الأموال
الأربعاء، 24 أبريل 2024 04:17 مـ
  • hdb
15 شوال 1445
24 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

أسامة أيوب يكتب : حسابات المكسب والخسارة فى العدوان الصهيونى والمقاومة الفلسطينية (2)

الأموال

حتى لا يتم اختزال القضية الفلسطينية فى إعمار غزة


مع الجهود والتحركات الدبلوماسية والسياسية.. الإقليمية والدولية الجارية لتثبيت وقف إطلاق النار الذى بدأ فجر يوم الجمعة قبل الماضى بين المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلى فإنه من الضرورى الانتباه إلى أمرين بالغى الأهمية.. الأول: إن وقف إطلاق النار يبدو ـ حتى كتابة هذه السطور يوم الثلاثاء الماضى ــ هشًا قابلا للتجدد فى أى وقت حسبما يبدو واضحا من ممارسات قوات الاحتلال الاستفزازية والقمعية ضد الفلسطينيين فى القدس وحى الشيخ جراح والمسجد الأقصى وسائر بلدان الضفة الغربية والتى امتدت إلى فلسطين الداخل الإسرائيلى (عرب ٤٨).
الأمر الآخر والأكثر أهمية هو: ماذا بعد وقف إطلاق النار حتى لا تتراجع القضية الفلسطينية إلى الوراء مرة أخرى وتستمر معاناة الشعب القاسية مع استمرار الاحتلال الصهيونى فى غيبة أفق سياسى واضح لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ٦٧ حسبما تفضى القرارات الأممية ومقررات الشرعية الدولية.
صحيح أن وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الوحشى على غزة والذى كان للتحرك المصرى المكثف والفاعل الدور الأكبر فى التوصل إليه بالتنسيق مع الولايات المتحدة وقطر.. يُعد خطوة مهمة لتقليل الخسائر الفادحة التي تعرضت لها غزة وشعبها وبنيتها التحتية جراء العدوان الوحشى، مع ملاحظة أن رشقات صواريخ المقاومة التى فاجأت جيش الاحتلال وهزّت الكيان الصهيونى من الداخل هى التى أجبرت نتنياهو على الرضوخ لجهود وقف إطلاق النار حفظًا لماء الوجه.
ثمة ملاحظة أخرى وهى أن وقف إطلاق النار الذى وُصف بالمتبادل والمتزامن قد تم دون اتفاق بين الطرفين المتحاربين حتى لا يتورط نتنياهو فى الاعتراف بحماس والمقاومة، وحتى لا تلتزم إسرائيل بتعهدات لوقف استفزازها ضد الفلسطينيين واقتحامها للمسجد الأقصى ووقف خطتها الاستيطانية خاصة فى القدس، وهو الأمر الذى يعنى غياب أى ضمانات لوقف تلك الممارسات والتى استمرت وتزايدت على نحو أوسع وأبشع رغم وقف إطلاق النار!
< < <
وإذا كانت الأولوية الآن هى إزالة آثار العدوان الاسرائيلى وإعادة إعمار غزة وإعادة بنيتها التحتية المدمرة إلى العمل فى أسرع وقت، وهو الهدف العاجل الذى بادرت مصر إلى تحقيقه انطلاقا من دورها ومسئولياتها القومية التاريخية بتخصيص (٥٠٠ مليون جنيه) إضافة إلى قوافل وشحنات الإغاثة الإنسانية الفدائية والطبية لأبناء الشعب الفلسطينى في غزة، وحيث من المقرر أن تلحق مبادرات أخرى عربية ودولية بالمبادرة المصرية.
... لكن نظرا لأن الشيطان يكمن فى التفاصيل بحسب ما تواتر فى الأدبيات السياسية، فإنه من الضرورى أيضا الانتباه إلى أن ثمة خلافات تلوح بوادرها فى الأفق بشأن الجهة الفلسطينية التى يتم من خلالها إعادة الإعمار، وهو خلاف سيحدث بين السلطة في رام الله وحماس فى غزة، ومن غير المعلوم حتى الآن وكيف يمكن تجنبه فلسطينيا، وكيف سيكون موقف الدول المانحة خاصة الولايات المتحدة وفى ضوء تصريحات الرئيس بايدن الذي قال صراحة إن إيصال المساعدات يستهدف الفلسطينيين في غزة بعيدا عن حماس.
ولذا فإنه يتعين على القيادات الفلسطينية في رام الله وغزة التوصل إلى تفاهم من شأنه إعلاء المصلحة الفلسطينية العليا وفى نفس الوقت لا ينتقص من دور حماس والفصائل الأخرى التى قادت المقاومة ببسالة وشجاعة وصمود للتصدى للاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين.. دفاعا عن المسجد الأقصى وهوية القدس العربية، وحتى لا يبدو استبعاد حماس والتي تعد رقما مهما فى المعادلة وجزءا من الحل بمثابة مشاركة لإسرائيل فى عقابها للمقاومة.
<< <
وفى انتظار ما سوف تسفر عنه التحركات الدبلوماسية والسياسية الجارية فى المنطقة والتى من بينها وأهمها زيارة وزير الخارجية الأمريكية موفدا من الرئيس بايدن إلى كل من رام الله وتل أبيب والقاهرة وعمان والتى بدأت وقت كتابة هذه السطور، فإن ما جرى خلال العدوان الصهيونى على غزة وقبله وبعده وما قامت به المقاومة من دور فارق وغير مسبوق.. يقتضى قراءة سياسية متعمقة للوقوف على ما تحقق من نتائج استراتيجية فى مسيرة الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى.
واقع الأمر لقد أسدى نتنياهو دون أن يقصد بل على عكس ما قصد أكبر خدمة للشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية، إذ إنه بعدوانه الوحشى على غزة وما سبقه من اعتداء علي المسجد الأقصى والفلسطينيين فى القدس.. قد أعاد القضية إلى بؤرة الاهتمام العالمى بل العربى والإسلامى بعد أن توارت أو كادت.
لقد أسهم نتنياهو دون أن يقصد أيضا في إيقاظ الضمير العالمى.. ضمير الشعوب بقدر ما أوقع حكومات الغرب الأوروبى والأمريكى في حرج بالغ أمام شعوبها بعد أن تبدت بكل وضوح مظلومية الشعب الفلسطينى وأرضه المحتلة والتى كشفها العدوان الوحشى الذى فجر الأبراج السكنية وهدم المنازل وخرّب البنية التحتية فى غزة.
لقد تبدّت فضيحة نتنياهو جليا عندما زعم أنه انتصر وحقق أهداف العدون بقتل عشرات الأطفال وعشرات النساء والعجائز، بينما الحقيقة الدامغة أنه انهزم عسكريا وسياسيا وإعلاميا وعجز عن كسر إرادة الفلسطينيين والمقاومة.
<<<
أما ادعاء نتنياهو بأنه عدوانه الوحشى على غزة كان ردا على صواريخ المقاومة فهو التضليل بعينه الذى دأب الكيان الصهيونى على ممارسته، ولذا فإنه من الضرورى كشف هذا التضليل أمام الرأى العام العالمى على نحو أكثر وضوحا لتوضيح أن صواريخ المقاومة كانت ردًا على الممارسات الإسرائيلية القمعية واقتحام قوات الاحتلال والمتطرفين والمستوطنين للمسجد الأقصى والاعتداء الوحشى على الفلسطينيين في القدس وتهديد سكان حى الشيخ جراح بالتهجير القسرى من منازلهم فى إطار مخططات تهويد المدينة في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وهو توضيح بالغ الأهمية للرد على الرئيس بايدن الذى قال إن من حق إسرائيل الدفاع عن أمنها، بينما أغفل حق الفلسطينيين فى الدفاع عن أرضهم المحتلة وحقوقهم المشروعة وأيضًا عن دفاعهم عن المقدسات الإسلامية وأهمها المسجد الأقصى.
<<<
ويبقى أن أهم النتائج الاستراتيجية التى أسفر عنها العدوان الصهيونى ورد المقاومة عليه هو أنه وحد الشعب الفلسطينى فى خندق واحد ضد الاحتلال سواء فى الضفة أو غزة وفى الداخل الإسرائيلى، حيث هب الفلسطينيون هبة واحدة فى وقت واحد وعلى نحو غير مسبوق احتفالا بالمقاومة ودفاعًا عن المسجد الأقصى والقدس العربية، وهو توحد ينبغى البناء عليه من جانب القيادات الفلسطينية فى رام الله وغزة لتوحيد الموقف الفلسطينى الرسمى.
ولذا فقد جاء رد فعل نتنياهو إزاء هذه الهبة الفلسطينية الموحدة عنيفًا وقمعيًا حيث واصلت قوات الاحتلال والمستوطنون الاعتداء على المصلين فى المسجد الأقصى فيما تم اعتقال العشرات فى القدس والمئات فى مدن الضفة الغربية ومن بينهم أطفال ونساء، وحيث مازال حى الشيخ جراح محاصرًا ويتم اعتقال المتضامنين مع سكانه.
الأخطر فى رد فعل نتنياهو العنيف هو الانفراد بعرب ٤٨ فى الداخل الإسرائيلى، حيث جرى الاعتداء على المتضامنين منهم مع المقاومة بوحشية واعتقال العشرات منهم، وهو الأمر الذى يعكس توجهًا انتقاميًا وعقابيًا لهؤلاء الفلسطينيين بقدر ما يمثل إرهابا وتمييزا عنصريا وانتهاكا لحقوق الإنسان لمواطنين يعيشون فى الكيان الصهيونى.
<<<
وفى سياق هذا الرد العنيف والقمعى على الهبة الفلسطينية الموحدة واستمرارا للممارسات الإسرائيلية ضد القدس والمسجد الأقصى بوجه خاص جاء قرار اعتقال الموظفين والإداريين فى المسجد بهدف إحداث فراغ إدارى تمهيدا لتوجه صهيونى بالسيطرة على إدارته رغم أنه رسميًا تحت الإدارة الهاشمية الأردنية.
إن استمرار نتنياهو فى ممارساته الاستفزازية والقمعية ضد الشعب الفلسطينى وأيضًا ضد فلسطينى ٤٨ يستوجب تدخل المنظمات الحقوقية العربية والدولية أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية وانتهاك حقوق الإنسان والتى تتشدق بها حكومات الغرب.
<<<
وفى هذا السياق أيضًا أحسب أنه يتعين على كل من جامعة الدول العربية والمجموعتين العربية والإسلامية ومجموعة عدم الانحياز فى الأمم المتحدة أن تطالب الجمعية العامة للمنظمة الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل ولاتزال ضد الشعب الفلسطينى وإصدار بيان يدين إسرائيل باعتبار أنه من المستبعد قيام مجلس الأمن بهذا الدور نظرا لـ«الفيتو» الأمريكى الدائم ضد أى قرار ضد إسرائيل، إذ من المؤسف أنه لم تصدر عن أى جهة دولية أو حتى عربية وإسلامية أى إدانة لإسرائيل، بينما اكتفى الجميع بالترحيب بوقف إطلاق النار!
<<<
يبقى أن الأهم والأكثر إلحاحًا فى الوقت الراهن وبعد أن تأكد فشل كل مسارات التسوية السياسية خلال أكثر من ثلاثة عقود في تحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية، وفى ضوء الزخم الذى تحظى به القضية حاليا.. يبقى ضرورة الطرق على الحديد وهو ساخن من خلال تحرك عربى وإسلامى وبالضغط على أمريكا وأوروبا لعقد مؤتمر دولى عاجل لإنقاذ قرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الأمر الذى يتعين استقرار وسلام المنطقة بقدر ما يضمن أيضًا الأمن لإسرائيل والقبول بها عربيًا.
<<<
هذا المؤتمر الدولى وتحت رعاية الأمم المتحدة بات مسارًا ضروريًا إذ لم يعد ممكنًا التعويل على الولايات المتحدة وحدها للتوصل إلى تسوية عادلة، حيث أكدت التجارب السابقة عبر عشرات السنين ومع كل الإدارات المتعاقبة أن واشنطن غير منصفة ومن ثم غير جادة في حل القضية، بل إنها متواطئة مع إسرائيل وضد الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.
ومع أنه من الملاحظ حدوث تغير نوعى نسبيًا فى التعاطى مع القضية الفلسطينية في سياق توجهات بايدن وإدارته نحو حل صراعات الشرق الأوسط، إلا أنه يبقى التوجس قائمًا خاصة فى ضوء الموقف المائع خلال العدوان علي غزة رغم ما تسرب من أنه كان يقول فى الكواليس على العكس مما يقوله فى العلن.
< < <
خلاصة القول هى أنه يتعين استثمار هذا الزخم الذى تحظى به القضية الفلسطينية حاليًا في التحرك السياسى العربى للتوصل إلى حل عاجل وعادل ينهى الاحتلال الإسرائيلى ويُسفر عن إقامة الدولة الفلسطينية حتى لا يتم اختزال القضية فى وقف إطلاق النار وإعمار غزة فقط وتبقى القضية تراوح مكانها وإلى أجل غير مسمى.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE