمعى باستخدام العنف المفرط مع المتظاهرين والذى أسفر عن سقوط قتلى كانوا أوائل شهداء الثورة.. ليفجر الغضب ضد الشرطة والتصدى للقمع بشجاعة ثورية طوال ٤٨ ساعة.. خارت بعدها قدرات قواتها واضطرت إلى الانسحاب من الميدان ثم من كل القاهرة.
عنف قوات الأمن وقتل المتظاهرين ثم صمود الشباب هو الذى أسهم فى ارتفاع وتيرة الغضب ووتيرة الزخم الثورى حيث تحوَّل ميدان التحرير إلى أكبر ساحة اعتصام ثورى ومن ثم ارتفع سقف مطالب الشباب من إقالة وزير الداخلية إلى مطالب سياسية تتعلق بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان إلى حل مجلس الشعب المزورة انتخاباته.
<<<
ومع التطورات المتلاحقة خلال الأيام التالية بعد انسحاب الشرطة من انفلات أمنى وفوضى بعد هروب السجناء أو تهريبهم وعلى النحو الذى يشير إلى أن ثمة مؤامرة مازال الجدل مثارًا حول الجهة التي كانت وراءها بهدف نشر الرعب والفزع بين المصريين في شوارعهم وبيوتهم والذين توصلوا بعبقرية موروثة إلى تشكيل لجان شعبية لحراسة الممتلكات والمواطنين الآمنين من هجمات البلطجية.. ومع ما جرى فى ٢٨ يناير وجمعة الغضب وموقعة الجمل والتى وقعت فى سياق مؤامرة أشارت أصابع الاتهام الذى يرقى إلى الإدانة أن وراءها النظام أو الحزب الوطنى.. مع كل ما جرى فى تلك الأيام بدا مؤكدًا أن مصر تشهد ثورة حقيقية وأنها ماضية قدمًا فى الوصول إلى أهدافها وتحقيق المطالب التى ارتفع سقفها عاليا إلى إسقاط النظام ورحيل الرئيس مبارك.
<<<
ولقد جاء قرار الجيش بالنزول إلى ميادين المدينة لسد الفراغ الأمنى دون تكليف أو حتى دون انتظار تكليف رئاسى.. قرارا وطنيا استراتيجيا لحماية المواطنين والممتلكات والمنشآت العامة خاصة بعد إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوى انحياز الجيش للشعب وهو ما يعنى ضمنيًا انحيازه للثورة وحيث تعهَّد أيضا بأنه لن يطلق رصاصة واحدة ضد المصريين، وبهذا التصرف الوطنى أكد الجيش ما هو مؤكد من أنه جيش الوطن والشعب وليس جيش الحاكم، وتلك هي عقيدته الوطنية الراسخة عبر التاريخ وقبل ٢٥ يناير وبعدها وستظل دائمًا.
<<<
في أجواء تلك الحالة الثورية المتوهجة التى شهدتها مصر في تلك الأيام والتى امتد زخمها من ميدان التحرير بالقاهرة إلى العديد من المدن المصرية وحيث تزايدت حشود المعتصمين من الملايين بعد انضمام كافة أطياف الشعب على اختلافها إلى الشباب المعتصمين وفى مقدمتها النخب السياسية ونخب المثقفين والفنانين في لحمة وطنية مشهودة جمعت بين عنصرى الوطن.. المسلمين والمسيحيين.. فى تلك الأجواء الثورية كان المشهد الثورى المصرى مثار إعجاب وملهمًا للشعوب والشباب فى العالم، وحيث لاحت فى الأفق علامات النصر ونجاح الثورة.
<<<
فى المقابل كان لافتاً بوضوح أن الارتباك والتلعثم السياسى قد أصاب النظام وأركانه فى مواجهة ما كان يجرى على أرض مصر وحيث كان ارتباك الرئيس مبارك أكثر وضوحًا فى محاولاته المتكررة لتهدئة الثورة بعد أن تأكد من فشل الحل الأمنى فى قمع الثورة وأنه لا بديل إلا الحلول السياسية.
ولذا فإن الرئيس مبارك الذي داهمته الثورة على غير توقع وظل غير مستوعب لخطورة ما يجرى ثم بفعل الارتباك كانت كل خطواته وقراراته للتهدئة متأخرة عن توقيتها الصحيح، ومن ثم كانت مطالب الثوار اللاحقة والمتلاحقة تتجاوز كل تلك الخطوات والقرارات والتى كان من الممكن أن يُقدم عليها مبكرًا لو أنه أدرك حقيقة ما كان يجرى.
<<<
وفى هذا السياق من القرارات والخطوات المتأخرة لم يفلح قرار مبارك بإقالة وزارة أحمد نظيف وتعيين حكومة جديدة برئاسة أحمد شفيق «وزير الطيران فى الحكومة المقالة» بعد رفض المشير طنطاوى عرضاً من مبارك برئاستها رغم أنه نبهه إلى أنه برتبة مشير وأن أحمد شفيق برتبة فريق وأن وجوده وزيرا للدفاع يتعارض مع التراتبية العسكرية، ولقد جاء رفض المشير طنطاوى رئاسة الحكومة انطلاقا من أنه قائد عام الجيش الذى تعهد بحماية الشعب.
وفي نفس الوقت لم يفلح قرار مبارك بحل مجلس الشعب وحل المكتب السياسى للحزب السياسى والذى كان يضخم جمال مبارك وبما ينطوى عليه ذلك القرار من دلالة سياسية مهمة فى تلك الأجواء، كما لم يفتح قرار مبارك بتعيين اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة والذى يحظى باحترام وتقدير كبيرين لدى المصريين فى منصب نائب رئيس الجمهورية، مثلما لم يفلح قرار تفويضه فى مهام رئيس الجمهورية وهو ما يعنى أن مبارك قد تنحى ضمنًا عن السلطة الفعلية وأنه باق لحين انتهاء مدته بعد أشهر قليلة.
كل تلك الخطوات والقرارات التى أقدم عليها مبارك لتهدئة الثورة لتجنب السقوط المدوى والمعين ورحيله قبل نهاية مدته الرئاسية باتت غير ذى جدوى وحيث بدا مؤكدًا أن النظام وبحسب تعبير محمد حسنين هيكل قد فقد القبول والهيبة والمشروعية ومن ثم الشرعية وهو الوصف الذى كان استشرافا لأن النظام في طريقه للسقوط المؤكد.
<<<
حتى خطابه العاطفى الذى كان آخر ورقة ألقى بها مبارك فى بحر الثورة الهائج والذي أكد فيه أنه لم يكن ينتوى الترشح لدورة رئاسية جديدة «دورة سادسة» وفى محاولة أخيرة لاستجلاب التعاطف طلب إمهاله ستة أشهر حتى تنتهى ولايته فى شهر أكتوبر.. حتى هذا الخطاب العاطفي ورغم تعاطف أعداد من المعتصمين الذين غادروا الميدان تأثرًا بالخطاب إلا أن الثورة ظلت مستمرة إذ بدا مؤكدًا أن النهاية قد اقتربت.
ثم كانت النهاية بالفعل مع آخر خطاب تأخرت إذاعته حتى وقت متأخر من ليل الخميس.. ليلة الجمعة.. ليلة الرحيل، وحيث تسربت أنباء عن أن مبارك سوف يعلن تنحيه، وحيث تزود بعد الخطاب أن ثمة تعديلات جرت على الخطاب بضغط من جمال مبارك لتأجيل قرار التنحى، ولذا جاء رد فعل الثوار شديد الغضب، حيث رفعوا الأحذية فى إصرار على التنحى والتوجه فى الغد «الجمعة» إلى قصر الاتحادية.
<<<
أمام هذا التصعيد الثوري وحيث كان توجه مئات الآلاف من قصر الاتحادية ينطوى على مخاطر أمنية كبيرة على الرئيس مبارك خاصة أن الأوامر الصادرة من قيادة الجيش بعدم إطلاق الرصاص والتعامل العنيف ضد المتظاهرين كانت ستعقد الأمور، ولذا كانت نصيحة المشير طنطاوى لمبارك بالتوجه إلى خارج القاهرة.. إلى شرم الشيخ بالغة الحِكمة.
المثير هو ما تردد عن أن السيدة سوزان مبارك ظلت لفترة طويلة ترفض مغادرة القصر والسفر إلى شرم الشيخ وهو ما يعنى أنها وحتى اللحظات الأخيرة لم تكن تريد أن تصدق أن الأمر قد انتهى.
<<<
مغادرة مبارك إلى شرم الشيخ كانت تعنى أنه تأكد من أنه لا مفر من الرحيل، وأنه لم يبق سوى أن يعلن تنحيه ولذا طلب إرسال كاميرات التليفزيون إليه فى شرم الشيخ، إلا أنه نظرا لضيق الوقت وضرورة الإسراع بنزول كلمة النهاية، فإنه استجاب لاقتراح قيادة الجيش بأن يلقى نائبه «حتى هذه اللحظة» اللواء عمر سليمان بيان التنحى الصادر عنه وباسمه مع حرصه على استبدال لفظ «التنحى» بـ«التخلى» بعد ١٨ يومًا من الثورة التى أسقطته بعد ثلاثين عاما في الحكم.
هذه النهاية للرئيس مبارك كان يمكنه تفاديها حفاظا على تاريخه وما قدمه لمصر.. مقاتلا وقائدا عسكريا من قادة حرب أكتوبر ثم رئيسا وطنيا أنجز الكثير لبلاده ولشعبه لو أنه أولا: لم يبق فى الحكم بأكثر مما يجب وثانيا: لم يخطط لتوريث نجله جمال، وثالثا «وذلك هو الأهم» لو أنه انتبه إلي تزايد الاحتقان والغضب خاصة مع بداية السنوات الخمس الأخيرة بسبب استقواء الفساد واحتكار الحزب الوطنى للحياة السياسية والنيابية مضافا إلي ذلك تزايد معدلات الفقر والبطالة والتى طالت الطبقة الوسطى، وحيث كان كل ذلك يمثل إرهاصات ثورة قادمة لا محالة.
<<<
بقاء مبارك الطويل فى الحكم حتى تماهى تماما مع كرسي الرئاسة جعله لا ينتبه إلى إرهاصات الثورة والتى تبدّت فى كثير من المظاهر بداية من ثورة عمال المحلة ثم تشكيل حركة كفاية والتى ضمت شخصيات بارزة من النخب السياسية والحزبية والثقافية والطلابية والعمالية والتى سخر منها وقال إنه يمكنه تشكيل حركة «مش كفاية!»، ثم إنه لم ينتبه إلى خطورة فرض حالة الانسداد السياسى وخنق الأحزاب والتضييق على المعارضة السياسية والذى وصل إلى تزوير فاضح في آخر انتخابات لمجلس الشعب قبل أسابيع من انطلاق الثورة، والأهم أنه تجاهل أن الأحزاب الأخرى والمعارضة السياسية هى جزء من النظام المستقر وأن خنقها خطر داهم على النظام ذاته.
<<<
لكل تلك الأسباب سالفة الذِّكر وما سبقها فى مقال الأسبوع الماضى يمكن القول إن النظام كان آيلا للسقوط فى السنوات الخمس الأخيرة، ولكن لماذا تأخرت الثورة إلى آخر أشهر تلك السنوات؟
حقيقة الأمر هي أن مبارك بدهاء سياسى اكتسبه بفعل بقائه الطويل في الحكم لجأ إلى توسيع هامش الحريات نسبيا وإطلاق حرية الصحافة وحرية التعبير في كثير من المجالات حسبما جرى فى بعض الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية التليفزيونية، خاصة أنه سمح ولأول مرة منذ تأميم الصحافة في أوائل الستينيات من القرن الماضي بإصدار صحف خاصة مستقلة غير صحف الأحزاب التى سمح بها الرئيس السادات في منتصف السبعينيات، وحيث صارت تلك الصحف ساحة للرأى الآخر والمعارضة السياسية للنظام ولمبارك شخصيا.
ورغم الحرية التى مارستها الصحف الخاصة لدرجة أنها سحبت البساط من تحت الصحف القومية التى اضطرت إلى الاستئذان لممارسة حرية أكثر، ورغم حدة الانتقادات التى كانت قد حفلت بها الصحف الخاصة للنظام وسياساته وأركانه على نحو غير مسبوق منذ ستينيات القرن الماضى، إلا أن مبارك كان يغض السمع والطرف عنها في محاولة لتأكيد قوة النظام وسماحه بحرية التعبير معتبرا أنه لا ضرر ولا ضرار منها، خاصة أنه لم يكن يبدى أى اهتمام أو رد فعل إزاء تلك الانتقادات الحادة أو حتى أى تجاوب مع مطالب الإصلاح التى تصدح بها تلك الصحف والمعارضة السياسية.
صحيح أن مظاهر حرية التعبير والصحافة وانتقادات المعارضة التى بلغت ذروتها فى السنوات الأخيرة لم يكن لها أى تأثير فعلى على أرض الواقع وظلت مجرد صيحات غضب فى الهواء، حيث اعتبرها مبارك بمثابة «تنفيس» عن الغضب الكامن على غرار «حلة البخار» من شأنه منع الانفجار، وهو ما تحقق بالفعل.
<<<
وصحيح أيضًا أن توسيع هامش الحريات والسماح بحرية الصحافة والتعبير لم يُفجر الثورة، لكن عوامل وأسباب قيامها التى تجمعت وتراكمت فى لحظة واحدة هى التى فجرتها فجأة على غير توقع من النظام.
<<<
ولذا فإنه ليس صحيحا أن حرية الصحافة والتعبير هى التى فجرت الثورة فذلك الادعاء خطأ فادح، بل إن الصحيح هى أنها أجلت قيامها خمس سنوات على الأقل.
وللحديث بقية..

مصر للطيران
المشهد السياسى ٢٠١١

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE