الأموال
الجمعة، 19 أبريل 2024 02:17 مـ
  • hdb
10 شوال 1445
19 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د. محمد فراج يكتب .. السلطة الانتقالية الليبية.. والأمن القومى المصرى (٢-٢)

الأموال

إضعاف الجيش الوطنى الليبى.. خطيئة استراتيجية لا يجب السماح بها

ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال (الأموال ـ ٤ أبريل ٢٠٢١) أن خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية نحو إقامة مؤسسات دائمة للسلطة فى ليبيا، تتضمن عدداً كبيراً من المهام الواجب إنجازها بصورة متزامنة، وصولا إلي إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى ٢٤ ديسمبر ٢٠٢١ الذى يوافق الذكرى السبعين لإعلان استقلال البلاد.. وأن فى مقدمة هذه المهام إخراج قوات المرتزقة الأجانب، وحل الميليشيات الإرهابية والقبلية والمناطقية طبقًا لاتفاق جنيف (٢٣ أكتوبر ٢٠٢٠).. وهى المهمة التى لا يمكن بدونها الحديث عن استقرار أمنى ولا إجراء انتخابات فى ظروف طبيعية تضمن نزاهتها، ولا الحديث عن ظروف طبيعية للحياة في البلاد، وخاصة فى المناطق الغربية حيث تتمركز قوات المرتزقة «السوريين» الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا (٢٠ ألف مقاتل إرهابى يمثلون جيشًا بأكمله).. كما تتمركز الميليشيات الإرهابية من «الإخوان» و«داعش» و«النصرة» والميليشيات القبلية والمناطقية المتناحرة فيما بينها من أجل السلطة والمغانم.. وهى القوات التى كانت تعتمد عليها حكومة «الوفاق» بصورة أساسية، والتى تملك تركيا النفوذ الأيديولوجى والمادى الأكبر عليها.. وقد كان مقررًا أن يتم إخراج المرتزقة وحل الميليشيات خلال ٣ أشهر طبقا لاتفاق جنيف.. لكن هذا لم يحدث.

ثم جاءت التفاهمات الدولية والإقليمية التى أدت لتشكيل السلطة الانتقالية الجديدة بجناحيها (المجلس الرئاسى، وحكومة الوحدة الوطنية) لتؤكد ليس ضرورة خروج المرتزقة الإرهابيين (السوريين) وحل الميليشيات فحسب، بل وأيضا خروج القوات الأجنبية من البلاد، وفى مقدمتها القوات التركية التي دخلت ليبيا بصورة غير شرعية (بناء على اتفاق مع حكومة السراج) وحصلت على قواعد بحرية وجوية تمثل إخلالا بموازين القوى الاستراتيجية فى شرق البحر المتوسط.. وقد أصبح خروج هذه القوات مطلبًا مشتركا لكل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، والقوى الإقليمية وفي مقدمتها مصر.. وهو مطلب يتكرر يوميا فى كل حديث للمسئولين من هذه الدول.. كما تقدم السيد محمد المنفى (رئيس المجلس الرئاسى الليبى) بطلب رسمى إلى تركيا بخروج المرتزقة والقوات النظامية الليبية، بما فيها الخبراء (راجع مقالنا السابق).

المراوغة التركية

غير أن ما حدث فعلا هو أن تركيا سحبت دفعتين أو ثلاثا من المرتزقة «السوريين» ثم توقفت عن إخراج بقيتهم.. كما تلزم أنقرة الصمت تماما بخصوص إخراج قواتها من ليبيا، برغم المطالبة الدولية والإقليمية اليومية، بل وتشير التقارير إلى أن الخبراء الأتراك لايزالون يقومون بتنفيذ برامج تدريب لقوات الحكومة السابقة ــ «الوفاق» ــ على أسلحة متقدمة حتى الآن (المصرى اليوم ـ ٣ أبريل ٢٠٢١) الأمر الذى يتناقض بصورة صارخة مع التفاهمات الدولية المشار إليها، ومع الموقف الرسمى المعلن للسلطة الانتقالية الجديدة، كما عبَّر عنه خطاب (المنفى) إلى أردوغان!!

ومن ناحية أخرى فإن الميليشيات الإرهابية والقبلية والمناطقية الموجودة فى الغرب الليبى لا تبدى استعدادا لحل نفسها وتسليم أسلحتها.. بل شهدت الفترة الماضية عددا من الاشتباكات بين بعض هذه الميليشيات، الأمر الذى يبدو متناقضا بصورة صارخة مع مسار الأمور فى البلاد.. علما بأنه قد تم خلال حكم «الوفاق» ــ وخاصة خلال الشهور الأخيرة منه ــ تعيين عدد من قادة هذه الميليشيات فى مناصب قيادية فى التشكيلات العسكرية والأمنية لحكومة السراج!! وإدخال عديد من العناصر الميليشياوية فى عضوية التشكيلات العسكرية والأمنية التى تتصف بقدر كبير من عدم المهنية وعدم الانضباط، فى عملية خلط خطير للأوراق، تحسبا لتنفيذ استحقاقات (اتفاق جنيف).. ولقطع الطريق على تنفيذ الاتفاق.. والنتيجة هى أن هذه التشكيلات المتداخلة والمتصارعة، أصبحت تمثل قنبلة موقوتة يحتاج الاقتراب منها إلى حذر شديد.. ويزيد من تعقيد الموقف أن تركيا ــ التى تملك مفاتيح الاقتراب من هذه الميليشات ــ لا تبدى استعدادًا للتعاون.. فضلا عن أنها توقفت عن إجلاء قوات المرتزقة «السوريين» الذين جلبتهم إلى ليبيا!!

المفارقة الساخرة أن قوات هذه الميليشيات تمثل القوام الأساسى للقوة العسكرية فى الغرب.. وهي أكبر بكثير من القوة النظامية قليلة العدد، التى تمثل «الجيش الليبى».. أو جيش طرابلس.

وبقية المفارقة الساخرة أن تركيا وقيادات الميليشيات المذكورة يعتبرون أن قوات «الجيش الوطنى الليبى» بقيادة المشير حفتر، هى قوات ميليشيات مثلهم!! ويريدون أن يربطوا حل أنفسهم وتسليم أسلحتهم بحل «الجيش الوطنى»!! بل ويمضون بعيدًا فى الابتزاز إلى حد المطالبة بمحاكمة حفتر كـ«مجرم حرب»!!

المقارنة المستحيلة

وواضح طبعًا أنه لا الأمم المتحدة ولا الدول الكبرى ولا القوي الإقليمية توافق على هذا الهراء.. فالجميع يعرف أن «الجيش الوطنى الليبى» قوة محترفة منضبطة تخضع لقيادة موحدة، وتسيطر على الجزء الأكبر من الأراضى الليبية «الشرق والجنوب ومنطقة الهلال النفطى».. ولدى قيادته علاقات طويلة مع دول كبرى كـ(روسيا وفرنسا) وقوى إقليمية مثل «مصر والسعودية والإمارات» وهى علاقات تكونت في مجرى صراع قوات «الجيش الوطنى الليبى» ضد الإرهاب الذى كان يسيطر على المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد، وهزيمة الجيش الوطنى للتجمعات والتمركزات الإرهابية، ومنها مثلا ما يسمى بـ«إمارة درنة» شرقى البلاد، التى كانت مركزا لشن الهجمات الإرهابية ضد مصر، وتهريب السلاح والبضائع عبر الحدود.

>> كما قام الجيش الوطنى الليبى بدور كبير فى إغلاق حدود ليبيا الجنوبية أمام الهجرة غير الشرعية، وتطهير الجنوب الليبى من العصابات الإرهابية التى كانت تقوم بتهريب السلاح والإرهابيين إلى دول الصحراء الافريقية الكبرى «تشاد ومالى والنيجر» وتسهيل الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا إلى أوروبا عن طريق القوارب وتسريب الإرهابيين وسط المهاجرين.

>> كما كان الجيش الوطنى الليبى يمارس دوره هذا بالتنسيق مع البرلمان الشرعى المنتخب شرقى البلاد.. علما بأن نواة ضباط وجنود هذا الجيش كلهم من العسكريين السابقين النظاميين والمحترفين فى صفوف الجيش الليبى فى عهد القذافى، الذى فقد قيادته ووحدته نتيجة للعدوان الأطلسى على البلاد عام ٢٠١١.

>> وهذه الاعتبارات كلها جعلت الأمم المتحدة تتعامل مع «الجيش الوطنى الليبى» طوال الأعوام الماضية كأحد الطرفين الرئيسيين المعترف بهما للصراع، إلى جانب حكومة الوفاق التي كان يطلق عليها «المعترف بها دوليا» نتيجة لاتفاق الصخيرات.. والجيش الوطنى هو الطرف الثانى الذى وقَّعَ على «اتفاق جنيف» ــ ٢٣ أكتوبر ٢٠٢٠ مع حكومة الوفاق ــ الذى وضع أساس خارطة الطريق.

الجيش والميليشات.. فروق حاسمة

وباختصار فإنه لا مجال للمقارنة بين «الجيش الوطنى الليبى» وبين شراذم الميليشيات الإرهابية والمتطرفة والقبائلية.. وحينما يجرى الحديث عن توحيد المؤسسة العسكرية فإن هذا الجيش هو الذى يمثِّل أساس القوات المسلحة الليبية، مع الضباط وضباط الصف المحترفين القليلين فى «الجيش» الغربى.. وهو الكيان القادر على مواجهة الإرهاب والفوضى، بحكم تكوينه العسكرى المحترف والمنضبط، وبحكم «عقيدته العسكرية أو القتالية» الوطنية التى تختلف جذريا عن «العقائد» أو التركيبات المذهبية المتطرفة «الإرهابية».. أو الموالية للأجنبى المحتل «التركى» أو ذات الطابع القبلى أو المناطقى.. وكلها اتجاهات عقائدية أو مذهبية يمكن أن تستند إليها ميليشيات، لكنها لا يمكن أن تمثل «عقيدة عسكرية» لقوات مسلحة تستند إليها «دولة».. وتدافع عن «وطن».

فراغ القوة.. خطر هائل

لذلك كله فإن أى تفكيك أو إضعاف للجيش الوطنى الليبى تحت دعوى التكافؤ مع حل الميليشيات «الغربية» سيكون خطيئة استراتيجية كبرى، لأنه سينتج عنه «فراغ هائل للقوة» في منطقة تزيد مساحتها على مليون كم٢ في شرق ووسط وجنوب ليبيا.. الأمر الذى يعنى إفساح المجال واسعا للإرهاب والفوضى والهجرة غير الشرعية فى هذه المنطقة الشاسعة الممتدة من خليج سرت على البحر المتوسط إلى قلب الصحراء الإفريقية، والممتدة شرقا إلى الحدود المصرية.. بما يعنيه ذلك من خطر عودة الإرهاب إلى حدود مصر الغربية وترك مليونى برميل يوميا من النفط فى قبضة الإرهاب والفوضى وإهدار دماء غزيرة غالية سالت لتحرير هذه المنطقة من العصابات الإرهابية خلال الأعوام الماضية.

والحقيقة أن الدعوات لتفكيك أو إضعاف الجيش الوطنى الليبى لا يمكن أن تصدر إلا عن سوء نية شديد تجاه الأمن القومى الليبى (والمصرى) أو عن جهل استراتيجى لا يغتفر.

ويتعين على الدول الكبرى والقوى الإقليمية (وفى مقدمتها مصر) مواصلة الضغط بكافة السبل على تركيا من أجل الانسحاب غير المشروط من ليبيا وتفكيك قواعدها فيها (وفقا لمقررات مؤتمر برلين فى يناير ٢٠٢٠) وإخراج المرتزقة الإرهابيين (السوريين/ ٢٠ ألف مقاتل) ووقف كل أشكال دعمها للميليشيات الإرهابية والقبلية والمناطقية في طرابلس ومصراتة والزنتان وغيرها، وبالأخص الميليشيات الإرهابية وهى معروفة ومصنفة دوليا ومحليا.

كما يتعين على المجلس الرئاسى وحكومة الديبة تنفيذ وعدهما بوقف وضع أى رواتب للميليشيات السورية (وغير السورية) فورا ورفع غطاء الشرعية عن أى كيانات ميليشياوية وعدم الوقوع فى خطأ الاعتماد عسكريا على أى ميليشيا، لما يحمله ذلك من مخاطر الوقوع فى قبضة تلك الميليشيات، كما حدث مع حكومة السراج.. لأنه فى هذه الحالة لن يمكن الحديث عن أمن أو استقرار أو انتخابات أو تنفيذ لخارطة الطريق.

ويجب أن يكون الحديث فى مثل هذه القضايا بصراحة، وهو الأمر الذى يسهله إلى حد كبير، تركيز المسئولين الغربيين الكبار على القضايا المذكورة بصورة يومية فى وسائل الإعلام المختلفة.. نعم.. يجب قطع الطريق على كل المراوغات ومحاولات الالتفاف التركية والإخوانية فى ليبيا.. وإلاّ فلن يتم تنفيذ خارطة الطريق وستهدر فرصة تاريخية كبرى من الإجرام إهدارها.. ويجب الاستفادة من الموقف الدولي الواضح ضد الأطماع التركية فى ليبيا.

وأما بخصوص قوات «فاجنر» الروسية التى يستعين بها الجيش الوطنى الليبى لحماية حقوق البترول (٢٥٠٠ عنصر) فسيكون من الطبيعى الاستغناء عنها وإخراجها فى حالة خروج القوات التركية النظامية والمرتزقة المرتبطة بها، وحل الميليشيات الإرهابية المصنفة دوليا ومحليا.

حمى الله مصر وليبيا من كل سوء..

مصر للطيران
بنك الاسكان
NBE