الأموال
الجمعة، 26 أبريل 2024 04:52 مـ
  • hdb
17 شوال 1445
26 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : «المشاورات الاستكشافية» المصرية - التركية وشروط نجاحها (1)

الأموال


د. محمد فراج أبو النور

«المشاورات الاستكشافية» التى شهدتها القاهرة بين وفد مصرى برئاسة السفير حمدى سند لوزا نائب وزير الخارجية، وآخر تركى برئاسة نائب وزير الخارجية التركية السفير سادات أونال (5 - 6 مايو الجارى).. «تركزت على الخطوات الضرورية التى قد تؤدى إلى تطبيع العلاقات بين البلدين على المستوى الثنائى وعلى الصعيد الإقليمى» حسب التصريحات الرسمية التى نقلتها كل من جريدتى «الأهرام» و«المصرى اليوم» (الخميس 6 مايو 2021).
ويلفت النظر هنا تلك الصياغات الحذرة التى تشير إلى الموقف المصرى الواقعى الذى يأخذ فى اعتباره جدية وحساسية موضوعات المحادثات أو (المشاورات الاستكشافية) دون أن يعنى ذلك بحال من الأحوال الامتناع عن التجاوب مع أى بادرة إيجابية من الطرف الآخر، ولكن على أساس الموقف الذى أعلنه وزير الخارجية المصرى سامح شكرى أكثر من مرة لقوله : «نريد أفعالاً لا أقوال».. وهو موقف لا يستطيع سياسى جاد أو إنسان عاقل أن يجادل فيه.
وبتعبير آخر فإن مصر لم تكن، بأى شكل من الأشكال، الطرف البادئ باتخاذ خطوات من شأنها الإساءة إلى تركيا أو أمنها القومى، أو إنكار شرعية النظام الذى ارتضا شعبها.. أو خلق أوضاع إقليمية تمثل تهديداً لها.. بل على العكس تماماً اتسم الموقف المصرى تجاه تركيا بقدر كبير من الاتزان وضبط النفس يمثل سمة عامة للسياسة الخارجية المصرية.
وعلى الصعيد الاقتصادى مثلاً فإنه على الرغم من التوتر الشديد الذى شهدته العلاقات السياسية ظلت مصر حريصة على الالتزام باتفاقية التجارة الحرة بين البلدين (المبرمة عامة 2005.. والنافذة منذ مارس 2007) وشهدت العلاقات التجارية بين البلدين نمواً مضطرداً بغض النظر عن توتر العلاقات السياسية.. وزاد حجم التبادل التجارى بين مصر وتركيا على نمو لافت للنظر فقد زادت الصادرات المصرية إلى تركيا من (1،9 مليار $ - عام 2017) إلى (2،2 مليار $ عام 2018) وزادت الواردات المصرية من تركيا (من 2،3 مليار $ عام 2017 إلى 3 مليارات $ عام 1018)..
وبلغ التبادل التجارى خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2019 إلى (4،6 مليار $) أى ما يعادل التبادل التجارى عام 2018 بصادرات المصرية قدرها (1،273 مليار $) وصادرات تركيا لمصر إلى (3،327 مليار $) وذلك حسب بيانات هيئة الرقابة على الصادرات والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (موقع الحرة الأمريكى - 24 يناير 2020).. علما بأن السنوات المشار إليها كانت ذروة احتدام التوتر فى العلاقات بين البلدين.. ويوضح هذا أن مصر كانت حريصة دائماً على عدم الانسياق إلى مواقف الإساءة وعلى الحفاظ على العلاقات التى تحقق المصالح المتبادلة للشعبين، بغض النظر عن سلوك الطرف الآخر.
تصحيح المسار
وبديهى أن استجابة مصر للدعوات التركية لتهدئة التوتر فى العلاقات بين البلدين، كان لابد أن ترتبط بإدانة عناصر الإساءة إلى بلادنا وأمنها القومى، وفى مقدمتها الاعتراف الواضح تماما بشرعية النظام الذى يرتضيه الشعب المصرى، وتعترف به جميع دول العالم بلا استثناء ووقف أبواق «الإخوان المسلمين» المتمثلة فى القنوات والصحف المنخرطة فى حرب التضليل والافتراءات.. وبالطبع رفع الحماية عن العناصر الإرهابية التى تلطخت أيديها بدماء المصريين، أو المنخرطة فى دعم الأنشطة الإرهابية، ولاسيما العناصر الصادر ضدها أحكام قضائية.
وقد تحقق قدر لا بأس به من التقدم فى إسكات أبواق التضليل والافتراء.. وأشارت التقارير إلى أن السلطات التركية طلبت من عديد من العناصر «الإخوانية» النشيطة مغادرة تركيا إلى بلدان أخرى كماليزيا أو غيرها.. كما توقفت عن منح جوازات سفر تركيا للعديد من هذه العناصر، لتعيد بحث ملفاتها الأمنية.. لكن امتناع السلطات التركية عن تسليم العناصر الإرهابية الصادر ضدها أحكام، أو المطلوبة أمنياً وقضائياً، يظل موقفاً لا تستطيع مصر أن تقبل به مطلقاً، تحت أى ذريعة.. وبديهى أن الحديث عن إضفاء صفة «اللاجئين السياسيين» على مثل هذه العناصر هو أمر لايمكن القبول به.. وسيظل أثره سلبياً ومعاكساً للتقدم فى تحقيق عناصر «بناء الثقة» بين الطرفين تمهيداً للتقدم فى عملية تطبيع العلاقات.
قضايا ترسيم الحدود البحرية
معروف أن تركيا لديها خلافات عميقة مع كل من اليونان وقبرص فيما يتصل بترسيم الحدود البحرية وتحديد المياه الإقليمية والاقتصادية، وأنها لا تعترف ببعض القوانين الدولية المنظمة لهذه القضايا.. وقد قامت أنقرة بأنشطة من جانب واحد خلال الأعوام الأخيرة أثارت توتراً شديداً فى علاقاتها ليس باليونان وقبرص وحدهما، ولكن أيضاً بالاتحاد الأوروبى، الذى تنتمى إليه الدولتان، مما دفع الاتحاد الأوروبى لبحث فرض عقوبات على تركيا بسبب أنشطتها الأحادية للتنقيب عن الغاز فى شرق البحر المتوسط.
ومعروف أىضاً أن مصر قد عقدت اتفاقيات لترسيم الحدود مع كل من قبرص واليونان تعتبرها أنقرة ماسة بحقوقها ومصالحها.. كما قامت تركيا بعقد اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع حكومة «الوفاق» الليبية، التى لم تكن تتمتع بالشرعية الضرورية لعقد مثل هذا الاتفاق من ناحية.. فضلاً عن أن هذا الاتفاق - من ناحية أخرى - يتعلق بمناطق تابعة للمياه الإقليمية أو الاقتصادية لدول أخرى (وخاصة قبرص واليونان) حيث أن تركيا تقع على الساحل الشمالى للبحر المتوسط بينما تقع ليبيا على ساحل الجنوى.. وهو ما كان يوجب إجراء مفاوضات جماعية لترسيم الحدود البحرية.
ومن ناحية أخرى فإن إقامة منظمة «غاز شرق المتوسط» بين عدد من الدول فى مقدمتها مصر واليونان وقبرص، فضلاً عن إسرائيل والإمارات العربية.. هذه الخطوة خلقت وضعاً يستبعد تركيا، التى استبعدت نفسها أصلاً.. وبديهى أنها حين تطلب من مصر الآن الدخول فى اتفاقت ترضى مطالبها.. فإن مصر لا تستطيع أن تقبل بأوضاع تتعلق بمراجعة حقوق ومصالح دول أخرى بمقتضى اتفاقات دولية نافذة.. وبالتالى يتعين على تركيا أن تدخل فى مفاوضات مع هذه الدول الأخرى - ومعها مصر - على أساس قوانين البحار الدولية، والاعتراف بسيادة الدول المعنية.. وهى مسألة معقدة، ومن المؤكد أنها ستحتاج إلى مفاوضات طويلة، وإلى تغيير للموقف التركى تجاه قوانين دولية نافذة، وأوضاع سيادة لدول مثل قبرص، ومراجعة لاتفاقات دولية مثل اتفاقية لوزان مع اليونان وعدد من الدول الأوروبية، وكلها أمور يمكن أن تشارك مصر بفعالية فى جهود معالجتها، باعتبارها دولة رئيسية في شرق المتوسط، وترتبط بعلاقات جيدة مع معظم أو كل الأطراف.. لكنها لا تستطيع أن تتخذ موقفاً نيابة عن أحد..م فالأمر هنا يتعلق بتغيير الموقف التركى تجاه قضايا عديدة، وتخفيف التوتر فى علاقات أنقرة مع عدد من العواصم الأوروبية والمتوسطية، وإلا فإن الاستقطاب سيظل قائماً فى المنطقة، ومن شأن هذا أن تكون له انعكاساته على العلاقات المصرية التركية بشكل أو بآخر، بفرض التوصل إلى حل لجميع قضايا العلاقات الثنائية المباشرة.
محكات عربية
إلا أن القضايا العالقة بين القاهرة وأنقرة فيما يتصل بالدور التركى فى ليبيا بالذات والذى يتعلق بصورة عضوية بقضايا الأمن القومى المصرى.. وكذلك الدور التركى فى كل من سوريا والعراق وفلسطين.. تظل كلها قضايا ذات تأثير مباشر على الأمن القومى المصرى.. ويحتاج الدور التركى فيها إلى مناقشة واسعة، لابد لها من تناول موسع فى مقال قادم.
وللحديث بقية

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE