الأموال
السبت، 27 أبريل 2024 03:04 صـ
  • hdb
18 شوال 1445
27 أبريل 2024
بنك القاهرة
CIB
الأموال

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرماجد علي

كُتاب الأموال

د.محمد فراج يكتب : بايدن وبوتين .. وما وراء الشتائم..

الأموال


لسنا بحاجة إلى البرهنة على أن الكلمات الخشنة التى وجهها الرئيس الأمريكى بايدن إلى نظيره الروسى بوتين (من قبيل وصفه بأنه «قاتل» وتهديده بأنه «سيدفع ثمن تصرفاته».. إلخ) هى خروج عن المألوف فى لغة التخاطب بين رؤساء الدول، وخاصة الدول الكبرى.. فهذا ما أكدته
أغلب وسائل الإعلام العالمية، بما فيها وسائل الإعلام الغربية والأمريكية.
لم يتأخر الروس فى الرد بالطبع.. وقد استدعت موسكو سفيرها فى واشنطن للتشاور.. وتبارى الساسة والإعلاميون الروس فى توجيه الانتقادات الحادة إلى بايدن، وتلقينه الدروس حول آداب الخطاب الواجب اتباعها فى الحديث مع رؤساء الدول عموماً، وزعيم الكرملين خصوصاً.. وخرج بوتين - المعروف بهدوئه وانضباطه - ليرد على بايدن بكلمات مثل «كل إناء ينضح بما فيه».
«ربنا يعطيك الصحة» ولكن بصيغة يمكن أن تحمل فى العامية الروسية معنى (ربنا يشفيك)!! وتحمل تهكماً واضحاً..
وما يعنينا فى هذه الواقعة بالطبع، ليس ذلك السجال بين رئيسين، حتى لو كانا رئيسى أكبر دولتين نوويتين فى العالم.. وإنما ما تشير إليه الواقعة من احتقان وتوتر فى العلاقات بين موسكو وواشنطن وما يمكن أن يكون له من انعكاسات على العلاقات الدولية، وعلى منطقتنا وقضاياها..
ويلفت النظر أن بايدن فور توليه السلطة وافق على تمديد العمل باتفاقية خفض الأسلحة الاستراتيجية الهجومية (ستارت - 3) بناء على اقتراح من روسيا.. وهى خطوة قوبلت بارتياح من جانب السياسيين والمراقبين، خاصة وأن التوتر فى العلاقات بين البلدين لم يكن قد أتاح فرصة للتفاوض حول شروط تجديد الاتفاقية.. بينما انتهى أجل اتفاقية (السماوات المفتوحة) - وهى اتفاقية للرقابة المتبادلة على الالتزام بشروط خفض التسلح - دون أن تحددها إدارة ترامب، أو تبدى إدارة بايدن اهتماماً بتجديدها.
جاءت إدارة بايدن وهى ترفع شعارات «استعادة القوة الأمريكية»، و«القيادة الأمريكية للعالم» التى اتهمت إدارة ترامب بإضاعتها بسبب سوء إدارتها للسياسة الخارجية، وفى القلب من ذلك ضرورة استعادة العلاقات المتميزة مع الاتحاد الأوروبى، تلك العلاقات التى ألحق بها ترامب أضراراً كبيرة فعلاً، بسبب موقفه ضيق الأفق من مسألة الإنفاق العسكرى وشروط التجارة، الأمر الذى أضعف حلف «الناتو».. للدرجة التى جعلت الرئيس الفرنسى يقول إنه : «مات إكلينيكيا»!! أما استعادة العافية والفاعلية «للناتو» فأهم أهدافها هو تنشيط المعركة من استكمال حصار روسيا وعزلها وإضعافها استراتيجيا، لتحييد الدور الذى تلعبه فى مناوأة محاولات فرض الهيمنة الأمريكية على العالم.. ومن ثم إضعاف التحالف الروسى - الصينى الذى أصبح شوكة حقيقية فى حلق الولايات المتحدة والغرب.
لكن الحديث عن مواجهة التحدى الصينى كاتجاه رئيسى فى السياسة الخارجية الأمريكية موضوع يحتاج إلى تناول مستقل.. ونحن نريد التركيز على العلاقات الأمريكية - الروسية التى يعتبر الديمقراطيون أن ترامب أبدى تساهلاً كبيراً فى التعامل معها.. وأضعف الهجوم «الأطلسى» على روسيا بإساءته للعلاقات مع الاتحاد الأوروبى.
وهكذا فإنه بمجرد فوز بايدن بالرئاسة عاد الحديث عن ضرورة استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم.. واستعادة السيطرة على الأقاليم الشرقية (منطقة الدونياس) ذات الأغلبية الناطقة بالروسية، والمجاورة لحدود روسيا.. وتشهد المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة حشوداً أوكرانية كبيرة تمهيداً لشن هجوم على (الدونياس) يعرف كل مبتدئ فى دراسة العلوم السياسية أن روسيا لن تقف مكتوفة اليدين أمامه .. وبالتالى فإن شرارة حرب يمكن أن تندلع من هذه المنطقة بسبب تشجيع أمريكا للزعماء الأوكرانيين على مهاجمة المنطقة.
أما بالنسبة للقرم فقد كان ترامب نفسه قد صرح بأن «الجميع هناك يتحدثون بالروسية.. إذن فهى منطقة روسية».. وبديهى أن هذا ليس موقفاً رسمياً للولايات المتحدة، بدليل العقوبات المفروضة ضد روسيا بسبب استعادتها للقرم (عام 2014) وبدليل عشرات القرارات والعقوبات الأمريكية والأوروبية ضد روسيا بسبب استعادتها لشبه الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة فى قلب البحر الأسود.. لكن زخم «المعركة من أجل القرم» كان قد شهد هدوءاً عاماً خلال حكم ترامب جاء بايدن ليشعله مجدداً.
أوروبا والغاز الروسى
صادرات الغاز الروسى التى تعتمد عليها أوروبا بنسبة تزيد على ثلث احتياجاتها موضوع آخر يثير حفيظة الإدارة الأمريكية، لدرجة فرض عقوبات على شركات ألمانية وأوروبية تشارك فى بناء خط (الشيل الشمالى - 2) بين روسيا وألمانيا.. وترفض ألمانيا - بدعم أوروبى واسع - الضغوط الأمريكية لوقف خط الغاز الجديد، واستيراد الغاز الأمريكى المسال بدلاً من الغاز الروسى.. لأن تكلفة الغاز الأمريكى أكبر بكثير من تكلفة نظيره الروسى.. الأرخص، والأقرب، والذى لايحتاج إلى تسييل وشحن ثم إعادة إلى الحالة الغازية.. إلخ وقد أوشك الخط على الانتهاء فعلاً (السيل الشمالى -2) بالرغم من ضغوط إدارة ترامب.. ثم إدارة بايدن.
الشرق الأوسط بين موسكو وواشنطن
الدور الروسى فى سوريا، والذى قلب موازين القوى العسكرية، وساعد الشعب السورى على هزيمة الهجوم الإرهابى الدولى واسع النطاق، المدعوم أمريكياً وغربياً وإقليمياً.. هذا الدور الذى كان له السهم الأوفر فى حماية النظام الشرعى من السقوط ثم فى سيطرته حالياً على أكثر من ثلثى أراضى البلاد.. أو آخر لا تفتقره إدارة بايدن لروسيا.. والحقيقة أن التدخل العسكرى الروسى فى سوريا - بناء على طلب حكومتها - كان مقدمة لنفوذ روسى أوسع فى الشرق الأوسط بأسره.. وعزز الدور الذى تقوم به موسكو فى منطقة الخليج وشمال إفريقيا، منذ عودتها إلى ممارسة دورها فى العلاقات الدولية فى عهد بوتين، بعد سنوات طويلة من الانكفاء.. والآن تسعى واشنطن إلى مراجعة نتائج الحرب السورية وتريد الإطاحة بالرئيس الأسد، بعد أن كان ترامب قد اعترف به كأمر واقع (!!) ولاحظ أن إرادة الشعب السورى لا تعنى شيئاً لواشنطن فى الحالتين.. لكن الإطاحة بالرئيس الشرعى السورى تبدو مستحيلة فى ظل الدعم الروسى لسوريا.
كذلك يبدو الوجود الروسى فى شرق البحر المتوسط وصولاً إلى دعم قوات حفتر بالسلاح، وبمقاتلى شركة «جافنر».. وما أدى إليه ذلك من إفشال المخطط التركى للسيطرة على ليبيا - يبدو كل ذلك غير مقبول إطلاقاً بالنسبة لإدارة بايدن.
العلاقات المتوازنة بين موسكو وكل من إيران ودول الخليج، والتى لعبت دوراً مهماً فى التوصل لإنفاق (أوبك بلاس / أوبك +) بالتعاون بين موسكو ودول «أوبك».. وكان لها أثرها الحاسم فى منع انهيار أسعار النفط.. هذه العلاقات ساهمت هى الأخرى فى تعزيز نفوذ موسكو الدولى وإضعاف هيمنة الدول الغربية على أسواق النفط.. وبديهى أن هذا لا يروق لواشنطن.
كورونا.. و «حرب اللقاحات»
جائحة كورونا التى ضربت العالم منذ العام الماضى كانت هى الأخرى سبباً للتوتر الأمريكى - الروسى.. فحينما ضرب الوباء إيطاليا بشدة فى بداية انتشاره ، تقدمت روسيا للمساعدة، وأرسلت أدوية ومستلزمات طبية وفرقاً من الأطباء والممرضين.. وهى مساعدات اعتبرتها أمريكا والدول الغربية ذات أهداف سياسية ونحن لا نعتبر السياسيين الروس من جنس الملائكة بالطبع.. لكن ذلك لا ينفى السؤال:
لماذا لم تتقدم أمريكا بهذه المساعدة التى كان الشعب الإيطالى فى مسيس الحاجة إليها؟!
وهذه الأيام تدور معركة عالمية واسعة النطاق يمكن أن نطلق عليها «حرب اللقاحات».. حيث لا تريد أمريكا وبريطانيا بصفة أساسية أن تستعين الدول الأوروبية باللقاحين الصينى (سينوفارم) والروسى (سبوتنيك - V).. بالرغم من أنه لا يوجد ما يكفى من اللقاحات الأمريكية.. وأن هناك شكوكاً حول اللقاح البريطانى (أسترازينيكا) بأنه يتسبب فى جلطات لمتلقيه، مما دفع دولاً أوروبية عديدة لمنعه.. وفضلاً عن ذلك فإن الإنتاج لا يكفى.
وفى ظل هذه الظروف العصيبة، حيث ينبغى أن تكون حياة الناس هى الهم الأول للجميع، تجد واشنطن توجه التحذيرات للدول الأوروبية التى قررت استخدام اللقاح الروسى، وتشن ضده حرباً ضارية، بالرغم من أن مجلة علمية طبية رصينة مثل «لانسيت» البريطانية قد أكدت صلاحية اللقاح من خلال بحث علمى مفصل!! وبالرغم من أن منظمة الصحة العالمية توصى باستخدامه، ومن أن أكثر من (50 دولة) قد بدأت فى استخدامه فعلاً!! فهل أفضل للناس أن يموتوا من أن يستخدموا عقاراً روسياً؟؟!!
مصلحتنا .. تعدد الأقطاب
مفهوم طبعاً أن الصراع بين القوى العظمى من أجل النفوذ والسيطرة على موارد وثروات العالم هو سمة دائمة للعلاقات الدولية.. وقد يشهد النظام العالمى هيمنة لقوة واحدة أو اثنتين متصارعتين.. وقد يشهد فى أحيان أخرى نوعاً من التوازن بين القوى المتصارعة، أو من تعدد الأقطاب، حتى لو كانت المكانة الأولى لأحدها، كما هى الحال فى الوقت الراهن، حيث يشهد النظام العالمى مرحلة انتقال إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث يتراجع الوزن النسبى للولايات المتحدة، ونرى صعوداً اقتصادياً للصين، وتوازناً فى القوة العسكرية بين روسيا وأمريكا.
ومثل هذا الوضع هو الأفضل لمصالح الدول الصغيرة والمتوسطة - مثلنا- لأنه يتيح لهذه الدول مجالاً أوسع للمعركة والمناورة، وتنويع خياراتها الاستراتيجية.. وما حدث معنا بعد ثورة (30 يونيو) يقدم مقالاً واضحاً لذلك.
وبديهى أن السلام والتعاون بين جميع الدول هو الوضع الأمثل للعلاقات الدولية.. لكن ذلك ممكن فقط فى (يوتوبيا) لا تعرف الاستغلال ونزعات السيطرة.. وهذا حلم صعب المنال.. ووراء الكلمات الخشنة والمعسولة هناك دائما مصالح متصارعة.. علينا أن نحدد ما يتناسب منها مع مصالحنا، فى عالمنا متعدد الأقطاب.

مصر للطيران

آخر الأخبار

بنك الاسكان
NBE